مهن تؤخِّر زواج صاحباتها إلى أجل غير مُسمَّى!

مهن تؤخِّر زواج صاحباتها إلى أجل غير مُسمَّى!
رام الله - دنيا الوطن
تسبّب بعض المهن تأخير زواج صاحباتها، وأبرز هذه المهن الطب والمحاماة والصحافة والسكرتارية والتمريض، وغيرها من المهن التي قد يهرب بعض الرجال من الزواج ممَّن يزاولنها. فالإعلام والسينما والدراما تسببت بتشويش صورة العاملات في تلك المهن، وكانت النتيجة هروب العرسان. «لها» ترصد الأسباب التي تدفع بعض الرجال لتجنّب الزواج من المعاملات في هذه المهنة أو تلك، وردود فعل صاحبات تلك المهن، وكيفية تغيير المفاهيم الخاطئة عنهن. كما ترصد في قسم من هذا الموضوع كيف أن المهن ومن أي نوع كان جعلت سن الزواج لدى الفتيات تتأخر، ولا نجانب الصواب إذا قلنا إن عدداً لا بأس به من الفتيات آثرن العمل على الزواج. من مصر ولبنان هذه الشهادات والمواقف.


شيماء حمدي: الرجال يعزفون عن الزواج من طبيبة لاعتقادهم أنها مشغولة دائماً

شيماء حمدي، طبيبة عمرها 30 عاماً غير متزوجة، تؤكد أن ارتفاع سن الزواج للطبيبات له أبعاد كثيرة، أولها عزوف الرجال عن الزواج من الطبيبة لاعتقادهم أنها مشغولة دائماً.
وتقول: «تأتي الأبعاد الأخرى في طول عدد سنوات الدراسة، حين تكون الفتاة مكبلة دائماً بالمذاكرة وتخشى أن يعطلها الارتباط عن حياتها العملية، إلى درجة أن بعض الطبيبات يفضلن الزواج بعد الانتهاء من إعداد رسالة الماجستير، أي عند بلوغهن الثلاثين».
وتفيد شيماء بأن إصرار الأهل على أن تكون ابنتهن طبيبة ناجحة يقف أحياناً كأحد العوائق في طريق زواجها، فهم يرفضون ارتباطها بأحد زملائها في فترة الدراسة، رغم أن ارتباط الطبيبة بطبيب يحفزها أكثر على التفوق، لأنه يكون متفهماً لطبيعة عملها ومذاكرتها المستمرة وبالتالي يتقاسمان الأعباء.


يمنى مختار: الرجال يعزفون عن الزواج من الصحافيات لوعيهنّ بحقوقهن

يمنى مختار، صحافية (32 عاماً)، تؤكد أن النظرة العامة إلى مهنة الصحافة في مصر لم تعد جيدة.
وترى أن المهنة تلعب دوراً كبيرًا في ارتفاع سن زواج الصحافيات، وتقول: «زملاء المهنة من الرجال يرفضون الزواج من الصحافيات، لأنهم يرون الصحافية طوال الوقت أمامهم في الجريدة مساوية لهم في العمل، بل البعض يعتبرونها ندًا، فيعزفون تماماً عن الزواج من هذا المجال».
وتضيف: «الصحافية مصدر قلق لجميع الرجال، لأنها امرأة تعرف حقوقها الإنسانية والقانونية جيدًا، والرجل الشرقي يكره هذا النمط الواعي من الزوجات، ويفضلها قطة معصوبة العينين حتى لا تطالب بأي حق لها ولا تعترض على أي من قراراته مهما كانت مجحفة في حقها».
وتؤكد يمنى أن الصحافيات في بداية الطريق المهني «غالباً ما يكنّ محملات بأماني النجاح، ويسعين إلى إثبات الذات، لدرجة أن البعض قد ينسين أو يتناسين الزواج فترة من الزمن حتى ينجحن مهنياً، فضلاً عن أن الصحافة تنادي بالحريات وتعطي الفتاة مساحة من الانطلاق والسفر في العديد من المحافظات والدول المختلفة، مما يصعب على الفتاة التضحية بكل ذلك من أجل الزواج».
وتستنكر يمنى نظرة الرجال إلى الصحافيات، وتقول: «أنا ضد تعميم الأحكام على البشر ووضع الناس في قوالب معينة، وعلى كل إنسان أن يخوض التجربة حتى يكتشف الصواب أو الخطأ. فأتذكر أن أحدهم قال لي ذات مرة إن الصحافيات متسلقات إلى مدرائهن، وأنهن لا يجدن غضاضة في منافقة رؤسائهن حتى يصلن إلى هدفهنّ أسرع، فهذا نموذج من الرجال لا يمكن أن يرتبط بزوجة صحافية».


