ليبيا: سقوط 50 قتيلا وأكثر من 200 جريح في اشتباكات دامية بين الأمن ومناوئين للقذافي

ليبيا: سقوط 50 قتيلا وأكثر من 200 جريح في اشتباكات دامية بين الأمن ومناوئين للقذافي
غزة - دنيا الوطن
لقي خمسون شخصا على الأقل مصرعهم، وجرح ما يزيد على مائتي آخرين، في المواجهات الدامية التي تواصلت أمس لليوم الثالث على التوالي، بين قوات الأمن الليبية مدعومة بمجموعات من الأفارقة، ومتظاهرين محتجين على تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية في ليبيا، يطالبون بتنحي الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي عن السلطة التي يتولاها منذ نحو 42 عاما. وتركزت الاشتباكات في مناطق شرق ليبيا وما حولها، بينما تجاهد السلطات الليبية لمنع مناطق غرب البلاد من الانضمام إلى هذه الاحتجاجات غير المسبوقة، فيما ظهر القذافي بشكل مفاجئ مساء أول من أمس وسط مناصريه على متن سيارة جابت شوارع العاصمة الليبية طرابلس، في محاولة لشحن معنويات مؤيديه ومختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية على ما يبدو.

وقال ناشطون ليبيون في مدينة بنغازي، ثانية أكبر المدن الليبية، التي سقط فيها ما لا يقل عن 30 قتيلا، إن الاحتجاجات ما زالت قائمة على الرغم من تعزيز السلطات الليبية لوجودها الأمني والعسكري، حيث احتشد نحو عشرة آلاف شخص أمام محكمة شمال بنغازي للمطالبة بتوقف قوات الأمن عن إطلاق الرصاص الحي وسحب القوات الأمنية، ومدعميها من الأفارقة.

وتحول مقر محكمة شمال بنغازي إلى ما يشبه ميدان التحرير في القاهرة، وأمضى آلاف الليبيين ليلتهم معتصمين في عين المكان، على الرغم من محاولات الشرطة الليبية تفريقهم بالقوة. وشيع المحتجون الغاضبون في مدن البيضاء، واجدابيا، وزنتان، وبنغازي، جثامين رفاقهم الذين قتلوا على أيدي قوات الأمن التي استخدمت الرصاص الحي لفض المظاهرات غير المسبوقة في تاريخ ليبيا المعاصر. وتحدث ناشطون ومعارضون ليبيون لـ«الشرق الأوسط» عن استعانة السلطات الليبية بعناصر من الجاليات العربية والأفريقية المقيمة في ليبيا لضرب المتظاهرين، مقابل الحصول على أموال أو وعود بتحسين أوضاعهم المعيشية. وفي غضون ذلك، وقع تمرد عنيف في سجن الكويفية الذي يعتبر أكبر سجون المنطقة الشرقية، والقريب من مدينة بنغازي، مما أدى إلى هروب عدد كبير من السجناء.

وعلى صعيد ذي صلة، ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن ثلاثة سجناء قتلوا برصاص قوات الأمن الليبية أثناء محاولتهم الفرار من سجن الجديدة في طرابلس العاصمة. ووفقا لشهود عيان، فقد استخدمت القوات الليبية الحكومية الرصاص الحي والمطاطي والقذائف المسيلة للدموع وخراطيم المياه في بعض الأحيان لفض المظاهرات التي تم خلالها إحراق صور العقيد القذافي. وأحرق المتظاهرون الذين رددوا شعارات تطالب القذافي بالرحيل عدة مقار أمنية حكومية، بما فيها مكاتب تابعة لحركة اللجان الثورية التي تعتبر العمود الفقري للنظام الجماهيري الذي دشنه القذافي في البلاد عام 1977. كما أحرق المحتجون عدة مراكز للشرطة في مدن بنغازي ودرنة والبيضاء والجبل الأخضر وزنتان واجدابيا، وأضرموا النار في عشرات السيارات التابعة للجان الثورية والشرطة.

