دنيا الوطن من تل المنطار بغزة: حكاية موسم المنطار .. والرجل الذي طار أثناء تشييع جنازته واستقر فوق التل

دنيا الوطن من تل المنطار بغزة: حكاية موسم المنطار .. والرجل الذي طار أثناء تشييع جنازته واستقر فوق التل
غزة - دنيا الوطن-بشار طالب
يقع "تل المنطار" إلى الشرق من مركز مدينة غزة بنحو كيلومترين ونصف تقريباً،ويرتفع عن سطح البحر بنحو تسعين مترا ،وإلى جانب جمال هذا التل صاحب المنظر الخلاب،فإن لتل المنطار أهمية تاريخية عبر العصور المختلفة لم تنته إلى زماننا هذا،ولا تزال حكايات "تل المنطار" المشوقة يتناقلها الناس من الاجداد إلى الاحفاد في غزة..

يقول أبو يونس حرارة أحد سكان المكان والمعمرين فيه لدنيا الوطن أن جده الأكبر كان يروي له وهو صغير عن "تل المنطار" أن في زمن احتلال الصليبيين للبلاد أراد صلاح الدين الأيوبي تحرير بيت المقدس  فقام بجمع الجيوش من جميع الدول الإسلامية والعربية فأتى بطريق البحر من مصر متجها لغزة وأقام معسكرا هو وجنوده حول تل المنطار .. وكانوا يدفنون المجاهد الذي يستشهد في آخر نقطة وصل إليها في مرحلة التحرير ..

موسم المنطار
يقول أبو يونس حرارة أن تسمية تل المنطار تعود لـ"علي المنطار" وهو احد ابرز القادة في حملة تحرير بيت المقدس والذي استشهد فوق التل وتم دفنه فوقه. ومن ذلك الوقت أصبح الناس يحتفلون بيوم استشهاد "المنطار" في كل سنة وأطلقوا عليه اسم " موسم المنطار"  .

 واستمرت الاحتفالات إلى عهد المؤسسات والمدارس الحكومية ، فكانت تعلق الدراسة والعمل في  موسم المنطار وكان المشايخ  يجتمعون في هذا المكان في حلقات للذكر و الطبول حاملين للأعلام فكل علم كان يمثل فئة معينة من المشايخ .

 موسم المنطار كان يبدأ من تاريخ 15-4 وينتهي بتاريخ 20-4  علما أن قرى غزة جميعها كانت  تجتمع متوجهة إلى التل للاحتفال بالموسم، حيث أصبح أهل غزة  ينتظرونه بفارغ الصبر لأنه يعمل على إنعاش الاقتصاد في المنطقة وذلك يعود لقدوم التجار من جميع البلدان العربية إلى غزة حاملين البضائع و أصبح هذا الوقت يعتبر من أهم الأوقات فكان يشبه العيد في أجواءه اليومية و أسواقه ،فتسود الراحة النفسية في نفوس المواطنين في غزة  بسبب المعاناة التي كانوا يعانوها من الفقر والأحوال السيئة فيعتبرون هذا الموسم مكملا للأعياد الدينية مثل عيد الأضحى وعيد الفطر . وبعد انتهاء الموسم يذهبون لجني الثمار والحبوب والقمح التي كانوا يعتمدون عليها  في تجارتهم في غزة .

ويضيف أبو يونس حرارة :"ان الفئة التي كانت تحتفل بهذا الموسم هم مشايخ الأزهر الشريف الصوفيين بسبب إتباعنا لهم في ذلك الوقت  حيث يعتبر تل المنطار كالسيدة زينب في مصر و سيدنا الحسين  فمراسم الاحتفال تتشابه بمراسم سيدنا الحسين والسيدة زينب في الوقت الحالي بمصر ،لكن الحكومات التي تعاقبت  في غزة اعتبرت أن هذه العادات غير حضارية ، فكانوا يفضون تجمع الناس لأن الموسم يجذب الكثير من الناس من الداخل ومن الدول العربية المجاورة ".

