اللواء مازن عز الدين يكتب : بطولة كتيبة من قوات اليرموك

اللواء مازن عز الدين يكتب : بطولة كتيبة من قوات اليرموك
 إحدى الركائز الأساسية من قوات العاصفة الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح و قد تولى قيادتها حسب الترتيب الشهيد الفريق الركن / سعد صايل ( أبو الوليد ) و الشهيد اللواء / محمود دعاس و الشهيد اللواء / ياسين سعادة و الفريق / نصر يوسف ( مصطفى بشتاوي ) و قد عملت فيها بكل مراحلها , و توليت مسؤولية المفوض السياسي للكتيبة الثالثة في مرحلة قيادة الشهيد سعد صايل حيث كان قائدا لها الرائد موسى العملة ( أبو خالد ) الذي كان من أبرز قيادات الانشقاق في عام 1983 م في البقاع و طرابلس و من ثم عملت في قيادة قوات اليرموك لاحقا كمفوض سياسي للقوات في نهاية فترة اللواء الشهيد / محمود دعاس و استمر عملي فيها الى نهاية مرحلة الشهيد / ياسين سعادة و الفريق / نصر يوسف , و في الحديث عن الكتيبة الثالثة لقوات اليرموك لا بد من الإشارة الى أن هذه الكتيبة تميزت كغيرها من كتائب و وحدات و تشكيلات قوات العاصفة حيث تولت العديد من المهام القتالية المتميزة إلى جانب أنها شغلت في حراكها مناطق جغرافية واسعة على الساحة السورية و الساحة اللبنانية .
التموضع الأول : -
                   لقد تواجدت وحداتها بعد تشكيلها في نهاية عام 1970 م في منطقة واسعة من الواجهة الأمامية من الجولان شرق وادي الرقاد و منطقة الناعمة شرق محافظة درعا و قيادتها تمركزت في بلدة عثمان و كان قائدها في ذلك التاريخ الرائد موسى العملة ( أبو خالد ) الذي كان يتمتع بثقافة ماركسية عالية حيث كان ينشغل بالنقاشات الفكرية ذات الأبعاد الثورية أكثر مما يجب لكنه كان متوازنا بين متطلبات قيادته العسكرية لكتيبة متميزة بأفرادها و ضباطها و بين جلساته الفكرية التي تشده لدمشق أو بيروت أكثر , و في تلك المرحلة شاركت الكتيبة في عمليات مميزة في قطاع الجولان و استندت الى قوة و السرية المتواجدة في الأمام و مشاركة العديد من جنود و ضباط صف و ضباط السرايا الأخرى حيث كان قائد السرية المتواجد في الأمام الملازم أول في حينه / يونس العاص و عندما غادر للالتحاق بدوره في فيتنام تولى قادتها أحد الضباط من خريجي العراق و طلب مني أبو خالد العملة تكثيف تواجدي في السرية و المشاركة في العمليات و قد حدث ذلك بالفعل حيث نفذت الكتيبة العديد من العمليات و شاركت فيها و منها :
• عملية بقيادة الملازم أول في حينه / عبد المنعم العموري ( أبو محمود ) .
• عملية أخرى بقيادة النقيب المهندس في حينه / سليمان داوود .
و تعرفت من خلال ذلك على الطبيعة الخلابة لوادي الرقاد الذي تكثر فيه واحات و ينابيع متناثرة كجزر صغيرة تجتذب بمغناطيسيتها العيون و تريح النفس على الرغم من سيطرة الخطر على المكان و الذي تعرفت عليه بواسطة اللواء / يونس العاص الذي حملني على ظهر الحمار الذي كان يساعد على نقل الماء بسبب إصابتي .
