الأسد يطيح بـ"حبيب" بعد قنبلة "نيويورك تايمز"

الأسد يطيح بـ"حبيب" بعد قنبلة "نيويورك تايمز"
غزة - دنيا الوطن
ما أن أعلن الرئيس السوري بشار الأسد عن إقالة وزير الدفاع علي حبيب من منصبه وتعيين رئيس أركان الجيش داوود راجحة بدلا منه ، إلا وظهرت تفسيرات متباينة حول مغزى تلك الخطوة ، حيث ربطها البعض بتقارير ترددت مؤخرا حول وجود انقسام داخل بنية الطائفة العلوية الحاكمة ، فيما فسرها البعض الآخر بمحاولة من الأسد لامتصاص موجة الغضب العربية والإسلامية والدولية المتصاعدة ضده ، وبالطبع لكل من وجهتي النظر السابقتين ما يبررهما.

فالنسبة لوجهة النظر الأولى ، فإنها ترى أن إقالة علي حبيب في 8 أغسطس غير بعيدة عن القنبلة التي فجرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في مطلع أغسطس حول احتمال انقلاب العلويين على نظام الحكم ، خاصة وأن عائلة حبيب تعتبر أكبر من عائلة بشار الأسد داخل الطائفة العلوية.

صحيح أن تصريحات الأسد منذ تفجر الاحتجاجات المناهضة لنظام حكمه بعثت برسالة للجميع مفادها أنه سيواصل التحدي لأن ما يبقيه في السلطة هو الجهاز الأمني الضخم الذي أسسه والده حافظ الأسد والذي تسيطر عليه أسرته العلوية وهي طائفة شيعية تشكل أقلية في سوريا ، إلا أن قنبلة "نيويورك تايمز" جاءت على ما يبدو لتربك حساباته تماما في هذا الصدد .

فقد كشفت الصحيفة في تقرير لها أن العلويين الذين يشكلون 12% فقط من تعداد سكان سوريا قد أيد معظمهم الأسد خوفا من أنه إذا أطيح به فإنهم سيُذبحون ولذا يجب على المعارضة أن تقنع العلويين بأنهم يمكن أن ينقلبوا بأمان على نظام الأسد.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الأمر ليس بعيد الاحتمال كما يعتقد كثير من المراقبين ، قائلة :" مع تزايد أعداد القتلى بعد أن قتلت قوات الأمن نحو 1500 مدني منذ مارس/آذار لم يكن زعماء العلويين غافلين عن التقويض السريع لسلطة الحكومة السورية وعجزها عن استعادة السيطرة".

وأضافت " إذا اطمأن قادة العلويين البارزين إلى سلامتهم فإنهم قد يشرعون في سحب تأييدهم من أسرة الأسد ويجربوا حظهم مع -أو على الأقل يساعدون ضمنا- المعارضة وإشارة منهم يمكن أن تقنع قادة الجيش العلويين المتنفذين بالانشقاق وأخذ ضباط آخرين معهم".

وتابعت الصحيفة الأمريكية " العلويون كما هو معلوم سيطروا على سوريا منذ تولي حافظ الأسد السلطة عام 1970 ، لكن بخلاف أبيه لم يتمكن بشار أبدا من جعل الجهاز الأمني تحت سيطرته الكاملة منذ توليه السلطة عام 2000 ، وبدلا من ذلك حاول توسيع قاعدة النظام بالتقرب إلى السنة الذين يشكلون أغلبية السكان وتزوج امرأة سنية أسرتها من حمص -معقل الثورة الحالية- وشجع على بناء مساجد سنية ومدارس قرآنية".

واستطردت " رغم أن الأسد الابن لم يغير الهيمنة الكاملة لقوات الأمن السورية بواسطة عشيرته العلوية ، إلا أنه ترك لأخيه ماهر الأسد مسئولية تنظيم قطاع الأمن بمعاونة أبناء عمومته وأخواله الذين يسيطرون على الشرطة السرية المنتشرة في كل مكان".

