الصين تفرض على الأطفال تحية السيارات

الصين تفرض على الأطفال تحية السيارات
هوانغبنغ (الصين) : شارون لافرانيير *
يعي جميع التلاميذ بـ«مدرسة لولانغ الابتدائية»، وهي عبارة عن مبنى خراساني يغلب عليه اللونان الأصفر والبرتقالي يقع بالقرب من طريق جبلي متعرج في جنوب الصين، القواعد الأساسية: لا تمارسوا الجري في الأفنية، واتخذوا مقاعدكم قبل أن يدق الجرس، وارفعوا أيديكم عند الرغبة في طرح سؤال.

إضافة إلى ذلك، هناك قاعدة أخرى: عليكم إلقاء التحية على كل سيارة تمر عليكم في الطريق إلى ومن المدرسة. من جانبهم، عمد مسؤولو التعليم إلى إصدار قرار إلقاء التلاميذ التحية على السيارات بهدف تقليص حوادث المرور وتعليم الأطفال آداب اللياقة والمجاملة. على الجانب الآخر، واجه القرار انتقادات شديدة من جانب البعض، حيث وصفه أحدهم، العام الماضي، بـ«المثير للرثاء». بينما شدد آخرون على أن المسؤولين المفتقرين إلى الفاعلية هم فقط من يسعون لتحميل الأطفال مزيدا من الأعباء والمتطلبات، بدلا من تمهيد الطريق أمامهم. لا تعد الصين الدولة الوحيدة التي يتصرف فيها المسؤولون المحليون، في بعض الأحيان، بحرية مفرطة. إلا أنه داخل البلاد، حيث يفتقر الكثير من المسؤولين المحليين إلى مستوى ملائم من التدريب ويحق للحزب الحاكم وحده فصلهم من مناصبهم، أصبحت الأوامر والتوجيهات المشكوك في حكمتها مادة مفضلة للتندر والفكاهة بين مستخدمي شبكة الانترنت من الصينيين. بل إن وسائل الإعلام المملوكة للدولة أحيانا ما تشارك في الانتقادات، رغم أنها نادرا ما تشير إلى المسؤول وراء القواعد محل النقد أو تلمح إلى افتقار مسؤولين إلى الكفاءة التي تؤهلهم لممارسة الحكم. في أغلب الوقت، تؤتي الانتقادات نتائج إيجابية. على سبيل المثال، في أبريل (نيسان)، تعرضت مقاطعة في إقليم هوباي في وسط البلاد إلى السخرية من مختلف أرجاء البلاد بعد إصدار مسؤوليها أوامر إلى موظفي الخدمة المدنية وفي الشركات المملوكة للدولة بشراء إجمالي 23.000 علبة من السجائر تخص العلامة التجارية التي ينتجها الإقليم سنويا. وأشارت وسائل الإعلام إلى أن الموظفين الذين يخفقون في شراء أعداد كافية من علب السجائر أو يشترون سجائر تنتمي إلى علامات تجارية صينية أخرى سيتعرضون للغرامة. في المقابل، برر مسؤولو المقاطعة هذا الإجراء بأن العائدات الإضافية المترتبة على ضريبة التبغ ستسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي. وبعد عدة أسابيع من الحرج، أعلن مسؤولو مقاطعة غونغان في رسالة قصيرة نشروها على موقع الحكومة على شبكة الانترنت تنص على أنه: «قررنا إلغاء هذا القرار». وبالمثل، حاول مسؤولو هانشوان، إحدى مدن إقليم هوباي، اللجوء إلى حيلة مشابهة ترمي للهدف ذاته. انطلاقا من عزمهم على الترويج لمنتج «بايجيو» المحلي، شراب كحولي مقطر، أصدروا أوامر تقضي بشراء العاملين في الدولة ما يعادل في قيمته حوالي 300.000 دولار من زجاجات الشراب سنويا. وقدر مراسلون صحافيون أن ذلك يعني شراء كل موظف ثلاث زجاجات يوميا للالتزام بالحصة المفروضة. وقد ألغي هذا الأمر لاحقا. العام الماضي، أجبرت مقاطعة أخرى بإقليم غويزهو جنوب الصين موظفي الدولة على المساعدة في زيادة أعداد السائحين الذين يزورون أطلال قرية قديمة، حيث صدرت أوامر إلى جميع الأقسام الحكومية بتنظيم رحلات ميدانية إلى الموقع، بحيث تتمكن