أبو جرة سلطاني: نتطلع للعفو الشامل العام القادم وأملنا استلام المشعل سنة 2012 في الجزائر

أبو جرة سلطاني: نتطلع للعفو الشامل العام القادم وأملنا استلام المشعل سنة 2012 في الجزائر
غزة-دنيا الوطن
يتوقع "أبو جرة سلطاني" رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية، أن يتم الذهاب إلى عفو شامل في الجزائر العام القادم، إذا ما توفرت شروطه، كما يبدي زعيم الحزب الإسلامي الأول في الجزائر أملا للوصول إلى الحكم سنة 2012، وينفي سلطاني في هذه المقابلة الخاصة بـ"إيلاف" أي نية من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لتوريث الحكم من بعده، فيما يؤيد خليفة الراحل نحناح، ميلاد قطب معارض ينظّم نفسه ويقدّم بدائل، بينما يحكم على النخب في بلاده بالتخلف عن مختلف المسارات.

*يحمّل فريق من المراقبين قوى الائتلاف الحاكم في الجزائر مسؤولية الركود السياسي الحاصل ، بصفتكم تقودون حزبا إسلاميا عضوا في هذا الائتلاف، هل الركود مردّه غلق قوى الائتلاف للعبة السياسية، أم ذاك مردود إلى إفلاس قوى المعارضة وعجزها عن تقديم بدائل، أم ناجم عن نفور الجزائريين من الفعل السياسي ككل؟

- بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله المرسلين، أنتم تدركون أنّ الجزائر مرت بمأساة وطنية رهيبة، ودفعت من أبناءها وبناتها وممتلكاتها الكثير، لذلك لما رأوا أنّ التحالف الرئاسي بقيادة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حقق نوع من الاستقرار، ودفع بعجلة التنمية إلى الأمام، ركنوا إلى هذا الاستقرار وهذا الأمن، وقوى المعارضة لم تستطع توحيد صفوفها وظلت مشتتة ولم تستطع أن تقيم ائتلافا للمعارضة، لذلك نحن لا نقول أنّ التحالف الرئاسي هو سبب الركود، لأنّه ليس هناك ركود أصلا، لأنّ العجلة تتحرك والتنمية تتطور، وأنتم تلاحظون أنّ الاستثمار في الجزائر بكل أنواعه وفي كل القطاعات قد تحرّك، لكن نأسف للمعارضة التي تقول إنّها معارضة أو تزعم إنّها معارضة، لم تستطع أن توحّد صفوفها، لم تستطع أن تؤلف جهودها، لم تستطع أن تبلور رؤية للمعارضة حتى داخل قبة البرلمان. وبالتالي نحن مرتاحون جدا لكوننا نعمل في الميدان وحدنا، ولكننا في الوقت نفسه ندعو هؤلاء إلى أن يوحدوا صفوفهم ويظهروا تكتلا سياسيا بإمكانه أن يُحدث قطبين، قطب في التحالف الرئاسي وقطب في المعارضة، من شأنهما أن يدفعا بالحركية السياسية خطوات إلى الأمام.

• تتداول مراجع مقرّبة من قصر الرئاسة الجزائرية، منذ فترة، أنباء عن ميلاد حزب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وشقيقه السعيد "الجيل الحرّ"، ما مدى تأثير ميلاد هذا الحزب على الخارطة السياسية الجزائرية، وما هي انعكاسات نشوء "الجيل الحرّ" على الائتلاف الحاكم وأفق الجزائر ككل، في ظلّ النظر للحزب المذكور على أنّه تمهيد لما يسمى (توريث الحكم) ؟