وتابعت " منذ منتصف مارس/آذار وبعدما استفحل قمع المتظاهرين ، تخلص الجيش من بعض الضباط والجنود بمن في ذلك كثير من الجنود السنة لتقليل احتمال حدوث تمرد ولعبت الفرقة الرابعة السيئة السمعة بقيادة ماهر الأسد دورا هاما في حملة فرض النظام ويدعمها في ذلك جماعة منظمة من الشبيحة الذين يشكلون مليشيا موازية في ثياب مدنية".

وبناء على ما سبق ، أكدت الصحيفة الأمريكية أن العلويين إجمالا -وليس الجيش- هم الذين بيدهم مفتاح التغيير والإسراع بإسقاط نظام الأسد ، لكنهم يحتاجون إلى ضمانات من المعارضة قبل تخليهم عن الأسد.

وفجرت في هذا الصدد مفاجأة سارة مفادها أن بعض الزعماء الدينيين العلويين حاولوا في يوليو الماضي التقرب إلى شخصيات دينية سنية بما في ذلك قادة الإخوان المسلمين للحصول على ضمانات بحماية أمنهم في حقبة ما بعد الأسد .

وأضافت الصحيفة " ينبغي على المعارضة أن تقدم مثل هذه الوعود التي ستشجع العلويين جميعا على الانضمام إلى الثورة ، المسئولية تقع على عاتق الأغلبية السنية في تطمين العلويين والأقليات الأخرى مثل المسيحيين والدروز والشيعة الذين يعتقدون أنهم يحتاجون إلى حماية النظام بأنهم لن يتعرضوا لعمليات انتقامية ، والزعماء الدينيون والسياسيون من السنة يستطيعون إنقاذ سوريا من شيطانها الطائفي ".

واستطردت " السوريون وحدهم هم الذين يستطيعون بدء هذه العملية الحساسة ، فالحكومات الأجنبية، سواء كانت عربية أو غربية، لديها أدوار محدودة تلعبها ،  والوجدان السوري تشكله ذكريات تدخلات أجنبية، الشيء الذي لم يبتدعه نظام الأسد لكنه استغله ، ففي سوريا أي شخص يدعو لتدخل خارجي من المحتمل أن يوصم بالخيانة ولهذا فإن أي تهديد غربي بعمل عسكري سيضر بالمعارضة أكثر من النظام والقوى الخارجية يمكن أن تلعب دورا مفيدا بإعلان أنها لن تستخدم القوة العسكرية وهذا التصريح يمكن أن يضعف حجة الأسد بأن الانتفاضة نتيجة تدخل خارجي ويزيل مصدرا رئيسيا للقلق بين الأغلبية السورية المترددة".

واختتمت الصحيفة قائلة :" إن السوريين من كل الأطياف بدأوا يفهمون أن الجميع ضحية هذا النظام وأن المؤامرة الحقيقية هي التي تحيكها أسرة الأسد ويجب على قادة السنة أن يعملوا الآن لمنع الثورة من الانحدار إلى حرب أهلية بتطمين الأقليات بأنهم لن يواجهوا أعمالا انتقامية في سوريا الجديدة وهذا يمكن أن يدمج العلويين في صفوف المعارضة ويؤذن بنهاية النظام".

أنباء عودة رفعت الأسد

واللافت للانتباه أن القنبلة السابقة التي فجرتها "نيويورك تايمز" حول العلويين جاءت بعد أن أشار ناشطون سوريون في 22 يوليو إلى تزايد التقارير حول عودة رفعت الأسد عم الرئيس السوري بشار الأسد وشقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى سوريا لاستقطاب الطائفة العلوية ومشايخها في خضم المظاهرات التي تعيشها البلاد.

ولم يقف الأمر عند ما سبق ، فقد كشف الناشطون أيضا أنه تم وضع بعض مشايخ الطائفة العلوية قيد الإقامة الجبرية خوفا من تحريك الشارع العلوي الذي يحوي معارضين لنظام الأسد ، ولذا سارع للاستعانة بعمه الذي يرتبط اسمه في أذهان الشعب السوري بمذابح الثمانينات في حماة وكان غادر سوريا في التسعينات إثر خلافات مع حافظ الأسد .