التموضع الثاني : -
                   تولى النقيب الشهيد /  حسن أبو شنار ( أبو أمجد ) قيادة الكتيبة بدلا عن أبو خالد العملة الذي تولى قيادة الكتيبة الثانية من قوات اليرموك و مع تولي الشهيد / حسن أبو شنار القيادة صدرت التعليمات بتحرك الكتيبة الى شمال لبنان حيث تفجرت الاشتباكات مع الجيش اللبناني في بداية عام 1973 م و في الشمال لعبت الكتيبة بكامل تشكيلاتها دورا هاما في حماية الثورة و أبرز ما يميز تلك المرحلة أن جميع قياداتها و ضباطها شاركوا في قيادة الدوريات و كان أول من نفذ تلك السياسة قائدها الشهيد / حسن أبو شنار و كان الشهيد / خالد الذي كان يعمل سائقا في الكتيبة قد تزوج قبل الاشتباكات بأربع أيام و استشهد في اليوم الرابع من زواجه و كتب يحيى رباح بإبداعه الذي لا حدود له تعليقا طريفا عن استشهاده قائلا ( استشهد خالد و لم يمضي على زواجه سوى بضعة أيام ) أما خالد بكداش / رئيس الحزب الشيوعي السوري التي صورته أمامنا ( بالصدفة ) مكتوب عليها أربعون عاما من النضال ليضيف يحيى رباح على الصورة و لم يمت !!!!
و قد تواجد في تلك الفترة في شمال لبنان الى جانب ماجد أبو شرار يحيى رباح و مازن عز الدين و جهاد أحمد صالح الى جانب فرسان الكتيبة الثالثة الذين كسروا ارادة أعداء الثورة في ذلك التاريخ مشاركين بفعالية واضحة إخوانهم من باقي القوات المتواجدة في شمال لبنان .


التموضع الثالث : -
                    بدأت حرب أكتوبر 1973 م على الجبهة السورية و في يومها الأول كنت و أخي يحي رباح قد التقينا كعادتنا في إجازة قصيرة لدمشق و توجهنا الى شقة تقع على إحدى تلال جبل قاسيون حيث يتواجد فيها الأخ / روحي فتوح و عادل مغاري و آخرين , و فجأة نسمع صوت إنفجارات في سماء دمشق و إذ بها صواريخ سام تتصدى للطائرات الإسرائيلية التي كانت تنفجر على مرأى من سكان دمشق و فورا غادرنا المكان و عدنا لوحداتنا و لم نكن نعلم في حينها أن كل واحد منا سيكون في جبهة منفصلة عن الآخر حيث كان اخي يحيى مع الجبهة الثالثة التي فتحتها قواتنا في جنوب لبنان في الكتيبة الثانية و موقعها في السفوح الغربية من جبل الشيخ و أنا مع الكتيبة الثالثة في الجبهة السورية على السفوح الشرقية من جبل الشيخ و عندما عدنا لوحداتنا صدر أمر ا برفع درجة الاستعداد و التهيؤ للتحرك .
الكتيبة الثالثة في النبك : -
                            بالتنسيق مع رئاسة الأركان السورية جاءت التعليمات سريعة لتحريك الكتيبة الثالثة لتحتل منطقة في شمال دمشق تقع غرب طريق ( دمشق – حمص ) و هي منطقة امتداد لمنطقة عرسال الجبلية و التي يملؤها الصقيع حيث أصيبت الكتيبة بكاملها بمرض ( الديزونتاريا ) من شدة البرد القارص و كان معنا ضيف على الكتيبة المهندس / خالد العلمي حيث كان في حينها يعمل مع مجيد الأغا في قيادة استخبارات قوات الكرامة حيث كان تواجد الكتيبة في هذا المكان لمهمة منع أي إنزال في هذا الممر حتى لا يتم إرباك الجبهة بعمليات في العمق السوري .
