غولدا مئير فكرت في استخدام السلاح النووي.. وديان يتحدث عن تدمير دمشق

غولدا مئير فكرت في استخدام السلاح النووي.. وديان يتحدث عن تدمير دمشق
غزة - دنيا الوطن
كشفت وثائق جديدة عن حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 في تل أبيب، الليلة قبل الماضية، عن أن قادة الدولة العبرية في ذلك الوقت وإزاء شعورهم بالخطر الوجودي على إسرائيل، تداولوا خلال الأيام الأولى من الحرب حول إمكانية استخدام «السلاح الأخير»، وهو ما يعرف وفقا لمصادر أجنبية بالسلاح النووي، ضد سورية بشكل خاص. وأن اقتراحات وردت أيضا حول إمكانية قصف الأحياء المدنية في دمشق بقصد قتل أكبر عدد من المدنيين.
ففي مرحلة معينة، بعد أن تمكن الجيش السوري من تحرير هضبة الجولان، واستطاع الجيش المصري عبور القناة وتحطيم خط الدفاع القوي العروف باسم «خط بارليف» على طول قناة السويس والتقدم إلى عمق سيناء، قالت رئيسة الوزراء، غولدا مئير، إنها تفكر «بشيء مجنون»، وطلبت أن لا يتسرب هذا بأي شكل من الأشكال. وأشركت في تفاصيل أفكارها رئيس أركان الجيش، ديفيد العزار، وحده.

وكان مسؤول أرشيف الدولة التابع للحكومة قد قرر نشر المزيد من الوثائق الرسمية عن الأيام الأولى لتلك الحرب، (اثنان نشرا أول من أمس و6 وثائق نشرت الليلة قبل الماضية)، التي تلقى اهتماما وتأييدا كبيرين في صفوف المواطنين ووسائل الإعلام وتثير في الوقت نفسه تساؤلات كبيرة: لماذا النشر الآن وما الهدف منه. فتجد بعض المهتمين في اليمين، يشكون بأن هناك نوايا غمز ولمز لرئيس الوزراء الحالي، بنيامين نتنياهو، الذي يدير بسرية تامة المفاوضات مع الفلسطينيين، حيث إن الوثائق تبين أن «الحقيقة ستظهر آجلا أم عاجلا» وأن «قادة إسرائيليين كانوا يعتبرون أسطورة مثل موشيه ديان يمكن فضحهم حتى بعد 37 سنة وإجراء حساب مع تاريخهم وإظهارهم على حقيقتهم».

وهناك من يرى النشر إشارة إلى خطورة الكذب على المواطنين، والقول إن الحرب اضطرارية، فحرب أكتوبر نشبت لأن إسرائيل استهترت بقدرات العرب ورفضت عروضهم في تلك الحقبة لإبرام اتفاقيات سلام مع إسرائيل. وتشير الوثائق إلى كم كانت تقديرات القيادة الإسرائيلية خاطئة تجاه قوة العرب وقدراتهم على القتال.

وتعيد الوثائق الأخيرة قصة أشرف مروان، زوج ابنة الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، الذي كان مقربا أيضا من الرئيس السادات. وأمر وزير الدفاع موشيه ديان بقصف الرادارات الأردنية في حال اكتشاف تنسيق بينها وبين المصريين والسوريين. كما تظهر الوثائق الاقتراحات الاستثنائية حول تجنيد الاحتياط، إذ يقترح ديان، استدعاء الإسرائيليين الذين تجاوزوا سن التجنيد، وكذلك اليهود المقيمون خارج إسرائيل. وكان هناك اقتراح أيضا بتجنيد من هم دون سن الـ18 من شبان يهود يتمتعون بالروح الوطنية، وذلك حتى يكونوا جاهزين للحرب في حال استمرارها طويلا. واقترحت غولدا مئير السفر إلى الولايات المتحدة بشكل سري لا يكشف حتى للوزراء، زيارة قصيرة مدتها 24 ساعة برفقة جنرال في الجيش لتلتقي الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، لتطلب منه الوقوف إلى جانبها في مواجهة العرب والاتحاد السوفياتي وتزويدها بمعونات عسكرية كبيرة، تتضمن 40 طائرة مقاتلة و400 دبابة.

