جمال قارصلي :لنخرج من هذه الكذبة، فدعم إسرائيل أهم عامل يرتكز عليه نظام ضحك علينا

رام الله - دنيا الوطن-إياد الجعفري
طرح اللبواني حرّك المياه الراكدة، وتطرق لما يسمى "تابو"...حان الوقت كي تدخل الطبقة المثقفة في هذا النقاش...وهذا لا بد منه".

قبول الإسرائيليين بهكذا طرح سيكون لصالح السوريين. لكنهم سيرفضون".

إذا أعطينا الإشارة باستعداد المعارضة السورية للسلام مع إسرائيل، فهو أمر مفيد.

المجتمع السوري مهيّأ نفسياً للسلام مع إسرائيل إن كان الثمن إسقاط الأسد

"أكثر ما يخافه الغرب في سوريا أن تحصل جماعات مُتطرفة على سلاح نوعي.

يتعقّد المشهد السياسي والميداني السوري، وتتعقّد تشعباته الإقليمية والدولية. وبعد ثلاث سنوات على اندلاع ثورة السوريين، يبدو أن رَسم أُفقٍ واضحٍ لتطورات الأحداث في بلدهم أمر صعب للغاية. لكن ذلك لم يمنع بعض الناشطين والفاعلين في الحراك المعارض لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد، في دول الاغتراب، من المواظبة على النشاط السياسي بغية البحث عن سبل لإنهاء "مأساة القرن"، كما باتت تُسمى في أدبيات الإعلام العربي والعالمي.

 

من أولئك الناشطين، النائب الألماني السابق، جمال قارصلي، أحد الفاعلين في تجمع "قرطبة" الوليد حديثاً، وأحد المواظبين على التحرك السياسي للبحث عن مفاتيح الحل في سوريا، بالتواصل مع نخبة من الساسة السوريين، اجتمعت مؤخراً في قرطبة باسبانيا، مطلع العام الجاري.

 
صراحةُ قارصلي شجعتنا على الحديث معه في محاور حسّاسة، قد يكون أكثرها إشكاليةً، التعليق على رؤية زميله في تجمع "قرطبة"، الدكتور كمال اللبواني، والذي فجّر منذ أيام قُنبلةً هزّت النخبة السياسية السورية، وحضّت على نقاشٍ محمومٍ، حول إحدى "المحرمات" في الوعي السياسي المستقرّ لدى السوريين، وهي العلاقة مع إسرائيل.
 
اللبواني، طرح رؤية لعقد اتفاق سلام مع إسرائيل تتحول بموجبه الجولان إلى حديقة سلام عالمية، سياحية، مقابل دعم إسرائيل العسكري للمعارضة السورية، بغية إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد...فكيف علّق قارصلي على هذه الرؤية؟

"طرح جريء ويحتاج إلى شجاعة"
جمال قارصلي وصف طرح اللبواني بـ "الجريء"، مؤكداً أنه يحتاج إلى شجاعة، متسائلاً متى نَصِفُ شخصاً ما بأنه "قيادي"، مُجيباً على تساؤله بأن الشخصية القيادية هي التي تمشي أمام الناس. فهناك في صفوف المعارضة ساسَةٌ يمشون وراء الناس، ويراعون أمزجتهم، تلك ليست شخصيات "قيادية".
 
أضاف قارصلي: "طرح اللبواني حرّك المياه الراكدة، وتطرق لما يسمى "تابو"...حان الوقت كي تدخل الطبقة المثقفة في هذا النقاش...وهذا لابد منه".
وروى قارصلي لنا مقتطفات من سيرته في الحياة السياسية الألمانية، الحزبية والبرلمانية، والتي تعرض في سياقها لحملة إعلامية شعواء مطلع العقد الماضي، لأنه تخطى الحدود الحمراء وتناول العلاقة الألمانية مع إسرائيل وإنتقد السياسة الإسرائيلية بإتجاه الشعب الفلسطيني. بناءً على تجربة قارصلي تلك، أيقن بمدى قوة اللوبي الصهيوني في ألمانيا وفي أوروبا، وفي العالم أجمع.

