محاولة اغتيال القائد صلاح خلف "ابو اياد" في بلجراد

محاولة اغتيال القائد صلاح خلف "ابو اياد" في بلجراد
عبد الرحيم نتيل 
من منا لا يتذكر حجم الهجمة الشرسة علي قيادات العمل الوطني الفلسطيني في فترة السبعينيات و بداية الثمانينيات من القرن الماضي .. هذه الهجمة التي تزامنت و اشتداد الهجمة العسكرية الاسرائيلية علي الوجود الفلسطيني بمجمله علي الساحة اللبنانية و بشكل خاص علي الجنوب .. بشكل اجتياحات و انزالات بحرية .. و علي بيروت بغارات جوية و قصف و عمليات اغتيالات ..
اما في الساحة الاوروبية .. فقد تزامن العمل و تشابه في شقي الساحة شرقيها و غربيها .. ففي ساحة اوروبا الشرقية .. كان الاستهداف لقيادة الثورة الفلسطينية من قبل مجموعات ابو نضال ( صبري البنا ) ..
و في ساحة اوروبا الغربية .. كان الاستهداف لقيادة الثورة و بنشاط واضح من قبل جهاز المخابرات الاسرائيلية ( الموساد ) ..
ففي نفس العام الذي حاولت فيه مجموعات ( صبري البنا ) ابو نضال .. اغتيال القائد / صلاح خلف في يوغسلافيا .. قامت المخابرات الاسرائيلية ( الموساد ) بعد شهور معدودة بتنفيذ عملية اغتيال القائد / ماجد ابو شرار في روما .. و نفذوا عمليتهم بنجاح ...
كانت الاحداث تتواتر و كأن هناك اتفاق علي الخلاص من قيادات العمل الوطني الفلسطيني بأي شكل من الاشكال .. و كأن هناك تنسيق بين مخابرات بعض الانظمة العربية و المخابرات الاسرائيلية .. مما يوحي بأن هناك من يوجه هؤلاء و يقودهم و يوزع عليهم الادوار .. و ان هذه الحرب الخفية لها ادارة خفية تشرف عليها .. و توزع المهام علي هؤلاء .. و تشير اصابع الاتهام الي اميركا .. و وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية .. التي صنعت من سفاراتها قواعد انطلاق و تأمين عودة لفرق التنفيذ المهماتي لفرق الاغتيال الاسرائيلية .. لان الرقابة و الرصد مكثف علي السفارات الاسرائيلية ..
و اما اتباع اجهزة المخابرات العربية .. فكان لهم تبريرات غير واقعية و لا تمت للصحة بشيء .. و تسيء لقيادة الثورة الفلسطينية .. و تتهمها في كثير من الاحيان بالخيانة و التحالف مع الدول الرجعية ..ان لم تتوافق و مطالبهم .. ليغطوا علي عمالتهم للمخابرات الامريكية .. التي تصب في النهاية لخدمة بقاء الكيان الصهيوني و المحافظة علي وجوده ..
في مطلع عام 1981 و اثناء زيارة زيارة القائد / صلاح خلف و القائد / ابو محمد العمري الي يوغسلافيا .. وضعت خطة لأغتيالهم في العاصمة بلجراد .. حيث تم استئجار شقة في الشارع المؤدي لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية و علي مقربة منه ... في 91 في شارع فليبيو فليبيو فتش ما بين أوتيل موسكوفا و مكتب منظمة التحرير الفلسطينية .. قام مجهولين بألقاء قنبلة يدوية علي السيارة التي كانت تقل ابو اياد و ابو محمد . . مما تسبب بأصابة ابو محمد بجراح طفيفه و اثرت فقط علي اذنه ..
يقول اللواء / زكريا بعلوشة :
توجه ابو الهول ( هايل عبد الحميد ) علي الفور الي مكتب الاخ القائد / ابو عمار .. و قال له : بدي أطلع الشباب يجيبوا ال ضربوا القنبلة علي ابو اياد و ابو محمد العمري ..
قال ابو عمار : ابعت زكريا بعلوشة و طلال ابو زيد
اشار لي ابو عمار .. واتجهت نحوه ... و كان يكتب اسم علي ورقة ...
اعطاني الورقة ... و قال : جيب ده .. ( مكتوب فيها اسم شخص م ع – قبرص )
ذهبنا الي قبرص انا و طلال و رصدنا ( م – ع ) مسئول عمليات ابو نضال في ساحة اوروبا الشرقية الذي كان يقيم في قبرص ..