- هذا الموضوع كان مطروحا قبل تعديل الدستور (12 نوفمبر-تشرين الثاني 2008)، لأنّ كثير من الجهات كانت تتحدث آنذاك عن ميلاد قطب سياسي جديد، بإمكانه أن يحدث المفاجأة إذا ما تخلى الرئيس بوتفليقة عن فكرة التعديل الدستوري، وبالفعل تحركت بعض الجهات وجمّعوا بعض الجهود وكانت الفكرة مطروحة بالفعل، لكن لما تمّ التعديل الجزئي للدستور، وانتزع تأييد غالبية أعضاء غرفتي البرلمان، تمّ التخلي نهائيا عن هذه الفكرة، لكن الذين كانوا يحضرّون، قالوا لماذا لا نستمر في التحضير، قد يحتاجون الرئيس بين لحظة وأخرى، فاستمروا في دعم الحملة الدعائية لبوتفليقة لدى ترشحه لرئاسيات الربيع الماضي، ولما انتزع ذاك النجاح الكبير، سكت منظّمو هذه الفكرة لفترة ظنا، أنّ الرئيس سيستدعيهم لبعض المهام السياسية والحكومية وغيرها، فلما لم يستأنسوا شيئا من هذا، عادوا ليرفعوا أصواتهم بأنّ هناك حزب للرئيس سيتولاه شقيقه، وبأنّ هناك توريث.
أنا أنفي نفيا قاطعا ليس هناك نية للرئيس كي يورث الحكم من بعده، مثلما ليس هناك تبني رسمي لحزب ينشأ برئاسة بوتفليقة أو واحد من إخوته، والذين يدندنون حول هذا الموضوع، يريدون فقط إسماع أصواتهم للرئيس أو للرأي العام، لعلّ الظروف تكون مناسبة للخروج بحزب قد يجد مكانه في الساحة السياسية، ونحن في كل الأحوال نرحّب بميلاد طبيعي لأي حزب سياسي في الجزائر سواء بزعامة أخ الرئيس أو بزعامة غيره من الناس، بشرط واحد أن يولد هذا الحزب بشكل ديمقراطي طبيعي، وينزل إلى الميدان من أجل أن يتنافس على البرامج وعلى الدفع بالحريات أكثر إلى الأمام وعلى حقوق الإنسان وسوى ذلك.

• أين تكمن الأزمة الحقيقية التي تعيشها الجزائر حاليا؟، وهل أنتم مع الرأي القائل بوجود أزمة "إفلاس سياسي" في الجزائر؟ إن كان الأمر كذلك إلى ماذا يعود، وما حجم مسؤولية السلطة الحاكمة بتصنيع هذا الإفلاس؟

- هم يتحدثون عن أزمة وعن إفلاس، ولكن لا يقولون لنا ما هذه الأزمة وما هذا الإفلاس، هل الدولة التي توفرّ مليوني منصب شغل لأبنائها، هي دولة مفلسة؟، هل الدولة التي تبني 16 سدا مائيا، وتوفر المياه الشروب ومياه السقي الزراعي، هل هي حكومة مفلسة؟، هل الدولة التي تضاعف عدد المتمدرسين عندها ثلاث مرات، دولة مفلسة؟، هل الدولة التي توفّر السكنات الريفية والترقوية والتساهمية، وتسلّم المفاتيح للمستحقين من غير أن يدفعوا دينارا واحدا، دولة مفلسة؟، هل الدولة التي تشق طريقا سيارا شرق-غرب، دولة مفلسة؟، هل الدولة التي تدفع مديونيتها الخارجية مسبقا، دولة مفلسة؟، هل الدولة التي رصدت 150 مليار دولار للتنمية خلال الخمس سنوات السابقة، وتخصص 150 مليار دولار إضافية للخمسة أعوام المقبلة، دولة مفلسة؟
أنا أقول، إنّ الذين يقولون هناك إفلاس سياسي واقتصادي، هم المطالبون أن يقدموا لنا ما هو هذا الإفلاس، ويعرّفوا لنا ما هذا الإخفاق، نحن من جهتنا كأطراف في التحالف الرئاسي، وأتكلم باسم حركة مجتمع السلم، نرى أنّ الدولة أعادت بناء نفسها، قد استدركت كثيرا من قضاياها، المصالحة الوطنية جاءت بخير كبير، والآن لم يبق إلاّ بعض بقايا الإرهابيين الذين يترصدون غفلة قوات الأمن وغفلة الشعب الجزائري كذلك، وأعتقد أنّ الأمور قد تحسنت كثيرا، وهي في تحسن مستمر يوما بعد يوم.