 أضاف قارصلي: "طَرحُ اللبواني لمس العصب، وحرّض الناس على النقاش...فكل ما سمعناه من "نظام الممانعة" بدمشق، كان كذب بكذب...تبين أن لا علاقة له بالمقاومة، ومعروف ماذا فعل بالفلسطينيين في لبنان سابقاً، واليوم في سوريا... وبقي يمنع إطلاق رصاصة في الجولان لعقود....وادعى محاربة الإرهاب، وتعاون مع الأمريكيين بعيد أحداث 11 أيلول على استخلاص اعترافات تحت التعذيب من معتقلين إسلاميين أرسلتهم أمريكا إليه، ليتضح لاحقاً أنه "هو راعي الإرهاب"، وأنه يخترق معظم تلك التنظيمات، وقد أفرج عن معتقلي القاعدة، وتحولت علاقته مع المالكي بين عشية وضحاها من عداء إلى صداقة، لينفذا معاً نفس الأجندة لدعم الجماعات الإرهابية وعلاقة النظام مع داعش هي أفضل مثال على ذلك".

 وذكّر قارصلي بأن الفلسطينيين أنفسهم عقدوا اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وكذلك فعلت العديد من الأنظمة العربية، بينما تحافظ أنظمة أخرى على علاقات غير مُعلنة مع إسرائيل. وعقّب: "النظام ضحك علينا لعقود. واليوم سقط القناع. لنخرج من هذه الكذبة التي مُورست لعقود على حساب "نهب دمّ" الشعب السوري. 60% من الدخل السوري كان يُحوّل للجيش. ونحن نعرف جميعاً كيف كان جيشنا، حيث ضباطه يستعبدون العساكر لخدمتهم، أو يأخذون منهم الرِشى مقابل "التفييش".

لكن بعيداً عن الجانب الآيدلوجي والقِيمي المُنغرس عميقاً في عقول السوريين بخصوص العلاقة مع إسرائيل...ماذا عن المصلحة السياسية للسوريين، على المديين القصير والمتوسط، في هكذا طرح؟، هل سيخدم السلام مع إسرائيل مصالح السوريين حقاً؟

 إسرائيل سترفض

 يعتقد جمال قارصلي أن قبول الإسرائيليين بهكذا طرح سيكون لصالح السوريين. لكنه يعقّب بأنهم سيرفضون. فإسرائيل سعيدة بما يحصل حالياً في الساحة السورية. وسوريا ستحتاج لعشرات السنين قبل أن تشكل أي خطرٍ على إسرائيل في المستقبل، لذا فالإسرائيليون سيرفضون.

 وتابع قارصلي: "أكبر خطر على إسرائيل هو السلام لأنه يكشف عن تناقضاتها الداخلية المتعلقة بالتفرقة العنصرية في مجتمعها. هم يُوحدون مجتمعهم بالاعتماد على التوتر مع المحيط. إضافة إلى ذلك فإسرائيل تحتل الجولان، وتشعر بأريحية في ذلك دون أي ملامح لتهديد قد يطالها هناك، لذا فأين مصلحة إسرائيل في إسقاط الأسد".

 يعتقد جمال قارصلي أن علينا الآن، بعد طرح اللبواني لرؤيته، والجدل الإعلامي والنُخبوي حولها، أن ننتظر تعليق النُخبة الإسرائيلية عليها. وبكل الأحوال فإن رؤية كتلك لا يمكن أن تتم بين عشية وضحاها، فحكومة الأسد عبئت رؤوسنا بأشياء ثابتة لعشرات السنين، لذا فالتغيير والتطبيع سيحتاج للوقت، إلى جانب أن أحد أبرز مشاكلنا أن إسرائيل لا تريد أن تندمج في المنطقة.

