القذافي يحاكم التاريخ قبل أن يحتكم إليه

بقلم:أحمد جبر
شتان بين من احتكم إلى التاريخ ومن حاكمه قبل الاحتكام إليه ، فكثيرون هم الذين يأخذون الأمور على علاّتها و سرديتها ويُؤسرون بأحكامها دون سبر أعماقها وتحليل أبعادها ومعرفة خباياها ، فما زال العالم اليوم بسياسييه وبمفكريه وبمثقفيه ينتهج نفس قوالب الماضي السحيقة البغيضة الظالمة وان اختلفت التسميات والتوصيفات .

فعلى الصعيد السياسي ما زال العالم يحتكم إلى ما ورد في وثيقة المجناكارتة التي صدرت في 1215 م اثر حالة الاستبداد والديكتاتورية التي كانت سائدة في ذلك العصر والتي أُطلِق عليها اسم ( الميثاق الأعظم ) أو ( الميثاق العظيم للحريات ) في انجلترا، و لكن الأغرب والأعجب يكمن في أن عالمنا اليوم ما زال يقتفي أثر تلك الوثيقة التي عُدّت انتصارا للشعوب في زمانها .

مفارقة كبيرة تلك التي تجعل من البشر في عصر العولمة والمدنية وانفجار ثورة المعلومات والتقنيات يقتفون آثار تلك الحقبة ومن هنا وقف القذافي بعد أن قرأ التاريخ ليحاكم تلك الحقبة قبل أن يحتكم إليها في النظام السياسي وكل ما يتصل به من جوانب الحياة ومقدراتها حيث أعلن ثورته في وجه النظم النيابية بكل أشكالها لما تكرسه من إلغاء وتهميش لدور الإنسان الذي خلق حرا مكرما ووقف القذافي بالحجة وبالدليل وبالبرهان في وجه مروجي تلك النظريات والمدافعين عنها، لا ليثبت خطأهم ولكن ليحق الحق ويظهره وليعيد للإنسان دوره في الحياة الحرة الكريمة فعرض التجربة الأثينية والجمعيات الشعبية ونظامها وانتقد ما شابها من سلبيات وميز وتصدى للنظم البرلمانية وللاستفتاء وللنظرية الرأسمالية والماركسية ولغيرهما مدللا ومبرهنا فشل تلك النظم وزيفها وعدم مقدرتها على حل مشكلة أداة الحكم التي ما زالت البشرية تعاني من التصارع عليها .

وعلى الدفة الأخرى اعتلى القذافي صهوة الأدب ولا ريب في ذلك وهو ابن البادية التي أنبتت المثل والقيم والفصاحة فكتب المجموعة القصصية وجملة من المقالات والرسائل الأدبية فتحدث عن القرية والمدينة وعن مجتمعهما وعن طبيعتهما ومناخهما مردفا بحديث أدبي شيّق ساخر طاف به جملة من الموضوعات التاريخية والدينية والسياسية ولا غرابة في ذلك فشاغل القذافي وهمه هم الجماهير والشعوب والإنسان في كل مكان لذلك جاءت كل نتاجاته السياسية والأدبية ممزوجة بعرق الكادحين وآلام العمال والمظلومين ولم تكن ترفا ولا خيالا أدبيا يحلق في دنيا العشق والغزل والتنظير لرأس المال فرديا كان أم دوليا والدعوة من فوق المنابر لأصحاب الجاه والنفوذ والسلطان ليمد الله في أعمارهم...؟! ويبقي ذريتهم....؟! ويعلي شأن نسلهم وأحفادهم..؟! ويباركهم ويحفظ مالهم الذي جمعوه بعرق جبينهم واحتراق دمائهم ... ؟!

معمر القذافي حين يكتب يستحضر كل هموم الناس والعباد وقد عاشها وخبرها ويميط اللثام عن الزيف وعن الظلم والاستبداد مستخدما مداد الحق ويراع النور الإنساني لا يزيف ولا يقلب الحق إلى باطل ولا يجعل الباطل حقا فالباطل ملعون وزهوق .

معمر القذافي حين ينطق ينطق بالحق من فوق المنابر التي ترتعد لها فرائص شذّاذ الآفاق والموتورين المصلحيين ليعلن من فوق منابر الأمم المنقسمة ومجلس الرعب ظلم وجبروت ما تمارسه تلك المؤسسات بحق الشعوب والأمم الضعيفة.

معمر القذافي حين يكتب لا يصرخ من تحت الماء التي يغرق فيها كتّاب الظلام والردة ولا يبعث من تحت الماء رسالة تحكي حالة غرقه في شبر من الماء بل يسبر الأعماق ليصل إلى الدرر والأصداف فيسمع بكلماته من به الصمم المتعمد ليموت كيدا وغيظا ويري الأعمى أدبه ليهتدي للدرب الإنساني الذي يجسد الحرية والكرامة وما على المكذّبين والمشككين إلا أن يلجوا باب أدب معمر القذافي وما أنتجه من نتاجات سياسية واقتصادية واجتماعية وأدبية إنسانية، قبل أن يحتكموا لوسائل الإعلام المضادة والمغرضة والسطحية والتابعة لدوائر مشبوهة، والمرفودة بالحقد وبالتشويه بدون مسوّغ موضوعي ولا برهان علمي.

لنقرأ القذافي ونتاجاته قبل أن نصدر الأحكام عليه وعليها وهذا مطلب علمي موضوعي إنساني أخلاقي فلا تنابزوا بالألقاب ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه .

التعليقات