شريف شعبان: الزواج من صاحبات بعض المهن مغامرة

رغم تمتع شريف شعبان بمقدار كبير من الثقافة وحصوله على الدكتوراة في فنون التاريخ والآثار، يرى أن الزواج من صحافية أو محامية أو طبيبة مغامرة. ويقول: «لن يدفعني إلى تلك المغامرة إلا الحب وجاذبية الشخصية، رغم أنني واثق بأنني لن أندفع بالحب في اتجاه محامية على الإطلاق، وأرى أن الصحافية الأفضل في تلك المهن».
ويلفت إلى أن الرجل الشرقي مقتنع بأن تلك المهن تكسب المرأة الحدة والصرامة، مما ينعكس على حياتها في منزلها. وفي ما يخص الصحافيات، فهو يعتقد أن طموحهنّ رقم واحد في حياتهن، وأن الزوج والمنزل يأتيان بعد العمل، وهذا لا يقبله الرجال.


حازم حسين: لا أقبل بالمحامية لأنها قد تسجن زوجها

يرفض حازم حسين (مهندس كيميائي) الزواج من محامية، مؤكداً أن الرجال لا يقبلون بالمحامية زوجةً لعلمها بثغرات القانون؛ وهذا يخيف معظم الرجال من المحاميات.
ويقول: «لا شك أن بعض المهن تسبب عنوسة النساء مثل التمريض، خاصةً أن النظرة الاجتماعية إلى الممرضات مهينة، وبالتالي لا يقبل رجل الاقتران بها. أما الصحافية فهي الأقل خطورة في تلك المهن، رغم كونها تتميز بشخصية قوية يرفضها العديد من الرجال لكني لا أجدها عيباً يمنع الزواج منها».


مي عصمت: عشقي لمهنتي أنساني الزواج

تؤكد مي عصمت، مهندسة ديكور (29 عامًا)، أن المهن التي تجعل الرجال عازفين عن الزواج من صاحباتها كثيرة وغير محددة، ويلعب فيها حب المرأة لعملها دوراً كبيراً، فإذا أعطتها كل وقتها يشعر الرجل بالخطورة ويخال أن تلك الفتاة لن تمنحه الوقت الكافي وستهمل أسرتها.
وتعترف مي بأنها من الفتيات العاشقات لمهنهنَّ، وتتوقع أن يسبب تأخّراً في الزواج، وتقول: «رغم أن الرجال يجدون مهنة مهندسة الديكور رقيقة على عكس تخصصات الهندسة الأخرى، ولا تستغرق وقتاً طويلاً، إلا أنني عاشقة لمهنتي حتى الثمالة وأمنحها وقتي كله، خاصةً أن ذلك ينعكس عليَّ في لقاءات تلفزيونية أو صحافية».
وتتابع: «أعتقد أن عشقي للمهنة سرق حياتي الشخصية ولم أفكر فيها، وهذا يقلق الرجال. وأعتقد أيضاً أنني في حالتي أتشابه مع العاملات في مجال الإعلام، سواء صحافيات أو معدات ومراسلات، لا نملك أوقاتنا، وهذا ما لا يقبله الرجل الشرقي».


