رغم فشل مشروع القرار العربي ..إخلاء المنطقة من نووي اسرائيل أصبح هدفاً واقعياً

رغم فشل مشروع القرار العربي ..إخلاء المنطقة من نووي اسرائيل أصبح هدفاً واقعياً
رام الله - دنيا الوطن

أطلس للدراسات

المبادرة الروسية بنزع أسلحة سوريا غير التقليدية، وديبلوماسية روحاني، وتصريحات خامنئي "الإيجابية" فيما يخص الملف النووي الإيراني، وما فتحه من آفاق لحوار أمريكي إيراني؛ كل ذلك شكل فرصة كبيرة لإعادة إحياء مبادرات بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، هذه المبادرات التي طواها النسيان وسقطت من أولويات واهتمامات دول المنطقة، وبعد أن سجلت إنجازاً دبلوماسياً هاماً سنة 2010 عندما أحرزت قراراً دولياً بموافقة الدول العظمى على عقد مؤتمر دولي لإرساء القواعد لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، إلا أن أمريكا نجحت في تنويم العرب وخداعهم، فماطلت وتهربت ودفعت باتجاه تأخير عقد المؤتمر الى وقت غير معلوم.

العرب وأصدقاؤهم، وكعادتهم، أرادوا إحراز إنجاز سريع فقدموا أول أمس مشروع اقتراح يخص أسلحة اسرائيل النووية الى الاجتماع العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية المنعقد في فينا، لكن مشروع القرار تم رفضه بأغلبية بسيطة، الأمر الذي يعتبر فشل كبير آخر للدبلوماسية العربية، وهو الأمر الذي قوبل بارتياح اسرائيلي كبير، بعد كثير من القلق والتوتر الذي ساد الأوساط السياسية الإسرائيلية عقب محاولات روسية وسورية للربط بين الكيماوي السوري والنووي الإسرائيلي.

وكشف موقع "يديعوت احرونوت" أن رئيس الوزراء نتنياهو هو من أدار سلسلة من الاتصالات مع الدول الأعضاء بهدف الضغط عليهم بالتصويت بالرفض أو الامتناع، بمشاركة وحدة الشؤون الاستراتيجية في وزارة الخارجية الإسرائيلية، وبتنسيق كامل مع المجلس الإسرائيلي للطاقة الذرية الذي يرأسه شاؤول حوريف المتواجد حالياً في فينا.

وعلق دبلوماسي اسرائيلي على النتيجة الايجابية اسرائيلياً قائلاً: "إنها تفتح آفاقاً أفضل للحوار في الشرق الأوسط".

وعللت أمريكا نشاطها لإسقاط المشروع العربي بأن استهداف حليفتها المقربة لن يؤدي سوى لإلحاق الضرر بالجهود الأوسع نطاقاً، الرامية لإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل.

وبحسب موقع "يديعوت احرونوت" فإنه لو قُدِر النجاح لاقتراح القرار الذي قدمته المجموعة العربية، لحظيت إيران ومؤيديها بحجة وسلاح قوي في المباحثات حول المشروع الذري الإيراني قوامه المماطلة ورفض أي خطوة ما لم تقم إسرائيل بدورها بخطوة مماثلة.

ومن شأن رد الاقتراح العربي اليوم في الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن يسهل على كل من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إدارة معركتها الدبلوماسية ضد إيران، دون أن تستطيع إيران امتلاك غطاء دولي يمنحها القدرة على ربط مشروعها النووي بمستقبل الإخلاء الكلي لمنطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار.

