مجمع اللّغة العربيّة- حيفا يشارك بشكل فعّال في مؤتمر"لغة في عين العاصفة

رام الله - دنيا الوطن
انطلاقا من المسؤوليّة التي أخذها مجمع اللّغة العربيّة- حيفا على عاتقه في كل ما يتعلّق برفع شأن اللّغة العربيّة، وانسجاما مع إيمانه الرّاسخ بأهميّتها كلغة ذات تراث عريق، وكذلك لكونها لغة قوميّة لقطاع واسع من سكان هذه البلاد، وما ينتج عن ذلك من خصوصيّة تفرض اهتماما خاصا، فإن المرجعيّة الأكاديميّة لهذه اللّغة، الممثّلة رسميّا بمجمع اللّغة العربيّة- حيفا، تنظر باهتمام بالغ إلى كلّ من يساهم في دفع هذا الأمر خطوة إلى الأمام.

من هذا المنطلق جاءت مشاركة أعضاء من المجمع في مؤتمر "العربيّة: لغة في عين العاصفة" الذي عُقد في الأسبوع الماضي في القدس بناء على دعوة دراسات - المركز العربي للحقوق والسياسات ومعهد "فان لير"، ليناقش مكانة اللغة العربية في اسرائيل.

 تمثّلت مشاركة المجمع برئيسه البروفيسور محمود غنايم، وبنائبة الرئيس البروفيسورة إليانور صايغ- حداد، والبروفيسور ساسون سوميخ، والدكتور محمود كيال.

افتتحت الجلسة الأولى للمؤتمر بكلمة للبروفيسور محمود غنايم، عنوانها: "هل يمكن تخيل حيز ثنائي اللغة"، جاء فيها: "هل هناك إمكانية لإيجاد حيز لغوي ثنائي؟ وما مدى هذا الحيز؟ وهل لنا أن نتخيّل حيزًا لغويًا ثنائيًا في كل مكان في البلاد؟".

 وأضاف: "أنا أدعي أن ذلك ممكن بشكل محدود وفي نطاق معين، أو في مناطق معينة. ولكن الحديث عن حيز ثنائي كامل هو ضرب من الخيال" وقال: "إن البعد السياسي يلعب دورًا فاعلاً في إيجاد حيز لغوي ثنائي. ويمكننا هنا أن نطرح بعض الادعاءات السياسية التي يرى البعض أنها تقف حائلاً دون ذلك، مثلا: 1- ظروف دولة إسرائيل، كدولة شابّة ومحاطة بدول عربية معادية، تلقي بظلالها على كل ما هو عربي. 2- قيام دولة إسرائيل على أنقاض الهوية الفلسطينية كان يعني بصريح العبارة مسح وإزالة منهجية لكل ما له علاقة بهذه الهوية، ومن ضمنها اللغة العربية.

3- تحويل إسرائيل إلى دولة ثنائية اللغة هو خطوة في طريق تحويلها إلى دولة ثنائية القومية، وهذا مستحيل بالمفهوم المطلق. لذلك فسؤالي هنا هو: كيف يمكن تفادي الحساسية القومية في معالجة هذا الموضوع؟". ثم دار بعد ذلك نقاش شارك فيه  كل من البروفيسور محمد أمارة، والدكتور هليل كوهن، والدكتورة راوية بربارة، والبروفيسور ساسون سوميخ حيث قدّموا استنتاجاتهم  القيّمة حول ما أثير في هذه الجلسة.

أما الجلسة الثانية التي عُقدت تحت عنوان:" تدريس اللّغة العربيّة، أوجه لغويّة واثنيّه وقوميّة" فقد ترأستها البروفيسورة إليانور صايغ-حداد نائبة رئيس المجمع والمحاضرة في قسم اللسانيّات والأدب الانجليزي في جامعة بار-ايلان، حيث دارت كلمتها حول موضوعين أساسيين: الأول عن ماهيّة المعرفة اللغويّة المتبناة لتدريس اللغة العربية وما ينتج عن ذلك من  ماهية التربية اللغوية، وبالتالي دور اللغة في هذه العملية. أما  الموضوع الثاني فتناول مدى تقبل تدريس اللغة وقدرة تعامله مع واقع الازدواجية اللغوية. وهنا تساءلت ما إذا كان تدريس اللغة العربية قائما أساسا على تعليم المباني اللغوية كهدف بحد ذاته، أم على تطوير المهارات اللغوية الاتصالية كالكتابة والتحدث والقراءة والاستماع. ثم تساءلت أيضا عن المستوى اللغوي الذي يتبناه تدريس اللغة العربية ومدى ملاءمة المستوى اللغوي للهدف التربوي. كما ناقشت الازدواجية اللغوية والبعد اللغوي بين لغة المتعلم المحكية ولغة الكتاب المعيارية من خلال أبحاث لغوية حديثة.  وأضافت: "ما تقدّم يقودني لطرح تساؤل آخر: هل كان تدريس اللغة العربية واعيا للإسقاطات التعلمية للازدواجية القائمة بين المحكية والمعيارية؟". وقد شارك في هذه الجلسة كل من: د. ألون فراغمان، د .سوزي روسال، د.باسيليوس بواردي، د.يسري خزيران، ود. أريك سدان.

