بعض سفارات فلسطين..البيت الذي لا تدخله الشمس تسكنه العناكب.(ج3)

بعض سفارات فلسطين..البيت الذي لا تدخله الشمس تسكنه العناكب.(ج3)
سفارة فلسطينية
بعض سفارات فلسطين..البيت الذي لا تدخله الشمس تسكنه العناكب.(ج3)
فهـمي شــــــــراب*

يقول غسان كنفاني أن البيت الذي لا تدخله الشمس تسكنه العناكب، ونحن إذ نعالج الأداء الفلسطيني داخل السفارات نحاول أن نمرر بعض من أشعة الشمس داخل دهاليز وسراديب وأروقة السفارات المحصنة ضد المحاسبة والمساءلة ، وان نساعد في النهوض والارتقاء بالقضية الفلسطينية من خلال الأداء الدبلوماسي ووضعها في مقامها الأول لدى أجندات الدول الأخرى.

فقد قامت " إسرائيل" على أساس قرار التقسيم 181 لعام 1947 بناء على جهود دبلوماسية حثيثة ودءوبة، وقد وُجِدَت دول داعمة للحركة الصهيونية لان الدبلوماسية اليهودية آنذاك ما فتئت تُسخر جميع مقدرات الحركة الصهيونية، وقد كانت في ذروتها وفي أوج عطائها الذي لم ينقطع فيما بعد، وبنسبة فساد لا يتجاوز 0.5 بالمائة حسب ما جاء في خطاب للشيخ كمال الخطيب قبل عام. أما في البيت الفلسطيني في الخارج فهناك مهمة إضافية ملقاة على عاتق الفلسطينيين وجهد مضاعف يجب أن يبذلوه طالما أنهم تحت الاحتلال وذلك في ظل إمكانية تكرار التاريخ لنفسه واستنساخ نفس تجربة " إسرائيل" في الأمم المتحدة عام 1947، والمجهودات التي يجب أن تبذل الان في مساعدة الأخ الرئيس أبو مازن للوصول لإقامة دولة أيلول المرتقبة واستحقاقاتها.

وبرغم عدالة القضية الفلسطينية وسمو أخلاقياتها وأساليبها المختلفة في التحرر ونيل دولة مستقلة مستحقة ،فان ممثلي فلسطين في الخارج يضربون أروع الأمثال في إضاعة الحقوق الفلسطينية وإهدار المال العام وتبديد المقدرات بالتوزيع غير العادل للثروات، فان نسب الفساد تتخطى حدود العقل والمنطق. والدول المضيفة قد ضاقت ذرعا بسفاراتنا وبممثليها!!

ففي بعض السفارات يدخل للسلك الدبلوماسي " مراسل" كملحق أو رجل امن يصبح سكرتير ثالث فجأة، ومحاسب في سفارة بالخليج يصبح فجأة دبلوماسي وذلك بالواسطة فقط ولا شيء غيرها، وبعض السفراء وحتى صغار موظفي السفارات يهدرون الأموال بغير حق، ويوزعون المنح حسب الولاء وحسب المزاج، ففي ماليزيا عندما كنت هناك، وجدت سعادة السفير الدكتور عبد العزيز أبو غوش قد أعطى منحة دكتوراه لشخص يعمل برتبة رائد في الشرطة وهو من الذين فروا من غزة بعد الأحداث المؤسفة في يونيو 2007، ويتجاوز راتبه الألف دولار شهري وقيمة المنحة 430 دولار شهري، إضافة الى ان جميع تذاكر السفر على حساب المنحة. ومنحة أخرى لشخص أخر يعمل أيضا بدرجة مدير عام داخل احد الأجهزة التي يسيطر عليها دحلان وراتبه أكثر بكثير من آلاف دولار.
القصد أن هناك من لا راتب لهم ولا يستطيعون أن يعيلوا أنفسهم هم أولى وأحق، أم الغني عندنا يزداد غنا، والفقير يزداد فقرا؟؟؟ إنها معادلة ظالمة، وقسمة ضيزى.
وكانت مهمة الشباب الذين يحصلون على المنح جمع المعلومات عن الشباب والطلاب وتوريدها أول بأول للسفارة.
كاذب من قال بان السفارة مُسَخرة ومشرعة باب خدماتها لشباب حركة فتح فقط.... فالحقيقة انها تعمل من اجل طغمة من الصبية الانتهازيين التي تتنكر حركة فتح وغيرها من سوء أخلاقياتهم وطباعهم التي شوهت سمعتنا كفلسطينيين جميعا في الخارج.
وقس على ذلك كثيرا، والأسماء لدي للذي يريد أن يستفسر حول الأشخاص أصحاب المعدلات العادية الغير متفوقين.
والأدهى والأمر من ذلك أن تصبح مقرات السفارات أماكن للتحقيق. فلأي حاجة تحتاج السفارة مندوب مخابرات عامة؟.. هل نحن دولة بوليسية رجعية؟
لو ان باعث وجود هذا الشخص هو حماية امن الفلسطينيين ، لكنا قد تفهمنا الأمر
لكن وللأسف وجود مثل هذه الشخصيات بحد ذاته أصبح مصدر للتهديد والأذى داخل وخارج السفارة.
وان كنت أود ان أشير إلى ما اعرفه بناء على أدلة وشهادات حول أساليب البهدلة والتحقيقات السخيفة وحتى الاعتداء على الطلاب والأفراد من قبل سفارة فلسطين بقبرص اليونانية، إلا أنني سأتحدث بداية عن تجربتي الخاصة ، فعندما وصلت ماليزيا وذهبت للسفارة كأي فلسطيني، وإذ بالأخ العقيد سلامة سليم، "أبو إياد"، وهو خريج هندسة من الباكستان وهو من غزة أيضا، فلم يفلح في حياته كمهندس فالتحق بالأمن، وقد ولى الأدبار بعد أحداث 2007، ورقي من نقيب او رائد إلى عقيد، وبعد انتظار قاتل خارج مكتبه حيث ادعى بانه مشغول لنكتشف بان لا أحدا كان عنده، فيسألني أسئلة على شكل:
هل أنت حماس أم فتح؟ أين تسكن؟ ومع من؟ وما هي أسماؤهم؟ وأين يصلون؟ وما هي الخلفية الحزبية لهم؟ ومن يزورهم؟ وهل تعرف قيادات؟ هل لك علاقات وصداقات بحماس؟ أو اكتب لي قائمة بأسمائهم...
وبالطبع لم ترق إجاباتي له، لأنني لم أعطه ما أراد. وقد رأيت بان من رجال السفارة من يرسل في تهديد احد رجال الأعمال الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الأمريكية محاولا تشويه سمعته غير مترددا في إلصاق تهم العمالة والجوسسة له، حتى بلغ الأمر بهذا الرجل الفلسطيني ليتحدث مع السفير أمامي صارخا في وجهه بأنه من العار أن ترسلوا من السفارة من يهددني بالقتل! انه أمر مخزي وعيب، وقفل السماعة أمامي في وجه السفير. وكلما كلمه احد من الطلاب مستفهما صرخ في وجهه اذهب للجهاد الإسلامي ولحماس لكي تفيدك ويقفل السماعة في وجهه وقد حصل معي أيضا نفس الشيء !
لا يعني كلامي بهذا الشكل عن الأمن بأنني أضعه في أرذل المراحل وآخرها، لا.. بالعكس إنني اقدر الأمن الذي يعتبر مكمل أساسي للتنمية المستدامة وازدهار البلاد. الأمن الذي يحترم سيادة القانون ويطبقه على الجميع. ويساوي بين الناس.. ولكن بالنسبة لنا فقد انحرفت بوصلة أهداف الأمن وسيطرت وتعاظمت نوازع الشر الكامنة في نفوس البعض ليستغل المنصب من اجل إرهاب الناس وإذلالهم ورأينا ماذا كانت العاقبة للنظام المصري البائد..