بيد أن فشل الدبلوماسية العربية هذه المرة التي لم يكن يعول عليها أصلاً لن يكون نهاية المطاف، كما ان اسرائيل التي حظيت مرة أخرى بانتصار سهل تدرك أنها لن تستطيع أن تصد مثل هذه المحاولات في المستقبل، لا سيما في ظل هبوب رياح الإسناد التي تتعاظم وتطالب بإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، الأمر الذي بات يثير الكثير من المخاوف الإسرائيلية، وأكثر ما يثير غضب الاسرائيليين توجهات الرئيس الروسي بوتين الصريحة والواضحة، وهو الذي يمثل دولة تسعى لاستعادة مكانتها كدولة عظمى في ظل ما يقال من تراجع للنفوذ الأمريكي، الرئيس الروسي أثار قضية السلاح الإسرائيلي بصوت عالٍ في أكثر من مناسبة، بطريقة يفهم منها أن لدى روسيا توجه واضح في هذا الشأن، حيث كتب عنها في مقالته الافتتاحية في صحيفة "النيويورك بوست" وفى لقاءاته التلفزيونية ربط بين سعى سوريا للكيماوي وبين امتلاك اسرائيل للسلاح النووي، وكرر نفس الأقوال في مؤتمر فالداي في روسيا، وكذلك في اجتماع منظمة شنغهاي الى عقد في قرغيزيا.

للروس على ما يبدو أسبابهم وأهدافهم الخاصة الاستراتيجية والتكتيكية، لكن ما يقلق اسرائيل أن روسيا باتت جزءاً مهماً وفاعلاً من منظومة دولية تتشكل في موازاة أمريكا، حيث تتمتع اليوم بنفوذ كبير في تكتل يضم الصين والهند ودول آسيوية وافريقية ومن أمريكا اللاتينية، وهي دول تدعم السياسة الخارجية الروسية في النزاعات الدولية والإقليمية.

في اسرائيل يتابعون هذه التطورات بقلق بالغ، رغم تهربهم من الحديث عنها لأسباب تتعلق بسياسة الغموض النووي التي لا زالت اسرائيل تحصن نفسها بها، لكنهم مع ذلك يبنون سياستهم الدفاعية بالتنسيق مع أمريكا وأصدقائهم في الغرب، تقوم في جوهرها على أن اسرائيل كدولة تنتمى الى العالم المتحضر وأنها لم ولن تبادر باستخدام مثل هذه الأسلحة، وهي تستخدمها لردع الأعداء الذين يتربصون بها ويهددون علانية بالرغبة في إبادتها، وان استتباب السلام في الشرق الأوسط هو الشرط الأساسي لنزع السلاح الإسرائيلي، وان أي محاولات لاستصدار قرارات دولية تتعلق بالسلاح الاسرائيلي إنما تخرب على الجهود الدولية الرامية الى إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار، وهذا ما قالته أمريكا صراحة في معرض تبريرها لرفض المشروع العربي، حيث اعتبرته يضر بالجهود الأوسع الرامية لإخلاء المنطقة، واعتبرت اسرائيل أن الجهود العربية توجه ضربة خطيرة لمحاولات إجراء محادثات أمنيه إقليمية.

هو نفس الموقف الأمريكي الذي تتذرع به أمريكا في مواجهة أي موقف أوروبي مناصر للقضية الفلسطينية، حيث تعتبره تهديداً لفرص نجاح إحراز تقدم في مفاوضات السلام، فالهدف هو نفسه حماية اسرائيل من أي انتقاد دولي.

لكن الحماية الأمريكية لإسرائيل وسياسة الغموض لن تعود في المستقبل كافية لإقناع العالم بمواصلة الصمت على الترسانة النووية الاسرائيلية التي تهدد الأمن والسلم في الشرق الأوسط، لا سيما في حال نجاح العرب في صياغة استراتيجية من النووي الشرق أوسطي تقوم على أساس إخلاء المنطقة أو حق دولها في امتلاكه، مما يهدد بدخول المنطقة سباق تسلح نووي، وهو ما قد يهدد السلم الدولي بحيث لا يستطيع العالم معه إلا الخروج عن صمته، والضغط على اسرائيل بدخول معاهدة حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل.

ان الجامعة العربية، ورئيسها تحديداً، مطالبة بالعمل على بلورة سياسة عربية من النووي الشرق أوسطي، سياسة تقوم على اعتبار النووي والصراع العربي الإسرائيلي أولوية دائمة ومصيرية تقام لأجلها المؤسسات والهيئات وترصد لها الموازنات، بعيداً عن المعالجات الارتجالية والموسمية، لا سيما وأن هاتين القضيتين تشكلان على الأقل رسمياً اجماعاً عربياً وقاسماً مشتركاً يجب ألا يتأثر بما يشهده الوطن العربي من صراع واقتتال.

التعليقات