وثائق حرب أكتوبر: اللواء عطية: كنت واحدا من بين قلة من القادة علموا بموعد الحرب في 4 أكتوبر

وثائق حرب أكتوبر: اللواء عطية: كنت واحدا من بين قلة من القادة علموا بموعد الحرب في 4 أكتوبر
غزة - دنيا الوطن
قاد اللواء أحمد رجائي عطية، العمليات الخاصة بجنوب سيناء خلال فترة حربي الاستنزاف و6 أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وتطلبت منه هذه المسؤولية التخطيط لعمليات خلف خطوط العدو قاد اثنتين وأربعين عملية منها بنفسه.
وبعد مرور سبعة وثلاثين عاما على هذه الحرب، يتذكر لواء الصاعقة مع «الشرق الأوسط» بعضا من تجاربه في ساحة المعركة، التي يصر على تسميتها كذلك، مؤكدا أن حرب أكتوبر لم تكن إلا حلقة في سلسلة طويلة من المعارك التي بدأت عام 1967 ومثلت في مجموعها الحرب الأطول أمدا.

* ماذا كانت طبيعة مهمتك الرئيسية خلال حرب أكتوبر؟.

- كلفت وحدتنا، التي كان قوامها نحو ألف وخمسمائة فرد، بعدة مهام خلال معركة أكتوبر، ولكن أهم ما كلفنا به كان قطع خطوط ارتباط العدو في سيناء، أي عزل القوات الإسرائيلية المرابطة في جنوب سيناء عن تلك التي كانت معسكرة في الأجزاء الشمالية منها، وكان الهدف أيضا السيطرة على جنوب سيناء وخاصة منطقة شرم الشيخ ورأس نصراني بغرض إغلاق خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية لاستخدامها كورقة ضغط على إسرائيل للانسحاب من سيناء أو للتفاوض كما يتراءى للقيادة السياسية.

* وما طبيعة التحدي الذي واجهكم خلال تنفيذ تلك المهمة؟

- التحدي الذي واجهنا كانت له عدة محاور، أولها كيفية الانتقال إلى خلف خطوط العدو دون رصد، وقد فعلنا هذا عبر الانتقال بالمروحيات (طائرات الهليكوبتر) على ارتفاع منخفض للغاية لا يتعدى الأمتار الثلاثة، ومن ثم تنفيذ عمليات الإبرار. ونلاحظ في هذا الصدد أن الإسرائيليين لم يكونوا يتوقعون تنفيذ عمليات من هذا النوع برا، ولهذا فقد تركزت استعداداتهم في البحر، ظانين أننا سنختار هذه الساحة للهجوم، وقد اخترنا مراوغة هذه الرقابة المكثفة على البحر وتنفيذ العمليات عبر الانتقال جوا ثم الإنزال في مناطق لا يتوقعها.

* وكيف نقلتم السلاح الذي كنتم تنفذون به هذه العمليات؟

- كان هذا من التحديات المهمة جدا، فقد كان علينا تنفيذ عمليات التفجير وتكبيد العدو الخسائر بأسلحة خفيفة لا تتكافأ مع الترسانة الموجودة على الجانب المقابل. وكان نقل الكثير من العتاد خلال هذه الرحلات كفيل بإفشالها من بدايتها. وقد نفذنا المهمات التي كلفنا بها باستخدام الأسلحة التقليدية لقوات الصاعقة. وأحب أن أنوه هنا إلى أن البدو في هذه المنطقة قاموا بمساعدة القوات المسلحة على خير وجه، وقمت بنفسي بإعداد وتدريب مجموعة منهم تقدر بنحو ثلاثة عشر فردا من الشباب على فنون الاستطلاع والمراقبة والتصوير وزرع الألغام والضرب بالصواريخ، ونجحوا في إتمام المهام التي كلفوا بها على خير وجه.

* وهل هناك لحظة لا تنساها في هذا المضمار؟

- هناك لحظات، ولكن لعل أكثرها ثباتا في الذاكرة تلك التي تمكنت خلالها من التسلل وحدي إلى موقع في جنوب سيناء لاستكشاف مطار سري كانت طائرات العدو تقلع منه لتضرب طائراتنا في البحر الأحمر بمجرد إقلاعها، وقد قررت القيام بهذه المهمة بنفسي لخبرتي بدروب جنوب سيناء التي أحفظها عن ظهر قلب حتى أذهلت بعض الأعراب. وتنكرت في زي بدوي واستقللت زورقا نحو ساحل بجنوب سيناء، واتفقت مع المراكبي على أن يحضر إليّ بعد تسعة أيام. فقد كان ذهابي يستغرق أربعة أيام وكذلك رحلة العودة أما اليوم التاسع فقد كان احتياطيا، وأعطيت المراكبي حبلا عقدت فيه عقدة واحدة، ونبهت عليه بأن يعقد كل يوم عقدة حتى أحضر إليه في اليوم التاسع في نفس المكان. وبالفعل شققت طريقي عبر التضاريس الوعرة لأصل إلى الموقع الذي كان داخل مساحة لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال عبور «نقب» بين الجبال، والنقب ممر ضيق في الوادي بين جبلين، ولما عبرت هذه النقطة، وضعت يدي على فتيل قنبلة كنت قد وضعتها في جيبي سرا، رغم مخالفة هذا لتعليمات المهمة، ولكني لم أكن لأقبل بوضع الأسير أبدا، فخبأت هذه القنبلة لتكون ملاذي الأخير لو انكشف أمري رغم تنكري في زي الأعراب. ولكن كانت المفاجأة بأني تقدمت بثبات عابرا هذا النقب، ثم ألقيت التحية على من كان يحرسه من جنود العدو، فلم يلتفتوا إليّ وكأنما عميت أبصارهم، لم يكن هناك تفسير لهذا الموقف سوى أن الله أغشى أبصارهم كما جاء في الآية الكريمة.