• يرى مراقبون للشأن السياسي الجزائري، أنّ "العزف المنفرد" للسلطة مردّه غياب قوى معارضة حقيقية تستطيع استيعاب تطلعات الشارع المحلي عبر إنتاج بدائل قوية وأفكار أكثر نضجا، إلى أي منحنى يصحّ هذا الطرح، وهل هناك حاجة إلى "تخصيب قوى مستترة"، أم الأمر ينحصر في إشكالية خطاب سياسي واقتراب من الواقع الشعبي؟

- السلطة لا تفرز المعارضة، ولو أنّ السلطة أفرزت معارضة، لكانت معارضة من صناعة السلطة، نحن نريد أن تفرز المعارضة نفسها، نريد ميلاد قطب معارض ينظّم نفسه، نريد ظهور قوى معارضة تقدّم بدائل، نريد رؤية هذه الأصوات-النشاز التي تتحدث مرة تحت قبة البرلمان بصوت خافت، ومرة تتظاهر في الشوارع تظاهرات غامضة، نريد أن تجمّع نفسها وتنظّم قدراتها، وتقدّم برامج تصلح أن تكون للمعارضة، أما إذا انتظرت المعارضة، حتى تأمرها السلطة بأن تلد شيئا، أنا لا أعرف بأنّ هناك سلطة أفرزت معارضة، إلاّ إذا كانت تريد أن تمرر بها بعض المشاريع، من باب ذرّ الرماد في العيون، نحن لا نريد أن تولد معارضة من رحم السلطة، بل تولد من رحم الشعب، وأن تلد المعارضة في الشارع الجزائري ببرامج، بتوجهات، بخطاب سياسي جديد، وسنرحب ترحيبا كبيرا بمعارضة تقدّم البديل الأفضل والخطاب الأرقى.

• ما مدى مسؤولية النخب في الجزائر عما هو كائن فكريا، معرفيا، هل الإشكال يكمن في مخاطبة هذه النخب للجماهير من وراء الجدران العالية والأبراج العاجية؟

- النخب في الجزائر للأسف متخلفة جدا عن مسار الحركية السياسية، ومسار الحراك الثقافي والاقتصادي، حتى حينما احتضنت الجزائر احتفالية الثقافة العربية سنة 2007، ما رأينا للنخب كبير شأن في الساحة الثقافية، ناهيك أن تكون في الساحة السياسية، وأقول بكل مرارة أنّ الكثير من الأنتلجنسيا الموجودة في الجزائر تنتظر إيعازات من السلطة، أن تتحرك، أن تكتب، أن تتظاهر، أن تقدّم بديل.
ومن هنا يجب أن أقول أنّ السياسة التي لا تواكبها، أطروحات ثقافية واجتماعية، ويجرّ ركبها المثقفون والكتّاب والسياسيون وكذا فرسان المسرح والسينما، تظلّ عرجاء، ونحن ننتظر دائما أن يدرك مثقفونا وأساتذتنا في الجامعات وحتى أئمتنا وخطباؤنا، أنّ لهم أدوارا ثقافية وسياسية يفعّلون بها الساحة السياسية، ويحرّكون بها الواقع الثقافي وربما يساهمون حتى في بعض النظريات الاقتصادية، لكن هذا غير موجود إلاّ في بعض المبادرات الشخصية لمثقفين يمثلون الاستثناء ولا يمثلون القاعدة.

• يذهب خبراء إلى أنّ النمطية الحزبية الكلاسيكية في الجزائر، مرشحة للتلاشي والزوال لصالح قيام قوى مجتمعية وطلائع شبابية غير حزبية، ويتحجج هؤلاء بتجربة أعراش القبائل والجنوب، ونجاح منظمات مغمورة في تجنيد الشارع خلافا لكبرى التشكيلات السياسية التي صارت عاجزة عن إقناع مواطنيها بحضور تجمع دعائي أو التوجه إلى مراكز التصويت، هل تؤيدون هذه النظرة؟، وكيف ترسمون أفق التمثيل السياسي في الجزائر؟

- ظهرت بعض هذه التجمعات، ونادت مرة باسم الجنوب ومرة باسم القبائل، ومرة باسم الانفصال ومرة باسم الثقافة ومرة باسم الأمازيغية، لكن مع الزمن اكتشف الشعب لا جدواها، ساندها في البداية وتحمّس لها ليسمع صوتها ويرى مخططاتها، فوجد أنّها مجرّد صيحة في واد ونفحة في رماد انفضّ عنها اليوم، ولا نعتقد أنّ هذه التجمعات الصغيرة العرقية والجهوية والثقافية، تملك برامج تستطيع من خلالها أن تقنع الرأي العام الجزائري، أو تجرّ الشعب إلى بدائل أخرى.
الذي نراه في الساحة اليوم، لا يملك هذه المؤهلات ليطرح نفسه كبديل، إذا ظهرت في المستقبل قدرات وإمكانات وكفاءات وطرحت برامج جادة، سوف يكون لكل حادث حديث.

