يا عسل... يا حلوة... يا أمورة

يا عسل... يا حلوة... يا أمورة
د.محمد العوضي

الحكاية بدأت منذ أن دعاني الأستاذ طه سراج خياط مشرف قاعة الفعاليات والأمسيات الثقافية لإلقاء محاضرة في مهرجان صيف أرامكو في السعودية بالرياض قبل رمضان.

أذهلني المهرجان الذي كان غير عادي، أخذوني قبل المحاضرة بساعة في جولة علمية من قاعة إلى أخرى ومن زاوية إلى التي بجوارها وكأنني في رحلة استكشافية بكل خطوة أضيف إلى عقلي معلومات عميقة بعرض مبسط تخدمها المجسمات والتكنولوجيا المتطورة ،إضافة إلى العرض التاريخي المبسط لمسيرة اكتشاف وتطور النفط في السعودية ودور أرامكو في ذلك.

أتمنى أن تستمر هذه الفعاليات المتفردة النوعية... كان الاهتمام كبيرا بالضيوف وبالجماهير الحاضرة واضحا من القائمين على النشاط الباهر ابتداء بالأستاذ عبد الله العيسى مدير شؤون أرامكو السعودية في المنطقة الوسطى إلى أصغر ناشط من الشباب.

قد تسألني وتقول كفى استرسالا في ما لا يعنينا نحن نريد حكاية الأمورة... العسل... الحلوة... وسر رسالتها!

حسنا، ولكن هناك ما هو أروع من كل هذه المحفزات اللذيذة... ولكنها روعة ممزوجة بلوعة وأحزان وأشجان.

قبل بدء الفعاليات الضخمة لصيف أرامكو بالرياض بـ (48) ساعة احترق موفق خياط شقيق الزميل طه خياط الذي كان يتواصل معي لترتيب إجراء السفر ومع سائر الضيوف في المهرجان الذي استمر قرابة شهر، وقبل انتهاء المهرجان بـ(48) ساعة توفي شقيقه موفق في المستشفى.

فكانت أياماً ثقيلة على طه جدا... جلست معه من اليوم الذي وصلت فيه اسأله عن شقيقه، فقال: أتدري كم هي المصيبة مفجعة بالنسبة لي، لأن أخي موفق كان اكبر مني ولكنه كان يعاملني وكأنني اكبر منه، كنا أصحاباً واخوة كان يحرص على رضاي، كان دائما معي وما جلوسي في الرياض الا لأنني إذا ذهبت إلى جدة يجعلني أتذكره وأراه في كل مكان فنترافق فيه معا...

كان وسيما والعجيب أن الناس عرفوه بالشخص الذي ليس له خصوم من شدة طيبته، كان حزننا عليه أكثر من حزننا على الوالد رحمه الله.

فكانت الألوف لا تنقطع عن العزاء... وجاءت امرأة يبدو عليها الفقر والتواضع ماذا هنا ولم هذا التجمع أين صاحب هذه السيارة؟ قالوا لها مات منذ يومين فذهبت تجري وجاءت معها بثلاث نسوة وجلسن يندبن حظهن ويبكين... وقالت أحداهن كان هذا الرجل صاحب السيارة لمدة خمس سنوات يأتي لنا بنفسه ويقدم لنا الطعام والحاجيات وغاب عنا في موعده وأخذت تخبط رأسها بالسيارة.

يا سادة ونحن في رمضان أليس مثل هذه القصة أولى من التوق والشوق إلى أخبار الحلوة... الأمورة... الجميلة... ومع ذلك لن أخيّب ظنكم...

كان المرحوم يمشي يومياً لمدة ساعة على كورنيش جدة الجميل وكانت امرأة في الثلاثين فارعة الطول ممشوقة القوام جميلة المحيا إذا مشت لفتت الأنظار وحركت شيطان الإنس، وكان المرحوم إذا صادف مشيته مرورها يقول لها كلمة واحدة (تحصني يا أختي) وكان صديقه عادل يمشي معه أياماً كثيرة..

ولاحظت المرأة غياب الرجل الناصح بلطف... فسألت بائع المرطبات أين الرجل الثاني الذي كان بصحبة هذا (تقصد صديقه عادل) فقال البائع لقد مات محترقا منذ ايام.

جاءت بعد يومين واستوقفت (عادل) في الممشى وبيدها ظرف وقالت: هذا الظرف فيه صدقة جارية للمرحوم.

ففي الوقت الذي كان الشباب وبعض الرجال يتحرشون بي فهذا يقول يا حلو... وذاك يا أمورة وثالث يا عسل ورابع يرمي لي (سي دي) وخامس رمى لي مفتاح سيارته الفارهة... كان المرحوم صاحبك لايزيد على قوله (تحصني يا أختي)... وما تراه من تغير لبسي إلى الاحتشام إلا بسبب كلماته الصادقة... هنيئا لمن أحبه الناس لأخلاقه... لإخلاصه... لحبه الخير... لسمعته الطيبة.

اللهم بارك لنا في ما بقي من الأيام الفضيلة في سمو أخلاقنا.

التعليقات