غزة : السحر والشعوذة.. بين ضعف القانون وغياب الوازع الديني

غزة : السحر والشعوذة.. بين ضعف القانون وغياب الوازع الديني
رام الله - دنيا الوطن-محمد الزرد

مشكلة باتت تتفشى داخل نسيج المجتمع الغزي.. وصفات وتعاويذ سحرية وعشاق العالم السفلي الذين أصبحوا تجارة رابحة بأيدي الدجالين والسحرة وسط غياب الوازع الديني وضعف الرادع القانوني وخوف الناس وجهلهم.

ضعف القانون

فالقانون الفلسطين خالٍ من تجريم السحر والشعوذة "المجردة" حتى لو تسبب ممارسته إضراراً بالأخرين وهو ما أكده العقيد أحمد عطا الله مستشار وزير الداخلية والأمن الوطني للشئون القانونية "لموقع الداخلية".

ويستدرك عطا الله "أما إذا اقترن ذلك بنية الحصول على المال فيعد ذلك جنحة وليست جناية الأمر الذي يؤدي إلى وجود ضعف في محاربة هذه المشكلة". 





الجهل

ومع وجود الثغرة القانونية كَثُرتْ الأسباب والعوامل التي تدفع الناس للجوء إلى هؤلاء المشعوذين والسحرة يؤكد العقيد د. محمد الجريسي المختص بعلم النفس أن جهل الناس هو أحد الأسباب الرئيسية في انتشار هذه المشكلة وهو ما أوضحته إحصائيات صادرة عن الأجهزة الأمنية والشرطية التابعة لوزارة الداخلية خلال متابعتها للدجالين والمشعوذين.

ويقول الجريسي "إن وجود فئات جاهلة بالمجتمع يولّد بيئة خصبة لإنتشار السحر والشعوذة" مشيراً إلى أن حالة الإحباط التي تكون نتيجة الوضع الاقتصادي المتدني لدى الأشخاص الذين لا يستطيعون مواجهة متطلبات الحياة هي التي تدفعهم للجوء والبحث عن قوة خارجية ليطلقوا عليها عجزههم.

وأرجع المستشار عطا الله انتشار هذه الظاهرة إلى عدم وجود الرادع والرقابة القانونية على أعمال السحر والشعوذة والتي قد تتجاوز إلى حالات المس بالشرف.

ولفت أيضاً إلى أن عدم تقديم المواطنين شكاوى ضد هؤلاء الدجالون خشية المساس بهم وكذلك الخوف من المحاسبة الأمر ا لذي يؤدي إلى صعوبة في إثبات الواقعة من أهم الأسباب وراء انتشار هذه المشكلة.





قابلية الاستهواء

ويقول مختص علم النفس العقيد الجريسي إن "قابلية الاستهواء" وسرعة تصديق الفرد بما يوحى إليه من أفكار من قبل المشعوذين لتصبح لديهم مسلمة هي أحد العوامل التي تدفع الناس بالتردد على هؤلاء الدجالين.

وتابع: "ومن خلال دراسة علمية أثبت أن أكثر الفئات القابلة "للإستهواء" هم النساء، وقد بينت وزارة الداخلية عبر إحصائياتها أن أكثر الفئات تردد على المشعوذين والسحرة هم النساء" منوهاً إلى أن الدراسات أوضحت أيضاً أن الناس الأقل ذكاء هم أكثر الناس قابلية "للاستهواء".





الوازع الديني

ويتفق الجريسي مع مستشار الشئون القانونية أن ضعف الوازع الديني لدى بعض الأشخاص وبعدهم عن العقيدة الإسلامية قد يدفع بهم إلى تصديق هؤلاء الدجالين والتعامل معهم.

ونوه الجريسي إلى "وصمة المرض النفسي" وهي رفض الإنسان المريض نفسياً فكرة الذهاب إلى الطبيب النفسي حتى لا يقول عنه الناس "مجنون" أو مختل عقلي بأنها أحدى الأمور التي تدفع بالإنسان إلى اللجوء للمشعوذين والسحرة للعلاج.

وتابع: "يؤدي استعجال الناس في البحث عن حلول سريعة في حال إصابة أحدهم بمرض نفسي أو ماشابه "والذي يحتاج إلى وقت طويل لكي يتعالج الإنسان منه" إلى الذهاب لهؤلاء الدجالين للعلاج السريع.

وبيّن العقيد أحمد عطا الله أن مشكلة الدجالين والمشعوذين تؤدي إلى نتائج خطيرة جداً تمس عقيدة الإنسان المسلم وتفكك النسيج الإجتماعي وتؤثر على سلم وأمن المجتمع وتنشر الخوف والرعب فيه.