• هل تتوقعون بروز نماذج غير حزبية مؤهلة كي تكون ممثلة سياسيا؟
- إذا نظرنا إلى واقع الحركة الجمعوية في الجزائر، نجد أنّها حركة جمعوية على الورق، مُنجزاتها الاجتماعية، النقابية، الثقافية، غير واضحة في الميدان، وأحيانا نجد حركة المجتمع المدني لصيقة إما بالإدارة أو ببعض الأحزاب، فيوم يحدث الفصل الواضح بين الحركة الجمعوية والأحزاب وكذا الإدارة، يتم فرز الساحة سياسيا ونقابيا وثقافيا، وإذا حصل هذا وتبلورت هذه الرؤيا، قد يكون للحركة الجمعوية وتشكيلات المجتمع المدني كلمة فصل كما هو حاصل في كثير من الدول والقارات.

• عانت حركة مجتمع السلم منذ عقدها مؤتمرها الأخير في ربيع 2008، من الانشقاقات، وهو ما أدى إلى نشوء ما يسمى "حركة الدعوة والتغيير" التي تضم عشرات الكوادر السابقة في تشكيلتكم، كيف تنظرون إلى هذه المسألة، وهل يعني غلقكم أبواب الصلح مع من سميتهم "المتمردين" بداية لفصل جديد في مسار الحزب الإسلامي الأول في الجزائر؟

- القضية بدأت بداية هيكلية، نحن عقدنا مؤتمرا جامعا، حضره كل كوادر الحزب من الصف الأول والصف الثاني وحتى القيادات الوسطى، وحكّمنا لوائحنا وانتخبنا قيادتنا، وصادقنا على وثائقنا التي تمّ تجديد بعضها، وما احتج أحد داخل القاعة، فلما خرجنا من المؤتمر، رأينا بعضا من القيادات القديمة التي لم تجد لنفسها مكانة في المؤتمر الرابع، ولم يزكها أبناء الحركة لعهدة جديدة، وجدنا هؤلاء يحتجون ثم يتجمعون، ويخرجون بكيان سياسي أعلنوا عنه، وهو ما اعتبرناه "انفصالا" عن الحركة الأمّ "مجتمع السلم" فعالجنا القضية معالجات مؤسسية انبثقت عن أعلى مؤسسات الحركة وهي "مجلس الشورى الوطني"، عالجناها معالجات دامت سنة تقريبا، وفي آخر لقاء للمجلس المذكور أقرّ أربع مسائل أساسية، أولاها أن يغلق هذا الملف نهائيا، الثانية أن يترك باب الحركة مفتوحا للأفراد وليس للكيانات، إذا أراد أي فرد من هؤلاء العودة، فالباب مفتوح، أما ككيان نحن لا نقبل هذه الكيانات، الأمر الثالث أن يظلّ باب الحوار والنقاش على المستوى الفردي مفتوح بيننا وبيننا، والأمر الرابع والأخير، أن ننزل إلى الميدان لنؤكد بأنّ الانشقاق الذي حصل، لم يأخذ من الحركة سوى أقلّ من 3 بالمائة، لنؤكد أنّ هذا الرقم صحيح، ولا يضيرنا أن ينفصل عن الحركة هذا العدد القليل، وندعو الله عز وجلّ لهم بالتوفيق كي يكونوا شيئا مذكورا في الميدان.

• هذا العامل لن يؤثر في مستقبل وقوة حركة مجتمع السلم؟

- أبدا ما أثّر ذلك، وقد لاحظتم أنتم أنفسكم أننا أنجزنا برامجنا في الميدان، من غير أن تتخلف أية نقطة، بدءا بالملتقى الدولي للراحل محفوظ نحناح"، مرورا بملتقى 20 أغسطس-آب الذي حضره 30 ألفا من أبناء حركتنا، الجامعة الصيفية أنجزت، العمل في الميدان في 48 محافظة، مُنجز، تحركاتنا في الميدان موجودة، المخيمات الصيفية كانت بكثافة لافتة للنظر، العمل الدعوي والتربوي في شهر رمضان كثيف وكثيف جدا، وبالتالي نحن لم نتأثر ولم نشعر أصلا أنّ هناك شيئ انفصل عن هذه الحركة، لأنها حركة قوية وكوادرها كثيرة، وخزانها الدعوي والسياسي ضخم جدا، فإذا انفصل عنا 3 بالمائة، نأسف لذلك، لكن لا تقف الحركة أن تؤدي واجباتها وتخطو خطوات إلى الأمام، والزمن جزء من العلاج.