وتكشف الوثائق عن أن الجيش الإسرائيلي بدأ يخطط في أول يوم للحرب لإخلاء الأطفال من مناطق التماس القريبة من جبهات القتال.. الجولان وسيناء، وتحديدا شرم الشيخ وأبو رديس.

ويتضح أن الإسرائيليين كانوا قد بحثوا في إمكانية القيام بمبادرة حربية قبل ساعات من نشوب حرب أكتوبر، فالمعلومات التي وصلت إليهم من الأردن ومن مصر حول قرار سوري - مصري بالحرب، بدت جدية، ولكنهم اختلفوا في تقويم مدى جديتها. وكان رئيس الأركان، الجنرال دادو (ديفيد إلعزار)، الأكثر جدية في التعامل مع التحذيرات وإدراكا لخطورة الموقف، ولذلك أصر عشية الحرب على تجنيد أكبر وأكثر كثافة في صفوف الجيش؛ أما ديان، فقد بدا متخبطا: «أنا مقيد، أقترح تجنيد كل احتياط القوات الجوية، وتجنيد فرقتين مدرعتين في الجولان وسيناء، وذلك يتطلب ما بين 50 - 60 ألف جندي، وربما أكثر قليلا.. إذا تفاقمت الأمور وبدأ إطلاق النار، فحينها يمكننا الذهاب إلى التجنيد الشامل.. أما غير ذلك، فإنهم سيظنون أننا ذاهبون نحو الحرب.. لو رأيت أنه لا مفر، كنت سأجند كل الجيش». أما دادو، فلم تكن تهمه آراء الساحة الدولية والعرب، أو أن يقال إن إسرائيل تستعد لبدء الحرب، كل ما كان يهمه أن يفقد العرب القدرة على المفاجأة وأن يقال أخيرا «إن الإسرائيليين بدأوا الحرب وانتصروا.. ليتهم يقولون ذلك».

ومقابل معارضة ديان للضربة الاستباقية، تظهر الوثائق أن دادو كان متحمسا جدا لها، فهي ذات مزايا ضخمة بالنسبة للإسرائيليين من جهته، وقد بين أن الإسرائيليين يمكنهم تدمير السلاح الجوي السوري مع الساعة الـ12:00 من اليوم الأول للحرب، وقبل اندلاعها، وأنهم سيحتاجون بعدها لـ30 ساعة حتى يتمكنوا من تدمير المنظومة الصاروخية العربية: «هذا الأمر يغريني جدا من الناحية التطبيقية.. إن كانوا سيهاجمون الليلة، فإن ذلك سيعتبر إنجازا ومفاجأة لصالحنا». ويتضح من إحدى هذه الوثائق أنه في الوقت الذي بدأ فيه السوريون زحفهم المدفعي المتوسط نحو الجبهة، وكان فيه المصريون يظهرون وكأنهم في حالة هجوم، كانت هناك دلائل عدة لدى الإسرائيليين على أن العرب الآن قد تجاوزوا مرحلة الدفاع ودخلوا مرحلة الهجوم. إلا أنهم عاشوا حالة من الاستهانة بالخصم وعدم إدراك قوته الحقيقية. ويظهر ذلك من أقوال بعض قادتهم، تؤكد أن السادات لن يجرؤ على بدء الهجوم لأنه متأكد من خسارته الحتمية، ولأنه يعرف أن موازين القوى لم تتغير منذ حرب يونيو (حزيران) 1967. وقال إيلي زعيرا، رئيس الاستخبارات الإسرائيلية، «إن العرب في الحرب السابقة لم يحاولوا أن يخفوا شيئا، أما الآن فهم يفعلون ذلك ظنا منهم أننا لا نعرف نواياهم. إنهم ناضجون تقنيا وهجوميا للحرب». وتابع: «وفقا للخطة التي نعرفها، فإن كل شيء جاهز لديهم، ورغم هذه الحقيقة، ووفقا لمعرفتي، فهم يعرفون أنهم سيخسرون. السادات اليوم ليس في وضعيةٍ يضطر فيها للذهاب إلى الحرب.. كل شيء جاهز، لكنهم غير مضطرين».

