قمة بيروت التاريخية :وصول الملك عبد الله والرئيس الأسد على طائرة واحدة

قمة بيروت التاريخية :وصول الملك عبد الله والرئيس الأسد على طائرة واحدة
غزة - دنيا الوطن
شهد لبنان، أمس، محطة تاريخية تمثلت في استقباله الضيفين الكبيرين، خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد، آتيين معا في الطائرة الملكية من دمشق إلى بيروت. واكتسبت الزيارة والقمة الثلاثية التي جمعتهما في قصر بعبدا مع الرئيس اللبناني ميشال سليمان أهمية كبرى، لكون هذه الزيارة والقمة تأتي في مرحلة مفصلية من تاريخ لبنان، بحيث أفادت المعلومات المستقاة من نتائج الزيارة التاريخية بأن الملك عبد الله والرئيس الأسد، وبما لهما من نفوذ عربي وتأثير على الساحة اللبنانية نجحا في نزع فتيل التوتر الذي تزايد مؤخرا في لبنان، وتثبيت الاستقرار اللبناني. وانتهت القمة الثلاثية إلى دعوة اللبنانيين إلى «الالتزام بعدم اللجوء إلى العنف»، في وقت تزايدت فيه التوترات على خلفيات التسريبات حول اقتراب صدور القرار الظني لمحكمة الحريري الدولية.
وأعلنت القمة الثلاثية التي انعقدت في قصر بعبدا وضمت الرئيس ميشال سليمان وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد، وفي بيان صدر إثر انتهائها، أن القادة «أجروا محادثات تناولت سبل الوفاق الوطني والاستقرار الداخلي في لبنان وتحسين فرص النمو الاقتصادي والاجتماعي. ونوه القادة بالتطورات الإيجابية التي حصلت على الساحة اللبنانية منذ اتفاق الدوحة، وأكدوا استمرار نهج التهدئة والحوار وتعزيز الوحدة الوطنية ودرء الأخطار الخارجية».

وأكد القادة «تضامنهم مع لبنان في مواجهة تهديدات إسرائيل وخروقاتها اليومية لسيادته واستقلاله وسعيها لزعزعة استقراره، وأهمية الاستمرار في دعم اتفاق الدوحة واستكمال تنفيذ اتفاق الطائف، ومواصلة عمل هيئة الحوار الوطني، والالتزام بعدم اللجوء إلى العنف، وتغليب مصلحة لبنان العليا على أي مصلحة فئوية أو فردية، والاحتكام إلى الشرعية والمؤسسات الدستورية وإلى حكومة الوحدة الوطنية لحل الخلافات. وقد أكد الزعيمان السوري والسعودي استمرار دعم لبنان ورئيسه بما هو لمصلحة اللبنانيين».

وأفاد البيان أيضا بأن القادة «استعرضوا تطور الأوضاع على الصعيد الإقليمي وأكدوا ضرورة التضامن والوقوف صفا واحدا لرفع التحديات التي تواجهها الدول العربية، وعلى رأسها التحدي الإسرائيلي الذي يتمثل في استمرار الاحتلال للأراضي العربية والممارسات التعسفية والإجرامية ضد الشعب الفلسطيني وحصار غزة، والسعي المدان لتهويد مدينة القدس، وكذلك مواجهة ما يحاك للمنطقة العربية من دسائس ومؤامرات لإرباكها بالفتن الطائفية والمذهبية، التي لن تكون أي دولة عربية بمنأى عن تداعياتها، وهي التي تميز تاريخها بروح العيش المشترك»، وشددوا في هذا المجال على ضرورة السعي بصورة حثيثة لإقامة سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط، من دون إبطاء، وضمن مهل محددة، على قاعدة قرارات الشرعية الدولية ومرجعية مدريد والمبادرة العربية للسلام في جميع مندرجاتها.

وكان كل من الملك عبد الله والرئيس الأسد وقع السجل الذهبي لرئاسة الجمهورية، حيث دون خادم الحرمين الشريفين الكلمة الآتية: «لقد سعدنا بزيارة القصر الجمهوري في بعبدا والالتقاء بفخامة الرئيس اللبناني ميشال سليمان وعدد من مسؤولي الجمهورية اللبنانية الشقيقة والتي تأتي تتويجا للعلاقات التاريخية المتميزة وتجسيدا للتعاون بين البلدين الشقيقين، ونعرب في هذه المناسبة عن تقديرنا لحكومة وشعب لبنان الشقيق، وننقل لهم جميعا أسمى مشاعر المودة والاعتزاز والتقدير من شعب المملكة العربية السعودية.مع تمنياتنا للجمهورية اللبنانية وشعبها الشقيق بالمزيد من التقدم والأمن والاستقرار والازدهار».