إلى ذلك، أحرق متظاهرون مقر الإذاعة المحلية في بنغازي بعدما انسحبت منه قوات الأمن التي كانت تتولى حمايته، وفق ما قال شهود ومصدر رسمي لوكالة الصحافة الفرنسية.

وقال شاهد، رفض الكشف عن هويته: إن «مقر الإذاعة يحترق». وأفاد شاهد آخر بأن قوات الأمن التي كانت تتولى حماية المبنى انسحبت منه بعد الظهر، فعمد المتظاهرون إلى دخوله وأضرموا النار فيه.

وأكد مصدر رسمي هذه المعلومة، منددا بما اعتبره «جريمة ضد الأمن والاستقرار في البلاد».

وفي مدينة البيضاء، نقلت صحيفة «أويا» الليبية، القريبة من سيف الإسلام القذافي، على موقعها الإلكتروني، أمس، أن متظاهرين شنقوا رجلي أمن. وذكرت الصحيفة أنه «تم شنق رجلي أمن بعد أن تمكن المتظاهرون، في مدينة البيضاء، من القبض عليهما أثناء محاولة تفريق التظاهرات التي تشهدها المدينة منذ الأربعاء».

وأفادت الصحيفة أيضا بأن «عددا من المتظاهرين في بنغازي تمكنوا من الوصول إلى المدير الإداري لمستشفى الجلاء (وسط المدينة)، حيث كان يعالَج عقب إصابته في التظاهرات، فقاموا بقتله والتمثيل بجثته وتقطيعها».

وفي طبرق قرب الحدود المصرية، جرت احتجاجات، حيث أحرق متظاهرون مقرا للجان الثورية العمود الفقري للنظام، ودمروا نصبا يمثل «الكتاب الأخضر»، الذي يتضمن الأفكار والآراء السياسية للعقيد القذافي ويعتبر بمثابة دستور ليبيا.

إلى ذلك، هددت اللجان الثورية التي تعتبر معقل الحرس القديم في ليبيا، أمس، برد «عنيف وصاعق» على المتظاهرين «المغامرين» في ليبيا. وقالت إن المساس بالخطوط الحمراء «انتحار ولعب بالنار».

وقالت الحركة في افتتاحية صحيفتها «الزحف الأخضر» أمس «إن أي مغامرة من تلك الشراذم المنبطحة، فإن هذا الشعب الأبي والقوى الثورية الشريفة سيكون ردهم (عليها) عنيفا وصاعقا». وأضافت أن «سلطة الشعب والجماهيرية والثورة والقائد (القذافي) جميعها خطوط حمراء، ومحاولة تجاوزها أو الاقتراب منها انتحار ولعب بالنار! وقد أعذر من أنذر»، متوعدة المتظاهرين «عندها لن تنفعهم أميركا ولا الغرب ولا قناة (الجزيرة) المأجورة».

وحفل موقعا «فيس بوك» و«يوتيوب» والكثير من المواقع الإلكترونية الليبية الخاصة والمستقلة بالعشرات من لقطات الفيديو والصور التي تظهر مشاهد الاحتجاج غير المسبوقة. ورفع المتظاهرون هتافات مماثلة لشعارات ثورة 25 يناير (كانون الثاني) في مصر «الشعب يريد إسقاط النظام»، فيما قال بيان وزعه المتظاهرون أمس وتلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه «إننا خرجنا في مظاهرات سلمية ولن نقوم بأي عمل عنيف ما لم تقم قوات الأمن باستخدام القوة». وندد البيان بمحاولة السلطات الليبية استخدام أطفال المدارس في عدة مدن ليبية، مطالبا الأسر بعدم إرسال أولادهم إلى المدارس اعتبارا من أمس، وسط مخاوف من استخدامهم كدروع بشرية لمواجهة المتظاهرين. وإزاء تصاعد الأحداث وعجزها عن مواجهة أو تشتيت المتظاهرين، اضطرت الشرطة المحلية في عدة مدن ليبية إلى طلب إمدادات عسكرية مكثفة، حيث شوهدت طائرات مروحية تنقل قوات عسكرية قادمة من طرابلس.

