كيف أوقع فستان سوزي الاحمر وحفلة الجنس الجماعي الشاب ماهر في وكر الجاسوسية ؟

كيف أوقع فستان سوزي الاحمر وحفلة الجنس الجماعي الشاب ماهر في وكر الجاسوسية ؟
توضيحية فقط
كيف أوقع فستان سوزي الاحمر وحفلة الجنس الجماعي الشاب ماهر في وكر الجاسوسية ؟

بقلم : د . سمير محمود قديح

باحث في الشئون الامنية والاستراتيجية

على الرغم من السرية والغموض اللذَين اقترنا وارتبطا دوماً في كل الأذهان بعالَم المخابرات والجاسوسية، ومع تصوُّر البعض أنه عالم سرّي محظور تدور أحداثه دوماً خلف أبواب مغلَقة، في صمت تام، وتعتيم بالغ، وسكون ينافس سكون القبور، إلاّ أن عشرات الأقلام قد تجاوزت كل هذا واخترقت جدار الصمت والسرية، ووثبت عبر حاجزالغموض، وحطَّمت كل السكون لتمنحنا عشرات، بل مئات من الكتب والمطبوعات التى تتحدّث عن ذلك العالم الخاص، والخاص جداً!!
والكتب التى تملأ أرفف المكتبات، ومئات المقالات التي كتبتها انا الدكتور سمير محمود قديح حول عالم الجاسوسية، أتت بفائدة كبيرة لابناء عالمنا العربي .
وعلى الرغم من انتشار هذا النوع من المؤلَّفات (بكافة صوره) في معظم أنحاء العالم، إلاّ أن نصيب لغتنا العربية منه ما زال محدوداً للغاية، ربّما لصعوبة الحصول على المعلومات، أو التصاريح اللازمة من الجهات الأمنية العُلْيا لنشر بعض العمليات الحقيقية في هذا المضمار، أو لقلّة عدد المهتمّين بمثل هذه الأمور، والمستعدين لبذل الكثير من الوقت والجهد في سبيل استيعابها، أو ربما لحالة التعالي النقدي التى ينظر بها نقاد الأدب لهذا النوع من الكتابات والدراسات، وتعاملهم معها وكأنها مؤلَّفات من الدرجة الثانية أو حتى الثالثة، مهما اكتسبت من شعبية، أو حقَّقت من انتشار.
وهذا لا يعني أن مكتباتنا العربية تخلو من هذه النوعية تماماً؛ فلدينا بالفعل عدد من المحاولات، في كل التصنيفات التي وضعناها هنا، وتُعتبر أوَّل محاولة لتقديم عالَم المخابرات والجاسوسية في كتاب مطبوع باللغة العربية هى ذلك الكتاب الذى ظهر في المكتبات ولدى باعة الصحف في بداية الستينات، والذى حمل عنواناً مثيراً، وهو "قصّتى مع الجاسوس".
وتحت هذا العنوان كانت هناك عبارة أكثر قوة وإثارة: (أول عملية مخابرات مصرية تُنشَر تفاصيلها كاملة).
وفوق هذا وذاك، وفى أعلى يمين الغلاف، كان هناك اسم مثير للاهتمام بحق، وهو اسم المؤلِّف (ماهر عبد الحميد)!
لم يكن (ماهر عبد الحميد) اسماً معروفاً في ذلك الحين، أو حتّى نصف معروف، بل ولم يكُن له وجود أساساً في عالم الكتب أو النشر، ولكن الناس اشترت الكتاب...، قرأته، وانبهرت به للغاية! اشترته لأن (ماهر) كانت له شهرة سابقة على صفحات الصحف عندما ارتبط اسمه بعملية جاسوسية، عمل خلالها كجاسوس مزدوج لحساب المخابرات المصرية، ليُوقِع بجاسوس عربي الجنسية، انتقل إلى (مصر) بعد الانفصال، وأعلن إيمانه بالوحدة ليستقرّ في (مصر) ويحصل على امتيازات خاصة استغلها للتجسُّس على الدولة التى أَوَتْه، ونقل أسرارها وأخبارها إلى قلب (إسرائيل).