سارة عادل: الناشطة السياسية زوجة غير مرغوبة

«مشاركة المرأة سياسياً قد تكون أحد أسباب تأخرها في الزواج»، هذا ما تؤكده الناشطة السياسية سارة عادل، 24 عامًا.
سارة من محافظة البحيرة، إحدى محافظات الوجه البحري المصرية، وتؤكد أن العادات الاجتماعية في الأقاليم كانت تعد الفتاة المشاركة سياسيًا ساقطة أخلاقيًا. وتقول: «لكن هذه النظرة بدأت تخفّ حدتها مع تتابع الاحتجاجات، خاصة أن المفهوم الديني الخاطئ الذي كان يؤكد أن المرأة لها وليّ يدافع عنها سياسياً، انتهى بعد أنه أصبح تيار الإسلام السياسي جزءًا لا بأس به في الحياة السياسية، وأصبحوا هم من يدفعون بنسائهم إلى  الصفوف الأولى من الاحتجاجات».
وعلى الرغم من ذلك، تؤكد سارة أن الناشطة السياسية امرأة غير مرغوبة للزواج من الرجال المحبين للاستقرار، الذين لا يحبّذون الانخراط في العمل العام. لكنها في الوقت نفسه تؤكد أنها لا تخشى تأخر سن الزواج.


هالة عبد القادر: السينما والدراما والإعلام لعبت دوراً كبيراً في تشويش سمعة نساء هذه المهن

المحامية هالة عبد القادر، رئيسة جمعية تنمية الأسرة، تؤكد أن السبب الرئيسي لعزوف الرجال عن الزواج من المحاميات والصحافيات والطبيبات، أن هؤلاء النساء يتمتعنّ بشخصيات قوية، وهو ما يرفضه الرجل الشرقي الحريص على اختيار زوجة لا ترهقه بنقاش أو آراء.
وتؤكد أن المجتمع لعب دورًا كبيرًا في تشويه النساء العاملات في بعض المهن، مثل المحامية التي أشيع عنها أنها عاشقة للمشاكل، وبالتالي تشكل خطراً على زوجها، أو السكرتيرة التي لا تمانع الدلال مع مديرها أو سرقته من زوجته لتكون هي الزوجة الثانية، أو الممرضة التي تمارس الأمر نفسه مع الطبيب. وساعد على ترسيخ ذلك المفهوم الإعلام والسينما والدراما، فانساق المجتمع بأسره خلف تلك الأوهام.
وتؤكد رئيسة مؤسسة تنمية الأسرة أن الحلّ يكمن في توعية المقبلين على الزواج، وأنها تقوم بتلك المبادرة من خلال مؤسستها الاجتماعية. وتضيف: «ندرب المقبلين على الزواج على فن إدارة الخلافات الزوجية، وقواعد الاختيار، واكتشفنا أن المعايير التي يضعها الأهل لأبنائهم هو أن تكون العروس مؤدبة، وذلك مؤشره أن يكون صوتها منخفضاً وقليلة الكلام، ترسيخاً لمبدأ عدم النقاش بعد الزواج، ليكون الرجل هو صاحب القرار دون نقاش، لكننا نحاول ترسيخ مفهوم أن الزواج شراكة وليس احتكاراً، تجنباً لارتفاع نسبة الطلاق خاصةً المبكر».


 الدكتور أحمد عبد الله: تأخر سن الزواج لا يرتبط بالمهنة

«لا يمكن أن تكون المهنة سبباً لتأخر سن الزواج، أو عزوف الرجال عن الارتباط بصاحبتها، وإنما من الممكن أن تكون طبيعة العمل هي السبب في ذلك». هكذا بدأ الدكتور أحمد عبد الله، أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق، تعليقه على أسباب عزوف الرجال عن الزواج من بعض صاحبات المهن.
ويوضح: «كقاعدة عامة لا يمكن أن تكون الوظيفة سبباً للعنوسة أو ارتفاع سن الزواج، فالناس في ما يعشقون مذاهب، وفي الوقت الذي يرفض فيه أحد الاقتران بصاحبة مهنة معينة قد يراها آخر مناسبة له، فعلى سبيل المثال المرأة التي تعمل في مجال إدارة الأزمات والإغاثة والمناطق المنكوبة تضطر إلى العمل في ساعات متقدّمة من الليل حسب وقوع الكارثة، وبالتالي يعزف الكثيرون عن الزواج منها. لكن العامل في المجال نفسه يراها مناسبة له، لأنها أكثر تفهماً لطبيعة عمله وأكثر سنداً وعوناً له. وأنا أعرف هذا النموذج ولم يكن عملها سبباً لعنوستها. والشق الآخر من الأزمة يتمثل في نظرة المجتمع إلى مهن معينة، إذ يصدر مفاهيم مسبقة ومغلوطة عن بعض المهن».
ويقول: «الأزمة أن المجتمع تتحكم فيه وتسيّره أفكاره المسبقة والمتعصبة، ولا يجد غضاضة في التعميم المطلق، وهذا يعكس عدم الوعي الذي يعيش فيه، فقط لأنه رأى نموذجاً سيِّئاً لبعض المهن، فأطلق حكمًا مطلقاً على جميع العاملات فيها».