• ظلت حركة السلم معروفة بكونها واجهة تنظيم "الإخوان المسلمين" بالجزائر، ماذا عما أثير بشأن تبرؤ مرشد الإخوان "مهدي عاكف" من حزبكم تماما مثل حركة الدعوة والتغيير، وهل أنتم متمسكون بإتباع منهج الإخوان في ممارستكم السياسية بالجزائر؟

- الإخوان فكر وليس إدارة، الإخوان مدرسة، كل من ينتمي إلى مدرسة الوسطية والاعتدال، فهو من الإخوان المسلمين حتى وإن أنكر هو ذلك، الإخوان صنعوا مدرسة، مؤخرا منذ أسبوع قرأت تقريرا صادرا عن الأزهر الشريف، أثبت فيه الأخير أنّ كتب الإخوان أصيلة، وأنّها نابعة من الفكر الإسلامي في وسطيته، في اعتداله، في رحمته، في تربيته الجيل، وبالتالي نحن ننتسب فكريا وتربويا إلى هذه المدرسة العالمية الكبرى، لكن نعتقد أنّ كل قطر له خصائصه وأولوياته وحريته وبراءة ذمته السياسية والتربوية من أن يقدّر هو ماذا يريد، وما تفضّل به دعاتنا وعلمائنا في العالم، ومن ذكرتهم أيضا، نحن نعتبر ذلك من باب النصيحة، ونحن نقدّر النصيحة التي تجعل حركتنا تصبّ في خدمة الإسلام بالجزائر، وتصب في خدمة الدولة الجزائرية، ونحن لا نلتفت إلى الأصوات التي تريد أن تربطنا بأي جهة خارجية إطلاقا، ونعلن أننا حركة إسلامية في الجزائر، أولوياتها جزائرية، برنامجها جزائري، ورؤساؤها ووزراؤها ومنتخبوها كلهم يعملون على توفير الأمن والأمان والاستثمار لدولتهم الجزائر، والله عز وجلّ علّمنا أنّ الأقربين أولى بالمعروف، وهؤلاء هم الجزائريون، وتأتي بعد ذلك القضايا العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

• بعد 20 عاما عن تأسيس أول حزب إسلامي في الجزائر، وغداة كل الذي حصل في مسارات ستة أحزاب إسلامية، يذهب مراقبون إلى أنّ المشروع الإسلامي فشل في الجزائر، ما رأيكم بهذا الحكم، وكيف تقاربون مأزق التراجعات الذي يتخبط فيه الإسلاميون بالجزائر خلال السنوات الأخيرة؟

- إذا كانت حركة إسلامية تملك 110 بلدية و3 محافظات و5 وزراء ولها 51 نائبا في البرلمان، و11 عضوا في مجلس الشيوخ، إضافة إلى 1800 منتخب، إذا كان كل هذا إفلاس، نحن نرحب بهذا الإفلاس، ونقول أنّ الزمن بيننا وبين هؤلاء الذين يلوّحون بأنّ المشروع الإسلامي قد انتهى، وبأنّ الإفلاس قد ران على كل الحركات الإسلامية في العالم بما فيها الجزائرية، نعتقد أنّ سيرنا بطيء لكنّه فعّال، نعتقد أننا شاركنا في استقرار دولتنا وبناء مؤسساتنا، وما زلنا نشارك في كل هذه الحركية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، نحن لسنا مستعجلين، حركتنا بطيئة قد لا ترى بالعين المجرّدة لكنها بالغة..

• أنتم تتحدثون عن حركة مجتمع السلم، نحن نريد الخوض في واقع الحركة الإسلامية ككل في الجزائر ..

- لا أملك أن أتكلم عن الحركة الإسلامية، بل أتكلم عن حركة أترأسها وأديرها، أم غيرها من التشكيلات الإسلامية فيمكن طرح السؤال على قادتها.

