الضرائب على ابواب دول الخليج؟

الضرائب على ابواب دول الخليج؟
بقلم : خالد واكد

هل أصبح تطبيق نظام الضرائب المباشرة قاب قوسين أو أدنى في دول الخليج العربية؟. وهل سيشهد العام القادم 2012 التطبيق الفعلي لنظام الضرائب في أكثر من دولة خليجية، بعد أن أوصى كل من صندوق النقد العربي وكذلك البنك الدولي ومؤسسات دولية أخرى، بتطبيق النظام الضريبي؟

يبدو أن الضرائب أوشكت على أن تطرق أبواب المواطنين الخليجيين والمقيمين في هذه الدول لأول مرة في حياتهم، على الرغم من أن هذا الأمر لم يعتادوه على الإطلاق في أي وقت مضى، نظرا لأن دول مجلس التعاون كانت الوحيدة على مستوى منطقة الشرق الأوسط التي تعفي مواطنيها من جميع أشكال الضرائب.

فهناك قناعة متزايدة بأن تلجأ بعض دول مجلس التعاون الخليجي هذا العام إلى فرض نظام تحصيل ضريبي كجزء من إرساء قاعدة ضريبية فعالة تبدأ بضريبة استهلاك أو ما يسمى بضريبة القيمة المضافة (Value Added Tax). وزاد من هذه القناعة، ما أعلنته دولة الإمارات عن تطبيق ضريبة القيمة المضافة (VAT) رسميا، على 3 مراحل، بدءا العام القادم

سؤال مهم

لكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه الآن هو ما إذا كانت الفترة الحالية مناسبة لتطبيق هذا النوع من الضرائب خاصة أنه يتعلق مباشرة بالسلع والمنتجات؟ ويتزامن مع ارتفاع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة وانعكاس ذلك بصورة مباشرة على شكل ارتفاع كبير في أسعار السلع التي زادت خلال الأعوام الأخيرة إلى أكثر من 150 %.

مؤخرا أعلن مجلس الشئون الاقتصادية بإمارة دبي أنه استعرض مشروع ضريبة القيمة المضافة، وأن دوافع تطبيقها «تكمن في مفاوضات اتفاقيات التجارة الحرة بين دولة الإمارات وبعض دول العالم، والتي تستلزم تطبيق هذه الضريبة».

وبالرغم من أن ضريبة القيمة المضافة، هي من الضرائب غير المباشرة كتلك التي تفرضها دول الخليج دون أن تسميها ضرائب، إلا أن تطبيق مثل هذه الضريبة في نظر بعض المراقبين، قد يمثل بداية تعرف السكان والمقيمين في دول الخليج على مصطلح الضرائب، الذي ظل غائبا عنهم طيلة عقود من الزمن.

مفاوضات وتكتلات

وإذا ما طبقت الإمارات هذا النوع من الضرائب، فإن التوقعات تشير إلى أن دول الخليج الـ 5 الأخرى، ربما تحذو حذوها لاحقا خاصة في ظل التوصية التي قدمها البنك الدولي لدول مجلس التعاون بضرورة تطبيق هذه الضريبة.

وكانت دول مجلس التعاون الخليجي قد أعلنت أنها بحثت فرض ضريبة القيمة المضافة لتعويض الهبوط المتوقع في عائدات الجمارك بسبب انخفاض التعرفة الجمركية نتيجة للتوجهات العالمية والدخول في اتفاقيات التجارة الحرة وتطبيق بنود اتفاقيات منظمة التجارة العالمية.

وتفاوض دول مجلس التعاون الخليجي عددا من التكتلات الدولية من بينها الاتحاد الأوروبي لإبرام اتفاقيات للتجارة الحرة، وكذلك تجري مفاوضات مماثلة مع اليابان والهند وكوريا الجنوبية ودول أخرى للغرض نفسه.

ويقول خبراء إن تركيز السلطات الإماراتية على ضريبة القيمة المضافة، يعد بمثابة بديل ضريبي مناسب لدولة الإمارات التي لا تفرض أي نوع من الضرائب المباشرة أساسا، في الوقت الذي تجمع فيه دول كثيرة في العالم بين النظام الجمركي المعتاد وضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة، علما أن ضريبة القيمة المضافة تطبق في 140 دولة حول العالم.