ولقد سعى ذلك الجاسوس العربيّ لتجنيد ( ماهر) عن طريق إغراقه في الملذّات الحسية، وهي أشهر وسيلة للإيقاع بضعاف النفوس في كل مضمار، وبالذات في عالم الجاسوسية.
ولقد روى (ماهر) في الكتاب تفصيلات العملية من وجهة نظره الشخصية، بحيث يتابع القارئ الأحداث من منظوره، ويصف تطوّر عملية اجتذابه وتجنيده، وكيف استغلّ الإسرائيليون طموحه الشخصي في إصدار كتاب يروي حقائق نكسة يونيو 1967م، وراحوا يُغرِقُونه في المستنقع رويداً رويداً قبل أن يُفصِحوا عن حقيقة نواياهم.
ولعل أروع أجزاء القصة وأكثرها إثارة وتأثيراً هى تلك الفقرة التى يصف فيها (ماهر) مشاعره عندما غادر منزل الجاسوس العربي قُبَيْل الفجر بعد ليلة ساخنة، ليشاهد المواطنين البسطاء الكادحين وهم يروحون إلى أعمالهم ويسعون خلف أرزاقهم، فيستيقظ ضميره، وينطلق في الصباح التالي إلى مبنى المخابرات العامة ليُطْلِعَهم على ما لديه، وليتلقّى منهم المفاجأة!!!
المخابرات المصرية فاجأته (حسبما يقول الكتاب)، بأنها تتابع الموقف منذ البداية، وتراقب ذلك الجاسوس وترصد حركاته وسكناته، بل وعرضت على (ماهر) بعض الصور التى التقطتها له مع الجاسوس العربي أيضاً. وهنا، بدأ (ماهر) (الذى كان ضابطاً سابقاً في الجيش) يعمل لحساب المخابرات المصرية، ويسعى لخداع الجاسوس ومَن خلفه، حتى بلغت الأمور الحدّ الكافي، وقررَّت المخابرات إنهاء العملية، فتمّ إلقاء القبض على الجاسوس، وإعلان العملية كلها كصفعة على قفا المخابرات الإسرائيلية.
والكتاب على هذا النحو ينتمي إلى النوع الثاني، وفقاً لتصنيفنا الخاصّ هنا، حيث إن كاتبه عميل سابق. أما العملية نفسها، فهى بسيطة محدودة، ذات أحداث تقليدية، وإيقاع بطيء ضعيف، ولقد أسرف (ماهر) في الحديث عن نفسه وهو يصف سهرات الخمر وليالي العشق مع الفاتنة (سوزى) التى دفعها الجاسوس في طريقه، وحفلة الجنس الجماعي التى دارت في منزل الجاسوس عندما تركه هذا الأخير لرعاية منزله في أثناء سفره إلى (ألمانيا) لمقابلة ضابط المخابرات الإسرائيلى هناك، مما يجعل القصة صالحة لفترة الستينات بأكثر مما تصلح للقراءة اليوم.
ولكن يتبقَّى للكتاب أنه أول عملية مخابراتية تُنشر تفصيلاتها باللغة العربية، وهذا (فى رأيي الشخصي)، هو الأمر الوحيد، الذى يمنحه الأهمية والتميُّز في تاريخ أدب الجاسوسية.
أما (ماهر عبد الحميد) نفسه، فقد ربط هذا الكتاب اسمه بذلك النوع من الأدب، مما ساعده على نشر مجموعة من المقالات عن المخابرات والجاسوسية في جريدة أخبار اليوم وجريدة الأهرام ومجلة آخر ساعة، كجزء من حملة التوعية التى حرصت عليها المخابرات المصرية في الفترة من 1967م وحتّى حرب أكتوبر 1973م. ثم أصدر كتاباً هامّاً عن خطة الخداع الاستراتيجى لحرب أكتوبر 1973م، يُعتبر أيضاً من العلامات البارزة، في هذا النوع من الأدب .

التعليقات