اقصر الطرق واسهلها للافراج عن قادة القاعدة الليبية: اقتحام السفارات وخطف السفراء

اقصر الطرق واسهلها للافراج عن قادة القاعدة الليبية: اقتحام السفارات وخطف السفراء
عبد الباري عطوان

يتباهى المسؤولون الاردنيون بان قوات بلادهم الخاصة كانت اول من دخل العاصمة الليبية طرابلس، واقتحمت “ثكنة العزيزية” مقر العقيد الليبي معمر القذافي ومركز قيادته التي اصبحت الآن مكبا للنفايات، اي ان الفضل يعود لها في “تحرير” ليبيا جنبا الى جنب مع “الثوار” وطائرات “حلف الناتو”.لا نعتقد ان هؤلاء، ونظرائهم القطريون والاماراتيون والسعوديون الذين شاركوا حلف الناتو تدخله العسكري هذا، كانوا يتوقعون ان سفاراتهم وغيرهم، ستتعرض للاقتحام، وسفراءهم للخطف، في ليبيا الجديدة المحررة، وكانوا يأملون في ذروة التضليل الاعلامي، ان تتحول الى واحة للديمقراطية والازدهار، ونموذج في الديمقراطية والعدالة واحترام حقوق الانسان.

افقنا صباح اليوم (بتوقيت لندن) على انباء تتحدث عن تعرض السفير الاردني في طرابلس لهجوم على ايدي مسلحين ملثمين هاجموا سيارته واطلقوا النار على سائقه، واقتادوه الى مكان مجهول الامر الذي اربك الحكومة الاردنية، ووضعها في موقف حرج، وهي التي كانت تعتقد ان جهودها في تحرير ليبيا ستشكل حصانة لها ولسفرائها، وستكافأ عليها بالمساعدات المالية وفتح اسواق العمل لعشرات الآلاف من ابنائها.

***السيد عبد الله النسور رئيس الوزراء الاردني اشار امام مجلس النواب “الى تكامل الجهود بين الاجهزة المعنية في كلا البلدين لتأمين اطلاق سراح السفير المختطف، وان ذلك يعتبر اولوية للحكومة واجهزتها”.يبدو ان السيد النسور يعيش في كوكب آخر غير كوكبنا، وينتمي الى عالم آخر غير عالمنا، فهو يتحدث عن ليبيا كما لو انها السويد او سويسرا، واحة للامن والاستقرار واجهزتها الامنية تقوم بواجبها على اكمل وجه، وينسى او يتناسى، ان نظيره رئيس الوزراء الليبي علي زيدان اختطف من سرير نومه في فندق هو الاكثر حماية وامنا في العاصمة، واضطر في نهاية المطاف، اي السيد زيدان، الى الهرب تنكرا، الى المانيا ناجيا بجلده من القتل والسحل، اما خليفته عبد الله الثنى الذي جرى تكليفه بتشكيل الوزارة فقد استوعب الدرس مبكرا، وانسحب من هذه المهمة بعد ايام معدودة، اثر تعرض منزله، وهو وزير الدفاع، لاعتداء واطلاق نار، ولن نستبعد او نستغرب هروبه هو الآخر اذا ما استطاع الى ذلك سبيلا.ليبيا ليس لها من مواصفات الدولة اي علاقة، ونتفق مع السيد محمود جبريل رئيس وزرائها الاسبق، و”شيخ” الليبراليين الجدد، في قوله انها ليست دولة حتى نقول انها فاشلة او غير فاشلة، والتوصيف الاقرب للواقع انها العنوان الابرز للفوضى في ابشع معانيها.ننصح السيد النسور ان يختصر الطريق، ويوفر على نفسه الوقت والجهد، ويقوم بالاتصال فورا بنظيره المصري الذي تعرضت سفارة بلاده الى عملية اقتحام مماثلة في كانون الثاني (يناير) الماضي حيث جرى خطف خمسة دبلوماسيين من بينهم السفير، وجرى الافراج عنهم بعد يومين فقط.نشرح اكثر ونقول ان هذا الافراج السريع جاء بعد ان افرجت السلطات المصرية، وبطريقة مهينة، عن القيادي الاسلامي الليبي شعبان هدية الملقب بـ”ابو عبيدة الزاوي” رئيس غرفة ثوار طرابلس المتهم بتفجير مبنى مديرية امن القاهرة.حكومة السيد النسور ستضطر “مكرهة” للافراج عن الاسلامي محمد سعيد الدوري الملقب بـ “محمد النص” المعتقل حاليا في الاردن بتهمة الانتماء الى تنظيم “القاعدة” واطلاق سراح مجموعة اخرى من الليبيين والعرب الآخرين المعتقلين بالتهمة نفسها “فوق البيعة”.