ويبدي بعض الخبراء مخاوف من أن تتسبب زيادة الضرائب في تقليص القدرة التنافسية لدول الخليج على جذب الاستثمارات الأجنبية والداخلية التي تحتاج إليها لخلق فرص عمل لسكانها الذين يتزايد عددهم بشكل سريع.

محمد زاهر الباحث الاقتصادي في بنك الكويت الوطني قال لأريبيان بزنس أن تطبيق ضريبة القيمة المضافة، إذا لم يستغله التجار لرفع أسعار المواد المستوردة، فإنه قد لا يؤثر مباشرة على المستهلك.
أضاف زاهر "إذا صح ما يقوله المسئولون الخليجيون من أن معدل الضريبة سيكون في حدود، إن لم يكن أقل، من نسبة الرسوم الجمركية التي تفرضها دول الخليج حاليا،فإن المستهلك قد لا يشعر بالضريبة لأنه بدلا من دفع الرسم الجمركي سيتم دفع ضريبة الاستهلاك. أما إذا استغلها التجار لرفع الأسعار فستكون هناك مشكلة"
ولفت الباحث الاقتصادي في بنك الكويت الوطني إلى أن تطبيق ضريبة القيمة المضافة سيكون إجراء من شأنه تسهيل عملية جباية الرسوم الجمركية على سلطات الحدود والموانئ الخليجية بعد البدء بتطبيق السوق الخليجية المشتركة. فبدلا من تحصي الرسوم الجمركية على الحدود وإرسالها للدولة المعنية، تتولى الدول الخليجية ذاتها عملية التحصيل.

وهو امر حتمي :
يقول مسئولون إماراتيون إن هدف هذه الضريبة هو الوفاء بالأهداف السياسية الرامية إلى جعل دولة الإمارات مركزا عالميا للتجارة والخدمات المالية، والحفاظ على الميزة التنافسية للإمارات واستحداث نظام لهذه الضريبة يتوافق مع أفضل الممارسات العالمية.

وبحسب دراسة متكاملة أعدتها جمارك دبي، فإن هذه الضريبة التي سيتم إلغاء بقية الضرائب فور تطبيقها، ستساهم بخفض الأسعار، وليس ارتفاعها كما يعتقد الكثيرون.

وكانت الأمانة العامة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، قد كلفت دولة الإمارات العربية المتحدة بإجراء دراسة حول نظام ضريبة القيمة المضافة، في دول المجلس. وبناء على هذا التكليف قامت جمارك دبي بالتنسيق مع وزارة المالية والصناعة، بإجراء دراسة أولية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، وخلصت هذه الدراسة إلى أن فرض ضريبة القيمة المضافة أمر حتمي على دول مجلس التعاون.

من الآن
ومن جانبه رأى صندوق النقد العربي في دراسة حديثة له ضرورة قيام دول مجلس التعاون، بفرض ضريبة القيمة المضافة في وقت واحد لتفادي الآثار السلبية التي من الممكن أن تؤثر في حركة التجارة. وأشارت الدراسة إلى أن هناك مقومات تعزز من فرص نجاح مجلس التعاون في الاندماج، نظرا لكونه اتحاداً بين اقتصاديات متشابهة من حيث الموارد والتوجه الاقتصادي.