 "يجب أن تُوحي المعارضة باستعدادها للسلام مع إسرائيل"

 لكن قارصلي الذي يتوقع أن ترفض إسرائيل هكذا طرح، يؤيد النقاش في أوساط المعارضة حوله. يقول: "إذا أعطينا الإشارة باستعداد المعارضة السورية للسلام مع إسرائيل، فهو أمر مفيد. لطالما كانت طلبات الغرب، توحيد المعارضة، ومحاربة التطرف، وضمان أمن إسرائيل وسلامتها".

لذا يعتقد قارصلي أن من المفيد للمعارضة أن تُوحي باستعدادها لضمان أمن إسرائيل وفق المواثيق والمعاهدات الدولية. وبهذا الصدد، ذكّر قارصلي بأن حكومة الأسد الأب، ومن ثم الابن، كانت مستعدة للذهاب إلى السلام مع إسرائيل، لكن الأخيرة لم تكن تريد ذلك.

أضاف قارصلي: "كل الأنظمة في المنطقة تتعامل مع إسرائيل، في العلن، أو في السر....لذا فإذا حصل اتفاق دولي بعيد المدى على مبدأ التعايش بين شعوب المنطقة، فسيخدم ذلك مصلحة السوريين...لكن هكذا تحوّل سيحتاج إلى الوقت بالتأكيد."

وشدّد قارصلي على أن العالم الغربي مستعد لأن "يضحي بكل العرب" على أن تبقى إسرائيل، لذا من الأفضل لمصالحنا أن نرسل رسائل تُوحي برغبتنا في السلام معها.

 "إسرائيل تأمل أن تستمر الحرب في سوريا جيل أو جيلين"

قارصلي أكد مرة أخرى بأن إسرائيل ذاتها لن ترحب بهذا الطرح، لأنها إذا ضيّعت الأسد فهي تُضيع بذلك شخصاً هاماً جداً بالنسبة لها، يحفظ أمن حدودها، ويدمر المجتمع في دولته، وأضاف: "إسرائيل تأمل أن تستمر الحرب في سوريا جيل أو جيلين، كما حصل في الحرب العراقية – الإيرانية التي دامت 8 سنوات، عمل خلالها الغرب على تحقيق توازن قوى بين الطرفين فيها لإطالة أمد الحرب قدر المستطاع".

 لكن ألا تخشى إسرائيل، ومن ورائها الغرب، من تمدّد الجماعات "المتطرفة" مع إطالة أمدّ الحرب في سوريا؟، ألا يخشون أن تُفلت الأمور من قبضتهم؟، وبالتالي، أليس من الأفضل لهم إيجاد حلول للأزمة السورية سريعاً، قبل أن يخرج المشهد برمته عن السيطرة؟

"الغرب مطمئن لإحكام السيطرة على الأزمة السورية ولا يخشى المتطرفين"

 لا يعتقد جمال قارصلي ذلك. فهو يرى أن الغرب، وإسرائيل، مطمئنون لإحكام سيطرتهم على المشهد، فالتقارب الروسي – الإسرائيلي كبير. ناهيك عن أن كل التعقيدات التي يعيشها السوريون اليوم هي نتاج التفاهم الروسي- الأمريكي أيضاً. أضاف: "هم يعرفون بالضبط ماذا يحصل في سوريا. يعتقدون أن الأمر لن يُفلت من يدهم. سوريا تضعف ولا تقوى، وهم مطمئنين لذلك".

 واستطرد قارصلي: "أكثر ما يخافه الغرب في سوريا أن تحصل جماعات مُتطرفة على سلاح نوعي، كيماوي أو بيولوجي...لذلك أصروا على تخليص الأسد من سلاحه الكيماوي خشية أن يقع في قبضة تلك الجماعات. كما أن الخشية من تزويد المعارضة بسلاح نوعي يندرج في هذا الإطار".

