بالصور : كامل ونجاح .. أحياء داخل قبر بالإيجار!

بالصور : كامل ونجاح .. أحياء داخل قبر بالإيجار!
غزة  -خاص  دنيا الوطن- من علاء الحلو

"الحمد لله" هي أول كلمة تفوهت بها بعد خروجي من ذلك القبر المكنى بـ "بيت"، خرجت مترنحاً قبل أن يغمى عليّ، لا تستطيع قدماي حملي، حين خرجت شعرت وكأن الله بعثني حياً من جديد، فسواد ذلك المكان لا يشبه سواد قمصاننا السمر المعطرة أو ليالينا العادية.

في بداية ذلك النهار خرجت من منزلنا متأففاً بسبب الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، وزاد تأففي بعد أن فقدت نظارتي الشمسية في احدى الفعاليات التي قمت بتغطيتها، لكن بعد خروجي من ذلك المكان، شعرت أن الكهرباء والانترنت مجرد ترف.

لحظة دخولك ذلك البيت الذي يجمع كل أشكال البؤس وألوانه السوداء، لا يمكن التفكير سوى بدقيقة الخروج منه، يضيق النَفَس وتبدأ الروح بالصعود، فرائحة المكان السيئة وعدم وجود أي شباك أو مجرى هوائي، اضافة الى السواد الذي يلف الجدران كفيل بـ "تطفيش" حتى الحشرات.

بمجرد فتح باب البيت تقابلك فسحة صغيرة "يمكننا وصفها تجاوزاً بالصالون" مفتوحة على السماء مغطاة بالأكياس والأحبال المهترئة، تشعر حينها وكأن المكان مغطى بكومة قمامة، ويقابلها سرداب كالقبر الصغير به حفرة ويسميه صاحب البيت "حمام"، بجانبه سرداب آخر به أواني ويسميه "مطبخ"، وأخيراً غرفة مظلمة، جدرانها سوداء تشبه المخزن السيئ، تسمى غرفة نوم.

جلست أنا والعجوز الستيني كامل الناعوق وزوجته نجاح في صحن ذلك البيت الضيق، لإجراء مقابلة لصحيفتي معهم، وكنت احاول الاسراع قدر المستطاع قبل أن يغمى عليّ، وتفاجئت حينها أن ذلك المكان بالإيجار، وأن ساكنيه يعانون من أمراض مزمنة.

يقول الناعوق لدنيا الوطن : "وضعي تعيس للغاية، أنا لا أعمل بسبب مرضي ولا أحصل على أي دخل، وذهبت للشئون كي أحصل على ما يعينني، لكني لم أتمكن من الحصول على راتب الشئون أو حتى كوبونة، وأدفع ايجار البيت 200 شيكل أحصل عليها من فاعلي الخير".

ويتابع: "البيت مسقوف بألواح الزينكو المهترئة، يشبه الفرن في الصيف، والثلاجة في الشتاء، ولا يوجد به حمام، أقضي حاجتي أنا وزوجتي في تلك الحفرة، ونسكب بعدها الماء من ذلك الصنبور القديم، هذا الأمر يزيد حياتنا بؤساً وهماً الى جوار الفقر والعوز والمرض".

ويضيف لمراسل دنيا الوطن: "أعاني من فشل كلوى منذ 30 عام، وأخبرني الأطباء منذ فترة طويلة بضرورة اجراء عملية جراحية لاستئصال الكلية المتوقفة لكن وضعي المادي لا يسمح بإجرائها، لذلك أقوم بشراء علاج بقيمة 50 شيكل أسبوعياً، أتسولها من فاعلي الخير، الى جانب طعامي أنا وزوجتي".

ويتابع الرجل الذي التصق جلده بعظمه: "زوجتي الأولى توفت ولم أنجب منها، فتزوجت بأخرى قبل 8 سنوات على أمل أن أرى طفلاً يؤنس بيتنا المظلم، لكني لم أنجب، وتعاني زوجتي من مرض نفسي وهي بحاجة كذلك الى علاج بقيمة 50 شيكل أسبوعياً، ولا يوجد لدينا تأمين صحي يمكننا من خلاله الحصول على العلاج مجاناً". 

ويقول: "مصدري الوحيد هو فاعلي الخير، ولا يمكنني ترميم ذلك المكان الذي لا تمانع صاحبته بترميمه، أو حتى استئجار بيت آخر أكثر انسانية يمكنه أن يحمينا من المطر الذي ينزل علينا من جميع نواحي سقف الزينكو، لا أطالب أنا وزوجتي سوى بغرفة وحمام صغير ومطبخ وطعام وعلاج".

أما زوجته نجاح فتقول لمراسلنا: "وضعنا سيئ جداً، لا يوجد لدينا طعام أو لبس، أحصل أحيانا على هذه الأشياء من أخواتي، ولا أملك النقود لشراء ما يلزمني، في غالب الأحيان أستيقظ دون أن أجد طعام، وأنتظر على أمل أن يأتي به زوجي، لكن دون جدوى، وقبل فترة بسيطة نشب حريق في البيت بسبب شمعة لعدم توفر أسلاك كهرباء تمكننا من الانارة بشكل طبيعي".

وتقول: "كم أتمنى أن يتحسن حالنا الى أفضل، وأن يتم علاجي أنا وزوجي، وأن أتمكن من انجاب طفل أو طفلة لأسميها سلوى، فالممل يقتلني والفقر والحاجة تزيد من همي، أتمنى على الجميع الوقوف الى جانبنا حتى تنتهي معاناتنا ونتمكن من العيش كباقي البشر".

في ذلك البيت البائس لا يوجد أي أثاث، لا يوجد سوى الفراش الرث القديم، ورائحة المياه العادمة التي تعبئ المكان، اضافة الى المرض والحزن، لكن "كامل ونجاح" لم يفقدا الأمل بالمسئولين وأصحاب القرار لإنهاء معاناتهما، أغلقا الباب ورسما على ملامحهما المتعبة بسمة أمل بغد ينهي الوجع.











التعليقات