راديو المطلقات صوت إذاعي جديد لحياة أفضل

راديو المطلقات صوت إذاعي جديد لحياة أفضل
غزة-دنيا الوطن
في محاولة للتخفيف عن المرأة المطلقة؛ وكسر نظرة المجتمع إليها باعتبارها مصدرا للشك والريبة، ووصمة عار تلاحق من يقترب منها، ولكي لا تتقوقع داخل نفسها تجتر الآلام والهموم، دشنت إحدى السيدات المطلقات في مصر إذاعة إلكترونية تحمل اسم «مطلقات راديو».

هذه الإذاعة تبث عبر شبكة الإنترنت، طامحة إلى تغيير الصورة النمطية السلبية للمطلقة العربية، عن نفسها وفي مجتمعها. وهي توفر لها منبرا تستطيع من خلاله المطلقة القول: «أنا لست سيئة، وتجربة طلاقي كانت أمامي كمسألة اضطرارية وليست اختيارية».

الإذاعة الوليدة ثمرة لمعاناة حقيقية ومعايشة واقعية لتجربة الطلاق. فصاحبة الإذاعة الشابة المصرية محاسن صابر، التي تبلغ من العمر ثلاثين سنة، تعرضت لتجارب الزواج والإنجاب ثم الانفصال. وهذا ما حفزها لتخطي مشكلتها، فعملت على إيصال صوت المطلقات للمجتمع وتغيير نظرة الناس لهن، وتصحيح مفاهيم مغلوطة عنهن، وأيضا معالجة المشكلات النفسية للمطلقة بعد الانفصال، فكانت فكرة الإذاعة التي تعد أول راديو للمطلقات في العالم.

تقول صاحبة الإذاعة: «انتظرت لمدة أربع سنوات كي أحصل على شهادة الطلاق من زوجي، وعانيت خلالها من التردد على قاعات المحاكم. وذات يوم وبعد طلاقي، كنت أتكلم مع زميل في العمل، وإذا بمديري يستدعيني للفت انتباهي إلى أنني أصبحت في عداد المطلقات، قائلا: (لا يجب أن تتكلمي مع الرجال، وخاصة في العمل وأمام الزملاء، لأنك الآن في وضع حساس للغاية). على الرغم من أنني كنت أتكلم مع زميلي ونحن في مكان عام جدا، وبحوارات غير شخصية بالمرة، بل تدخل في صميم العمل. ولكن فكرة أن المطلقة عرضة للانحراف والخطأ هي ما أظن أنها دعته لقول شيء كهذا. ومن هنا جاءتني فكرة تصحيح مثل هذه الأفكار الخاطئة عن المطلقة، لا سيما أن المجتمع المصري يشهد وجود امرأة مطلقة كل 6 دقائق!».

ولارتباط محاسن باستخدام الإنترنت، فإنها فكرت أن تتجسد فكرتها من خلال هذا الوسيط الإلكتروني، فبادرت إلى إنشاء مدونة شخصية (بلوغ) تحكي عبر التدوين عليها (البوست) عن معاناتها في طلب الطلاق، وتدعو لتصحيح صورة المرأة المطلقة في المجتمع، وتوضيح صورة المرأة التي تطلب الطلاق على أنها لا تطلب غير حقها الشرعي. إضافة لعرض طموح وأحلام ومشكلات المرأة المطلقة في المجتمع الشرقي الذي نعيش فيه، وأن المطلقة ليست وصمة عار في المجتمع. تضيف محاسن: «فكرتي نجحت، ووجدت ما أتمناه في التدوين، واخترت للمدونة اسم (أنا عايزة أتطلق)، وأصررت عليه لأن هدفي هو الترويج للحق الذي شرعه الله للمرأة، وهو حقها لطلب الطلاق إذا استحالت العشرة مع زوجها. فهي لا تطلب سوى حقها ولا تفعل شيئا خطأ. ولكن نحن أغفلنا حقها هذا، لذلك تعمدت هذا الاسم، ولكن ليس بهدف الترويج للطلاق كما ظن البعض، بل بالعكس، فالطلاق تجربة صعبة تحتاج لقوة شديدة. ولكن إذا رأت المرأة أن هذا هو الأفضل لها فمن حقها أن تتخذ هذا القرار. وأعتقد أن الاسم نجح، وكانت مدونتي أول مدونة تطرح فكرة الطلاق بشكل إيجابي، لأن بمقدور أي شخص الدخول إليها والتفاعل معها، وهو ما حدث فعلا. فالناس تجاوبت معي، وكانت تناقشني في القضية وما أطرحه في المدونة من أفكار».

وبعد أربعة أشهر من إطلاق المدونة طرح أحد المدونين خلال إحدى هذه النقاشات فكرة وجود مادة مسموعة على المدونة نفسها. وبالفعل استجابت محاسن للفكرة منذ شهر أغسطس (آب) عام 2009، لتجتذب المادة الصوتية كثيرا من جمهور الإنترنت وصلوا في أحدها إلى 8 آلاف مستمع. ثم جاء تطوير الفكرة بوجود إذاعة مستقلة تخصص مادتها للمطلقات، وعنها تقول محاسن: «المصريون يحبون الاستماع أكثر من القراءة، كما أننا نتحدث عن قضية ثقيلة ولا يقبل عليها إلا فئة تهوى القراءة، وبالتالي تكون المادة الصوتية أسهل وتصل إلى فئات متعددة».

