مسؤولون أميركيون يتوقعون ثروة عائلة مبارك عند 3 مليارات دولار

مسؤولون أميركيون يتوقعون ثروة عائلة مبارك عند 3 مليارات دولار
لندن: نيل ماكفاركهار وديفيد رود وأرام روستون*
بعدما ترك جمال مبارك، الابن الأصغر لحسني مبارك، عمله كمسؤول تنفيذي لدى «بنك أوف أميركا» داخل لندن في منتصف التسعينات، عمل مع البنك الاستثماري الأكبر داخل مصر. وحسب ما أظهرته سجلات ومقابلات صحافية، فإنه يمتلك حاليا حصة كبيرة في شركة أسهم خاصة لديها نشاط في مختلف قطاعات الاقتصاد المصري، بدءا من النفط، وصولا إلى الزارعة والسياحة. وخلال فترة حكم الرئيس حسني مبارك، التي استمرت لقرابة 30 عاما، لم يتباه مبارك أو أي من أفراد عائلته بثرواتهم، ولا سيما بالمقارنة مع زعماء آخرين في منطقة الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أنه لا توجد أي إشارة على أن جمال مبارك أو البنك كانا ضالعين في أي نشاط غير قانوني، تظهر استثماراته مدى ارتباط العائلة بالاقتصاد المصري. والآن بعد ترك حسني مبارك لسدة الحكم، توجد دعوات متزايدة لبدء الحساب.

وخلال ساعات، عقب استقالة مبارك يوم الجمعة، أمر مسؤولون سويسريون جميع البنوك داخل سويسرا بالبحث عن أي أصول للرئيس السابق أو أي من أفراد عائلته أو المقربين منه لتجميدها. وتعهدت قيادات معارضة داخل مصر بالضغط من أجل إجراء تحقيق شامل عن موارد مبارك المالية.

وربما يكون من الصعب تعقب الأموال لأن النشاط التجاري داخل مصر كان يتم بدرجة كبيرة في إطار من السرية بين مجموعة صغيرة مرتبطة بمبارك. ويقول جورج إسحاق، القيادي بحركة «كفاية»: «نفتح حاليا كافة الملفات، وسوف نبحث في كل شيء: عائلات الوزراء وعائلة الرئيس، الجميع».

وتتباين التقديرات بشأن ثروة مبارك بدرجة كبيرة، وتوجد شائعة تقول إنها تبلغ ما يصل إلى 70 مليار دولار. ويقول مسؤولون أميركيون إن هذا الرقم مبالغ فيه كثيرا، ويشيرون إلى أن ثروة العائلة تقف ما بين ملياري دولار إلى 3 مليارات دولار.

قال وزير في الحكومة البريطانية، أمس، إنه ينبغي اتخاذ موقف دولي للتعامل مع الأصول الخارجية للرئيس المصري السابق حسني مبارك وعائلته.

وأوردت صحيفة «صنداي تايمز» دون أن تستند لمصدر أن مكتب مكافحة الفساد البريطاني، الذي حقق في الجرائم المالية، بدأ يلاحق الأصول والأموال السائلة التي لها صلة بمبارك.

وقال وزير الأعمال البريطاني، فينس كيبل، إنه ينبغي أن تتعاون جميع الدول معا لاقتفاء أثر ثروة مبارك، التي تقدر على الأقل بملايين الدولارات، ويحتفظ بها سرا في أنحاء مختلفة من العالم. وسئل عما إذا كانت بريطانيا ستحذو حذو سويسرا، فأجاب كيبل: «لست على دراية بوجود أصول ضخمة هنا، ولكن من الواضح أن ثمة حاجة لتحرك دولي منسق».

وأضاف: «ما من جدوى من تحرك حكومة واحدة بمعزل عن غيرها، ولكننا نحتاج بكل تأكيد لدراسة ذلك. ويتوقف على ما إذا كانت هذه الأموال تم الحصول عليها بشكل غير مشروع أو غير ملائم.