 ويقول أبو يونس :"أصبحنا نأخذ الإذن والموافقة من الحكومة للسماح لنا بممارسة هذه الشعائر ولكن فيما بعد صدر قرار رسمي بعدم التجمع بموافقة أو بدونها ومنذ ذلك الوقت توقفت الاحتفالات بموسم المنطار".

ويقول أبو يونس أن منطقة الشيخ رضوان والشيخ عجلين وتل المنطار كان يتم اعتبارها النقاط الحامية لغزة حيث كان المجاهدون يحرسون غزة ويسهرون ويرابطون في هذه النقاط الثلاث بسبب ارتفاعها عن مستوى البحر واعتبارها اقوي نقاط في المنطقة لأنه يتم كشف الحدود منها.

أما تل المنطار المنطار فكان يعتبر الدرع الحامي لغزة ويصعب على أي عدو اختراقه سواء في ذاك الوقت أو في زماننا هذا .

سبب التسمية والخلفية التاريخية للمنطقة

تتضارب المعلومات حول سبب التسمية الحقيقي لتل المنطار،وتختلف الروايات بين المعمرين في قطاع غزة ،حيث يتم تناقل روايات حقيقية وأخرى تعد خيالية ويصعب تصديقها .

المؤرخ الفلسطيني سليم المبيض تحدث في احدى كتاباته التاريخية عن "تل المنطار" ليقطع الطريق على كل الروايات والأساطير الخرافية التي تحدثت عن "تل المنطار"ويقول:"مع مجيء الفتح الاسلامي مع بداية القرن السابع الميلادي وتحرير الأرض الفلسطينية من الاحتلال البيزنطي، اتخذ الخلفاء الراشدون من التلال والجبال المشرفة على المدن الفلسطينية نقاطاً للحراسة والانذار المبكر Watch Tower أطلقوا عليها اسم "المنطار" أي مكان "النطرة" من قبل المجاهدين، وهذا هو المعنى والاسم الحقيقي لتل "المنطار"، أما أن يضاف لاسم المنطار اسماً آخر كأن يقال "الشيخ علي المنطار" المكنى بأبي سليمان فهذا اسم يعود لشخصية ظهرت في بداية القرن الثامن الهجري، أو الادعاء بأن رجلاً دينياً اسمه "ألمُن" قد "طار" أثناء تشييع جنازته واستقر فوق "التل" ومن هنا جاء اسمه "ألمُن طار" فهذا محض هراء تناقله عامة الناس.

 
موسم المنطار والحقبة الأيوبية

ويتحدث المبيض عن موسم المنطار:"ابتدع القائد صلاح الدين الأيوبي لأول مرة في تاريخ فلسطين ظاهرة "المواسم" الدينية موزعاً اياها توزيعاً جغرافياً، جاعلاً لكل مدينة رئيسة موسماً خاصاً بها يجمع أبناؤها وأبناء من حولها من القرى، بحيث تُغطي أرض فلسطين بكاملها في زمان محدد يقع بين أواخر شهر مارس وحتى نهاية شهر أبريل من كل عام، وهي فترة قدوم الفرنجة المسيحيين من خارج فلسطين لزيارة الأماكن المقدسة لكي يجدوا البلاد في حالة استنفار كامل قد احتشدوا جميعاً بكل قواهم يتبارون ويتبارز  فرسانهم في هذا الموسم، حتى إذا ما فكر الفرنجة في استغلال زيارتهم للعدوان، هب المحتفلون بالمواسم ضدهم، وتلك كانت الغاية العسكرية في ذهن صلاح الدين من هذه "المواسم".

وعليه كان "موسم النبي موسى" لمدينة القدس وما حولها بعد تحريرها عام 1187م، وموسم النبي صالح خاص بمدينة الرملة وقراها، أما موسم النبي روبين فكانت قاعدته مدينة يافا، في حين جعل لبدو النقب وشرق غزة "موسم المنطار" وخص مدينة غزة الفوقية بموسم خاص بها أطلق عليه "موسم دير الروم"يحتفل به أبناء غزة بالقرب من بابها الجنوبي "باب دير الروم" الذي يطلق عليه عامة الشعب "موسم الداروم" أو الدارون خاصة بعد أن ظفر بمدينة غزة وعسقلان ودير الروم (دير البلح) وفق اتفاقية صلح الرملة عام 1192م.

