يسري غباشنة: ما يجري في الأردن تطاول على هيبة الدولة وغوغائية

يسري غباشنة: ما يجري في الأردن تطاول على هيبة الدولة وغوغائية
نعمة رابحة نوشك أن نخسرها

يسري غباشنة
كاتب اردني

لا يمكن وصف ما يجري في الأردن من التطاول على هيبة الدولة بأقل من الانفلات والغوغائية، ولا بأقل من( طعة وقايمة)، أو الميمعة التي يعيش المواطن في أجوائها غير آمن على حياته أو عرضه أو ماله؛ هذا الأمن الذي كان يعد ركيزة من ركائز استقرار المجتمع بأفراده ومؤسساته وعشائره، هذا الأمن الذي كنا نباهي الآخرين بامتلاكه والسعي في رزقنا تحت جناحه وظله، الأمن الذي استقطب المستثمرين ورؤوس الأموال ليعملوا آمنين مطمئنين على أرواحهم وأموالهم في بلدنا، وهو الأمن ذاته الذي شجع السياح والزائرين على ارتياد مصايفنا ومشاتينا وروابينا سياحة واستشفاء واستمتاعا، هو الأمن الذي ورد في القرآن الكريم كأولى أولويات الأفراد والجماعات.
إن تزايد أعمال الشغب آخذة في التمدد والتنوع؛ ابتداء من المباريات الرياضية وليس انتهاء بحدّ، مرورا بالشغب الذي يرافق تحقيق مطلب ما سياسي أو اقتصادي أو غيرهما، حتى أصبح تحضير الدواليب والحاويات وإعدادهما مسبقا من إكسسوارات هذا المطلب، وكذلك التعريج من هنا إلى العنف المجتمعي الذي أصبح ظاهرة تهدد كيان المجتمع وبقائه، وكذلك العنف في مؤسساتنا التعليمية بكافة مستوياتها من المدرسة إلى الجامعة، وغير هذا وذاك مما يستوجب الوقوف طويلا أمام هذه الظواهر التي تسري سريان السعير في هشيم يابس؛ إن احتراق أطراف حقل من القمح لا يعني أن وسط الحقل بناج من الهلاك والاحتراق. وعندما تسود الفوضى في الجفر وإربد لايعني أن السلط وذيبان بناجية منها؛ فما الأردن أيها النشامى إلا شجرة مباركة ولكن إن نخر السوس أحد أغصانها فسينسحب هذا على قمتها وجذورها فتهوي ولن يفيدنا بعد ذلك ما نذرف عليها من دموع الندم والتحسر.
إن فسرت الحرية على أنها انفلات فبئست هي، وإن فهمت الديمقراطية على أنها شلاليط ولكمات عندما نتحاور فتبا لمثل هكذا ديمقراطية، وإذا كان إصلاح السقف بهدمه على رؤوسنا فلا بارك الله بإصلاحنا. وفي الوقت الذي ينشغل فيه بعض المواطنين بالتكسير عقب انتهاء مباراة، ينشغل المقامرون وممتهنو الفساد والإفساد بنهب ما تطاله أيديهم القذرة من المال العام على أنه رزق سايب والرزق السايب يعلم السرسرة كما تعلمون. وإن بقينا على هذه الحال-لا قدر الله- فسنقتل أنفسنا بأيدينا لا بيد زيد ولا عمرو، وسننتحر وننحر معنا الوطن الذي لا ولن نجد كرامة وشرفا ورفعة في أرض غيره؛ فالهواء في الوطن أكثر نقاء وصفاء من الهواء المفلتر بعيدا عنه. وكما في البيئة تلوث كذلك في تصرفاتنا وسلوكاتنا تلوث ولوثة إن هدمنا صروح أمننا وقوضنا أركان أماننا.
الهيبة كلها في خطر. فهيبة؛ الأب تقلصت، والأم تراجعت، والمعلم تحطمت وتدهورت، والكبير تهاوت وانقرضت، وهيبة الدولة استبيحت منذ أن بدأ الحديث عن إلغاء دور الأجهزة الأمنية، ومنذ أن ارتفعت الرايات واللافتات في مهاجمتها، ومنذ أن لجأت الدولة إلى ما يعرف بالأمن الناعم الذي نتمنى أن يظل ناعما أمام الشرفاء الخلّص المطالبين بإصلاح ما أفسد الآخرون وما أكثرهم، ولكن يجب أن يكون خشن الملمس في وجه من يريد العبث بأمن الوطن والمواطن، هؤلاء الذين استقووا بدعم ممن لايريدون استقرارا وأمنا في جنة اسمها الأردن.

التعليقات