مصير الشهادات الجامعية التي لا يعترف بها أحد

مصير الشهادات الجامعية التي لا يعترف بها أحد
الكاتب: المهندسة سمر عطا الله
حركت بيانات وتصريحات المسؤولين في وزارة التربية والتعليم العالي حول أسس ومعايير القبول في الجامعات الفلسطينية، كثيرا من الأسئلة المشروعة والقلق والمخاوف حول مستقبل آلاف الطلبة الفلسطينيين الذين جرى قبولهم "استثنائيا" في الجامعات المحلية على الرغم من تدني معدلاتهم في الثانوية العامة عن 65 في المئة، واختراع ما تسميه بعض الجامعات "السنة التحضيرية" أي خلافا لقرارات وزارة التربية والتعليم العالي الصادرة في العام 2003. ومكمن القلق هو أن الوزارة أعلنت بوضوح أنها لن تصادق على شهادات أولئك الطلاب وهو ما يعني بوضوح أن تعبهم وكدهم وآلاف الدنانير والدولارات التي انفقها كل منهم، والأغلى مما سبق، الاحلام والآمال التي علقها الأهل على أبنائهم، ستذهب كلها أدراج الرياح، وأن شطرا من سنوات عمر هؤلاء الطلبة ستذهب بددا، وسينقضي دونما طائل، اللهم باستثناء الثقافة العامة والمعارف الاجتماعية!

التصريحات التي اشرنا إليها حركت بعض الدوائر في مياه ظن البعض أنها راكدة، وقد حفلت المواقع الاليكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات بالمقالات والتعليقات والاراء التي تناشد المسؤولين إيجاد حل بإلزام الجامعات التقيد بأحكام القانون وتعليمات الوزارة، وقد ذهبت آراء الباحثين والتربويين إلى المطالبة بإنقاذ التعليم ومستواه، ودعم مسارات التعليم المهني والتقني، فيما ركزت آراء الطلبة والأهالي على تبيان الظلم الفادح الذي لحق بهم من خلال الفخ الذي نصب لهم باستدراجهم لدراسة مساقات وبرامج لا تصادق عليها وزارة التربية والتعليم العالي، فكيف سيعترف بها سوق العمل المحلي والعربي؟

ردود الجامعات لم تتأخر كثيرا، فقد صدر تصريح رسمي عن ناطق باسم أحدها استعان فيه بالشعارات الوطنية وكيف أن جامعته توفر التعليم لمن حرمهم إياه الاحتلال والقهر والظلم والفقر، وعلى الرغم من كل الحماسة في تصريح الناطق باسم هذه الجامعة إلا أنه حاول التهرب من الإجابة على السؤال الرئيسي وهو عدم مصادقة وزارة التربية والتعليم العالي على شهادات البكالوريوس لمن كان معدله في الثانوية العامة دون ال 65 في المئة، وحاول الناطق الهروب بعيدا بالقول أن بإمكان هؤلاء الخريجين ( غير المعترف بشهاداتهم) أن يكملوا دراساتهم العليا في الوطن والخارج، كما أنه اعترف بجزء من الحقيقة بالقول أن جامعته لا تقبل من كان معدله دون الخامسة والستين من خريجي نفس السنة ولكنها تقبل من كان كذلك من خريجي السنوات السابقة، ولكن السؤال يبقى ماثلا ايها الناطق المحترم ويا ايها المدافعون عن الحكم الذاتي للجامعات الفلسطينية: هل ستعترف وزارتنا وحكومتنا بشهاداتكم؟ والإجابة طبعا نجدها صريحة مدوية في التصريحات الرسمية لمسؤولي الوزارة التي لم تميز بين خريجي العام نفسه والأعوام السابقة علما أن الجامعة المشار لها تقوم بعملية التفافية وهي احتجاز هؤلاء الطلبة لسنة كاملة تحت مسمى "سنة تحضيرية" ثم قبولهم في العام التالي بعد أن يصبحوا من خريجي السنوات السابقة.

ولخطورة هذه القضية فإنها تستحق أن تنتقل من دوائر الهموم الفردية والشخصية للطلبة وذويهم إلى دائرة اهتمام صناع القرار وبخاصة في وزارة التربية والتعليم، والحكومة، ومع إدراكنا لحجم المشاغل لدى القيادة الفلسطينية في ضوء الاستعدادات لاستحقاق أيلول والتحديات التي يواجهها شعبنا بأسره، إلا أننا نرى أن هذا الموضوع يستحق اهتماما كبيرا من قيادتنا التي تصل الليل بالنهار من أجل بناء دولتنا الفلسطينية وتجسيد استقلالها على أرض الواقع، لا سيما وأن تغليب المصالح الذاتية والفئوية، وبناء الاقطاعيات والامبراطوريات الشخصية في مرافق التعليم على حساب المواطن الفلسطيني وأولوياته سيلحق ضررا بليغا وأذى فادحا بمشروع بناء الدولة المستقلة، لأن من يعمل عامدا متعمدا على اختيار برامج وتخصصات أبعد ما تكون عن حاجات سوقنا المحلي، وضخ عشرات الآلاف من الخريجين إلى جيش البطالة النامي، وتخريج آلاف الطلبة ممن لا يعترف احد بشهاداتهم، فذلك هو من قبيل العبث والإضرار المقصود بالمشروع الوطني الفلسطيني، ومن كان حريصا على مقاومة الاحتلال ومقارعته فإن ذلك يكون عبر العناية بجودة التعليم وتحسين مخرجاته.

· باحثة واخصائية في تكنولوجيا التعليم

التعليقات