السفير الاردني المختطف فواز العيطان ، فك الله اسره، يجب ان يصلي لله ليل نهار بان لا يكون هؤلاء المعتقلين الليبيين قد تعرضوا للتعذيب، او اسيئت معاملتهم اثناء التحقيق معهم في اقبية المخابرات الاردنية، حتى لا يعامل بالمثل، لان خاطفيه، وهم حتما من عناصر الجماعات الاسلامية المتشددة، لا يعترفون بمعاهدة “فيينا”1961 التي تنص على حماية الدبلوماسيين، وتحدد الاعراف المتبعة في تأمين حياتهم وتسهيل مهامهم، وسنفاجأ اذا كانوا قد سمعوا بها، ناهيك عن معرفتهم لبنودها.في بداية انطلاق “الثورة الليبية” التقيت السيد الباجي قائد السبسي السياسي التونسي المخضرم واول رئيس وزراء في تونس بعد الاطاحة بنظام الرئيس بن علي، فقال لي ان اكبر خطر على تونس وثورتها هو العقيد معمر القذافي ونظامه، وتمنى سقوطه سريعا لان في ذلك راحة لتونس وللعالم باسره، وقد تحققت امنيته، والاكثر من ذلك جرى قتله وسحله بطريقة بشعة.بعد ذلك بعام، وبينما كنت في مطار تونس استعد للمغادرة الى لندن، تقدم مني رجل وسيم بملابس مدنية وقدم لي نفسه على انه مدير امن المطار ودعاني الى فنجان قهوة في مكتبه، وكان طوال اللقاء يشتكي من هم اسمه الثورة الليبية وخطرها على تونس، وقال انه وزملاؤه يعيشون كابوسا يوميا اسمه الطائرة القادمة من طرابلس الى تونس فلا تمر رحلة دون العثور على اسلحة ومتفجرات وفي احسن الاحوال مخدرات.

***ولا ننسى في هذه العجالة ان نهمس في اذن السيد ناصر جودة وزير خارجية الاردن الذي يريد ان يذهب الى مجلس الامن لادانة عملية الاختطاف هذه، بانه ينفخ في قربة مقطوعة، ويتحدث لغة تعبير منقرضة لا يمكن تداولها في بلد مثل ليبيا التي لا تعرف القانون ولا احكامه.فمجلس الامن الذي يريد السيد جودة الاحتكام اليه ليس له اي دور في ليبيا رغم انها ما زالت تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، ويتحمل المسؤولية الاكبر عن الكارثة التي وصلت اليها البلاد عندما اعطى الضوء الاخضر لحلف الناتو للتدخل فيها، وتحويلها الى الوضع المؤسف الذي تعيشه حاليا، ويعتبر الاسوأ في تاريخها، وبمباركة من الجامعة العربية وامينها العام في حينها السيد عمرو موسى.ليبيا اليوم بلا هوية، تمزقها القبلية، والمناطقية، وحكم الميليشيات، ويسودها التفتيت الجغرافي والديمغرافي، والانعدام الكامل للامن والامان والخدمات الاساسية، ويكفي ان اكثر من نصف مليون من ابنائها هاجروا الى تونس بينما لجأ عدد مماثل الى مصر.نتمنى حلا سريعا لازمة خطف السفير الاردني، ولكننا بالقياس الى التجارب السابقة قد لا يتم هذا الحل الا بعد وصول السيد الدورسي لوحده او مع عدد من رفاقه الى طرابلس على ظهر طائرة اردنية خاصة معززين مكرمين.

واهلا بكم مرة اخرى في “ليبيا الجديدة”!

التعليقات