سليم دبور لدنيا الوطن: لم أسمع بعمل درامي فلسطيني تم تمويله من قبل الشركات الخاصة ولا تسلم أسمائنا من عبث المزايدين

سليم دبور لدنيا الوطن: لم أسمع بعمل درامي فلسطيني تم تمويله من قبل الشركات الخاصة ولا تسلم أسمائنا من عبث المزايدين
بيت لحم-دنيا الوطن
يعتبر الكاتب سليم دبور من الأسماء الرائدة في تطوير الدراما الفلسطينية والسينما بالاشتراك مع المخرج رفعت عادي حيث شاهدنا العديد من الأعمال الناجحة جماهيريا والتي حصدت الجوائز للثنائي دبور وعادي.
دنيا الوطن حاورت الكاتب سليم دبور حول هموم الدراما والسينما الفلسطينية التي بدأت تشق طريقها بثبات نحو نهضة تثير الإعجاب:
*كيف تقيمون تجربتكم في الأعمال التلفزيونية والسينمائية الفلسطينية مثل "شو في ما في" وفيلم "كفى"؟
أولا أتقدم بجزيل الشكر لدنيا الوطن، هذا المنبر الإعلامي المميز لاهتمامهم بأعمالنا ونتمنى لكم دوام التقدم والتوفيق.
أعتبر تجربتنا المتواضعة في الأعمال التلفزيونية والسينمائية وحتى في المسرح تجربة فريدة ومميزة، فالإقبال الجماهيري على هذه الأعمال ومن كافة شرائح المجتمع الفلسطيني من أطفال ونساء وشيوخ ومتعلمون ومثقفون وحبهم واحترامهم وتقديرهم لهذه الأعمال أغنى تجربتنا وأعطانا حافزا ودافعا قويا للمواصلة. فلقد كانت اللحظة التي كنت اسمع بها الأطفال وهم يلعبون الكرة في الشارع ويخبرون بعضهم بحماس " بلش مسلسل عوض"، - ويقصدون هنا مسلسل "شو في ما في"- من أجمل اللحظات في حياتي.. بلمح البصر يتحول الشارع المكتظ بالأطفال الذين يلعبون ويصيحون إلى شارع خال تماما، يسوده الهدوء التام لمدة ساعة.

*خلال مرحلة الثورة الفلسطينية ظهرت حركة سينمائية فلسطينية رائدة ثم تراجعت وتوقفت بعد إقامة السلطة الفلسطينية هل يتعلق الأمر بصدمة الواقع بعد التحرير وتلاشي حلم الثورة؟
حقيقة لا أعرف سبب تراجع تلك الحركة السينمائية الرائدة التي انطلقت حسب معلوماتي المتواضعة في بداية الثلاثينات وكان من روادها إبراهيم سرحان الذي قام بتصوير فلم مدته 20 دقيقة عن زيارة الملك عبد العزيز آل السعود لفلسطين وتنقله بين يافا وبلدي الحبيبة اللد، وقام أيضا بصناعة فلم روائي بعنوان " أحلام تحققت"، وفلم وثائقي عن عضو الهيئة العربية العليا أحمد حلمي عبد الباقي.. إضافة إلى الرائد أحمد الكيلاي الذي درّس السينما إخراجا وتصويرا في القاهرة، وقام بتأسيس الشركة العربية لإنتاج الأفلام السينمائية مع جمال الأصفر، إضافة إلى محمد الكيالي السينمائي الفلسطيني الذي مارس العمل السينمائي في الأربعينات وقام بإنتاج بعض الأفلام القصيرة، والأخوين بدر وإبراهيم لاما اللذان هاجرا إلى تشيلي وقاما بصناعة السينما هناك...