يرفع «مطلقات راديو» شعار «حياة جديدة بصوت من القلب»، وهو يستهدف فتح نافذة جديدة للمطلقات للتعبير عن أنفسهن وعرض مشكلاتهن، ويساندهن للخروج من حالتهن النفسية المصاحبة للانفصال، ويعدل نظرة المجتمع ونبذه للمطلقة التي تتعرض لضغوط ومعاملات اجتماعية واقتصادية ونفسية سيئة بصورة يومية. كما يعمل الراديو على تقديم النداء لتجنب التسرع في طلب الطلاق وإعادة الاتزان للحياة الأسرية.

وتوضح صاحبة الراديو أن هذه الأهداف جرى تقديمها من خلال كثير من البرامج والحوارات واللقاءات التي تستعين باستشاريين قانونيين وأطباء نفسيين واختصاصيي علم اجتماع وخبراء في مجال تربية الأطفال، وكلهم متطوعون للعمل من خلال عرض برامجهم الخاصة وتجاربهم في الحياة. ومن أهم البرامج «يا مفهومين بالغلط.. يا إحنا». وهو أعلى البرامج إقبالا من جانب الجمهور، خاصة أنه تناقش فيه الضغوط والمضايقات التي تتعرض لها المطلقة في حياتها اليومية. ثم هناك برنامج «من تحت سريري» الذي يناقش الآلام النفسية الناتجة عن الطلاق وأساليب تفاديها، والتوعية حول كيفية تحويلها لطاقة إيجابية منتجة. ثم برنامج «قبل ما تقولي يا طلاق» الذي يخاطب المتزوجات لتجنب وقوعهن في الأخطاء التي سبق أن وقعت فيها المطلقات. أما برنامج «ابنك على ما تربيه» فيهدف للتوعية بتربية المطلقة أبناءها بطريقة صحيحة وكيفية إيجاد وسيلة لتقبل الوضع الأسري الحالي وآلية لتعايش الأطفال مع طلاق الأبوين بصورة إيجابية. في حين يتبنى برنامج «طليقك على ما تعوديه» استمرار العلاقة الإنسانية بكل ود مع طليق المرأة، وذلك للمحافظة على صورة الأب والأم في آن واحد والتعامل مع الطلاق بشكل إنساني صحيح.

الراديو لم ينس الرجال أيضا. فهناك برامج خاصة بالرجال المطلقين مثل برنامج «يوميات مطلق»، الذي يقدمه شاب عاش تجربة الطلاق ولديه طفل، ويقدم من خلاله نصائح رجالية خالصة لكل سيدة تعاني في التعامل مع زوجها، ليعطيها مفاتيح قد تكون غائبة عن عقلها في التعامل معه.

تقول محاسن: «هذه البرامج منها ما يبث على الهواء مباشرة ومنها ما هو مسجل، والأخيرة يجري بثها من منزلي الخاص. والحمد لله، مع أول يوم للبث بلغ عدد المستمعين 12 ألف مستمع، ويتزايد العدد بصورة يومية. فالأفكار التي يطرحها الراديو تلقى تجاوبا، وكثيرا ما يخبرني الناس أنهم غيروا فكرتهم عن المطلقة بعدما استمعوا للبرامج، وما يزيد من نجاح الراديو أنه استطاع اجتذاب عدد كبير من الدول العربية والأجنبية، منها بينها المملكة العربية السعودية ولبنان وكولومبيا وروسيا وبولندا. وقريبا ستكون هناك برامج تبث من السودان والمغرب. كذلك تلقى مجموعة الراديو على موقع «فيس بوك» إقبالا كبيرا، وهناك أكثر من 2000 عضو وعضوة فيها حتى اليوم، ينتمون لعدد كبير من الدول، مما يعني أن الإذاعة لم تعد محلية فقط ولا إقليمية بل عالمية».

ولكن هذا النجاح الذي صادفه الراديو لم يخل من الانتقادات الموجهة لشخص صاحبتها، أو للفكرة بشكل عام. غير أن محاسن تقابل كل ذلك بصدر رحب، قائلة: «منذ إنشاء المدونة، ثم الراديو، ظن كثيرون - خاصة الرجال - أننا نوجه دعوة إلى السيدات للتمرد على الرجال وإعلان حالة العصيان عليهم، خاصة أن شعارنا كان «عندما ينعدم الأمان في الحياة الزوجية.. فمرحبا بأبغض الحلال». ولكن هذا انطباع خاطئ. فأهدافنا معلنة - كما ذكرت - وتتعامل مع المطلقة لكي ترشدها إلى حياة آمنة نفسيا واجتماعيا، والحمد لله، أنا لا أطرح شيئا شاذا أو يخالف الدين الإسلامي وتعاليمه، بل إن الإسلام أعطى المطلقة مكانة وعاملها باحترام، ولكن المجتمع اقتنص من هذه المكانة ومن نظرة الاحترام».

وتفصح صاحبة الراديو عن أملها في وجود مقر دائم للإذاعة ما يتيح لها تطوير البرامج بشكل مستمر، وشراء «سيرفر» إذاعي على الإنترنت يستوعب مستمعي الراديو الذين هم في تزايد مستمر. كما تأمل أن تتحول الإذاعة قريبا إلى قناة تلفزيونية للوصول لأكبر قاعدة جماهيرية سواء كانت من المطلقات أو الرجال أو الشباب أو الفتيات لتكون الفضائية الأولى من نوعها على مستوى العالم. وهي توضح، أيضا، أنها سواء تزوجت ثانية أم لا فستظل الإذاعة قائمة، معللة ذلك بالقول: «أنا أناقش في الإذاعة قضية عامة، تحدث بالفعل، ولا تنتهي من المجتمع. فالإذاعة ليست لمحاسن فقط، بل لكل امرأة قد تعاني من الطلاق، وسواء تزوجت أم لا ستظل الإذاعة باقية».

التعليقات