* وهل كانت هذه هي اللحظة التي لا تنساها؟

- ليس هذا بالضبط، ولكن بعد أن أتممت هذه العملية عدت في اليوم التاسع لأجد المراكبي في انتظاري كما كان الاتفاق، ولا أنسى أنني اضطررت لاستعمال العنف معه غير مرة، لأضطره إلى تنفيذ تعليماتي التي كانت عصية على فهمه، ومنها مثلا أن أمرته بإيقاف محرك الزورق لوجود بارجة إسرائيلية تقترب منا وكانت على وشك رصدنا، كان يظن أن التصرف الصحيح هو الهروب بأقصى سرعة، أما خبرتي مع العدو فقد كانت تشير إلى أنه لا يلجأ إلى المراقبة بالعين المجردة إلا فيما ندر، ويعتمد على استعمال الرادار، وقد كان من السهل رصدنا راداريا إذا شغل المحرك، ولهذا أفلتنا من أمامهم ولم ينجحوا في معرفة طريقنا، وقد اخترت سبيلا أبعد لأصل إلى الساحل المصري.

* متى عرفت بموعد معركة 1973 كما تفضل أن تسميها؟

- كنت من بين العسكريين الذين يعدون على أصابع اليد الذين علموا بموعد قيام الحرب في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، فقد كانت مهمتي تقتضي هذا، ولكن بعد أن تم تغيير خطط التدريب لأكثر من مرة لتجنب تسريبها للعدو. كلفت من قبل الفريق محمد صادق للقيام بتدريب قوات الصاعقة المكلفة بالمهمة والتي كانت ستتم بواسطة أربعين قاربًا مطاطيا ومروحيات وناقلات بحرية للجنود واخترت منطقة الفيوم لاستغلال بحيرة قارون للتدريب على العبور بالقوارب وأعمال القتال في الجزء الغربي من الجبال المحيطة بالبحيرة التي تتشابه إلى حد ما مع الطبيعة الجبلية لسيناء.

* ولكن ألم يكن هناك خطر تسرب هذه الخطة للجيش الإسرائيلي؟

- بالفعل، كان لا يعلم بتفاصيل الخطة إلا أنا وعدد من قيادات القوات المسلحة، ومن قوات الصاعقة رئيس العمليات المقدم صالح فضل والمقدم فاروق الفقي رئيس الفرع الهندسي لقوات الصاعقة – وقد تحملت مسؤولية تدريب أربعين صف ضابط حديثي التخرج للتدريب على قيادة القوارب وصيانتها وكذلك الملاحة البحرية، وما يصاحب ذلك من عمليات الإنزال البحري والإبرار الجوى لقوات الصاعقة.. إلا أنه وقبل انتهاء التدريب الذي استمر قرابة الشهر رصدت وحدات الاستطلاع، والاستطلاع اللاسلكي وجود تدريب للعدو بنفس الأسلوب. مما يدل على أن هذه الخطة قد تسربت للعدو.. وفعلا استدعاني الفريق محمد صادق مع العقيد حسن الزيات للوقوف على الأمر.

* وهل عرفتم من كان يقف وراء هذا التسريب؟

- نشطت أجهزة المخابرات لتكتشف أن المقدم فاروق الفقي ما هو إلا عميل لإسرائيل بقصته المعروفة والتي أنتجت في فيلم الصعود للهاوية – حيث كان ضمن أربعة ملمين بالخطة وكان مشاركًا معنا في التدريب بمنطقة الفيوم مما جعله مطلعًا على التفاصيل التي أوصلها إلى إسرائيل.

* وهل تم تنفيذ الخطة وقت المعركة؟

- فوجئت بتغيير شامل للهدف والخطة وأسلوب التنفيذ، فجأة فالغرض كان التحكم في خليج العقبة. ولكن مع عدم وجود قوات للسيطرة على الأرض، تم إلغاء اشتراك أي وحدات من المظلات أو كتيبه المشاة التي كان من المفترض أن تعبر إلى منطقة الطور. واقتصرت المهمة على إنزال وحدات الصاعقة لتنفيذ مهمة دفاعية عن الأرض التي سيتقدم فيها اللواء الأول مشاة من خلال الجيش الثالث الميداني مخترقا عيون موسى إلى رأس سدر. ولكن كانت هذه المرة الأولى التي تحمل فيها وحدات خاصة (الصاعقة المصرية) مهمة دفاعية مما كان من شأنه أن يحكم على العملية بالفشل حتى قبل أن تبدأ ولهذا فقد اعترضت على هذا التغيير في الخطة.. لكن في النهاية تبقى الأوامر هي الأوامر، .

* وماذا يمكن أن تقول للأجيال الجديدة التي لم تشهد هذه اللحظات؟.

- أريد أن أقول إن قواتنا لم تصنع معجزة في معركة 73 كما تردد وسائل الإعلام خطأ، فهذا الإنجاز قابل للتكرار مرات وفي مختلف المجالات. بل إن عدم استثماره لتحقيق عبور اقتصادي يعد خيانة لهذا النصر، الذي لم يأت في صورة معجزة تخالف قوانين الطبيعة، ولكنه جاء بناء على استعدادات وتدريبات مكثفة.

التعليقات