القذافي غريب الأطوار لكنه داهية

القذافي غريب الأطوار لكنه داهية
واشنطن: كريغ ويتلوك*
يوصف معمر القذافي، حاكم ليبيا القوي، عادة، بأنه يلقي خطبا طويلة وغير مفهومة ويميل للقيام بتصرفات مثيرة. ولكن الزعيم الليبي يمتلك وجها آخر، يمكن رؤيته من مجموعة البرقيات الدبلوماسية السرية الأميركية التي نشرها موقع «ويكيليكس» الإلكتروني؛ يبدو فيها كمخطط داهية سيطر على ليبيا وقبائلها العنيدة لمدة أربعة عقود عبر التلاعب بنجاح بكل الأشخاص المحيطين به. ومنذ إعادة فتح السفارة الأميركية في طرابلس منذ عامين، عبر دبلوماسيون أميركيون تدريجيا عن إعجاب محدود بمهارات القذافي السياسية. وحتى مع وصفهم له بأنه شخص «متقلب» و«غريب الأطوار بشكل ملحوظ»، يوثق مسؤولو السفارة مثالا بعد آخر عن كيف احتفظ الرجل القوي البالغ من العمر 68 عاما بسلطته عبر تهميش حلفائه ومنافسيه على حد سواء بإتقان، بما في ذلك أبناؤه المتعطشون للسلطة. وكتب السفير «جين إيه كريتز» يوم 28 يناير (كانون الثاني) 2009، برقية إلى وزارة الخارجية في واشنطن ذكر فيها أن القذافي «لا يزال مشاركا بشكل وثيق في أكثر المناصب حساسية لنظامه. وقال إن براعة الحاكم الليبي في مناوراته الخططية أبقته في السلطة أكثر من 40 عاما». ومنذ استيلائه على السلطة عام 1969، أبقى القذافي بنجاح بقية المؤسسة السياسية الليبية تحت قبضته. وألغى الرتب العسكرية الأعلى من الرتبة التي منحها لنفسه - وهي رتبة العقيد - وعين أقاربه وأعضاء موالين من قبيلته في مناصب عسكرية وحكومية بارزة. وكتب كريتز يقول: «الحقيقة هي أنه لا يوجد أي خليفة محتمل يتمتع الآن بمصداقية كافية لقدرته على الاحتفاظ بهذا التوازن الضعيف». وأضاف: «القذافي هو مهندس قفصه الذهبي الخاص ولا يمكن أن يتنازل بعد عن عملية صنع القرار اليومية، حتى وإن كان يرغب في ذلك». وبينما يحاول القذافي أن يصور نفسه لشعبه على أنه «شخص ملهم لا يختلف عليه» في البنية الحاكمة الغامضة داخل ليبيا، فإنه يفحص بنفسه، في حقيقة الأمر، كل العقود الحكومية التي تتجاوز قيمتها 200 مليون دولار، وينتقي المسؤولين عبر نظام بيروقراطي، ويطلع على أدق تفاصيل السياسة المحلية والخارجية عموما، حسبما أكدت البرقيات. وكانت شخصية القذافي متعددة الأوجه قد عرضت بشكل كامل خلال اجتماع جرى يوم 14 أغسطس (آب) في طرابلس مع وفد نيابي أميركي. وتم استدعاء المشرعين بقيادة السيناتور جون ماكين (عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية أريزونا) إلى خيمة القذافي المترفة في تمام الساعة الحادية عشرة مساء، و«بدا الزعيم الليبي وكأنه كان قد استيقظ من ثبات عميق، وظهر بشعره المجعد وعينيه المنتفختين»، حسبما ذكرت برقية دبلوماسية تلخص المقابلة. وبدا خلال تلك المقابلة أن الجانب المتقلب من شخصية القذافي، الذي كان يرتدي سروالا مجعدا وقميصا قصير الكم منقوشا عليه خريطة قارة أفريقيا، كان مسيطرا. ولكن البرقية أشارت إلى أن القذافي كان «صافي الذهن وشارك في المناقشات طوال الاجتماع» وأظهر قدرته على القيادة في المسائل المطروحة، كما أظهر أسلوبا دبلوماسيا في النقاش. وعندما حاول ابنه المعتصم، الذي يعمل كمستشار للأمن القومي، أن يقاطع المشرعين الأميركيين، أسكته القذافي وسمح للزوار بمواصلة الحديث. ومن المؤكد أن البرقيات كانت مليئة بإشارات مختلفة لأطوار القذافي الغريبة. وأشارت رسالة رسمية صدرت عن السفارة الأميركية في شهر سبتمبر (أيلول) عام 2009 إلى أن فرقة الحراس النسائية «الأسطورية» لم تعد ترافق القذافي بشكل مستمر. وبدلا من ذلك، أصبح يعتمد بشكل أكبر على ممرضته الأوكرانية، «وهي ممرضة مثيرة تدعى غالينا كانت تسافر معه في كل مكان». وكانت صحة القذافي ومظهره الشخصي يمثلان مواضيع شائعة لتحليل السفارة. وفي السادس عشر من يونيو (حزيران) عام 2009، ناقشت برقية التخمينات التي كانت تقول إن القذافي يعاني من سرطان في الحنجرة ومرض السكري، ولكنها رفضت التقارير، ووصفتها بأنها «غير موثوقة». وخلصت البرقية إلى أنه شخص «مراقي» يعاني من «وسواس المرض» حيث طالب بأن تتم كل فحوصاته الجسمية لكي يتمكن من مراجعتها مع عدة أطباء موثوقين. وقالت البرقية نفسها إن بعض المشكلات الصحية للقذافي يمكن أن تعزى إلى شخصيته «المختالة جدا». وبينما أسرت بعض المصادر في طرابلس إلى مسؤولي السفارة بأن افتقاد القذافي للسيطرة على عضلات وجهه كان دليلا على تعرضه لسكتة دماغية، رفض آخرون هذا التحليل، قائلين إنه كان مجرد نتيجة للعلاج المكثف بحقن البوتوكس. وبالإضافة إلى ذلك، عزت البرقية سبب قلة الشعر في مفرق رأس القذافي إلى خضوعه لعملية زراعة شعر فاشلة خلال الفترة ما بين عامي 2008 و2009. وأوضحت البرقية أنه «تعرض لتفاعل مناعي ذاتي نادر مع العملية، وتعين على الأطباء إزالة مقابس زراعة الشعر». ومن بين أبناء القذافي الثمانية، كان عدد كبير منهم يشغلون مناصب بارزة. ولكن برقيات السفارة ركزت اهتمامها على ابنين هما المعتصم، مستشار الأمن القومي، وسيف الإسلام، وهو مهندس تلقى تعليمه في بريطانيا، كان يعتبر أكثر المرشحين المحتملين لخلافة والده في الحكم. ووصفت البرقيات المعتصم، بأنه شخص ضحل الفكر «وليس محبا للاطلاع من الناحية الفكرية»، ولكنه يحظى بتأييد عدد كبير من الحرس القديم في المؤسسة الأمنية الليبية. وقدم سيف الإسلام على أنه شخص لطيف ومحنك يجد راحة أكبر في الاجتماع مع رجال أعمال ودبلوماسيين غربيين. ولكن كلا الرجلين، برفقة كل شخص آخر في ليبيا، يتركون في كثير من الأحيان لتخمين النوايا الحقيقية لوالدهما، حسبما ذكرت برقية كتبها «كريتز» في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2009.

 * «واشنطن بوست»

التعليقات