السعودية.. عودة الإعلانات الدينية الشبابية

السعودية.. عودة الإعلانات الدينية الشبابية
غزة-دنيا الوطن
عادت من جديد الحملات الإعلانية التوعوية الدينية الاجتماعية على المحطات الفضائية العربية الأكثر شهرة واستقطاباً للمشاهد العربي، بذات جودة تصميم وإنتاج وإخراج الإعلانات التسويقية العالمية، وببصمة وتوقيع شباب سعوديين تخرجوا في مدرسة وفكر واحد يهتم بالخدمة والمسؤولية الاجتماعية، خصصوا جزءًا كبيراً من وقتهم ووقت فريق عملهم لهذه المهمة التي تفتقر إليها الأوطان العربية والإسلامية، فبعد أن كانت تقدم الحملات التوعوية والدينية بطريقة روتينية، إما أن يلقيها عالم دين، إن كانت تخص جانب الأمور الدينية، وإما طبيب إن كانت صحية، على سبيل المثال حملات مكافحة التدخين والمخدرات التي تنفّر الشباب والفتيات منها، فصارت الحملات التوعوية ذات أسلوب درامي شائق متكامل العناصر ذي تأثير أقوى، فأولى الحملات كانت عام 2001م، وهي حملة «أقم صلاتك قبل مماتك» التي كانت صدمة قوية للمشاهد، وأحدثت تغييراً فعلياً في نوعية الخطاب وأسلوب اللغة التي يجب أن يتبعها الداعي أو الناصح لتغيير ما هو خطأ، أو لتوصيل الرسالة وتحقيق الهدف المقصود من الحملة التوعوية الدينية أو الاجتماعية، وتلتها الحملات الإعلانية بالأسلوب ذاته كحملة «الغيبة»، و«الحجاب»، و«مين قال الشغل عيب»، و«البركة في الشباب»، و«هذا هو ديننا»، و«أباليسو»، و«الرحمة». مروان قطب أحد فريق عمل حملة «أقم صلاتك» يؤكد ذلك، بأن هذه الحملة تقبّلها الجميع على اختلاف توجهاتهم الفكرية وثقافاتهم، فتقبلها الكبير والصغير ورجل الدين والليبرالي، وغيرت واحداً من المفاهيم التي أكل عليها الدهر «عالم الدين والداعي هو المسئول عن الدعوة والنصح فقط»، ويقول قطب «كل واحد منا يستطيع أن يخدم دينه بالقدرة التي يستطيعها».

حملة «أقم صلاتك» التي عُرضت في أقوى المحطات العربية، وفي أوقات الذروة التي تجمع أفراد الأسرة حولها، كانت تعرض الحملة. يقول قطب «هذا اسمه تخطيط الحملة الإعلانية، ومن الطبيعي أن نختار هذه الأوقات لنضمن نجاح الحملة».

حملة «أقم صلاتك» التي استمرت على أربعة أجزاء، وفي فترات متقطعة، كانت تحمل شعاراً لصيقاً بعبارة «أقم صلاتك» لتعبر عن قصة الحملة التي تحكي عن قصة شاب وموته فجأة، وكيف حمل نعشه أهله وأصدقاؤه إلى القبر في أسلوب درامي «فلاش باك» يذكّر المشاهد بحياة الشاب ولهوه وكيف أضاع صلاته، وتلتها في عام 2003م حملة أقم صلاتك تنعم بحياتك، ثم في 2006م تصفو بحياتك، وفي 2008م تستمر سلسلة الحملة التي كان لها صدى وتأثير كبير جداً، وهذا ما رصدناه من خلال منتديات الإنترنت وموقع اليوتيوب والفيسبوك، وعن سبب هذه الفترات الطويلة بين كل جزء وآخر، يقول قطب «الحملات تعتمد على التمويل الخيري، فنحن نبحث عن ممول يدعم الحملة التي تحتاج إلى تكلفة إنتاجية ليست ضخمة، ولكنها تصل إلى الملايين، فالجودة عالية جداً، ونحن نريد أن ننقل واقع الحياة كما يعيشها الشباب والبنات اليوم».