وقال مسؤول حكومي إنه يمكن لبريطانيا أن تجمد أي أصول ذات صلة بمبارك بناء على طلب من الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة، أو إذا طلبت مصر بشكل مباشر. وقال السفير المصري في لندن، حاتم سيف النصر، إنه ليس لديه أي معلومات عن أي أصول لمبارك، وصرح لمحطة تلفزيون «بي بي سي» قائلا: «حقا ليس لدي أي معرفة بشأن الأموال». وجمدت سويسرا أصولا للرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، الذي أطيح به في انتفاضة شعبية في الشهر الماضي.

وكان ينظر لجمال مبارك، الذي كان يعد ليكون الرئيس المقبل، وأخيه الأكبر علاء على أنهما من الشخصيات المهمة داخل نخبة رجال الأعمال في مصر. وجاء نشاط جمال مبارك في الأسهم الخاصة من خلال علاقاته مع المجموعة المالية «هيرميس»، وهي أكبر بنك استثماري داخل مصر. وقد لعبت المجموعة المالية «هيرميس»، التي ذكرت أصولا تبلغ 8 مليارات دولار في بيانها المالي عام 2010، دورا محوريا في برنامج الخصخصة، الذي تم بموجبه بيع شركات حكومية مصرية لرجال أعمال لهم علاقات سياسية.

وتعود العلاقة مع المجموعة المالية «هيرميس» إلى منتصف التسعينات من القرن الماضي، فبعدما ترك جمال مبارك «بنك أوف أميركا» أنشأ شركة استثمارية تحمل اسم «ميدإنفست أسوشيتس» داخل لندن عام 1996 مع اثنين من الشركاء.

ويمتلك صندوق أوراق مالية دولية في قبرص اسمه «بوليون كامبني» شركة «ميدإنفست»، بحسب ما تفيد به المجموعة المالية «هيرميس»، ويمتلك جمال مبارك نصف «بوليون»، وتظهر سجلات داخل قبرص أن شقيقه علاء في مجلس الإدارة.

وتمتلك «بوليون» 35 في المائة من عملية الأسهم الخاصة، التي تدير ما قيمته 919 مليون دولار، بحسب ما قاله الرئيس التنفيذي للمجموعة المالية «هيرميس»، حسن هيكل. ولدى صندوق الأسهم استثمارات في النفط والغاز والحديد والإسمنت والأغذية والماشية.

ويقول هيكل إنه بعيدا عن استثمارات الأسهم الخاصة، لم يكن لجمال مبارك علاقات أخرى «بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في الخارج أو عبر عائلته» مع البنك. وقال إن الصندوق يمثل 7 في المائة فقط من نشاط البنك. وعندما سئل عن حجم استثمار جمال المبدئي في التسعينات، رفض هيكل الدخول في تفاصيل ذلك.

وقالت متحدثة باسم «هيرميس» في بيان إن البنك «ليس لديه ميزات خاصة أو اعتبارات من الحكومة المصرية، ودائما ما كان يعمل وفق ممارسات قانونية وشفافة. ولم يتم الرد على اتصالات لمكتب «ميدإنفست» داخل لندن ومكتب «بوليون» في قبرص الأسبوع الماضي. وفي السابق، رفض جمال مبارك أي مزاعم عن ارتكاب أخطاء، وقال إنه مرتبط بممارسات أعمال مشروعة.

ومنذ أعوام تقول تنظيمات معارضة إنه، منذ أن قامت مصر بخصخصة الاقتصاد في التسعينات، حصلت عائلة مبارك وعائلات نخبوية على حصص في عمليات بيع أصول حكومية وداخل شركات عمل جديدة.

وفيما بعد، عُين بعض من رجال الأعمال في مناصب حكومية تشرف على الشركات التي يديرونها. وقد جلبت العلاقات مع القصر الرئاسي مزايا، مثل فرصة الحصول على نشاط عقاري حكومي أو القدرة على الحصول على قروض مصرفية.

ويقول سامر سليمان، أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعة الأميركية بالقاهرة: «لم يكن فساد عائلة مبارك يتمثل في السرقة من الميزانية، ولكن كان يتمثل في تحويل الرأسمال السياسي إلى رأسمال خاص».

ومن حين لآخر، عندما كان يسقط أفراد من النخبة الحاكمة بعيدا عن الدائرة المقربة، كانوا يدانون بتهم فساد مالي، ولكن بصورة عامة بقيت التفاصيل في طي الكتمان.