• تنبأتم بوصول حركة مجتمع السلم إلى الحكم سنة 2012، هل ما زلتم متمسكون بهذا الرهان، وهل تؤمنون فعلا بإمكانية قيام جمهورية إسلامية في الجزائر؟

- الجمهورية الإسلامية مصطلح مخيف، نحن نريد أن نقيم دولة جزائرية ديمقراطية اجتماعية ذات سيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية التي نصّ عليها بيان الفاتح نوفمبر لثورة الجزائر التحررية (1954 – 1962)، نحن من مراجعنا الإسلام، وبيان الفاتح نوفمبر لا ينص على جمهورية إسلامية، بهذا الفهم ندفع كي نستكمل بناء الدولة التي كان يحلم ببنائها الشهداء، وما زال يعمل المجاهدون على أن يجسدوها.
وضعنا تاريخ 2012، لأنّ هذه السنة ستكون مناسبة مرور 50 سنة على استقلال الجزائر، قلنا بعد نصف قرن من استرجاع السيادة، فإنّ الراية تتحوّل آليا من أيدي جيل الثورة إلى جيل الاستقلال، ونحن نزعم أننا نمثل جيل الاستقلال والتطلعات المستقبلية، ونعمل كي نرسي هذه القاعدة، وقد فتحنا وفتحنا ملفات الشباب كلها، وأملنا أن نستلم المشعل كي نمضي بالجزائر التي يحلم بها الجميع.

• لمّح الرئيس بوتفليقة الربيع الماضي إلى "عفو " قد يشمل جميع الشخصيات المعارضة في الخارج، وربط ذلك باعتذار هذه الشخصيات من الشعب الجزائري و"اعترافهم بخطئهم"، هل أنتم مستعدون للتفاعل مع هذه الدعوة، وهل تتصورون استجابة واسعة لمختلف المعارضين وكذا المسلحين؟

- المحطات التي سارت عليها المصالحة الجزائرية تاريخيا، من 1995 مع فتح باب الرحمة، إلى 1999 مع الوئام المدني، و2005 مع المصالحة، إلى التطلع للعفو الشامل ربما سنة 2010، مسألة متدرجة طبيعيا، لكن أنا كنت حاضرا يوم خطب الرئيس بوتفليقة في إحدى محافظات الجنوب، وتحدث عن إمكانية الذهاب إلى عفو شامل، ربطه بجملة من القضايا، الأمر الأول أن تتوفر الأسباب الموضوعية التي تعطيه هذا الحق، الأمر الثاني أن لا يظل أحد في الجبال أو أي حامل للسلاح، الأمر الثالث أن تبرأ جراح الذين صُدموا في المأساة الوطنية، والأمر الأخير أن يكون هناك استفتاء للشعب الجزائري حول الذهاب إلى خطوة أطول وأعمق وأكثر جرأة وتاريخية من المصالحة الوطنية، ولعلكم تدرون أنّ ميثاق السلم والمصالحة في مادته الأخيرة، ترك الباب مفتوحا أمام الرئيس كي يتخذ ما يراه مناسبا لاستكمال هذا المسار، ونحن قلنا في حركة مجتمع السلم إنّ المصالحة مسار مستمر وليس قرار، إلى أن يعود كل أبناء الجزائر إلى بلادهم، ويٌصبح العفو الشامل تحصيل حاصل، لا سيما وأنّ كل العلماء الذين زاروا الجزائر، ركّزوا على أنّ الإرهاب طريقه مسدود، وبالمناسبة، ومن خلال "إيلاف" أوجّه نداءا إلى هؤلاء للعودة إلى مجتمعهم فمكانهم بين عوائلهم وليس في الاعتصام بالجبال.

• ألا تطالبون بتوضيح معاني هذا العفو وتفاصيله؟

- نحن نعرف تفاصيله، وهي تقوم أساسا على عدم بقاء أي فرد من أبناء الجزائر حاملا للسلاح، لأنّه لا يُعقل أن يتم الخوض في العفو، بينما هناك من يحمل السلاح، العفو الشامل يحدث حينما يقتنع الجميع أنّ حمل السلاح في وجه المسلمين والمسلمات أمر محرّم شرعا، وممنوع قانونا ومنتف أخلاقيا، فحينما يخفت صوت السلاح، يكون النداء على كل من أخطأ في حق إخوانه تحصيل حاصل.
• ماذا عن نهج المصالحة المتبّع منذ ثلاث سنوات، هل أعان فعليا على تحجيم العنف الدموي في الجزائر؟ وهل تعتقدون أنّ نهاية النفق وشيكة في الجزائر، أم أنّ نهاية الأزمة المزمنة لن تكون غدا؟

- نرى ذلك قريبا، لأنّه منذ أكثر من أربع سنوات صرنا نتجول في كل ربوع الجزائر ليلا ونهارا، ولاحظتم في هذا رمضان الكريم، أنّ كثيرا من المدن أصبحت تقضي سهراتها إلى غاية وقت السحور، وبأنّ الأسفار بين جهات البلاد صارت آمنة تماما، نحن نعتقد أنّ الإرهاب قد انتهى، وأنّ الأزمة بدأت تطوي أشرعتها إلى غير رجعة.