ودوّن الرئيس السوري كلمة جاء فيها «أود أن أعبر عن سعادتي الكبيرة بزيارة قصر بعبدا والجمهورية العربية الشقيقة، متمنيا لفخامة الرئيس ميشال سليمان ولكل من التقيناهم من المسؤولين اللبنانيين التوفيق والنجاح، وللشعب اللبناني الشقيق دوام التقدم والازدهار. وآمل أن نواصل العمل معا من أجل الارتقاء بالعلاقات التي تجمع بين بلدينا الشقيقين إلى المستوى الذي يطمح إليه الشعب السوري واللبناني، لما فيه خير البلدين والأمة العربية جمعاء».

وفي الأجواء المواكبة للزيارة التاريخية، أوضحت مصادر الوفد السعودي المرافق لخادم الحرمين الشريفين لـ«الشرق الأوسط»، أن «وصول الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد على نفس الطائرة هو دليل إلى أي مستوى وصل التوافق». وكشفت المصادر عن «توافق شبه مطلق سوري - سعودي - لبناني على كل القضايا العربية، لا سيما ما يتعلق منها بالوضع اللبناني وتثبيت الاستقرار في هذا البلد الذي كان ولا يزال وسيبقى موضع احتضان عربي بشكل عام، وسعودي - سوري بشكل خاص». أما مصادر الوفد السوري، فأكدت أن «لبنان لن يعود إلى الوراء أو إلى الانقسام»، مشيرة إلى أن «الضوء الأخضر أعطي لإعادة ترتيب الوضع الداخلي اللبناني».

وفي وقت بدا فيه الترقب سيد الموقف لدى الطرف اللبناني، في انتظار النتائج الرسمية لزيارة الزعيمين الكبيرين. قال عضو تكتل «لبنان أولا»، النائب عقاب صقر، لـ«الشرق الأوسط»، لقد «تخطينا مرحلة الخطر ودُرئت الفتنة، ونتجه منذ الآن نحو حلحلة كل المشكلات التي شهدها لبنان في الآونة الأخيرة، بعد أن حصلت تسوية كبرى تقضي بأن تسير العدالة، في موازاة الحفاظ على الوحدة الداخلية»، مشيرا إلى أن «كل الفرقاء اللبنانيين يسيرون في هذه التسوية، وأن الخطاب المتصاعد انتهى، ونحن مقبلون على فترة تهدئة يليها إعادة ترتيب للبيت الداخلي تحت المظلة العربية». وردا على سؤال، شدد صقر على أنه «ليس هناك أي تأجيل للقرار الظني، لأن لا أحد متأكد ما إذا كان هذا القرار سيصدر ومتى سيصدر».

وكان خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد وصلا إلى مطار رفيق الحريري الدولي على متن الطائرة الملكية وكان في استقبالهما والوفدين المرافقين لهما، الرئيس اللبناني ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، وأركان الدولة اللبنانية. وبعد إقامة مراسم استقبال رسمية للضيفين الكبيرين، انتقلوا إلى صالون الشرف لاستراحة قصيرة بعدها انتقل الملك عبد الله والرئيسان الأسد وسليمان برا إلى القصر الجمهوري في بعبدا ضمن موكب حاشد. ولدى وصولهم إلى هناك عقدت قمة ثلاثية، ثم انضم إليها الرئيسان نبيه بري وسعد الحريري، وقبيل انتهاء الإجتماع الخماسي قلد سليمان خادم الحرمين الشريفين وسام الأرز الوطني «القلادة الكبرى»، كما قلد الرئيس السوري الوسام نفسه، وهو أرفع وسام لبناني.

بدوره، قلد الرئيس الأسد نظيره اللبناني وسام «أميّة الوطني ذو الوشاح الأكبر». ليتحول الاجتماع بعدها إلى محادثات موسعة بانضمام الوفدين السعودي والسوري، وقد شارك عن الجانب اللبناني، إضافة إلى سليمان وبري والحريري، وزير الخارجية علي الشامي، وعن الجانب السوري وزير الخارجية وليد المعلم والمستشارة الرئاسية بثينة شعبان، وعن الجانب السعودي وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، والأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات العامة. وإثر الاجتماع الموسع عقدت جلسة ثنائية ضمت الرئيسين الأسد وسليمان قبل أن ينتقل الجميع إلى مائدة الغداء الرئاسية التي أقيمت على شرف الملك عبد الله والرئيس الأسد.

