سفيرنا في الصين .. صحّ النوم

سفيرنا في الصين .. صحّ النوم
كتب غازي مرتجى

تُعتبر جمهورية الصين الشعبية الدولة الأكثر تأثيراً سياسياً بعد أمريكا وروسيا وإقتصادياً بعد أمريكا وربما قبلها -لكن لا نعرف- , وبها مليار مواطن بإمكانهم ليس فقط ترجيح كفّة "قضية ما" وإنما كسر الميزان أصلاً .

صديق يعمل تاجراً ويتردّد على الصين منذ سنوات يقول لي أنّه في إحدى المحطات شاهده احد المواطنين الصينيين وهو يلبس الكوفية الفلسطينية فجاءه على عجل وطلب صورة تذكارية معه وبعد حديث لم يفهم صديقي منه شيء قال له "فلسطين – ابو عمار" وأشار له بعلامة النصر .. وبدءاً بالعلاقات التجارية وبعيداً عن الصيت السيء للبضائع الصينية ليس بسبب الصين وإنما بسبب "وسع ذمة" من يستورد من الصين فإن العلاقات التجارية الفلسطينية – الصينية واسعة جداً والسوق الفلسطيني سوق مستهلك ومفيد جداً , سالت صديق آخر توجّه منذ فترة إلى الصين ليعقد صفقة تجارية كما نقول عنها بالعامية "محرزة" عن سفيرنا هناك ودور السفارة الفلسطينية في متابعة احتياجات التجار وتسهيل مهامهم فضحك صديقي بوجهي وقال لي :"ماهو اسم سفيرنا بالصين اصلاً" ؟

أتمتع بعلاقات ومعرفة جيدة بسفرائنا في بقاع الارض , وعلى الاقل من لم اتحدث معه هاتفياً وصلني خبر من الملحق الاعلامي الخاص بسفارته وتعرّفنا عليه بالصور والتصريحات , لكن سفيرنا في الصين لا أذكر أن قرأنا له خبراً واحداً , وفي الحقيقة.. لم نسمع باسمه سابقاً .

محرك البحث "جوجل" لم يعد يُخف شيئا , فقد بحثت عن سفيرنا بجمهورية الصين فوجدت خبراً يتيماً عن السفير هناك صادر قبل عام عن استقباله مجموعة من الطلبة الفلسطينيين لإحياء فعالية فلسطينية , ولم نسمع بعدها عن أي خبر للسفير ! , ربما لا يوجد سفير هناك .. ربما !

في الدول المحورية يجب أن يكون السفير الفلسطيني صاحب بصمة واضحة في البلد نفسه وفي التواصل مع اهله وقيادته في الداخل , فعلى سبيل المثال السفير الفلسطيني في روسيا فائد مصطفى يتمتع بحضور مميز ويُنسّق زيارات لشخصيات كبيرة وهامة للأراضي الفلسطينية , وبقراءتي لأحاديثه وتصريحاته أجده شخصاً ذو وعي سياسي كبير ويُمكن القول أنه وبحكم منصبه الحساس كسفير لدولة فلسطين في روسيا يُعتبر من الحلقة الأولى في القيادة الفلسطينية .

سفيرنا في مصر وفي السعودية قبلها وفي الامارات سابقاً وفرنسا وبلجيكا وحتى مكتب التمثيل في امريكا نشطوا بشكل كبير وكان لهم دور ملموس وصوت مسموع دائماً ويحفظ أسماء السفراء هناك أو من لهم لمسات واضحة على الاقل كل فلسطيني عدا عن النخبة بالطبع .

تعتبر الصين ثالث أهم دولة تستطيع تغيير مجريات الاحداث في الشرق الاوسط وبشكل خاص في القضية الفلسطينية فيما لو اقتنع حُكامها بأننا لا زلنا نُكن لهم الاحترام والتقدير , وما يثير الحزن والحنق من العمل الديبلوماسي الفلسطيني نية شركة تنوفا بيع أصولها لشركة صينية ! و"تنوفا" هي الشركة الاكبر في اسرائيل ولا تعتبر شركة اقتصادية فقط بقدر ما تحمله هذه الشركة من تاريخ مزعوم لدولة اسرائيل .. فـ"تنوفا" بدأت قبل انشاء اسرائيل بمجموعة من المزارعين بتوزيع الحليب والمواشي وبيعها حتى تحولّت اليوم إلى الشركة الاولى في اسرائيل .. وما يهمنا .. الصين ستشتري تنوفا !

تشتهر الصين بالتزامها بتوفير احتياجات مواطنيها المحلية ولا يُسجّل أن الصين تستورد اي صنف آخر سوى بعض مشتقات البترول , وفي عالم الانترنت الواسع تعتمد الصين على موقع "ويبو" كبديل عن الفيسبوك و"بايدو" كبديل عن الجوجل , وتعتبر "ويبو" هي شبكة التواصل الاجتماعي الخاصة بمواطني الصين الشعبية و يشترك فيها الملايين من المواطنين الصينيين .