وقالت مصادر ليبية إن السلطات الليبية أقالت مسؤولي الأمن في البيضاء، التي تقع على بعد 200 كيلومتر شرق بنغازي، بعد الاشتباكات التي شهدتها المدينة، وأدت إلى مصرع منسق اللجان الثورية. كما أقالت السلطات مدير أمن شعبية «الجبل الأخضر» العميد حسن القرضاوي بعد مقتل شابين سقطا برصاص الأمن الداخلي، وجرى تشييع جنازتهما بمسجد عثمان بن عفان وسط موجة غضب واستنكار من المصلين.

وأعلنت صحيفة «ليبيا اليوم» المستقلة عبر موقعها الإلكتروني أنها تلقت رسالة رسمية من الجهات الأمنية في مدينة بنغازي، موجهة إلى رئيس وحدة العمليات، تفيد بوجود اضطرابات داخل الأجهزة الأمنية، وتخوف من الأخبار والإشاعات المنتشرة حولهم، وعدم سيطرتهم على الأمر. وكشفت الرسالة التي لم يتسن على الفور التأكد من صحتها عن وجود شخصيات أمنية من ضباط الصف وغيرهم، ترغب في التغيير وتؤيد المظاهرات السلمية، وتحث باقي العناصر الأمنية على الانخراط مع المتظاهرين، مشيرة إلى أن شيوخ القبائل يحثون على التضامن مع المتظاهرين.

وأثار ارتفاع عدد القتلى مخاوف أمنية وسياسية من تفاقم الوضع الداخلي، فيما ندد الدكتور علي محمد الصلابي، وسيط الحوار بين السلطات الليبية والجماعات الإسلامية المناوئة لها، باستخدام العنف بكل أشكاله ضد المواطنين المتظاهرين سلميا. وقال الصلابي في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه «أحمّل الدولة المسؤولية الكاملة عن الحفاظ على دماء وأموال وأعراض مواطنيها، وأحذرها من غضب الله تعالى من قتل النفوس بغير حق مع الإصرار والتعمد». كما أكدت جماعة الإخوان المسلمين تضامنها الكامل مع المتظاهرين، وطالبت النظام الليبي بكبح أجهزته الأمنية حتى لا تتعرض للمتظاهرين بأي سوء، كما شددت على ضرورة الإيقاف الفوري لكل من أعطوا الأوامر بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، ومن نفذوا هذه الأوامر، وتقديمهم إلى المحاكمة. وقالت الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا إن أعداد القتلى والجرحى في تزايد، وإن حالة الحصار التي يفرضها القذافي وأجهزته على المواطنين تستدعي وقفة جادة من المجتمع الدولي لحماية المدنيين، ودعت المجتمع الدولي إلى طرد سفراء القذافي ووقف التعامل معه حتى يستجيب لإرادة الشعب الليبي. وفى محاولة لمنع المواطنين من الانضمام إلى المظاهرات، قطعت السلطات الليبية خدمات الإنترنت عن بعض المناطق في شرق البلاد، كما دشنت حملة إرسال رسائل قصيرة عبر الهواتف المحمولة تحث المواطنين على عدم الانخراط في المظاهرات.

وفى تعليق غير مباشر على هذه الأحداث، اعتبر العقيد القذافي أن بلاده هي القائدة في العالم، وأنها قبلة العالم بشبابها وشعبها وإرادتها الحرة. وقال لدى تدشينه المقر الجديد لنادي أهلي طرابلس بالعاصمة «يسقط الأعداء، والعملاء، والمرتشون. أوراق الخريف تتساقط، وعملاء أميركا والصهيونية يتساقطون».

وأضاف القذافي الذي تلقى اتصالا هاتفيا من الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الذي يواجه أيضا مسيرات غضب شعبية، أنه «لا يصح إلا الصحيح، الثوار الأحرار المكافحون هم الذين يبقون في الميدان».

التعليقات