 لكن قارصلي نوّه إلى أنه، وإن كان يتفق مع رؤية اللبواني من حيث المبدأ، إلا أنه لا يتفق معه في التفاصيل.

 "لا أؤيد طلب الدعم العسكري الإسرائيلي"

 وفصّل قارصلي: "لا أؤيد طلب الدعم العسكري الإسرائيلي، يكفينا إذا استطعنا أن نُحيّد إسرائيل...أهم عامل يرتكز عليه النظام هو دعم إسرائيل له....إسرائيل لا تريد لهذا النظام أن يسقط. إذا أعطت إسرائيل إشارة برحيل الأسد، لن يبقى الأسد في سوريا شهراً واحداً. ستتحرك وسائل الإعلام العالمية، وتُحرّك الرأي العام العالمي لإسقاط الأسد. ونحن نعرف كيف يتحكم اللوبي الصهيوني بأساطين الإعلام العالمي. يكفي أن نُحيّد إسرائيل عن الدعم غير المُعلن للأسد، أما إسقاط الأخير، فيمكن لنا أن نتولاه".

 وأضاف قارصلي أنه من الضروري ضمان إقرار السيادة السورية على الجولان في أية تسوية مع إسرائيل، دون أن ينفي ذلك مشروع تحويل الجولان إلى منطقة سياحية عالمية مفتوحة. كما يجب ضمان حقوق السوريين في مقدساتهم، حسب تعبير قارصلي.

بالنسبة للتطبيع مع إسرائيل، يرى قارصلي أنه قضية أمر واقع، يقول: "نحن اليوم في عالم العولمة...لا تستطيع أن تقول عن شركة أنها ألمانية مثلاً، كل الشركات العالمية تقوم على أسهم عابرة للقارات، والشعوب تداخلت ببعضها اقتصادياً، وفي فضاء الاتصالات".

لكن ماذا عن الجماعات الجهادية والإسلامية صاحبة الوزن الأكبر على الساحة السورية..."جبهة النُصرة"، و"الجبهة الإسلامية"، كيف يمكن استيعاب هؤلاء في هكذا تسوية مع إسرائيل؟

 
استيعاب الإسلاميين ممكن، بل ومُرجح

 يعتقد قارصلي أن استيعاب تلك الجماعات ممكن. ويُفصّل بأن استيعاب "الجبهة الإسلامية" ممكن بنسبة 100%، فحتى قيادات هؤلاء لهم عائلاتهم وحياتهم ولهم أقارب وأهالي، لذا لا بد أنهم يأملون العودة إلى حياتهم الطبيعية، في نهاية المطاف، واختصار هذه المأساة بأسرع وقت.

ونوّه قارصلي لقرار واشنطن برفع اسم "الجولاني"، "زعيم جبهة النُصرة" من قائمة الإرهاب، لأنه يحارب "داعش"، وهو مؤشر على أن الغرب ذاته مستعد للتفاهم مع هذه الجماعات، التي أبدت جميعها، باستثناء "داعش"، مرونة ملحوظة في التواصل السياسي مع الأطراف الإقليمية والدولية.
 
يعتقد قارصلي أن مقاتلي "النُصرة", وخاصة "المهاجرين" منهم وبناء على تصريحات من قياداتهم, لا يريدون البقاء في سوريا بعد تحريرها، وأن وجودهم في سوريا مرحلي، بل وأنهم سيرحلون في نهاية المطاف، إلى مكانٍ آخرٍ. وإذا حاولوا التمركز وفرض أجنداتهم قسراً على السوريين، سيلقون مقاومة شعبية ضدهم، كما حصل مع "داعش"، وهم يدركون ذلك جيداً.

 لذا إذا اندحرت "داعش" وتحررت سوريا من حكم النظام، "النُصرة" ستُغادر البلاد طوعيا، و"الجبهة الإسلامية" سيتم استيعابها وكذلك التابعين لجبهة النصرة من السوريين.

 

التعليقات