*كان لكم دورا أساسيا في إعادة إحياء السينما الفلسطينية مع تجربة فلسطينية جديدة ورائدة في الدراما التلفزيونية الفلسطينية ما هي طموحاتكم في هذا المجال؟
أعتبر الدراما الهادفة والتي تحمل في نصوصها رسائل عديدة، وتهدف إلى لفت نظر المشاهد، ومن كلا الجنسين، لعيوب المجتمع بشكل عام وإلى نواقص المشاهد الشخصية وأخطائه في الحياة بشكل خاص وتسلط الضوء على هم المواطن هي أنجع وأنجح وأسرع وسيلة لزيادة وعي المواطن الفلسطيني وتثقيفه في أي موضوع أو قضية، - خاصة وأننا كفلسطينيين وأستثنى القليل لا نحب القراءة ونميل أكثر للأعمال التلفزيونية أو السينمائية- ومن هنا يأتي طموحي وهو مرتبط بمسألة التمويل، فكما يعرف الجميع أن صناعة السينما هي فن مكلف ويحتاج إلى خطوة جريئة من الشركات الخاصة ورجال الأعمال للاستثمار في هذا المجال وتمويل الأعمال الهادفة، فحتى هذه اللحظة لم أسمع بعمل درامي فلسطيني تم تمويله من قبل الشركات الفلسطينية الخاصة أو رجال الأعمال، وبالتالي يكون الممول الأجنبي هو البديل، وحتى لو لجأنا لهذا البديل لا تسلم أسمائنا من عبث المزايدين، بحيث تكثر المزايدات والمهاترات والتعليقات السلبية التي تدور في حلقة مفرغة، لذلك طموحانا أن يستثمر رجال الأعمال الفلسطينيين، وأصحاب الشركات الخاصة في هذا المجال خاصة وأن أعمالنا الفلسطينية المتعددة من مسلسل "الاجتياح"، "مسلسل شوفي مافي"، "فلم كفى" وغيرها الكثير" لاقت النجاح العربي والعالمي وحصدت الجوائز في مهرجانات عديدة، وتم تغطيتها إعلاميا على كافة الفضائيات، ومواقع الانترنت والصحف الأجنبية والعربية، ناهيك عن أنها تعتبر وسيلة للاستثمار حيث يمكنها أن تدر الأرباح على أصحاب رؤوس الأموال الذين يمتلكون الجرأة ويضعون أموالهم في الإنتاج، وهذا ما يحدث في السينما العالمية.
*كيف تقيمون تجربتكم مع المخرج رفعت عادي؟
قبل أن أوقع اتفاقية مسلسل "شو في ما في" الذي أخرجه صديقي رفعت عادي جرت بيننا بعض الاتصالات الهاتفية، لكن لم يحدث أن رأيته شخصيا من قبل، وهنا تهت في غياهب الكون ورسمت له ألف صورة وصورة.. تخيلته بالرجل العجوز، وتخيلته بالسمين والنحيف فتلاشت كل الصور حين التقيت به لأفاجأ بأنه شاب في بداية العشرينات، لكنه يحمل الإبداع والأفق الواسع في جمجمته الصغيرة فارتاح قلبي لأني كنت متخوفا جدا من أن يفشل عملي لعدم قدرة المخرج على تحقيق رؤيتي..
فابتدأت التجربة ليثبت المخرج رفعت عادي أنه مبدع بكل معنى لهذه الكلمة، فلقد استطاع بإخراجه لمسلسل "شو في ما في" تحقيق 95% من رؤيتي وكانت الجهة المنتجة تلام على ال 5% المتبقية، حيث تم حذف مجموعة من المشاهد الخارجية المهمة جدا بسبب التمويل. ومن هنا أوجه التحية للمخرج المبدع رفعت عادي الذي أثلج قلبي وقلوب كل من شاهد المسلسل، وأود أن أنتهز الفرصة لأخبر المشاهد الفلسطيني أن هناك فلم للمخرج رفعت عادي سيتم بثه في مهرجان الجزيرة الدولي الخامس ما بين 13/04/2009 – 16/04/2009، وهو الفلم الوحيد الذي سيبث من بين 127 فلم على شبكة الجزيرة الفضائية.
*كيف تفسرون النجاح الكبير لأعمالكم التلفزيونية والسينمائية الفلسطينية؟
الواقعية هي السبب الرئيسي لنجاح أعمالنا، فمسلسل "شو في ما في" تحدثت فيه عن 20 ظاهرة سلبية يعاني منها المواطن الفلسطيني، وفلم كفى يتحدث عن الفرقة بين الأخوة الفلسطينيين وفيه قصة مستمدة من صلب الواقع الفلسطيني تحكي عن أسرة ينتمي احد أفرادها لحركة فتح والثاني لحماس، وفيه الدعوة الواضحة والصريحة إلى التعقل وتوحيد الصف والبيت الفلسطيني، وجمع الشمل، ووضع أولويات القضية الفلسطينية في المقدمة، وفيه الرؤية المحايدة عن أثار شرخ الصف الفلسطيني وتطوره المقلق وانعكاسه على الأسرة الفلسطينية، ومسرحية بالك بتهون والتي تعرض للعام الثاني على التوالي تتحدث عن حلقة العنف المفرغة بحيث يقوم الاحتلال بتعنيف وضرب أبا العبد الشخصية الرئيسة وهو يتسلق جدار الفصل العنصري محاولا البحث عن وظيفة في القدس، فيقوم أبا العبد عند عودته بتعنيف زوجته نتيجة الفقر، والزوجة تقوم بتعنيف ابنها لطلبه بعض النقود، والولد يقوم بتعنيف ابن الجيران، ومسرحية رقصة مع الموت تتحدث عن طفل غزاوي يفقد والده نتيجة القصف وتم عرضها في مهرجان تونس وكانت كما قيل لي من قبل الأستاذ الممثل حسين نخلة من أنجح المسرحيات وأكثرها تأثيرا على المشاهدين فعرضت مرتين بناء على رغبتهم، وستعرض قريبا في مهرجان المغرب.. وفلم الحياة أحلى أتحدث فيه عن حقوق الطفل الفلسطيني وكيف انه محروم من أبسط حقوقه مقارنة مع أطفال العالم... وكل ما كتبته من أعمال تلفزيونية ومسرحية وسينمائية مستمد من الواقع الفلسطيني وهذا هو سبب النجاح.