وشارك في الغداء أعضاء الوفدين السعودي والسوري وعدد كبير من الوزراء والنواب وأعضاء طاولة الحوار الوطني. وقد استثني من الدعوة إليها رئيس حزب الكتائب اللبنانية الرئيس الأسبق أمين الجميل، ورئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وقد قاطع وزراء ونواب الكتائب الغداء احتجاجا على عدم دعوة الجميل إليها، بينما حضرها وزراء ونواب «القوات اللبنانية».

ولدى وصول النائبة ستريدا جعجع إلى القصر الجمهوري أدلت بتصريح قالت فيه «نحن كـ(قوات لبنانية) موجودون هنا، لأن هذا اليوم هو يوم تاريخي للبنان. فعلى الرغم من الخطأ البروتوكولي الذي حصل مع رئيس الهيئة التنفيذية في (القوات اللبنانية) سمير جعجع، لبينا دعوة الرئاسة، لأننا نعتبر أنه عند بناء الأوطان يتناسى المرء الشكليات، وخاصة أننا كـ(قوات لبنانية) شاركنا ودعمنا اتفاق الطائف وكان رهاننا دائما على بناء الدولة. ووجودنا هنا هو لملاقاة الضيف الكبير خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي أسهم، ولا يزال، في السهر على الاستقرار في لبنان».

وبعد الغداء، زار خادم الحرمين الشريفين بيت الوسط، حيث أقام له رئيس الحكومة سعد الحريري حفل استقبال حضره رؤساء الطوائف الإسلامية: مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني، ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، وشيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ نعيم حسن، والمطارنة بولس مطر وإلياس عودة ويوسف كلاس، ورؤساء الطوائف الأرمنية، كما حضر اللقاء شخصيات سياسية، منهم: الرؤساء السابقون للحكومة فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وعمر كرامي، ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري والنائبة بهية الحريري، وعدد كبير من النواب والشخصيات السياسية والإعلامية والفعاليات. وبعد انتهاء حفل الاستقبال، انتقل الملك عبد الله والرئيس الحريري إلى غرفة جانبية، حيث عقدا اجتماعا ثنائيا، قبل أن يغادرا إلى مطار رفيق الحريري الدولي، حيث استقل خادم الحرمين الشريفين طائرته ويتوجه إلى المملكة الأردنية الهاشمية، حيث كان في وداعه الرؤساء سليمان وبري والحريري ووزراء ونواب وشخصيات دبلوماسية.

وفي موازاة لقاءات العاهل السعودي في بيت الوسط، عقد في القصر الجمهوري اجتماعات متلاحقة بدأت بقمة بين الرئيسين سليمان والأسد، انضم إليها لاحقا رئيس مجلس النواب نبيه بري. بعدها عقد اجتماع بين الرئيس السوري وبري ثم انضم إلى هذا الاجتماع كتلة بري النيابية، وعضو كتلة حزب الله النائب حسن فضل الله. كما لوحظ لقاء ثانٍ عقد بين وزير الخارجية السوري وليد المعلم ورئيس كتلة حزب الله النائب محمد رعد.

يذكر أن الوفد السعودي الرسمي ضم الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية والأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات العامة، والأمير فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود وزير التربية والتعليم، والأمير تركي بن عبد الله بن محمد آل سعود مستشار خادم الحرمين الشريفين، والأمير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين، والأمير منصور بن ناصر بن عبد العزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين، والأمير الدكتور بندر بن سلمان بن محمد آل سعود مستشار خادم الحرمين الشريفين، والأمير منصور بن عبد الله بن عبد العزيز، ووزير المالية الدكتور إبراهيم بن عبد العزيز العساف، ووزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجه، والشيخ مشعل العبد الله الرشيد، ورئيس الديوان الملكي خالد التويجري، ورئيس المراسم الملكية محمد الطبيشي، ورئيس الشؤون الخاصة لخادم الحرمين الشريفين إبراهيم الطاسان، ومستشار خادم الحرمين الشريفين المشرف على العيادات الملكية الدكتور فهد العبد الجبار، ونائب رئيس الديوان الملكي خالد العيسى، وقائد الحرس الملكي الفريق أول حمد العوهلي، وسفير خادم الحرمين الشريفين لدى لبنان علي بن عواض عسيري.

وكان خادم الحرمين الشريفين والرئيس السوري بشار الأسد قد غادرا، أمس، دمشق متوجهين إلى بيروت في ختام الزيارة التي قام بها الملك عبد الله للجمهورية العربية السورية واستمرت يومين.

التعليقات