و بعد أيام قليلة طلب من الكتيبة التحرك لدمشق و التمركز المؤقت في غوطتها , و تحرك اللواء الشهيد / محمود دعاس قائد قوات اليرموك مصطحبا معه الشهيد / حسن أبو شنار قائد الكتيبة و المفوض السياسي / مازن عز الدين الى الخط الأول من الجبهة التي كانت تشهد قتال لا يوصف و في ليل رهيب وصلنا بلدة اسمها بيت سابر , حيث قيادة اللواء السوري 63 الذي يقوده العميد / علي زيود في ذلك التاريخ و كان الوضع كئيبا , لم يسترح اللواء / محمود دعاس للوضع المعنوي الذي استمع إليه حيث بدأ الوضع يتغير في الجبهة السورية و الضغط العسكري يزداد من كلا الطرفين ( العربي و الإسرائيلي ) و الطائرات تتساقط ككتل من اللهب لا نعرف إن كانت إسرائيلية أم عربية و لمعات قذائف الدبابات المتبادلة تمتد على امتداد البصر يمين و يسار التلال و المعارك حامية الوطيس , و في هذه الأجواء الرهيبة طلب منا تحريك الكتيبة و التموضع على الخط الممتد من السفوح الشرقية لجبل الشيخ في قرية عرنة غربا و حتى حدود مخيم خان الشيح شرقا , و فعلا تحركت الكتيبة التي دمجت في سريتين أحداها يقودها اللواء م / سميح نصر و معه اللواء م / جمعة حسن و سرية يقودها الملحق العسكريفي ألمانيا الشرقية سابقا / عبد المنعم العموري ( أبو محمود ) و كانت رتبته نقيب في حينها ومعه اللواء م / محمد حسن ( أبو سفيان ) و كان اللواء م / يونس العاص قد نقل من الكتيبة لموقع آخر و احتلت الكتيبة مواقعها و بدأت تتأقلم بسرعة مع ما هو أمامها من حقائق الحرب , فأسرعت في بناء مواقعها الدفاعية و بدأت تزرع مجموعات قتالية أمامية .... إلخ .
و كان يشترك مع مواقع الكتيبة الثالثة التي تمتد بخط عرض طويل من الشرق الى الغرب وحدة أخرى من قوات العاصفة و هي وحدة خالد بن الوليد التي يقودها في ذلك التاريخ النقيب / صلاح أبو زرد و قد نجح العدو في زرع كمين تسلل أفراده على الطريق الواقع بين ( قرية دربل و حينه و بيت سابر ) و نجح الكمين في فتح النار على سيارة تقل عدد من أفراد الوحدة و قد استشهد ستة منها ( وحدة خالد بن الوليد ) مما شكل إرباك شديد و أثار تساؤلات عديدة لدى الجميع في جبهة ملتهبة من شدة القتال يتم فيها شطب الكتيبة و السرية بالقلم الأحمر و الزج بغيرها جعل الجميع يفكر في أعلى درجات اليقظة لمنع تكرار  ذلك .
الهجوم المستحيل : -
                     استدعت القيادة السورية الأمامية التي نتواجد بآمرتها في الجبهة قائد الكتيبة / حسن أبو شنار و أبلغته بتحضير الكتيبة بكاملها للهجوم على تل شمس و امتداده تل أبو الشحم و عاد أبو شنار و جمع قسم الأمر و أخذهم الى موقع مطل على التل و أشار لهم أنظروا الى ذلك التل لقد احتلته القوات الإسرائيلية و صدرت الأوامر لنا بالهجوم عليه و أضاف لقد قالوا لي سنقدم لكم دعما مدفعيا نحرق فيه التل ثم تقومون باحتلاله بعد تطهيره من العدو و هنا طلبت من الأخ / حسن أبو شنار بعد أن أنهى حديثه مع قسم الأمر أن أتحدث إليه جانبا على إنفراد ... و قلت له إن عملا مثل هذا يحتاج الى أن تعلم به القيادة الفلسطينية لأنه قرار يعني إبادة الكتيبة في أسوأ الاحتمالات أو شطب جسمها الأساسي و نحن في قوات العاصفة كم