وبصفة عامة وإلى حين التأكد من عودة رفعت الأسد إلى سوريا من عدمه ، فإن الإعلان عن إقالة حبيب الذي ينتمي للطائفة العلوية بعد أيام من قنبلة "نيويورك تايمز" هو أمر دفع البعض للاستغراب الشديد لدرجة لم يستبعدوا معها احتمال قتله واختفائه تماما قبل كشف حقائق كثيرة تفضح نظام الأسد .  
وفي المقابل ، تستبعد وجهة النظر الثانية الأمر السابق تماما وترجح أن إقالة حبيب هي "خدعة" جديدة من قبل نظام الأسد لامتصاص الغضب العربي والإسلامي والدولي المتصاعد ضده.

ففي 8 أغسطس ، أعلن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في بيان صادر عنه أن "الأمر جاوز الحد" في سوريا ولابد من إنهاء هذه المأساة.

وأضاف الطيب "الأزهر الذي صبر طويلا وتجنب الحديث عن الحالة السورية نظرا لحساسيتها في الحراك العربي الراهن يشعر بأن من حق الشعب السوري عليه أن يعلن الأزهر وبكل وضوح أن الأمر قد جاوز الحد وأنه لا مفر من وضع حد لهذه المأساة العربية الإسلامية".

وناشد شيخ الأزهر المسئولين في سوريا الشقيقة أن يرعوا هذا الشعب الأبي ، قائلا :" إن الشعب السوري وما يتعرض له من قمع واسع ومن استعمال لاقصى درجات العنف واعتقال وترويع ، كل ذلك يمثل مأساة انسانية لا يمكن قبولها ولا يجوز شرعا السكوت عنها".

وحذر الطيب الذي يترأس أكبر مؤسسة سنية في العالم الإسلامي من أن الدم لا يزيد الثورات إلا اشتعالا ، مشددا على ضرورة احترام حقوق الشعب السوري وحرياته وصيانة دمائه.

وطالب في هذا الصدد القيادة السورية بأن تعمل فورا على وقف إراقة الدماء وعلى الاستجابة للمطالب المشروعة للجماهير السورية استجابة صادقة واضحة.

كما أكد شيخ الأزهر فى بيانه أن سرعة استجابة السلطة السورية لإرادة الشعب وحقن دماء المواطنين سوف يفوت الفرصة على أى مخططات تعمل الآن على تفجير الشام المبارك من أقصاه إلى أقصاه .

وأهاب الطيب بالأخوة فى سوريا أن يتداركوا الدماء المسفوكة والأسر المتشتتة والمصائر المهددة ومواجهة الشعب الأعزل بالرصاص الحى دون جدوى وعلى مدى شهورعدة أهدرت فيها أرواح وانتهكت فيها حرمات وأعراض.

واختتم شيخ الأزهر بيانه بالدعاء "حفظ الله الشعب السوري آمنا حرا عزيزا كريما صامدا شامخا يرد كيد العدو ويشد ازر الصديق".

واللافت للانتباه أن بيان شيخ الأزهر جاء متزامنا مع قيام كل من الكويت والبحرين باستدعاء سفيريهما في دمشق للتشاور بعد ساعات من خطوة مماثلة أقدمت عليها السعودية .

وقال وزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد سالم الصباح للصحفيين إن الكويت استدعت سفيرها لدى سوريا للتشاور معه بشأن الوضع في هذا البلد ، مؤكدا أن الكويت أيدت موقف الرياض في هذا الصدد.

وأضاف الصباح أنه عندما يتجاوز عدد القتلى الأبرياء ألفين فإن ذلك أمر غير مقبول تماما، مشيرا إلى أن وزراء خارجية دول الخليج العربية سيجتمعون قريبا لمناقشة هذا الوضع .

وفي السياق ذاته ، أعلن وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد آل خليفة  على صفحته في موقع تويتر للتواصل الاجتماعي على الإنترنت عن استدعاء سفير بلاده في دمشق للتشاور ، مؤكدا أهمية انتهاج الحكمة في سوريا .  

التعليقات