الوقاية والعلاج

ولعلاج هذه المشكلة أكد الجريسي على ضرورة المضي بخطّين متوازيين الأول وقائي من خلال توعية المجتمع عبر وسائل الإعلام المختلفة ومن خلال الخطب والدروس والمواعظ والمسرحيات الهادفه.

وأشار إلى أن الثاني هو علاجي عبر سن القوانين الرادعة من قبل المجلس التشريعي تجرم هذه الأفعال سواء كانت بأجر أو بدون أجر واعتبار مرتكبيها مجرمين أمام القانون.

وفي نفس السياق بين مستشار الوزير للشئون القانونية أن الداخلية تقود مشروع قانون "مكافحة السحر والشعوذة" موضحاً أنه قانون تم أخذه من قوانين مقارنة ومنها القانون السعودي والإماراتي وبعض قوانين الدول الإسلامية التي جرمت هذا الفعل.

ونوه إلى أن وزير الداخلية أحال للجنة "صياغة القوانين" في المجلس التشريعي 20 مادة قانونية ليتم إقرارها حتى تشكل رادعاً لهؤلاء الدجالين والمشعوذين.





رأي الشرع

وعن رأي الشرع في هذه القضية أكد د. ماهر الحولي أستاذ الفقه وأصوله في الجامعة الإسلامية أن مذهب جمهور العلماء والمسلمين أجمع على حرمة السحر والشعوذة وحرمة تعلمه وتعليمه وتكفير الذي يقوم به ويقام عليه الحد إذا لم يتب

وقال الحولي: "الشريعة الإسلامية جاءت لتحافظ على عقل الناس وحقوقهم لذلك حرمت كل من يسيء إلى أعراض الناس وإلى عقولهم".

وأضاف: "إن الحديث عن السحر والشعوذة فيه إعتداء على جملة من الحقوق وهنا جاء تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله " اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق،....". مشيراً إلى أن السحر والشعوذة هو تعدي على حكم الله.

كما وحرم الإسلام الذهاب إلى هؤلاء الأشخاص وسؤالهم واللجوء إليهم واستدل استاذ الفقه وإصوله على ذلك بقول  الرسول صلى الله عليه وسلم " مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم".

وحذر الحولي الناس من الوقوع في هذه الجرائم وهذه الأخطاء والتعامل معها فهي تؤدي إلى ضياع أموالهم وافكارهم ومشاعرهم مستدركاً قوله "ومن يصاب بشيء من السحر أو المس عليه بالقرآن والدعاء والرقية الشرعية وعليه أيضا أن يحصن نفسه وأهله بأذكار الصباح والمساء".

وناشد الحولي الجهات المختصة وخاصة وزارة الداخلية أن تأخذ دورها في محاربة هؤلاء بتدييق الخناق عليهم ومحاربتهم وإجبارهم على الإقامة الجبرية. 

من جانبه شدد المختص النفسي د. محمد الجريسي على ضرورة رفع الناس شعار "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا" وأن يقتنعوا بأن النافع والضار هو الله تعالى وحده وأن من لديه أعراض نفسية عليه بالتوجه إلى الطبيب النفسي لا إلى الدجلين والمشعوذين.


ومن جهته طالب المستشار عطا الله الناس بأن يحسنوا الظن بالله وأن يزيدوا بالتوكل عليه وأن لا يخشو ولا ينساقوا وراء هذه المخلوقات لأن الله قد تكفل بحفظنا منهم.

ودعا المجتمع الفلسطيني إلى محاربة هذه الظاهرة من خلال التعاون مع الداخلية و الدلالة على من يمارس الشعوذة والسحر.

ولم يستبعد عطا الله ارتباط بعض أصحاب هذه الآفة مع الاحتلال، "فبعض الناس تعلموها من اليهود فهي امتداد لهم لحرف البوصلة عن قضية الناس الأساسية وهي تحرير البلاد".

ونصح عطا الله المواطنين بالتوجه إلى أهل العلم والصلاح والثقة من العلماء وأئمة المساجد.

وبدوره وجه أستاذ الفقه وأصوله نصائح للسحرة والمشعوذين بأن يتقوا الله وأن ينقذوا أنفسهم من عذابه يوم القيامة كما ونصح كل مسلم أن يصون نفسه وأسرته وأن لا يتعامل مع هؤلاء المشعوذين وأن يؤمن بأن الضر والنفع هو من عند الله تعالى.

التعليقات