للمدنِ العريقة وجوهٌ متعدِّدةٌ،ولغزةَ أيضا وجهٌ آخرُمضيءٌ!

للمدنِ العريقة وجوهٌ متعدِّدةٌ،ولغزةَ أيضا وجهٌ آخرُمضيءٌ!
بقلم/ توفيق أبو شومر


اعتدتُ أن أحضرَ في غزة كثيرا من الندوات والمؤتمرات، وكانتْ معظمُ الندواتِ ندواتٍ سياسيةً، كنتُ أرى الوجوهَ نفسها في كل ندوة ومؤتمر، فقد ظلتْ الندواتُ والمؤتمراتُ في معظمها مُكررة، تترددُ فيها الأصواتُ نفسُها، وظلَّ زبائنُها هم من منسوبي الأحزاب الفلسطينية، يقدمون الأغاني والمحفوظات نفسها، التي رددوها منذ سنواتٍ طويلة. وظل إنتاجُ معظمُ هذه الندوات، فكرا مكررا مشوَّها، ناتجا عن خلل جيني في التلاقح الفكري المتشابه، كزواج الأقارب!

وعندما كنتُ أتأمل الحاضرين في معظم هذه الندوات السياسية الخطابية، كنتُ أتنبأ بما سيقال فيها،ومَن سيسألُ، ومََن لا يخرجُ من الندوةِ إلا بعد أن يعزفََ لنا مقطوعته المحفوظة منذ سنوات طويلة، فقد ظل الفكرُ المتبادلُ مكشوفا ومعروفا، ولا سيما في القضايا السياسية والوطنية!

غير أنني منذ أيامٍ حضرتُ ندوةً، أقامها مركز بال ثنك للدراسات والأبحاث، بالتعاون مع مؤسسة فردرش إيبرت الألمانية، وكانت وجوه الحاضرين مختلفةً عن الوجوه التي اعتدتُ أن أراها في الندوات السياسية، لدرجة أنني أحسست بالاغتراب بينهم، فلم أعرف من مجموع الحاضرين سوى فردٍ واحدٍ أو اثنين فقط، وهذا ليس معتادا.

فكان ضيوفُ الندوةِ والحاضرون هم من مسؤولي شركاتِ ومؤسساتٍ علمية،أو باحثين في مجالات العلوم في الجامعات، لقد كان عنوانُ الندوةعن الطاقة البديلة لمنظومة الكهرباء العادية، أي الطاقة المتجددة من الحرارة والرياح والشمس!

كانتْ الندوةُ مختلفةً عن السائد والمعتاد، فقد أورد الحاضرون حلولا لمشكلة الكهرباء في غزة، وزودوا الحاضرين بمعلومات جديدة عن مؤسسات ومستشفيات ووزارات استغنتْ عن التيار الكهربي بالكامل، واستبدلوها بطاقة الشمس، وكل ذلك يحدثُ في غزة!!

لقد دفعتني الندوةُ لأن أستحضر غزةً أخرى، غيرَ غزة الحصار والقهر والضائقة، غزةً جديدة، تعصرُ عقولَ أبنائها وتتحدى أزماتها، رأيتُ غزة بوجهٍ آخر مختلفٍ عن الوجوه التي اعتدتُ أن أراها بها، فهي اليوم غزةُ الإبداعُ العلمي، غزة التحدي والإصرار، غزةًُ الراغبةُ في الحياة، وليس الساعيةَ للموت، كما صورها الإعلامُ المُعادي، غزةُ المستقبل المشرق، بعقول أبنائها، وبأملهم في الحياة! غزة التي تفتحُ صفحة أخرى في سجل مستقبلها، وتحسبه حسابا دقيقا بالأرقام والمشاريع العلمية، وليس بعدد الأبنية المدمرة والشهداء والضحايا!

رأيتُ غزة، التي تبثُّ شكواها، ليس من الحصار والاحتلال والقهر، بل من النفايات السامة، من مخلفات البطاريات والملوثات، فقد ألحَّ الباحثون على إيجاد حلولٍ لمشاكل البيئة المحيطة بغزة!!

 فقد كانت هذه الندوة تقول:غزة موطن الأمل والحياة والعمل والإنتاج والإبداع!!

وفي الوقت نفسه شاهدتُ معرضا آخرَ للزهور والأسماك والعصافير، أقيم في حديقة الجندي المجهول، وكان زوَّار المعرض يشترون الزهور، ويقتنون أسماك الزينة والطيور النادرة، لجلب السعادة على أسرهم وأبنائهم.

 فغزةُ، الزهور والمعارض، وندوات الإبداعات، تبثُّ أروع رسالةً إعلامية للعالم، فهي تُبرِزُ لهم وجهها الآخر الجميلَ المشرق!!

هذه الرسالةُ الإعلامية تُعزِّز قضيتنا الفلسطينية العادلة، وتزيد من رصيدنا الإعلامي، إذا أحسنَّا استثمار الفنون والثقافة والإبداعات، وأدخلنا هذه الإنجازاتِ ضمن رصيدنا الوطني الكبير!!

التعليقات