قمنا بخطفه و تخديره و نقلناه مخدراً من قبرص الي بيروت ..
حققنا معه .. و اعترف انهم وراء عملية الاغتيال و ان الذي قام بمحاولة الاغتيال يدعي ( س ص ك ) و اشار الي ان التحضير يتم لاغتيال السفير / ابراهيم الخطيب .... ( علماً ان السفير ابراهيم الخطيب كان من اصدقاء صبري البنا المقربين ) ..
و ابلغنا ( م ع ) عن مكان مستودع الاسلحة الخاص بجماعة ابو نضال .. و عن موقع مسدس الميكاروف الذي سيستخدم لاغتيال السفير / ابراهيم الخطيب ..
بقول زكريا بعلوشه :
سافرنا انا و طلال ابو زيد الي بلجراد ..
هناك قابلنا ضابط اسمه نايبوشي .. عرف نفسه مسئول الشئون العربية في الامن الداخلي اليوغسلافي ... و كان ابوه وزير الداخلية الاتحادي في يوغسلافيا .. رجل يتمتع بشخصية ذكية .. و يعرف ظروف العمل الفلسطيني جيداً ...
حاول نايبوشي ان يفهمنا .. انهم لا يستطيعوا ان يسلمونا أي شخص .. لانهم لا يريدوا الدخول في مشاكل مع العراق ..
و لان مدير المخابرات العراقية برزان التكريتي كان صديق لهم .. و و يزورهم دوماً ..
و عزمنا علي الغداء في اليوم التالي ... في مطعم القطار في بلجراد .. ( هذا المطعم جلس فيه كارتر عندما زار بلجراد ) ..
جلسنا علي مائدة عمل مع السيد نايبوشي و السيد يوفو مسئول الامن الداخلي في بلجراد و شخص ثالث ..
و قدمنا لهم الملحق الثقافي في مكتب منظمة التحرير / بدر عقل ( المترجم ) ..
المقدم زكريا بعلوشة و الرائد طلال ابو زيد
كان النقاش جدي جداً بيننا .... و أكد فيه يوفو انه لا يستطيع تلبية ما نريد ..
قلنا له : انتم دولة صديقة .. و حزب حاكم صديق ... و لهذا أتينا لكم بشكل مكشوف ...
كنا قادرين علي خطفه لأي بلد مجاور ...
قال يوفو : و نحن علي علاقة خاصة مع برزان التكريتي ... و ايضاً نحن الذين نستورد البرتقال من غزة و الذي لم تستورده أي دولة عربية .. و نحن الذين ندرب لكم الطيارين الفلسطينيين .. و ندرب لكم كتيبة دبابات .. فلا تحاولوا ان تخسرونا ...
غادرنا القاعة بعد الغداء الي فندق موسكوفا في بلجراد .. و في الفندق اتصلت بالاخ القائد ابو عمار و قلت له : ان يوفو هذا يهودي و يكرهنا .. و هددنا بأن لنا طرفهم طيارين متدربيين و كتيبة دبابات ..
قال القائد ابو عمار : اكتب له كتابة انك تريد هذا الشخص و زميله الذي ساعده في العملية ... و اذا اراد ان يوقف التدريب .. قول له : اننا ندفع ثمن حبة الزيتون .. و ممكن أوديهم يدربوا في باكستان او بلجيكا ... و ان هذا سلوكاً غير صادق في التعامل الحزبي .. و سيب بلجراد و متعرفهمش انتا رايح فين ..
فعلت كما طلب القائد / ياسر عرفات .. و طلبت من الاخ ابو علاء ( ج ج ) ضابط الامن في الساحة اليوغسلافية ان يحجز لنا تذكرتي سفر بالقطار و تذكرتين بالطائرة الي صوفيا – بلغاريا .. علي ان يحضرها في الصباح الباكر .. و يصطحبنا انا و طلال ابو زيد الي المطار او القطار .. و تحدثنا مع سفيرنا في صوفيا / الاخ ابو هشام .. الذي ابلغنا فيما بعد ان البلغار يسمحوا لنا بالقدوم الي صوفيا ...
مكثنا عشر ساعات في القطار الي صوفيا .. و مكثنا في صوفيا يومين .. و في اليوم الثالث اتصل بنا السفير ابراهيم الخطيب و قال : الجماعة عايزينكم بسرعة ..
فقلت له : بشرط ان يسلموا لنا ( س ص ك ) ..