• لا تزال قوافل المهاجرين السريين تصنع الحدث سلبيا في الجزائر، وقد اختلفت الأساليب بين دُعاة لمُعاقبة هؤلاء الشباب، ومُطالبين بإدماجهم اجتماعيا، ما هو حلّ هذا الداء العضال بمنظوركم؟

- النداء إلى إدماجهم جزء من الحل، بينما النداء إلى معاقبتهم جزء قليل من الحل، نحن نادينا إلى محاورتهم وفتح باب النقاش على كل المستويات معهم لنسمع منهم عن علة فرارهم من وطنهم، ولماذا يصرون على ركوب قوارب الموت رغم موت كثيرين، وذاك يتطلب تدخل متكامل من طرف الحكومة والأحزاب والبرلمان والجمعيات والنخب والأئمة والدعاة، وإذا ما فتحنا الحوار مع هؤلاء، ولمسوا فينا الجدية، سوف تتقلص دواعي الركوب ثم شيئا فشيئا يُطوى هذا الملف نهائيا، حينما يدرك أبناؤنا أنّ عملهم وكرامتهم في الجزائر.

• أنفقت الجزائر ما يربو عن المئتي مليار دولار في الفترة ما بين 2001 و2009، ومع ذلك لا يزال مواطنوها يعانون ويلات أزمات اقتصادية اجتماعية ومتفاقمة، في وقت يدعو خبراء إلى تحرير البلد من اقتصاد الريع، وتحرير الاستثمار الحقيقي، ما فهم على أنّه حكم بضحالة المنظومة الاقتصادية المتبّعة، إلى ماذا يعود الخلل بحسبكم، وهل مطلوب صرف مائتي مليار دولار إضافية خلال المرحلة الخماسية القادمة كي يتم تقويم الاعوجاج الحاصل؟

- هذا الحكم قاس نوع ما، صحيح المنظومة الاقتصادية الجزائرية، ما تزال تمرّ بمرحلة انتقالية، تحاول أن تراوح بين الاقتصاد العام الذي تمتلكه الدولة، وبين الاقتصاد الخاص الذي يديره الخواص، ومحاولة الربط وتجسير العلاقات، في التكامل الاقتصادي بين ما تتكفل به الدولة في البنى التحتية والانجازات الضخمة التي تسهّل الاستثمار الوطني، وترغّب الاستثمار الأجنبي بالشراكة لدخول الجزائر، ثم المحافظة على الاستثمار الخاص والانتهاء بالخصخصة مع وضع الأزمة المالية العالمية بعين الحسبان، كل ذلك يحتاج عبقرية كبيرة حتى نحافظ على مكتسباتنا، وفي نفس الوقت ننجز المزيد من المكتسبات الجديدة.
لا تنسوا أنّ ما أنجز بين سنتي 2001 و2009، تمّ ضمن تصحيح هيكلي فرضه صندوق النقد الدولي، وجرى تحت طائلة إرهاب هدّد بكثير من الويلات، وأنجز أيضا وسط أزمة اقتصادية نشبت بعد أحداث الحادي عشر سبتمبر 2001، وظهرت آثارها لاحقا في أزمة المال الدولية وكساد اقتصاديات دول كثيرة وشركات عابرة للقارات وما واكبها من تحجيم للعمالة، الجزائر لا تعيش في جزيرة معزولة عن كل هذا، لكن نقول أنّ المئتي مليار دولار التي أنفقت، نرى شواهدها في الميدان، كل ذلك يدخل ضمن النسيج الاقتصادي الذي ينبغي أن يحسم معركة البنى التحتية التي سوف توفر الأجواء لتحرك رأس المال الجزائري وإغراء رأٍس المال الأجنبي بالدخول إلى الجزائر.