الدكتورة سامية خضر:العازفون عن الزواج من الناجحات يعانون ضعفاً في الشخصية

ترى الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، أن المجتمع تسيطر عليه النزعة الذكورية، فيخشى الرجال الاقتران بزوجة ناجحة أو قوية الشخصية حتى لا تكون أكثر نجاحاً أو منافساً لهم خارج المنزل وداخله.
وتضيف أن هروب العرسان من صاحبات بعض المهن والمناصب ينبع من ضعف شخصيتهم وعدم ثقتهم في أنفسهم. وتتابع: «ثقة الفتاة بنفسها نتيجة عملها تجعل الرجل يخشى قوة شخصيتها، خاصةً إذا كانت شخصيته ضعيفة، فيبدأ إسقاط التهم على مهنتها. من ناحية أخرى، الفتاة العملية لم تعد تقبل بأي زيجة، وتشترط مواصفات خاصة في زوجها، لأنها تخاف على مكاسبها، وبالتالي نجد عزوفاً جزئياً من الطرفين».


في لبنان: ضرورات العمل تؤخر سن الزواج

تقضي التقاليد والأعراف في لبنان بأن يختار المرء شريك حياته وهو في مقتبل العمر. ومع التطوّر، باتت التقاليد تتغيّر رويداً رويداً، وإختلفت الأولويات بين الناس، فباتت الدراسة أمراً جوهرياً للفتاة كما للشاب. وبعدها، يخطف سوق العمل الناس ليذهبوا إلى تحقيق بعض أحلامهم المهنية وتسلّق سلّم النجاح قبل الإقبال على خطوة الزواج! لم تعد الروابط الإجتماعية ضاغطةً على المرء كما في السابق، وقد تضاءلت بعض الأعراف القديمة، وأصبح الإختيار أكثر عقلانية وتوازناً. إذ إنّ الزواج هو إرتباط لمدى الحياة، ومن هذا المنطلق، قد يفضّل البعض التريّث قبل الإرتباط. وتطغى الحياة العملية بإمتياز على الحياة الشخصية، خاصةً في عمر يافع، إذ يحاول الشخص الوصول إلى أعلى المراتب في أقصر  وقت، وإن كان ذلك على حساب حياته العاطفية والإجتماعية.


الأولوية للدراسة والعمل

يسبّب تأخر الزواج لدى الشباب والفتيات، حالة رعب لدى بعض الأهالي خوفاً من أن يطلق على ولدهم لقب «العانس». وهذا اللقب إنقرض استخدامه في العالم ما عدا في المجتمعات العربية. وقد لوحظ إرتفاع نسبة التأخّر في الزواج مقارنةً بالسنوات العشر الماضية، لأسباب متعدّدة، أبرزها الإنخراط في العمل والدراسة والسفر.
تختلف الأسباب والخلفيّات لتأخّر مسألة الإرتباط والزواج عند الأشخاص، كونها مسألة شخصية. فقد لا تكون حاجة ملحّة عند البعض، بينما يبقى العامل المؤثر في كلّ الأحوال هو نظرة المجتمع وثقافته وإعتباراته. وقد ترجّح مختلف الضغوط النفسية والعائلية والإجتماعية في هذه الظروف الحياتية السائدة دفّة الميزان نحو الإختيار «المناسب». هكذا تشرح الإختصاصية في علم النفس الإجتماعي زينة نجيم ظاهرة تأخّر الزواج في عصرنا بفعل إختيار مهنة معيّنة، عارضةً لأبرز الأسباب التي قد تدفع بالمرء إلى إختيار إتجاه معاكس وتفضيل العمل على الإرتباط . كما تفسّر ريتا أبو سمرا الإختصاصية في علم الإجتماع نظرة المجتمع إلى الذين «يخالفون» التقاليد السائدة ، وتحديد السنّ المناسبة للزواج.
 