واللافت للنظر هنا أن يحظى "تل المنطار" بهذه المكانه في المدينة ليصبح موضعاً ومركزاً "لموسم" بفضل الشهيد الشيخ محمد البطاحي الذي أصبحت له ذاتيته المستقلة عن مدينة غزة الفوقية والتي لم يعد لها سور لتدميره أثناء الحروب الصليبية، وليصبح "تل المنطار" علماً تلتف حوله جميع القبائل العربية السابقة الذكر، والتي عززها القائد صلاح الدين بجنده من قبائل التركمان والأكراد والخوارزمية وأقطعها الأراضي الواقعة إلى الشرق من غزة وبخاصة تلك الواقعة بينها وبين "تل المنطار" لتصبح النواة لتأسيس "حي الشجاعية" بقسميه "التركمان" وجْدَيدة الأكراد "الجديدة" نسبة لتلك القبائل الداعمة لصلاح الدين، ولما أصبح لها من مكانة ديمغرافية وهيبة لا يستهان بها. تحتشد جميعاً بفرسانها يوم "موسم المنطار"، الاحتفال الذي يصادف يوم الخميس السابق ليوم عيد الفصح من كل عام.

 
 قلعة تركية عثمانية قوية ..

 بينما كان الجيش البريطاني يريد احتلال الدول العربية ابتداءا من فلسطين وتوجها لباقي الدول الإسلامية العربية وفرض السيطرة عليها وتدمير الخلافة الإسلامية في البلاد، كانت أولى محاولاته هي السيطرة على فلسطين يتبعها البلاد العربية الأخرى قدوما من واجهة جمهورية مصر العربية  لأنها كانت تعتبر مركزا للاحتلال البريطاني في ذلك الوقت . فبدأت المواجهات والمعركة الكبرى على مشارف تل المنطار ،استبسل فيها المقاتلين العرب الذي أطلق عليهم  اسم (طابور غزة ) حيث كان يعتبر الجيش الأول في عهد السلطان عبد الحميد،فدافعوا عن ارض  الوطن بأرواحهم وأجسادهم  و واجهوا الحملة البريطانية بكل قوتهم . حينها قامت القوات البريطانية بإحضار أعداد كبيرة من الجنود عبر أسطول بحري وقاموا بالالتفاف حول  غزة ابتداءا من الشيخ عجلين وانتهاء بمدينة جباليا. و قدر حجم الأسطول بقرابة إلـ  70 سفينة حربية.

  وبرغم قلة عدد الجنود العرب مقارنة بالجيش البريطاني إلا أنهم أوقعوا خسائر فادحة في صفوف الأعداء فانتهى اليوم الأول من المعركة بمقتل 40,000 جندي بريطاني . وفي ذلك الوقت قامت المدفعية المتمركزة على "تل المنطار" التي تعود للجيش العربي بقصف الأسطول البحري مما أجبرهم على  العودة إلى مركزهم في مصر وإيقاف الحملة البرية لمدة ثلاث سنوات متتالية ،ولكن في عام 1917  أعاد الجيش البريطاني الكرة مرة ثانية لاحتلال فلسطين ملتفا شرقا من جهة الأردن وذلك لصمود غزة وجيشها الباسل لمنع هذه الحملة ،فأتوها من الشرق ومن الشمال  إلى أن سقطت في يد الاحتلال البريطاني .

ويقول أبو يونس انه باعتقاده ان سبب سقوط غزة يعود الى سقوط العاصمة القدس الذي أدى إلى انهيار المعنويات لدى الجيش في غزة .