وحملة «أباليسو» التي تعد من أجرأ الحملات الإعلانية الدينية، وجاءت في سلسلة من 21 حلقة، ومدة الحلقة الواحدة 30 ثانية، وعُرضت على قناة «الرسالة» التي تحملت نصف تكاليف إنتاجية الحملة، فقد بلغت تكلفة الإنتاجية بشكل عام المليون ونصف المليون، وتعد تكلفتها بسيطة على الرغم من جودتها العالية، والسبب، كما يقول مخرجها إبراهيم عباس بمؤسسة Visualizit للإعلانات «فريق العمل منطلق من باب العمل التطوعي والمسؤولية الاجتماعية». إبراهيم عباس، واحد من الشباب السعوديين الذين تخرجوا في نفس مدرسة قسورة الخطيب، وعيسى بوقري، ومروان قطب، وغيرهم الكثير من الشباب السعوديين الذين تعلموا ودرسوا التسويق وتصميم وإخراج الإعلانات، وعادوا إلى السعودية لتطوير سوق الإعلانات في السعودية، سواء التجارية أو التوعوية، وهم أول من فكر في الحملات التوعوية، وكانت حملة «مين قال الشغل عيب» التي أطلقتها مجموعة عبد اللطيف جميل، هي أقوى بصمة لهذا الكادر السعودي.

وبالعودة مرة أخرى لحملة «أباليسو» التي رفضت بعض المحطات العربية عرضها، كما امتنع بعض الرعاة عن تبنيها؛ لأنها تحكي في حلقاتها عن وسوسة الشيطان «إبليس» إلا أنها هي الأخرى حققت نجاحاً كبيراً، وصار لها «غروب» خاص على «الفيسبوك»، ومن بين الانتقادات التي وُجهت للإعلان، أنه شخّص إبليس بالهيئة التي نعرفها في أفلام الكرتون، وعن رأيه يقول «طُرحت أمامنا خيارات عديدة، فوقع الخيار على هذه الهيئة لأننا نريد أن نستهدف فئة الشباب، ونريد إعلاناً بأسلوب ممتع فيه شيء من الكوميديا».

ولا ننسى حملة «الرحمة» من لا يَرحم لا يُرحم، التي تُعرض حالياً على المحطات الفضائية، بتوقيع المبدع السعودي قسورة الخطيب، الذي استطاع بأسلوبه البسيط أن يوصل رسالته إلى قلوب كل المشاهدين. الحملة بأسلوبها الدرامي القصير، وبحلقاتها وقصصها المختلفة، تحكي عن قصص واقعية تجعل المشاهد ولو لدقيقة يقف مع نفسه ويحاسب نفسه ويسأل حاله «هل أنا لا أرحم؟»، فمشاكل السعوديين والخدم والعنف الأسري، تشبعت الصحف وملفات المحاكم وجمعيات حقوق الإنسان بتلك القضايا، وهذا سبب اختيار الخطيب لحملة الرحمة التي جاءت في وقت مناسب، ليذكرنا وينبهنا من غفلتنا.

وهذا ما يراه محمد سلام، مدير قناة «اقرأ» الدينية التي بثت حملة «الرحمة» في شهر رمضان، ويقول «الإعلان جاء في وقته المناسب، صار الواحد منا يرتكب الأخطاء وهو يرى أن ما يفعله صحيحاً».

سلام - على الرغم من تردد القناة في قبول الحملة؛ لأنها سعودية وتخاطب الشريحة السعودية وبلهجة حجازية - كان خائفاً من الانتقاد «لماذا الشعب السعودي فقط؟»، إلا أنه تقبل الحملة، ويقول «القضية سامية جداً، بغض النظر عن اللهجة والشريحة المستهدفة، أردنا أن نُحدِث صدمة للمشاهد».

وكأنه أراد أن يضع يده في يد فريق الحملات التوعوية، بصفع المشاهد العربي والسعودي ليصحو من نومه وغفلته، وليحاسب نفسه، ويقول «الردود كانت كلها إيجابية، والحملات التوعوية الدينية والاجتماعية هي من أهداف وسياسة القناة».

ويتفق معه، عادل الماجد مساعد المدير العام في قناة «المجد»، الذي لا يرى في هذه الحملات الدينية ما يعارض سياسة القناة، بغض النظر عن تفاصيل الإعلان، كوجود فتيات محجبات كاشفات وجوههن مثلاً، فالقضية الحملة هي الأهم ويقول «من الأفضل ألا يكون للقناة موقف فكري، المهم القضية وتغيير المجتمع على مستوى الأفراد بشكل تنموي متوازن».

ويستشهد الماجد بتضامن قناة المجد مع حملة «مين قال الشغل عيب» بإنتاجها برنامجاً يتحدث عن مضمون الحملة نفسه، بتقديم تقارير تصويرية ومقابلات تلفزيونية مع شباب ورجال أعمال، ويقول «الحملات الإعلانية التوعوية الدينية والاجتماعية مجزية ومؤثرة، إذا كانت في سياق كامل وليست مجتزئة، فإذا اقتصرت الحملة على الإعلانات فسيكون تأثيرها أضعف، مقارنة بإعلانات تلفزيونية وعمل درامي أو برنامج وهكذا».

التعليقات