السفير الفلسطيني أبو غوش الحاضر الغائب، بعض من الصبية من أتباعه يحكمون قبضتهم على السفارة مليا، ويديرون السفارة بدلا عنه ، حيث انه كبير السن – بحدود السبعين- يأتي إلى السفارة متعكزا على احد الأفراد.

لقد صدمت بهذا الواقع الفلسطيني في الخارج، فهؤلاء لا تشعر بأنهم جزء من الجسد الفلسطيني الوطني أو يمكن ان يحاربوا ويقاوموا معنا في نفس الخندق.
الغريب أننا اكتشفنا بان السفارة لا تحظى باحترام بعض الدوائر الرسمية في ماليزيا، ربما لانها تطلق رموز الفساد يعيثون خرابا في "شارع العرب" وفي "البوكيت بنتانج" في كوالالمبور، ولا تحرك ساكنا – إما عجزا أو تواطئا- تجاه من يُزَوِر في أوراق رسمية ضمن المعاملات الرسمية أو يهرب أو يقتل أو يستغل مقدرات وخيرات ماليزيا من الاستغلاليين. إنها تستأسد على الطلاب وتذيقهم أطياف العذاب من الانتظار في الخارج بالساعات الطوال، وعلى الأغلب لا يسمح لهم بالدخول،، وأحيانا بالتسويف في مقابلة أي شخصية والمماطلة في إنهاء أي معاملة ، وتقف كالنعامة أمام بعض الفلسطينيين "المسجلين خطرا" لدى الحكومة الماليزية. ازدواجية المعايير وانفصام في الأداء الوظيفي. ولا رقابة ولا حسيب لا من الرئاسة ولا من وزارة الخارجية!!
لماذا يستطيع اليمني والسوداني والموريتاني والجزائر والمصري أن يجدد جوازه في نفس اليوم، بينما نحن لا تجدد لنا السفارة جوازات سفرنا؟ وتقول لنا اذهبوا للضفة... !! الأمر الذي سيتطلب إرساله عبر "الدي اتش ال" DHL وتحمل تكلفة وأتعاب مالية إضافية ومصروف إقامة إضافية مرهقة نحن في غنى عنها !!
أسئلة خطيرة: لماذا حتى هذه اللحظة يحتاج الفلسطيني لكي يعود لغزة من أي دولة أخرى بان يحصل على فيزا مصرية؟ ويضع من جيبه الخاص أتعاب مالية إضافية؟ ويضيع وقتا متنقلا من المدن الفرعية للعواصم ويقيم في الفنادق منتظرا ان تعطيه السفارة المصرية في ذلك البلد الفيزا؟ أين الدبلوماسية الفلسطينية لتحل هذه المشاكل البسيطة؟ نحن أحق وأولى في الرعاية الأولى، والحصول على تسهيلات وامتيازات، ليس زعرنة منا وعلو في المنزلة الإنسانية، حاشا وكلا، فكلنا سواء وكأسنان المشط، ولكن دعما لنا كمقومات صمود، فنحن رأس الحربة في مواجهة المشروع الصهيوني ومواجهة أشرس احتلال.
ختاما، محاربة الفساد ومؤسساته برموزها مرحلة هامة يجب أن تأتي قبل، وأثناء، وبعد مرحلة التحرر والتحضير لانتزاع (دولة!) في أيلول المرتقب.

يتبـــــع...
كاتب وأكاديمي.
[email protected]
فلسطيني