في اسرائيل شيمعون بيريز الرئيس الاسرائيلي أنشأ حساباً على موقع "ويبو" وجمع في مدة قصيرة 50 مليون صديق ! , على الرغم من ان الصين ومواطنيها تاريخياً يقفون بجانب الشعب الفلسطيني . تخيلّوا معي الرئيس الاسرائيلي بيريز لديه 50 مليون صديق على "الفيسبوك الصيني" وسفيرنا في الصين اكاد اشك ان لديه حساباً على "ويبو" أصلاً .. بالطبع لأنّ سفيرنا يغفو في "سبات عميق" فربما تُفاجأ القيادة الفلسطينية من وجود شبكة "ويبو" أصلاً وليس من 50 مليون بيريز !

من اهم واجبات سفير فلسطين في اي دولة في العالم التعريف بالثقافة الفلسطينية والقضية الفلسطينية ومدى الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني بسبب الاحتلال الاسرائيلي , تخيلّوا معي لو كتب "بيريز" على صفحته على " ويبو" ان شعب اسرائيل يتعرض لمجزرة صواريخ من الفلسطينيين كم ستجد من المؤيدين له . سيقول احدهم ان ذلك لن يؤثر على سياسة الدولة والحكومة فهو مخطيء , فصفحة فيسبوك تجمع 10 آلاف شخص في اي بلد  ربما تغير سياسة الدولة تماماً كما حدث في السعودية والكويت بعد انتشار صفحات تحرّض على ثورة هناك  فقرر "الملوك" منح شعوبهم مزيداً من الامتيازات ،ولاننسى هنا أوكرانيا التي انقسمت غربية وشرقية بسبب الفيسبوك.

اللوم ليس فقط على سفيرنا في الصين الذي ربما حالفه حظه ليكون سفيراً هناك , اللوم يُوجّه الى القيادة السياسية والى وزارة الخارجية التي أوّد الطلب منهم علناً تعريف الشعب الفلسطيني بأسس ومعايير اختيار السفراء في كافة البلدان وليس فقط السفراء بل كل الطاقم الديبلوماسي .. وبدلاً من "طبخات" الغرف المظلمة فليكن اختيار السفراء علناً ووفق أسس ومعايير يعرفها الجميع !

في الوضع الحالي لا يُمكننا التحدث عن خيارات فلسطينية غير تلك الديبلوماسية , وبقدر ما نملك من مهارات ديبلوماسية نستطيع زيادة النقاط التي بصالحنا على طاولة المفاوضات , ربما نُسهل من مهمة صاحب النوبات القلبية "د صائب عريقات" الذي ملّ من مراوغة الاسرائيليين ويفقد الأوراق يوماً بعد يوم .

أما بالنسبة لإسرائيل التي تعمل ليل نهار على اثبات حقها الكاذب بفلسطين ولم تترك لغة إلا تحدثت بها , وافتح على صفحتك على الفيسبوك واكتب "اسرائيل" ستجد عشرات الصفحات الخاصة بالحكومة الاسرائيلية تتحدث بالعربية وافيحاي درعي نموذجاً صغيراً وتجد عليها اعداد المعجبين تفوق صفحات القيادات والاحزاب الفلسطينية مجتمعة !

سيصف بعض "الكبار" حديثي بالترهات وسيدعّون :"كيف للفيسبوك او تويتر او ويبو او الانترنت بشكل عام" ان يغير توجهات وسياسة دول .. سأقول له انظر حولك وكيف تحولّت سوريا بسبب "عشر بوستات فيسبوك" الى حرب اهلية لن تفيق منها إلا بعد سنوات ضوئية , وكيف قهرت صفحة واحدة نظام مبارك صاحب الارث التاريخي والمدة الاطول في الحكم .. والامثلة كثيرة .

رسالتي الى الرئيس ابو مازن , ما دمنا نتحدث عن معارك ديبوماسية فأذرع الديبلوماسية لديك مكسورة وربما غير موجودة ومنها من تعفّن منذ أمد طويل , ولو بحثت ستجد العشرات من حملة الشهادات الديبلوماسية العليا والمئات من المثقفين يفترشون المقاهي ويلعبون الديبلوماسية مع اصدقائهم فقط ! كان بالامكان الاستفادة منهم لو لم يكن لدى القيادة الفلسطينيية رؤوس الديبلوماسية ممن لا يفقهون إلا بصفقات الظلام !

تنويه : الصورة التعبيرية أعلاه تُعبّر عن مدى الكثافة السكانية في الصين , وكيف يُمكن استغلال تلك الكتلة البشرية  نحتاج -1 بالألف منها- فقط .. لصالح فلسطين !

[email protected]