تشاورت مع سفيرنا في بلغاريا و قال : يستحسن ان تذهبوا .. و تحدثت مع مكتب القائد ابو عمار : و وافق علي عودتنا و الاتصال بالسفير ابراهيم الخطيب ..
ذهبنا بالطائرة الي بلجراد كما طلب منا .. فوجدنا في انتظارنا في المطار الاخ ابو علاء ضابط امن الساحة .. و الجماعة اليوغسلاف .. الذين اخذونا الي فندق يوغسلافيا .. أكبر فندق في بلجراد يقع علي نهر الراين ..
في الليل .. جلسنا في عشاء عمل في احدى صالات الفندق مع السيد يوفو .. هذا الرجل الذي أكال المديح للقائد ابو اياد .. ووصفه بالرجل العاقل .. و انه كثيراً ما يأتي الي بلجراد للاستراحة او العلاج .. و ان ابو اياد أشرف علي تخريج دورة حماية الشخصيات ... و قال يوفو لي : اعتقد ان الدورة كانت ستتبع لك سيد زكريا ؟؟ فانا عرفت امس انهم سيتبعون لك ..
ملاحظة : (( كان من ضمن المتدربين في الدورة المدعو / حمزة ابو زيد .. الذي أغتال القادة الثلاث ابو اياد و ابو الهول و العمري .في تونس .. و كان مكلفاً من ابو نضال البنا ... وان هذه المجموعة التي تدربت في يوغسلافيا .. قام بتجميعها السيد / ابو بشير مساعد زكريا بعلوشة .. و الذي كان مفروز للعمل معه من الدائرة السياسية و يعتبر من رجال القائد / ابو اللطف ... و قد قام ابو بشير باختيارهم من مخيم الوحدات و اربد .. و كان فيهم هذا الأختراق لأبو نضال – صبري البنا ..
يقول زكريا بعلوشة : عرفت ذلك من القائد ابو اياد حين قابلته بعد ذلك في الجزائر ..
قال لي : خرجت لك دورة من يوغسلافيا .. و كانوا لا يملكون مصاريف .. و أعطيتهم مبلغ .. علي ان يسددوه للصندوق القومي ..
و قلت لابو اياد : أنا لا اعرف عن هذه الدورة أي شيء .. سوى انه قام بأختيارهم مساعدي / ابو بشير .. و لم ارشح انا أي احد منهم .. ))
و استكمل يوفو حديثه : ان له ايضاً علاقات مميزة مع مدير المخابرات العراقية برزان التكريتي .. (( برزان التكريتي من أشد المعادين لحركة فتح و قيادتها ))
و كنت اعرف ان التكريتي يقوم بتوزيع ساعات رولكس الباهضة الثمن علي اصحاب هذه العلاقات معه .. و كان يوفو يضع في يده ساعة من نفس النوع ..
قلت له : سيد يوفو .. نحن مناضلون .. و لا نملك مناجم ذهب او أبار نفط .. و لا نقدم هدايا ساعات رولكس مثل برزان التكريتي .. نشكركم علي العشاء .. اما ان تلبي طلبنا ... او نرحل ؟؟؟
و ارج وان تبلغني متى ستقوموا بترحيل متدربينا من طيارين و كتيبة دبابات ؟؟
قال يوفو : سنتقابل غداً
في الصباح تقابلنا مع يوفو و استكملنا الحديث و أبلغناه ان هناك مخزن اسلحة في العنوان 91 فيليبو فليبوفيتش و مسدس ميكاروف مخبأ في الغابة .. يراد استخدامه لأغتيال السفير .. فارسل معنا وحدة متفجرات للبحث عن المسدس في الغابة .. حيث كان معنا مخطط كروكي يوضح المكان ..
و كان ان اكتشف مكانه الزميل / ابو نائل ( طلال ابو زيد ) .. فقام يوفو بتكليف قوة مداهمة لعنوان مخزن الاسلحة .. فوجدوا رشاش سكربيون مع مخازن ذخيرة و قنابل F1 .. فاستلموا كل شيء .. علي ان نجلس في المساء ..
في جلسة المساء ابلغنا السيد يوفو .. انهم بعد استجواب ( س ص ك ) اخذوا قرار بترحيله لأي بلد .. و أن علينا ان نخطفه من البلد الذي سيرحلوه اليه ..
قلت له : سيد يوفو .. عليكم ترحيله لأي بلد امبريالي .. و نحن نستطيع ان نخطفه من هناك .. بعد اعلامنا بموعد و مكان الترحيل ..