ومن الرجال الذين حصلوا على موافقة حكومية على الكثير من مشاريع التنمية الكبرى، مجدي راسخ، والد زوجة علاء مبارك. ويشغل راسخ منصب رئيس مجلس إدارة شركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار، التي نفذت مشروعا ضمن سلسلة مشاريع تنمية جديدة كبيرة داخل الصحراء خارج القاهرة. ويعيش في منطقة السادس من أكتوبر المدعومة من الحكومة 500 آلاف شخص، وهي مدينة جديدة توجد بها منطقة صناعية ومستشفى وفيلات وشقق للطبقة المتوسطة. ولم يتسن الوصول إلى راسخ.

ومع تحول الاهتمام إلى تعقب ثروة عائلة مبارك، تزايدت إشاعات عن حيازات عقارية للعائلة. ولكن العقار الوحيد خارج مصر الذي ظهر هو منزل داخل لندن في 28 ويلتون بلاس داخل نيتسبريدج، حيث عاش جمال مبارك عندما كان يعمل مصرفيا استثماريا هناك.

ولكن تحديد ملكية المنزل على وجه التحديد تظهر مدى التعقيد الذي يكتنف التحقيق في ثروة العائلة. وقالت امرأة ردت من الباب الأمامي للمنزل إن عائلة مبارك باعت المنزل. ولكن يقول سماسرة عقارات إنه لا يوجد تسجيل لعملية البيع، ويقول جيران إنهم رأوا جمال مبارك وأفراد عائلته يدخلون المنزل عدة مرات في وقت قريب.

ووفقا للسجلات البريطانية، تمتلك المنزل شركة تدعى «أوكرال إنتربريسيس أوف باناما». والوكيل المسجل للشركة شركة قانونية محلية. وقال محام في الشركة إنه لا يمكن أن يكشف عن مالك «أوكرال». وأشار المحامي إلى أن شركته حصلت على تعليمات بخصوص «أوكرال» من شركة في مسقط، عاصمة سلطنة عمان، رفض أن يحددها. وعلى الرغم من أن المصارف السويسرية بدأت البحث عن أصول عائلة مبارك، يقول خبراء إنه لكي تعاد أي أموال إلى مصر يجب أن تطلب حكومتها الجديدة ذلك بصورة رسمية.

ويقول دانيال ثليسكلاف، مدير المركز الدولي لاستعادة الأصول داخل سويسرا: «يجب أن تجري مصر تحقيقا جنائيا، وسيعتمد الكثير على الحكومة المصرية الجديدة».

وربما يكون السؤال الأكثر صعوبة هو مستوى الفساد الذي لعب حسني مبارك بنفسه دورا فيه. ويقول دبلوماسيون أميركيون سابقون إنه بدا يعيش حياة بسيطة، ولا سيما عند المقارنة بما هو شائع مع الزعماء داخل المنطقة. وكان مقر إقامته الرئيسي خارج القاهرة، في فيلا داخل مجمع خاص بمنتجع شرم الشيخ، وقد ذهب إلى هناك عقب الاستقالة من منصب الرئيس يوم الأحد. ويقول دبلوماسيون إن الفيلا ليست واسعة بالنسبة للمنطقة، وهي أصغر من منزل يقع في الجوار لبكر بن لادن، أحد أفراد عائلة سعودية ثرية لها استثمارات في قطاع التشييد والأخ غير الشقيق لأسامة بن لادن.

وتقع فيلا مبارك داخل مجمع أنشأه حسين سالم، وهو رجل أعمال مصري وصديق مقرب من الرئيس السابق. وفي عام 1983، أقر سالم بأنه مذنب عندما فرض رسوما باهظة على البنتاغون تبلغ 8 ملايين دولار مقابل نقل معدات عسكرية لمصر.

وعلى الرغم من الإدانة، توسعت أعماله في مصر إبان حكم مبارك، ولديه شركة تدر أرباحا كبيرة تنقل الغاز الطبيعي إلى إسرائيل.

 «نيويورك تايمز»

* شارك إريك شميدت ومارك مازيتي في التقرير

التعليقات