مجتمع متغيّر

لا شيء اسمه «عنوسة» في مجتمعاتنا الحضارية. فمن الطبيعي أن يصل الشاب والفتاة إلى سنّ ما فوق الخامسة والعشرين قبل بدء التفكير بالزواج والإرتباط. تقول أبو سمرا: «إنّ فكرة الإرتباط المتأخر باتت أمراً واقعاً، بحيث يكون المرء قد نضج فكرياً، وإستقلّ مادياً وبدأ بتأسيس حياته العملية، قبل الإقدام على الزواج. ذلك أنّ التقاليد الإجتماعية القديمة والتقيّد برأي العائلة المباشر، بدأت بالإنحسار، بفعل الإنفتاح على مختلف الحضارات، والسفر، والتحصيل العلميّ المتقدّم وسوق العمل الضاغط».
تضيف: «مع التطوّر الحاصل على مختلف الأصعدة، تتبدّل معالم المجتمعات الحديثة، لتكون اكثر إستيعاباً لإستقلاليّة المرء وإكتفائه الذاتي، ورغبته في تحقيق ذاته على المستويين العلميّ والعمليّ. وقد تغيّرت النظرة القديمة التي تقضي بوجوب الزواج في أوّل العشرينات، خوفاً من «العنوسة». إذ لم تعد هذه النظريّة سائدة».
 

تعدَّدت الأسباب والنتيجة واحدة

أسباب كثيرة تسوقها أبو سمرا خلال تفسير ظاهرة التأخّر في الزواج. تقول: «هناك أسباب عدة لا يمكن حصرها في ما يخص تأخّر سنّ الزواج، منها الأسباب الاقتصادية وإنتشار البطالة بين الشباب وتدني مستوى الدخل مقارنة بمتطلبات الحياة. ناهيك بالأسباب الاجتماعية،  فبعض الأسر مثلاً ترفض زواج الابنة الصغرى قبل الكبرى، بالإضافة إلى المغالاة في اشتراط الكفاءة الاجتماعية والاقتصادية عند الشاب. وهناك أيضاً أسباب أخرى تتعلّق بالشاب والفتاة، مثل اشتراط توافر مواصفات معينة يطلبها الشاب في الفتاة أو اشتراط الفتاة إكمال تحصيلها العلمي. وتوجّه بعض الشباب إلى الزواج من أجنبيات بحثاً عن معايير جمالية معينة». كما أنّ العزوف عن الزواج المبكر قد يكون نتيجة التريّث لضمان الإستقرار النفسيّ والإجتماعيّ والمادّيّ. لذلك، فإنّ الإقدام على خطوة الإرتباط قد يتراوح ما بين العشرين وحتى أواخر الأربعينات! وذلك حسب كلّ إنسان وأولوياته وعمله...
 

استقرار على مختلف الصُعُد

ترى نجيم أنّ «إزدياد روح الإستقلالية والحرية، والخوف من المجهول، والرغبة في تحقيق الذات، والحلم بالحرية الشخصية وعدم الرغبة في التقيّد ببيت واحد أو شخص واحد أو حتى بلد واحد قبل إختبار مختلف أوجه العيش قد تؤخّر سنّ الزواج. كما أنّ الإقبال المتزايد على الدراسة والتحصيل العلميّ المتقدّم والوظائف ذات الدوامات الطويلة قد يكون دافعاً قوياً لتأجيل خطوة الإرتباط». ومن جهة أخرى، «صار إنحسار سوق العمل أمام الشباب هاجساً يؤرق كلّ طالب عمل، ومحدوديّة الفرص الوظيفية ونمطيّتها التقليدية أصبحت إطاراً لا يبدو الخروج منه سهلاً». تضيف نجيم: «من الطبيعيّ أن يحاول المرء الإستقرار اولاً على مختلف الصُعُد، وتكوين ذاته المستقلّة عن عائلته وتأمين معيشة تليق بمتطلّباته، قبل أن يرتبط ويؤسّس عائلة جديدة ويتحمّل مسؤوليات إضافية». وهذه المقولة تنطبق على الشاب والفتاة على حدّ سواء، إذ لم تعد تقبل الفتاة المتعلّمة بعدم العمل والإنتاجية، وإنما باتت تنافس الرجل في عقر داره، على مختلف الوظائف، بفضل دراستها وكفاءتها وإجتهادها في العمل.
 