المقاطعة من إعلان استقبال الموقع 5.000 زائر في غضون شهرين. واضطر هؤلاء الزائرون المكرهون على الزيارة إلى استقلال حافلات للوصول إلى الموقع الأثري الذي يبعد 20 ميلا عن مركز المقاطعة. ومن هناك، استأجروا دراجات بخارية كي تحملهم 9 أميال أخرى عبر طرق قذرة، حسبما ذكرت صحيفة «غوانغزهو ديلي». وأكدت «غويزهو كمرشال نيوز» على أن بعض المكاتب الحكومية خلت من عامليها، في الوقت الذي اضطلع الموظفون بأدوار السائحين. وفي الشهر التالي، ألغي القرار. وما يزال تنظيم صادر عام 2003 يحظر على المسؤولين بإقليم سيشوان الاستعانة بسكرتيرات ساريا. وقت صدور القرار، ذكرت «تشينا يوث ديلي» أن المسؤول الذي أقره رغب في «ضمان إنجاز العمل». أثناء مقابلة معها، اعترفت مسؤولة بالمكتب الإقليمي التابع لـ«الحزب الشيوعي» بأنها لم تكن على علم بوجود قاعدة كتابية في هذا الشأن. من ناحية أخرى، لم يحدد أحد مصدر أمر صدر في مايو (أيار) من العام الجاري يقضي بقتل جميع الكلاب في مدينة هيهي، على الحدود الروسية في أقصى شمال غربي البلاد. إلا أن تقارير إعلامية ألمحت إلى أن أحد مسؤولي المدينة انتابه غضب عارم بعد أن عضه كلب أثناء تنزهه على ضفة أحد الأنهار. من جهته، رفض المسؤول التأكيد على صحة هذا الخبر. بناء على الأمر، نظمت قيادات المدينة فرقا من ضباط الشرطة وأمرتهم بضرب أي كلب يدخل إلى مكان عام حتى الموت. ونقل «راديو الصين الوطني»، التابع للدولة، غضب المواطنين الشديد حيال هذا الأمر. وعلق أحد مقتني الكلاب بقوله: «عندما نود الخروج بكلابنا في نزهة الآن، نضطر أولا للخروج والتأكد من عدم وجود أفراد شرطة». من جهة أخرى، أوعز خبراء انتشار مثل هذه الأوامر والتوجيهات إلى غياب الحرفية بين المسؤولين المحليين. الملاحظ أن «الحزب الشيوعي» عمل في السنوات الأخيرة على محاولة إصلاح هذه المشكلات عبر توفير مستوى أفضل من التدريب للمسؤولين وقنوات أكثر لنقل الرأي العام. والآن، باتت المدارس الحزبية التي يتخرج فيها المسؤولون تشدد على المهارات الإدارية، بجانب التوجهات الأيديولوجية. ومن المفترض أن تقييم الاضطلاع بالوظائف يعتمد على نتائج ملموسة. يذكر أن بعض المسؤولين الذين استغلوا سلطة إصدار أوامر وتنظيمات في التحايل على الجمهور العام جرى التعامل معهم بشدة. مثلا، تعرض أمين الحزب في فيشينغ، مدينة بشمال شرقي الصين، للفصل من عمله بعد فرضه غرامة تقدر بـ73 دولارا على أي مزارع يقطع ساق نبات قمح دون ترخيص. واشتكى المزارعون من أنه لم يعد بمقدورهم حصاد محاصيلهم من القمح دون أن يساورهم الخوف من التعرض للعقاب. على ما يبدو، يعاني مسؤولو القرى الصينية، البالغ إجمالي عددها 637.001 قرية، من حماس مفرط تجاه إصدار أوامر وتنظيمات. على سبيل المثال، أجبر مسؤولو قرية في شونغكنغ النساء غير المتزوجات من الخضوع لاختبارات للعفة قبل تلقي تعويضات عن الأراضي الزراعية التي صادرتها الحكومة. وقال المسؤولون إن العذارى فقط يحق لهن تلقي تعويض. وظل القرار ساريا حتى إلغائه على يد مسؤولين أعلى شأنا عام 2005. في المقابل، يؤكد مسؤولو مقاطعة هوانغبنغ أن سياسة إلقاء التلاميذ التحية على السيارات تحمل أهدافا نبيلة. وشدد مسؤولو التعليم أن الالتزام بها اختياري. ولدى سؤالهم حول ما إذا كانوا يلتزمون بها، عادة ما ينفجر التلاميذ هنا في الضحك.

* «نيويورك تايمز»

التعليقات