وفي ما يتعلق بالتنسيق الضريبي بين دول المجلس، قالت الدراسة أنه على الرغم من أن الضرائب المباشرة وغير المباشرة لا تلعب دوراً مهماً في اقتصاديات دول المجلس فإن بإمكان دول المجلس أن تبدأ بالتنسيق وحتى توحيد بعض النظم الضريبية من الآن لتهيئ الساحة لمستقبل قد تبرز فيه الحاجة لتفعيل دور الضرائب في الاقتصاد.
وأشارت الدراسة إلى أن الاتحاد الجمركي الخليجي الذي يطبق تعرفة جمركية موحدة، قد يضطر بعض دوله، التي كانت تطبق تعرفة جمركية أعلى من التعرفة الموحدة، إلى فرض ضريبة محلية تعويضية مثل ضريبة القيمة المضافة.
وأشارت الدراسة إلى أنه يصعب تطبيق هذه الضريبة بصورة منفردة عن بقية الدول الأعضاء في الاتحاد الجمركي نظرا لأن ذلك سيؤدي إلى حدوث تسرّب في الإيرادات بسبب إزالة الحدود الجمركية بين دول المجلس. وأكدت ضرورة قيام دول مجلس التعاون بالتفاوض حول وضع ضريبة قيمة مضافة موحدة أو متسقة على الأقل أي بدون فوارق كبيرة.
كما أوضحت الدراسة أن ضريبة القيمة المضافة تستهدف بشكل أساسي الاستهلاك، حيث إنها لا تطبق بشكل مباشر على القيمة المضافة نفسها وإنما تطبق بشكل يتتبع مراحل الإنتاج ويسمح بترحيل الأعباء الضريبية وتراكمها حتى المرحلة الأخيرة التي يتحملها المستهلك.

قال المدير العام لجمارك دبي إن الدائرة انتهت من وضع الدراسة الأولية لضريبة القيمة المضافة بشكل كامل، ويجري الآن وضع التفاصيل العملية لإجراءات التطبيق.

وأشار مدير جمارك دبي إلى أنه سيتم الانتهاء تماما من الإجراءات التنفيذية لتطبيق هذه الضريبة منتصف العام الحالي على أن تكون الإمارات جاهزة للتطبيق في بداية2012

ودافع عن الضريبة الجديدة، مؤكدا أنها لن تمثل عبئا جديدا على المستهلكين، لأنها مجرد بديل للجمارك التي تحصل بالفعل حاليا، مشيرا إلى أنه سيتم تخفيض النسبة إلى 3 % فقط بدلا من 5 % هي نسبة الجمارك التي يتم تحصيلها حاليا، كما أن الوعاء الضريبي أو بداية الربط الضريبي ستكون في ما لا يقل عن مليون دولار (الدولار = 3.67 درهم إماراتي)، وهذا يعني أنها ستحصل من كبار التجار فقط وليس من الصغار.

كما دافع عن فرض الضريبة على السلع محلية الصنع وكذلك الخدمات الأخرى، موضحا أن التصنيع المحلي في منطقة جبل علي أو غيرها من المناطق الصناعية يستهدف التصدير أساسا وليس السوق المحلية. كما أشار إلى أن المطاعم أو شركات المقاولات أو أي مقدم خدمة آخر ممن سيدفعون الضريبة، هم أساسا من مستوردي بعض السلع التي تحصل عليها الضريبة، وبالتالي فإنهم يستردون ما دفعوه من ضرائب من المستهلكين النهائيين.

وقال بن بطي إن الناس يخافون عادة من المجهول؛ لكنهم حين يعرفون الحقيقة فإنهم سيتجاوبون معنا، وسيتقبلون الأمر، مشيرا إلى أن عوائد هذه الضرائب التي رفض الكشف عن حجمها ستذهب أساسا إلى مشروعات البنية التحتية مثل بناء المدارس والمستشفيات والطرق، والتي ستعود بالنفع عموما على الجميع.

وتوقع أن تتفاوت الدول الخليجية في تطبيقها للضريبة الجديدة، موضحا أن الجميع الآن يدرسون الأمر بعناية، مشيرا أيضا إلى أن بدء التطبيق في الإمارات لن يؤثر على المستوى التنافسي للدولة.

وقال إن الضريبة الجديدة سيتم تطبيقها بشكل اتحادي على مستوى الدولة ككل، ولكن حصيلتها ستقوم بنسب معينة بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، مشيرا إلى أن بداية التحصيل ستتم من خلال جمارك دبي التي تمتلك طاقما فنيا جاهزا لذلك، كما أشار إلى التعاون المستمر مع المنافذ الأخرى داخل الدول ومع الدول الخليجية الأخرى؛ لتيسير تطبيق هذه الضريبة.

التعليقات