فقال يوفو : سنرحله الي روما ..... و وافقنا علي هذا و غادرنا الي بيروت .
بعد اقل من شهر اتصل بي الاخ / ابو الهول ( هايل عبد الحميد ) .. عند الثالثة و النصف صباحاً و قال لي : تعال لي علي البيت ..
ذهبت .. فوجدت الاخ ابو اياد .. و السفير اليوغسلافي ..
قال الاخ ابو اياد : بدهم يرحلوا هذا الولد الي مطار روما ..
قلت لهم : او كي ... سأحضره معي ..
اتصلت تلفونياً بمسئول الأمن في ايطاليا المرحوم / كمال يوسف .. و قلت له : سيتم كذا .. و كذا ..
عليك ان تستقبله في المطار و تحجز له تذكرة سفر روما – بيروت – عمان .. حتى يطمئن .. و تعامل معه كأنك سكرتير السفارة الاردنية .. و عليك الاتصال بالضابط الايطالي ( ! ) و سيسهل لك كل شيء ... و أعطيته كلمة السر .. و ابلغته ان يقول للضابط الايطالي انه سيسافر معه الي بيروت ..
في صباح 5 / 10 / 1981 ذهبت للمالية في بيروت لأخذ مبلغ من المال لأشتري تذاكر سفر الي روما .. و انا في مكتب المالية علي الطابق الثاني تفجرت سيارة في الشارع اسفل المبنى .. فأصبت جراء ذلك باصابات شديدة بفعل تطاير زجاج المبنى .. فنزلت الي سيارتي و قدتها الي مستشفي بيروت غارقا ً في الدماء .. اخذت من السيارة شنطة يد صغيرة فيها جهاز اللاسلكي و المسدس .. و توجهت لداخل مبني المستشفى .. وحضر الاخ طلال ابو زيد الذي اخذ شنطتي و ابلغته عن اتفاقي و الاخ كمال يوسف و موعد حضورهم من روما الي بيروت .. و دخلت في حالة اغماء لمدة ساعة ..
غادر طلال ابو زيد بيروت الي روما ليصل علي موعد طائرة يوغسلافيا .. و فعلا تقابل و الاخ ابو يوسف الذي كان ينتظر ايضا في المطار .. و حضر الشاب الي مطار روما .. و استلمه ابو يوسف الذي اجاد دوره كسكرتير للسفارة الاردنية .. و قال للشاب : انتم الفلسطينيون مشاغبون .. هذا الضابط سيصطحبك الي عمان ( كان يشير الي طلال ابو زيد )
وصلت الطائرة الي مطار بيروت الرابعة و الثلث عصراً .. و كانت تنتظر سيارة خاصة ..
اخذ طلال ابو زيد الشاب .. و قال له تعال نعمل تحويل للتذاكر من مكتب الطيران في الترانزيت .. و نزل الاثنين .. و أخذوه في السيارة خارج المطار .. الي مكتب التحقيق ..
كان هناك الاخوة ابو الهول و ابو اياد و ابو حميد ( رحمة الله عليهم ) ..
قال الشاب : اين انا ؟؟
قال ابو الهول : عند الموساد ... و حين تمعن الشاب في ابو اياد و عرفه .. تبول علي نفسه ..
استجوب ( س ص ك ) و بناءاً علي اعترافاته حوكم .. و سجن .. و اشعنا انه أعدم ..
بعد فترة من الزمن .. حضر الي بيتي الأخ / ابو حسين الحجاوي .. و قال لي : بيسلم عليك العقيد / عبد الرحمن من المخابرات السورية .. (( في تلك الفترة كان ابو نضال البنا ينقل بعض اعماله الي دمشق )) ..
سألني ابو حسين الحجاوي : لماذا أعدمتم الشاب ؟؟ لم يقتل ابو اياد ؟؟ و لم يجرح ..
افهمته ان الشاب لم يعدم .. و هو حي يرزق ..
فقال ابو حسين الحجاوي : كانت عندهم معلومات ان الشاب اعدم .. و سألوني : فقلت لهم زكريا صديقي .. و سأفهم منه كل شيء ؟؟
قلت له : اعتبر ان القضية أغلقت .. و يكفي ان تعرف ان النظام السوري يعمل ضدنا في الساحة العربية و الدولية ...

عبد الرحيم خليل نتيل
المسئول الاعلامي للهيئة الوطنية للمتقاعين العسكريين
في الوطن و الشتات
الجزء القادم : كشف عميل الموساد / ابو السعيد الطيبي

التعليقات