زليخة لم تمت

زليخة لم تمت
نادين البدير
كاتبة وإعلامية سعودية


منذ قصة امرأة العزيز مع سيدنا يوسف.

أحاول فهم أدب الأنثى. لا حصر لأرففه. كل سنة تدق له مئات المسامير في المكتبات ومعارض الكتاب.

الجنس، الذات، الجسد، الأنوثة، ظلم الرجل. مزيد من الذات. مزيد من اللطم. وأرفف، ومساحات.

تسألها فترفض تسميته أدبا نسوياً. تقول: الأدب لا جنس له. رغم أن كل ما في أدبها بدءا من الغلاف ملطخ بنسوية تظن أنها تحررت.

روائية أنفقت شبابها وشيخوختها بلا تقتير على الدوران في فلك الذات.

أنثى لم تتحرر من أسيادها. سيدها الأول الجسد. دائرة لا تريد أن تخرج منها.

سيدة ترفض الخط المستقيم، فالخط المستقيم يعني عدم الالتفات للوراء، عدم الرجوع، يعني التقدم، التغيير... خط المستقيم المفتوح يدفعها إلى الأمام بلا نهاية.

أما الدائرة فرجوع وتراجع والتفات للخلف دائما والبقاء في مكان واحد محاصر بخط الدائرة المنغلق على كل شيء.

تكتب عن كثير من الغدر. دائماً الرجل خائن. مخادع. مسكين الرجل.

هل تساوي جريمته أن تخذله الكاتبة وتفضحه عبر التاريخ؟

جريمته أنه استيقظ من نومه واكتشف أن الخيار كان خاطئا أو استيقظ وشعر بملل شديد فقرر الرحيل.

لا تغفر المرأة بسهولة. غضبها يتحول لخلود. وذاكرتها تحطم أسطورة أي مارق بحياتها.

متى تحل القضية التاريخية؟ متى يلعبان بأوراق مكشوفة؟

في بدايات التعارف تضمر أن النهاية القريبة جداً. ستكون الزواج والإنجاب.

أما هو فيريد أن يحب. وكفى.

هل يكون الحب عند المرأة العربية مادة؟ التربية والثقافة دفعتها لفهم أن الحب ليس سوى مؤسسة زوجية. مؤسسة تشترط موافقة الدولة قبل القبيلة والعائلة والمجتمع والعرف والدين…الى آخر الشروط التي يتطلبها الحب. وحتى آخر الأطراف التي ينتظر أن تصادق على اتفاقية حب.

ولا مشكلة عند المرأة. ستبحث عنه حتى تجده.

لكن الويل لو رفضها.

منذ قصة زليخة امرأة العزيز حين ابتعد عنها سيدنا يوسف فألبسته تهمة نكراء.

كيدها يوازي كيد أرفع استخبارات، عضلاتها الضعيفة تخدم إرادتها في جذب الاستجداء.

التاريخ يقول إن المرأة لا تغفر الرفض.

والكاتبة تدور بنفس مدارات بنات الحارة والقبيلة والقرية. مؤمنة أنها تفوقت عليهن بحياة الكتابة وعالم المثقفين والحرية الذي اختارته لكنها في صميمها لم تخرج من الشرنقة ولا تنوي الخروج.

طالما أنها لا تغفر. وتلخص علاقتها مع الكتابة بعلاقتها مع حبيب موجود أو غير موجود.

تنحدر نظرتها للكتابة فتنتظر الإلهام عند كل فجر فقط لتنتقم من الرجل الذي وافقت على أنه الهدف وأنه الذئب.

طالما أنها لا تلتفت للسحب، للفضاء للمجرات للجغرافيا للسياسة.. تترك شؤون الكتابة عن الكون للرجل، وتنطوي في عزلة حياتية رتيبة تكتب عنه.

ستبقى في فلك الأنثى الكلاسيكية.

ما أضيق أفق قلمها.

زليخة لم تمت. جيناتها لم تشف الغليل بعد. من كل حبيب غاب. من كل مار ظن أن بإمكانه الوقوف الموقت.

ويل للمارقين.

زليخة لم تمت. فالكتابة تعني الرجل.

في معرض الكتاب المقبل. هل ستشترون روايات نسوية أخرى؟

* عن الراي الكويتية

التعليقات