رسالة من داخل الأسر : محمد عساف يرسم البسمة على وجوه الأسرى الفلسطينيين

رسالة من داخل الأسر : محمد عساف يرسم البسمة على وجوه الأسرى الفلسطينيين
رام الله - دنيا الوطن

بقلم الأسير الفلسطيني إبن مدينة القدس: حسام زهدي شاهين
محكوم 27 عام ومعتقل منذ 28/1/2004 سجن جلبوع المركزي :


أطل علينا هذا الموسم برنامج "محبوب العرب" الذي تبثه قناة ال MBC بحلة جديدة ، فكثرة الأصوات العربية الجميلة على امتداد مساحة وطننا العربي الكبير، وضعت المواطن العربي في حيرة أمام اختياراته، وليس فقط لجنة التحكيم الموقرة . ولا شك أن هذا البرنامج الذي يساهم في اكتشاف المواهب العربية الخلاقة، وضخ الساحة الفنية بمزيد من الأصوات الطربية الأصيلة؛ يعتبر من أكثر البرامج العربية التزاماً بالمقاييس المهنية والفنية؛ وهذا ما أكدته القرارات الحكيمة التي اتخذتها لجنة التحكيم على مدار الأسابيع الماضية، باستثناء منح بطاقة الإنقاذ في لحظة مبكرة، عدى عن كونها أٌسْتُخدِمَت لصالح شخص تم انقاذه سابقاً، مما ميزه عن بقية زملاءه بحصوله على فرصتين متتاليتين في الوقت الذي حُرِم فيه آخرين من فرصة واحدة. الأمر الذي لاقى جدالاً وانتقاداً واسعاً في صفوف الأسرى.

قد يستغرب البعض من اهتمام الأسرى بهذه التفاصيل؛ غير أن مؤشر الحقيقة في "المجتمع الإعتقالي" يؤكد أن تفاعل الأسرى مع القضايا الوطنية والقومية يحمل في طياته بعدا واقعياً راقياً؛ حول كل فعل تقدمي في إبراز الوجه الحضاري لأمتنا العربية. ومن وجهة نظرنا يعتبر "محبوب العرب" برنامجاً فنياً قومياً بامتياز. ونحن الفلسطينيون نمتلك فيه عمقاً وطنياً ذو مظلة قومية من خلال الشاب الموهوب محمد عساف؛ الصوت الفلسطيني الذي تصدح حنجرته برشاقة شواطئ غزة هاشم، وعنفوان جبال الكرمل والجليل، وعذوبة ترانيم الروح في شوارع وأزقة القدس العتيقة!

فحياة الأسير مليئة بالهموم والعذابات اليومية، وجزء من الصراع الذي يديره الإحتلال خلف جدران السجون يستهدف اقتلاع الفرحة المصغرة -بحجم المكان الذي نُحتجز فيه- من قلوبنا بِنِيَةْ خدمة مشروعه المتواصل لكسر إرادة المناضل الفلسطيني والعربي. وبدورنا نسعى قدر الإمكان وفق الإمكانيات المتواضعة المتوفرة لدينا؛ إلى خلق وابتكار مصادر بهجتنا؛ والإستفادة من كل بارقة عطاء تخفف من وطأة الهجوم على معنوياتنا. وعلى هذا الدرب نواصل مشوار كفاحنا من أجل انتزاع حقوقنا من بين براثن المحتل الغاصب؛ وفي الآونة الأخيرة خضنا اضراباً مفتوحاً عن الطعام استمر قرابة الشهر، وكان من بين أهم مطالبه استعادة بث الفضائيات العربية، ومن بينها قناة mbc . فهل تعلم هذه الفضائيات أن ثمن مشاهدتها كلفنا آلاف الأطنان من اللحم البشري وعشرات الأمراض المزمنة؟!

طبعاً ارتأيت توضيح هذه المسألة حتى لا يفهم القارئ بأننا نمتلك وسائل ترفيهية مجانية أو أن الإحتلال يمن علينا؛ وإنما يحتاج كل ما يتوفر لدينا الى تضحيات جسمية. ومن حسن حظنا أنه جاء برنامج "محبوب العرب" ليُشكِلَ اضافةً نوعية، تُضفي اجواءاً من البهجة والفرح المؤقتين على حياة الأسرى القاسية، حيث تجد الجميع ملتف ليلتي الجمعة والسبت حول الشاشة الصغيرة في ظاهرة فريدة من نوعها قلما تتكرر في تاريخ الحركة الأسيرة.

وكأن الإيقاع الموسيقي الذي تعزفه الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو (ايلي العليا) ينقلنا الى عالم آخر غير الذي نعيش فيه، والى جانب البسمة الكبيرة والتصفيق الحار الذي تحظى به اطلالة الفنان محمد عساف، هناك معجبون ومشجعون لبقية المواهب المتنافسة، وان كانت النكهة الفلسطينية هي التي تطغى في غالب الأحيان؛ ويعود ذلك الى أن معظم الأسرى يرون في الحصول على اللقب انتصاراً فلسطينياً على الجهة الفنية، في إثر الإنتكاسات المتتالية على الجبهة السياسية، فالفلسطيني في هذه الأيام أحوج ما يكون الى تحقيق أي انجاز؛ ومحمد عساف يُمثل في هذه المرحلة الروح الفلسطينية التواقة للحرية والحياة الطبيعية والكريمة مثل بقية شعوب العالم! كما تُمثل برواس حسين عمق المأساة الكردية المتواصلة!.

إن المشهد التفاعلي مع البرنامج في داخل السجون يثير استفزاز السجان، ومع اقتراب البرنامج من نهايته، وارتفاع مستوى التفاعل والإنفعال مع حلقاته، تزداد نسبة التوتر بين الأسرى والسجانيين الذين يستكثرون هذه الفرحة الآنية على وجوه المعتقلين. وأياً كانت النتائج على صعيد التصويت، أو على صعيد الواقع الاعتقالي، فلا مفر أمامنا من تسجيل هذه الشهادة الفخرية بحق البرنامج والقائمين عليه، ونخص بالذكر لجنة التحكيم الرائعة التي امتازت بالمهنية والإنصاف، ويُشَبِهُها الأسرى إلى جانب مقدميّ البرنامج بأوتار العود الهفة.  وفي هذا السياق لابد من أن نعبر عن فخرنا واعتزازنا بالفنان الكبير راغب علامة وعباراته الوطنية القومية العروبية التي عبرت عن مدى حبه لفلسطين القضية والوطن والتي كان لها وقع كبير في نفوسنا كأسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

وفي النهاية تجدر الإشارة الى البراءة الطفولية التي يتعاطى فيها –مع البرنامج- العديد من الأسرى القدامى الذين مضى على احتجازهم أكثر من ربع قرن، فيكفي أن ترى البسمة على تقاسيمهم، وتستمع لنقاشاتهم المثيرة للإهتمام، لتعرف مدى اشتياقهم للحياة ومواكبتهم لتطوراتها، وتكتشف أن محمد عساف تمكن بجدارة من رسم البسمة على وجوه الأسرى !.

التعليقات