ويظهر من الوثائق، وكأن القادة الإسرائيليين يحاولون تعليق تقصيرهم وتململاتهم على مشجب الساحة الدولية، فديان يخشى أن يقال إن الإسرائيليين هم السبب في اندلاع الحرب، ولا يقصي احتمال أن يتبنى الأميركيون هذا الرأي، خصوصًا أن معلوماتهم تفيد بأن لا نوايا عند العرب لمهاجمة إسرائيل.. ولتجنب مثل هذا السيناريو، اقترح أحدهم، هشومير هتسعير، «أن يكون التجنيد على مراحل، تماما كما هي سياسة فرق، مما لا يثير شك العالم الذي سيظهر بكل حقارته.. لن يصدقونا». بين رأي ديان بالتجنيد المتواضع، ورأي رئيس الأركان، دادو، بالتجنيد الشامل والكبير، تخبطت غولدا مئير كثيرا، لكنها قررت في النهاية أن ترجح كفة دادو وأن تجند 200 ألف جندي، تماشيا مع تخميناته. وتكشف الوثائق أن جدالا وقع بين غولدا مئير والقادة الأمنيين حول طبيعة التعامل مع الأميركيين، هل يقومون بمنح هنري كيسنجر صورة جزئية ومحرفة عن وضع إسرائيل القائم، يظهرها بأنها في وضعية أصعب بكثير مما هي عليه، وذلك حتى تكون المساعدات الأميركية أكبر، أم أن تنقل له الصورة الحقيقية والصادقة؟. فقالت مئير: «يجب أن نبرق له بتفاصيل التفاصيل، حتى يتلقى الصورة الحقيقية، لا يمكننا أن نتلاعب معه».

وتظهر الوثائق أيضا أن القيادة الإسرائيلية لم تكن مستعجلة نحو الذهاب لقرار وقف إطلاق النار، يصدره مجلس الأمن باقتراح أميركي، فقد كانت تخشى أن يكون لذلك عواقب وخيمة تضر بإسرائيل، وفضلت أن تدحر الجيش المصري إلى ما وراء القناة من خلال ضربه واجتثاثه، الأمر الذي لن يتحقق في حال أصدر قرار بوقف إطلاق النار.

وخمنت غولدا مئير أنه لا ضير من مناقشة الموضوع في الهيئة العامة للأمم المتحدة، رغم تحذيرات كيسنجر لها بأن الغلبة في الهيئة للعرب وأصدقائهم، إذ رأت أن الأميركيين لن يخضعوا للضغوط الدولية لوقف إطلاق النار، لا في الهيئة ولا في مجلس الأمن، ولذلك فلا خشية من طرح الموضوع أمام الهيئة. وكشفت الوثائق عن أن غولدا مئير منحت لقادتها العسكريين خلال يومي 8 و10 أكتوبر الإذن باستهداف مواقع في العمقين المصري والسوري، مهما كلف ذلك من قتل للمدنيين، وذلك بهدف تشكيل ضغط على القوات العربية للتراجع، فسمحت لرئيس الأركان بأن يستهدف 4 مواقع مدنية على الشاطئ المصري، بعد أن بين طلبه قائلا: «فليقلقوا.. يجب الضغط عليهم، فهم في نهاية الأمر بشر». كما أظهر موشيه ديان ثقة كبيرة بقدرة القوات الإسرائيلية على حسم المسألة مع السوريين، وطلب أن يتم قصف أهداف في دمشق بصورة غير مسبوقة، وإن أدى ذلك إلى تعرض تل أبيب لضربة مضادة: «هناك أمر.. لا انسحاب من الجولان، نحارب حتى الموت. أنا أقترح وأطلب الموافقة.. تفجيرات داخل دمشق.. داخل المدينة ومحيطها. يجب كسر السوريين».

التعليقات