وقد أفرد المؤتمر في الجلسة المخصصة لكتابة العربيّة بالعبريّة  للدكتور محمود كيّال،  عضو مجمع اللغة العربيّة والمحاضر في جامعة تل أبيب، مداخلة تناول فيها موضوع التداخل اللغوي العبري في الأدب الفلسطيني المحلي، مؤكّدا أن هذا التداخل يعكس أزمة الهويّة في المجتمع الفلسطيني- الإسرائيلي المتمثلة في حالة من الصراع بين هويته المدنيّة وهويته القوميّة، كما أنه يرتبط ارتباطا وثيقا بالتداخل اللغوي العبري في اللغة العربية المحكية. ثم تطرّق إلى مفهوم التداخل اللغوي باعتباره تطبيق نظام لغوي للغة ما أثناء الكتابة أو المحادثة بلغة ثانية. ثم انتقل للحديث عن تجليات هذا التداخل في الأدب الفلسطيني. فأشار إلى أن التداخل اللغوي العبري اتخذ أشكالا مختلفة في الأدب الفلسطيني كما مر بمراحل متعددة تزامنت مع التغييرات التي طرأت على الصعيد اللغوي والسياسي والاجتماعي في المجتمع الفلسطيني، وبيّن أن مرحلة الثنائية اللغوية (منذ أواسط الثمانينات وحتى اليوم) تميزت باتساع احتكاك المواطنين العرب باللغة العبرية في كافة مرافق الحياة، كما ازداد بشكل واضح التداخل اللغوي العبري في اللغة العربيّة المحكيّة، بل واتسعت ظاهرة الكتابة المباشرة باللغة العبريّة من قبل المثقفين العرب. وبالتالي فقد طغى الإحساس بتفاقم أزمة الهويّة في المجتمع الفلسطيني-الإسرائيلي. أما التداخلات اللغويّة العبريّة في الأدب الفلسطيني المحلي فقد رآها  تزداد ازديادا ملحوظا، كما أصبحت أكثر تعقيدا وتركيبا نتيجة لازدياد ثقة الأدباء بلغتهم العبريّة.

وكانت هناك مشاركة لافتة للبروفسور ساسون سوميخ- عضو مجمع اللغة العربية الذي أعرب في كلمته عن تقديره لمباردي إقامة هذا المؤتمر ومنظميه. وقال: "إننا في هذا المؤتمر ننشئ أسلوبا جديدا للحوار فهو الأول من نوعه في اتخاذه اللغة العربيّة لغة للمحاضرات والنقاش طوال مدة انعقاده - فبهذا نخطو خطوة هامة  في اتجاه الحوار الحضاري -بأجلى معانيه- بين اللغتين والحضارتين. وواجبنا الآن أن نعدّ العدّة لمتابعة الخط الذي انتهجه مؤتمرنا، وعقد مؤتمرات مماثلة مرة أو مرتين كل عام، وجعل هذه اللقاءات برلمانا حضاريا نشطا".  ونوّه أن العربيّة في إسرائيل لغة أقليّة، "لكننا جميعا نأمل ان يتعلمها أبناء الأغلبيّة رغم أن الوضع في المدارس العبريّة وخارجها لا يدعو للتفاؤل".

ثم توقّف عند العربيّة التي تُدرّس منذ عشرات السنين في المئات من المدارس  العبريّة، إلا أن مدرسي العربيّة كثيرا ما يصيبهم الإحباط لأن موقف الطلاب وذويهم يتميّز بالتّراخي والإهمال.

وأوضح أن الطالب بعد إتمامه دراسته لا مجال له للاستمرار والحفاظ على المعلومات التي أتقنها في المدرسة بالنسبة للعاميّة والفصحى على حد سواء. وأضاف: "أنا شخصيا أقابل العشرات بل المئات من الناس الذين ما أن يتضح لهم أني أستاذ للأدب العربي حتى "يعترفوا" بأنهم  درسوا العربيّة في صباهم لمدة سنوات ولكن حصيلتهم من العربيّة "تبخرت" بعد تخرّجهم ودخولهم إلى معترك الحياة، وأمامنا تحدّيات وصعوبات يجب اختراقها - وواجبنا التفكير الجاد لبلوغ أنجع السبل لتحقيق هذا الاختراق".

يذكر أن مناقشات المؤتمر جرت باللغة العربيّة، مع ترجمة فوريّة إلى العبريّة، في خطوة نادرة في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، وهو ما أراده المنظمون للتدليل على الأهمية العملية والرمزية للغة العربيّة إزاء المحاولات المتكرّرة الرّامية إلى إلغاء مكانتها كلغة رسميّة في إسرائيل وإلى إنكار موقعها ضمن المشهد اللغوي!

التعليقات