إلى أجل غير مسمّى!

قد لا يفقه الشخص للوهلة الأولى صعوبة التنسيق ما بين العمل والبيت، بمعنى التوفيق بين متطلّبات المهنة وإيجاد الوقت والقدرة على تربية النشئ الصالح وإنشاء علاقة متوازنة مع الشريك. وتشدّد نجيم على أنّ «الأيام التي نعيشها مختلفة عن أيام أجدادنا، بحيث أنّ نفاد الوقت في اليوم الواحد لا يمكّننا من القيام بمختلف واجباتنا من دون التقصير في جهة ما على حساب الأخرى. ذلك أنّ دوامات العمل طويلة، والمسافات أطول، والمسؤوليات أكثر، وكلّ ذلك يقع على عاتق زوجين يكافحان للعيش بإستقلالية».
من جهة أخرى، تقول أبو سمرا «يتطلّب الحصول على المراكز العالية في العمل تكريس الوقت الكامل وبذل المجهود الكافي بغية تحقيق الطموح العمليّ والنجاح في الوظيفة زتسلّم المناصب المرموقة. وهذا الأمر قد ياتي أولويّة على حساب تأسيس عائلة. ذلك أنّ الدوامات الطويلة ومواصفات المهنة تجبر المرء على العمل بشكل متواصل، وقد يضطرّ حتى إلى السفر لتحقيق هدفه. والمنافسة الشرسة على بقاء الأقوى قد تجبر البعض على غضّ النظر عن مختلف العلاقات الإجتماعية والمناسبات التي تخوّل التعرّف على الشريك المستقبليّ. بالإضافة إلى تفضيل التحليق المهنيّ قبل التقيّد بروتين حياتيّ معيّن بعد الزواج. ومن هذا المنطلق، نرى أنّ فكرة الزواج مؤجّلة عند البعض إلى أجل غير مسمّى...».
 

مهن متطلّبة

قد تستنفذ مهنة لطالما حلم بها الشخص معظم وقته وتعبه، بحيث تتركه مجرّداً إلاّ من حسّ المسؤولية العمليّة، فلا يعود يفكّر إلاّ بمزيد من التألّق النجاح والتحصيل العلميّ.
تقول أبو سمرا: «بعض الوظائف، التي تتحوّل مهن مدى الحياة، هي أكثر تطلّباً من سواها. وقد تكون عاقبتها الإنعكاس السلبيّ على الحياة الإجتماعيّة والحياة الخاصة. ذلك أنّ متابعة الدراسات العليا وتبوؤ مراكز إدارية في الوظيفة، قد يجعلان المرء متريّثاً في الإقدام على الإرتباط. كما أنّ كلّ الوظائف التي تتطلّب متابعة ودراسة متواصلة وأبحاثاً، من شأنها أن تستحوذ على أغلب الوقت. وتجدر الإشارة إلى أنّ الوظائف التي تستلزم التنقّل والأسفار المتكرّرة وعدم الإستقرار في بلد واحد قد تكون أيضاً حجر عثرة أمام الزواج المبكر. بالإضافة إلى المهن التي تستدعي الجهوزيّة في أيّ وقت على غرار المهن الإعلامية. كما أنّ بعض المهن الرياضية تؤخّر أيضاً فكرة الإرتباط، خاصةً عند الفتاة. والجدير بالتنويه أنّ معترك الفنّ ككلّ يؤثر على الخيارات التي يقوم بها الشخص. كما أنّ الوظائف الخطرة والتي تتطلّب المجازفة أو التي قد تؤثّر على سلامة الشخص تقلّص أيضاً فرص الزاواج المبكر». وفي النهاية، يبقى عمل المندوبين المتطوّعين والمرسلين الذي يساعدون في البلدان الفقيرة أمراً ينعكس أيضاً على خيارهم بالإرتباط المبكر.

التعليقات