*حصلتم على جائزة أفضل كاتب عربي في أوروبا وجوائز عالمية عديدة عن أعمالكم السينمائية والتلفزيونية فلماذا لم تكرمكم المؤسسات الثقافية الفلسطينية؟
في الحقيقة هي فوز بالجائزة الأدبية الأولى وتسمى بجائزة الهجرة، واشتركت في هذه المسابقة عامين متتاليين عام 2002 وعام 2003 وفزت بالجائزة الأولى مرتين. أما الأولى فكانت بعنوان "رقصة مع الموت" ومن نصها كتبت مسرحية "رقصة مع الموت" التي عرضت في مهرجان تونس، لكني لم أتمكن من الذهاب لأمستردام لاستلامها.. والجائزة الأولى في عام 2003 كانت بعنوان شاهدة عيان، وأتحدث فيها عن قصة طفلة تروي أحداث مجزرة جنين...
أما بالنسبة لعدم تكريمي من المؤسسات الثقافية الفلسطينية فأقول باختصار شديد " أي هو حدا شايف حدا"، أو ربما لأني كنت أعيش بالخارج، أو لأن الانتفاضة كانت في أشدها.. وعلى جميع الأحوال أنا لا أكتب ولم أكتب أبدا من أجل أي تكريم وعندما أشعر أنني سأكتب من أجل جائزة أو التكريم ساترك الكتابة... ودعني أقول هذه العبارة " سلامة اللي بستلموا الجوائز عنا "
*تعكفون على كتابة فيلم فلسطيني جديد جرىء هل يمكن إعطاء فكرة للقارئ عن هذا الفيلم؟
حقيقة لا أستطيع أن أقول الآن الكثير عن هذا الفلم، لكن سيكون الفلم واقعي وجريء كباقي الأعمال، يحكي عن هم من هموم الشعب الفلسطيني.
*الكاتب سليم دبور أسيرا في سجون الاحتلال ثم مبدعا سينمائيا هل ترون التحليق في فضاء الإبداع هو حب بلا حدود للحرية التي كانت حلما خلف القضبان؟
يخيّل للأسير أن المسافة بينه وبين الحرية بعيدة جدا، وتزداد بعدا كلما صوّب ناظريه نحو باب الحرية المرصع بالأسلاك الشائكة، والمكسو بالقضبان الفولاذية السميكة..أو يسمع صوت الجلاد يضج مسامعه بصوته الحاقد طالبا منه الاستعداد "للعدد"... لكن يفاجأ أحيانا أن هذه المسافة وذاك الصوت مجرد وهم وأن ما يفصله عن الحرية مجرد خطوات، فقط لثقته وإيمانه أن هناك من سيمد يده ويحرره من زنزانته الموحشة.. وأرى أن الدراما الفلسطينية وحتمية وجودها على الخريطة العربية بل العالمية بات قريبا، بالرغم من كل المعيقات، وستكون الأكثر ميزة مقارنة مع باقي الأعمال لحملها رسالة شعب طال صبره وانتظاره، ولن تكون أبدا مجرد حكايات للتجارة، أو ترويج أفكار تسمم عقول الشباب، وتقودهم إلى متاهات الضياع، إلى حيث يشتهي عدونا.. وأقول هذا لإيماني بأن هناك من سيخطو الخطوة الأولى ليمسك بيد المبدعين ويقحم ذاته فيما يشغلهم ويحطم كل ما يفصل بينهم وبين الإبداع، وافتخر وأتفاخر بأن هذا الشعب الصابر العظيم فيه ما يكفي من مبدعين وفي كافة المجالات للتغلب على كل مبدعي العالم...

التعليقات