 
أهمية جغرافية الى وقتنا الحالي

ويكمل أبو يونس حديثه قائلا :"حتى هذا الوقت في ظل محاولات إسرائيل لاجتياح غزة تخشى إسرائيل منطقة تل المنطار ولا تستطيع الاقتراب منها فتقوم بالالتفاف من المنطقة الوسطى والمناطق الشمالية و المناطق الغربية  لأنها تعلم مدى صمود تل المنطار وصعوبة  كسر إرادة المجاهدين فيها . ولكن في عام 1976 قامت إسرائيل باجتياح غزة قدوما من منطقة جحر الديك وأقاموا الحواجز في شارع صلاح الدين لتقسم غزة إلى نصفين حتى تسهل عمليتها البرية  . فكان الجنود العرب القادمين من الجنوب يجهلون أن هذه الحواجز تعود للاسرائيلين ويعتقدون أنها تعود للجيش العربي، فبهذه الخطة استطاع الجيش الإسرائيلي تفكيك الجيش العربي والسيطرة على غزة ،وعند وصول الجيش الإسرائيلي لتل المنطار الذي كان يعتبر أقوى نقطة للجيش العربي جرت معركة كبيرة وتم تدمير 3 دبابات فيها وقتل عدد كبير من الجنود الاسرائيلين ".

ويضيف أبو يونس: " حتى في الحرب الأخيرة على غزة في عام 2008 لم تدخل إسرائيل إلى القطاع من منطقة المنطار ولم يكن تل المنطار سهل المنال على مر العصور ويعود ذلك لارتفاعه والقدرة على السيطرة على كافة أنحاء غزة من فوقه. مضيفا انه يمكن رؤية الأضواء والكشافات الإسرائيلية في داخل الأراضي المحتلة من هذا المكان".

 
مكان تاريخي وسياحي جميل..
 
يقول أبو يونس :"يمكننا من فوق تل المنطار مشاهدة أضواء مدينة القدس الخلابة و مدينة الخليل وبعض مدن الضفة الغربية ، وأيضا بعض الخلاء من مدينة السبع".

 و دعا الحاج أبو يونس بلدية غزة إلى جعل هذا التل مكان سياحي لروعة المنظر من فوقه حيث أوضح بأن الحكومة التركية اقترحت بناء مشروع فوق التل لتحلية المياه بسبب ملوحة المياه في تلك المنطقة ليعتبر هذا المشروع من ضمن المشروعات المساعدة للشعب الفلسطيني في غزة .

أبو يونس حرارة الذي قضى حياته على هذا التل يؤكد انه رغم أهمية المكان الإستراتيجية والتاريخية، إلا أنه أصبح اليوم مهملاً تتهدده أخطار عديدة من بينها مياه الأمطار التي باتت تجرف معها خلال الأعوام الأخيرة أجزاء من الطرق الطينية المؤدية للتل بفعل عدم تأهيلها وتعبيدها، إضافة إلى عزوف المستثمرين عن إنشاء المشاريع السياحية والترفيهية واستغلال الإرث الثقافي والحضاري لذلك التل الذي كان على مدار التاريخ بمثابة القلعة التي تصون غزة وتحميها من أي أخطار خارجية تحدق بها.

 يقول الحاج أبو يونس:"إن هناك خطر حقيقي يتهدد الطرق المؤدية للتل والذي أصبح يتعرض في أجزاء منه للتعرية جراء مياه الأمطار، داعياً إلى ضرورة تحسين البنية التحتية، بما يضمن الحفاظ على هذه المنطقة.

ويشير ابو يونس إلى الأهمية الكبيرة التي يحتلها المنطار ، باعتباره إرثا ثقافياً وتاريخياً لمدينة غزة هاشم يستوجب اهتماماً أكبر والعمل على النهوض بالموقع سياحياً واقتصادياً، معبراً عن انزعاجه من الاعتداءات التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي بين الحين والآخر بحق التل والمسجد المقام فوقه والذي يضم بجانبه قبرا يعتقد أن ولياً يدعى "على المنطار" دفن به ، مشيراً إلى أن التل كان على مدار التاريخ يغيظ الأعداء ويقهر جبروتهم.

تل المنطار










الحاج ابو يونس حرارة



تل المنطار بعدسة المصور سليم الزق







تل المنطار عام 1862

التعليقات