• قدتم قبل سنتين مبادرة "فساد قف"، في ظل تنامي الفضائح المالية في الجزائر، لماذا تستمر هذه الفضائح رغم ما يُلاك رسميا من أحاديث عن تشديد الرقابة ومعاقبة المتورطين، وما هو السبيل لإنهاء هذا النزيف برأيكم؟

- الشفافية مهمة جدا، ومع الشفافية نحن بحاجة إلى أن نعيد بناء الإنسان، لأنّ السكانير آلة لا تحقق وحدها الشفافية، لأنّ من يراقب السكانير إنسان يرى من المحرّمات والمهرّبات ولا يقول شيئ، لذا لا بدّ من تأهيل شامل ومواصلة إصلاح المنظومة المالية والجمركية بشجاعة، والتحكم بشكل دقيق في التجارة الخارجية وما يتصل بالتصدير والاستيراد، ونحن نقول المشكلة ليست في النصوص بل في اللصوص، فماذا تستطيع النصوص فعله إذا كان فيمن يضع النصوص ويطبّقها فيهم لصوص، وبالمعنى الدارج:"ماذا نفعل إذا كان حاميها حراميها؟"، والحل إضافة مزيد من الشفافية والرقابة والتحكم في الموارد البشرية، حتى نعفي كثير من أعوان الدولة أن يكونوا ممن يحسبون الأموال ويحولونها، وبنظرنا القضاء يأتي في آخر مرحلة، بعد تربية النفس وتغيير هذه الظواهر السلبية.

• ما هي توقعاتكم بالنسبة للمرحلة القادمة في الجزائر؟ وهل ستكون فترة (2009 – 2014) مشابهة لسابقاتها، أم ستكون هناك "منعطفات" و"مفاجآت" جديرة بالاهتمام؟

- الخبراء يرون أنّ الأزمة المالية وانعكاساتها ستظهر جليا سنة 2011، فإذا ظلت الانهيارات الاقتصادية متوالية، أعتقد أنّ الجزائر باعتبارها جزء من هذا العالم، ستدفع فاتورة هذه الأزمة المالية، أما إذا لملمت الأخيرة أشلائها في غضون العامين القادمين، ستكون فرصة للجزائر كي تعيد بناء اقتصادها وتقفز قفزة نوعية تمكنها من التحكم في عملتها، واحتياطاتها، وتجارتها واستثماراتها من زراعة وسياحة وخدمات.
سياسيا، نحن ماضون في تحالفنا مع بوتفليقة، وإذا غيّر الرئيس الدستور الحالي بشكل كلي وشامل، وأضيف إليه مزيد من الحريات وحقوق الإنسان وإعطاء الكلمة للشباب وكذا انفتاح للآفاق، فإنّ الجزائر ستشكل سبقا غير محسوب في سياسات العالم العربي والإسلامي والعالم الثالث، أما إذا استمرت الأمور على ما هي عليه، فإننا سنتمّم الولاية الثالثة إلى عام 2014 بنفس الوتيرة، تماما مثل المرحلة السابقة التي أتت بإنجازات كثيرة، لكنها تخلت نوعا ما عن الجبهة الاجتماعية وبعض الحريات التي ما زلنا بحاجة كي نطرق أبوابها لنحقق دولة الحكم الراشد.

• ماذا عن حظوظكم في الاستحقاقات القادمة، وكذا الشراكة السياسية التي دعوتم إليها، وقابلها الشركاء بنوع من الفتور؟

- بيننا وبين انتخابات 2012 أمد طويل، وقد تحصل كثير من المتغيرات، بالنسبة للشق الثاني، ناضلنا كي ننتقل من التحالف إلى الشراكة السياسية، وبعد نقاش طويل، أقرّ شركاءنا في التجمع الديمقراطي بزعامة "أحمد أويحيى" وفي جبهة التحرير بقيادة "عبد العزيز بلخادم"، أقرّا هذه الفكرة من حيث المبدأ، الآن يتم البحث في الآليات، كيف نفعلّها ونعمق هذه الشراكة أفقيا وقاعديا، وكل ذلك يحتاج إلى نقاش أكثر مع شركائنا، والساحة السياسية والبرلمانية سوف تفرزان مسألة حيوية لها صلة باستقرار الجزائر، طالما أنّ ذاك مرتبط باستقرار التحالف واستقرار المنظومة السياسية، لتتفرغ الدولة إلى الاقتصاد وسائر المنجزات التي تكمّل السياسة والجبهة الاجتماعية.

التعليقات