كتيبة لدينا , لذلك علينا إبلاغ القيادة بذلك , فقال لي اذهب و أبلغهم أما أنا لن أذهب حتى لا يفسر ذلك سلبا و عرفت حينها خطة الهجوم و كم من الوقت لصالحنا و تحركت باتجاه العمليات المركزية و قابلني أخي أبو نائل القلقيلي ( نائب المفوض السياسي العام في حينه ) و وضعته في الصورة فقال لي عليك العمل على إلغاء المهمة و إلغاء الهجوم و الحفاظ على الكتيبة فقلت له أنا ذاهب الى مقابلة الشهيد الفريق / سعد صايل مدير العمليات المركزية لأخذ القرار الفلسطيني , و فعلا ذهبت و وضعته في صورة الموقف على الجبهة بشكل عام و أحضر خارطة و طلب مني تحديد موقع تل شمس و بعد أن تفهم الوضع بدقة طلب مني عدم المغادرة حتى يعود , و غادر و قابل القيادة السورية المركزية في دمشق و أبلغني ما نصه التالي :
الكتيبة تقاتل بأسلوب الدوريات في العمق و عمل كمائن للعدو و زرع الألغام و لا تقوم بأكثر من ذلك فأضفت له قائلا أصلا قواتنا جميعا لم يصل تدريبها الى مستوى الهجوم بالسرية أو الفصيل نحن لم نتجاوز الهجوم إلا بالمجموعات , و عدت فورا قبل الهجوم ببضع ساعات و وجدت الجميع في إطار الاستطلاع لتنفيذ الهجوم فأبلغت الأخ / حسن أبو شنار الذي تنفس الصعداء و حمد الله على ذلك لأنه لا يعلم ماذا ستكون النتائج و فعلا وصلت التعليمات لقائد اللواء السوري باستبدال مهمة القوة الفلسطينية و ابقائها في حدود الممكن و ليس المستحيل , و هكذا تم إنقاذ الكتيبة الثالثة من الهجوم المستحيل و عدت لأخي أبو نائل لأبلغه بما تم و يومها تركوني أغفو و استمرت غفوتي لما يزيد عن عشرة ساعات و بهذا القرار الحكيم الذي ساهم على بقاء كتيبة مميزة تابعت دورها على الجبهة السورية بقدرات دفاعية عالية و احترمت عليه كثيرا .
انتزاع أهم التلال :-
                     لقد نجحت القوات الإسرائيلية في الوصول الى بلده تبعد عن المواقع الأمامية للكتيبة الثالثة بما لا يزيد عن كيلو و نصف الكيلو و اقتربوا أكثر من ذلك و احتلوا احدى التلال الهامه في مواجهة بلدة دربل و حفروا خنادقهم و حاولوا أن تكون هذه التلة هي خط وقف إطلاق النار ... و هذا جعل الموقف محرجا لنا فأخذنا قرارا بإخراجهم منها و بدأت دوريات الاستطلاع تدرس عن قرب تحركاتهم فوجدناهم يأتون إليها نهارا و بعد آخر ضوء يغادرونها و يعودون مع أول ضوء , و وضعنا في عين الاعتبار احتلال خنادقهم و مفاجأتهم و نفذنا ذلك و حدثت اشتباكات عنيفة سقط خلالها عدد من الجرحى من الطرفين و تم أسر أحد أفرادنا و اسمه / حسن فكتب يحيى رباح قصة الشاطر حسن و أسميناها باسم تلة الشاطر حسن و كان هذا آخر موقع تم تحريره و الاحتفاظ به لحين مغادرتنا الجبهة الشمالية في حرب اكتوبر 1973 م .
لتسجيل الكتيبة الثالثة مع قطاع الجولان و الكتيبة الثانية و فرقة خالد بن الوليد الى جانب الأبطال من جيش التحرير الفلسطيني قصة بطولة و إيمان لا حدود لها لوحدة ترابنا القومي و قد منحنا الله فرصة ثمينة لنشارك الجيش العربي السوري الذي ألحقنا به للدفاع عن بوابة دمشق الحبيبة في حرب أكتوبر المجيدة 1973 م .
  اللواء م / مازن عز الدين
 عضو المجلس الوطني           
 عضو المجلس الاستشاري

التعليقات