دلالات سحب لواء كفير من الضفة

دلالات سحب لواء كفير من الضفة
دلالات سحب لواء "كفير" من الضفة

بقلم : واصف عريقات

خبير ومحلل عسكري
رام الله

لا أحد يشككك في أن الوجود الإسرائيلي يعتمد على عدة عناصر منها القوة والاستعداد الدائم للحرب والعدوان واحراز التفوق على كل الدول المجاورة القريبة والبعيدة، ومنعها من التطور والتسلح وبناء القدرات، وعقيدتها العسكرية ترتكز على شن الحروب الإستباقية الخاطفة وتدمير قوة الخصم على أرضه، وتحقيق مبدأ الحدود الآمنة، وترهيب الآخر بالذراع الطويلة، والجيش الذي لايقهر، والحرب النفسية وبث الإشاعات لإضعاف الآخر، وهذا يحتاج الى استنفار دائم للجبهة الداخلية وعسكرتها، واشعارهم بالخطر المتوقع في كل لحظة وتحفيز الجيش للمحافظة على جاهزيته القتالية، ومن أجل تحقيق كل ذلك تتقن القيادة الإسرائيلية فن توظيف أي نشاط أو تحرك خدمة لهذه الأغراض، ومنذ فترة وجيزة استغلت اسرائيل حدث تدريب الجبهة الداخليةعلى مواجهة الكوارث كموضوع يهم البشرية والإنسانية ووظفته في خدمة حربها النفسية والتلويح بالحرب وتصويرة على انه سيناريو حرب على الأبواب وملأت الدنيا تهديدا ووعيدا، وهذا فيض من غيض، فلو جمعنا عدد الحشودات والتحركات والمناورات الاسرائيلية والتدريبات والتهديدات والتسريبات عن الحرب وسيناريوهات الإعتداءات لوجدناها تقارب عدد أيام السنة، لسبب بسيط وهو أن اسرائيل تعيش وتتغذى وتتنفس على الحروب، ولا يناسبها الهدوء رغم أنها دولة عدوان واحتلال، ولا يعني هذا استبعاد احتمال الحرب او شن العدوان من قبل الجيش الإسرائيلي، فهذا متوقع وفي أي لحظة خاصة في ظل وجود قيادة يمينية متطرفة ومغامرة ومرتبكة بسبب ما يحيط بها من مآزق على الأصعدة كافة، تحاول الخلاص منها، وكانت الحروب في الماضي تشكل عند القيادات خلاصا من المآزق، لكن حروب اليوم  فإنها تضاعف المآزق ولا تخلص منها، والدليل على ذلك الحربين الأخيرتين على لبنان وفلسطين، وما نتج عنهما من اخفاقات هو الرادع وهو سبب تردد اسرائيل للتوجه للحروب.

من هنا يجب النظر الى خبر نقل لواء "كفير" ومثله من الأخبار في هذا السياق، علما بأن لواء كفير له روايات اضافية أوردتها الصحف العبرية يعززها تناقض تصريحات القيادات الإسرائيلية حول نقله من الضفة الغربية الى الحدود الشمالية، ففي حين يصرح البعض بأن نقل اللواء (المميز صاحب الخبرات) الذي (أثبت) نفس  استعدادا للحرب وتحسبا للعدوان، يصرح قائد المنطقة الوسطى آفي مزراحي بأنه لتحسين الأداء والتدريب على مناطق ملائمة للبنان وسوريا، أما الروايات عنه وفي مقدمتها بروز اسمه وكثر الحديث عنه لما اقترفه هذا اللواء من جرائم بحق ابناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية من اعتقال وقمع وتنكيل ومنذ العام 1990 حيث تأسس، ومشاركة بعض وحداته في العدوان على قطاع غزة، اضافة الى حالات التمرد والعصيان التي مارسها جنوده وضباطه (لإخلاء) المستوطنات، ورفض 16 جندي من اللواء الخدمة العسكرية.

تميز اللواء 900 سابقا وحاليا الخامس مشاه(كفير) الذي يتبع الشعبة 162 في قيادة المنطقة الوسطى جاء على حساب عذابات أطفال ونساء وشيوخ الفلسطينيين، ولم يتميز هذا اللواء في ميدان القتال في مواجهة جنود مثلهم، لذلك ترهل جنوده وفقدوا الضبط والربط العسكري وارتأت قياداتهم أنهم يحتاجوا الى إعادة تأهيل وتدريب تهيأة لمواجهة الجنود والمقاتلين في ارض المعركة.

أما البديل عنهم في الضفة الغربية فليس مهما من سيكون، وليس مهما اسم اللواء او وصفه بل المهم  ما هية الأوامر والتعليمات التي تعطى له والصلاحيات التي تخول لقيادته، والثقافة التي يحملها جنوده، ومن غير المتوقع أن يكون البديل أفضل، فقد اعتاد الشعب الفلسطيني على هذه الأنماط من جنود الحقد والكراهية واستباحة كل القيم والمحرمات.

نقل لواء "كفير" غير المأسوف على رحيله من الضفة الغربية في فلسطين الى الحدود الشمالية لا يعتبر سببا كافيا لتوقع حرب وشيكة لاسيما وأن نقله لن يتم الآن بل العام المقبل، فأي حرب قادمة ستحتاج اسرائيل الى نقل وتحريك وحشد الفرق وليس الألوية اضافة الى استدعاء الإحتياط في ظل حاجتها للحفاظ على عنصر الكتمان لتحقيق المفاجأة، وليس النشر والتهويل، لا سيما وأن اسرائيل تملك امكانية كبيرة من المرونة والقدرة على تحريك ونقل القوات من جبهة الى أخرى كما فعلت في حرب عام 1973 حيث نقلت كل امكانياتها للجبهة المصرية ومن ثم للجبهة السورية.

 لأي خبر اسرائيلي وظيفة ومغزى وأهم وظيفة هي ادامة أجواء الحرب والتوتر، كما أنه يحمل رسائل متعددة بتوقيت مدروس لابد من التحسب له فمنها ما هو للخداع والتضليل ومنها للتغطية والتمويه. والقيادة الإسرائيلية أحوج ما يكون لمثل هذه الأخبار ووظائفها ورسائلها، عبر عنها رئيس الوزراء نتنياهو عند مخاطبته للمستوطنين بمناسبة قرب انتهاء موعد تجميد الاستيطان بالقول : لا داعي للقلق.

التعليقات