فلسطين بين وأدين ..الوأد البريطاني والوأد العربي

فلسطين بين وأدين
الوأد البريطاني والوأد العربي
بقلم : أحمد جبر

ما يزال صوت بلفور يدوي وهو يعلن عن وعده المشؤوم بإقامة دولة لليهود في فلسطين وقد بادر العرب الرسميون وغير الرسميين بالصراخ في وجهه شجباً وتنديداً واستنكاراً إضافة إلى الحروب والمعارك التي خاضها العرب والفلسطينيون من اجل تحرير فلسطين وما قدموه جراء ذلك من قوافل الشهداء والأسرى والمشردين وقد كان كل ذلك تعبيرا عن حالة الرفض العربي و الفلسطيني لذلك الوعد المشؤوم حيث تصرف بلفور في ارضِ لا يملكها ولا يملكها شعبه و لا بريطانيا العظمى آن ذاك ولا بعد فقدم الأرض التي لا يملكها لمن لا يستحقها .

وقد اعتاد الفلسطينيون والعرب إحياء هذه الذكرى باستمرار فحين موعدها نراهم يقيمون المهرجانات الخطابية ويعدون البرامج المتلفزة و الوثائقية لبثها عبر الفضائيات استنكارا و شجباً إيذانا برفض ذلك الوعد وما ترتب عليه من أمور وما استجد على الأرض الفلسطينية من واقع جديدٍ خطير يهدد الوجود الفلسطيني و العربي على حدٍ سواء .

واليوم يصرخ العرب الرسميون بملء فيهم ويدعون بكل ما لديهم من جهود وعزيمة للترويج لمبادرة السلام العربية التي أقرتها القمة العربية و جامعة الدول العربية و منظمة المؤتمر الإسلامي والتي تقوم على إقامة دولة فلسطينية في الضفة و القطاع وانسحاب إسرائيلي إلى حدود عام 67 وتسوية مشكلة اللاجئين مقابل تطبيع شامل مع إسرائيل من قبل الأنظمة العربية و الإسلامية وبهذا يصدر العرب الرسميون والإسلاميون الرسميون معهم وعداً آخر للإسرائيليين ويعطوهم صكاً بالتنازل عن الأراضي التي احتلت عام 48 .

يا لها من مفارقةٍ عجيبة غريبة فوعد بلفور مرفوض لكن وعد العرب مقبول يجري الترويج له بكل عزيمة وقوة ويُعض عليه بالنواجذ ويسوغ له بالقبول وكأن الواقع قد تغير والاسرائيلين قد تغيروا فانقلبوا حملانا وديعة وطيور سلامٍ ترفرف في كل الأرجاء .

إن ما تقدم عليه الأنظمة الرسمية العربية لا يختلف عن وعد بلفور وان الذين يعتقدون بإمكانية نجاح مبادرة السلام العربية في حسم وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ببعديه العربي و الإسلامي هم لاشك واهمون حيث إن مبادرة السلام العربية هي مبادرة لا تعدوا أكثر من حل تلفيقي للصراع في المنطقة لأنها تخالف المنطق و الأعراف والمواثيق و الذواكر الجمعية للشعوب والتي تختزن تراث الماضي و الحاضر و المستقبل وتعمل على بعثه وإحيائه على الدوام .

إن فلسطين لم تكن ملك يمين السلطان عبد الحميد العثماني ولمن تكن كذلك ملك يمين أي من القادة و الرؤساء و الزعماء في أي زمانٍ و مكان كما أنها لم تكن ولن تكون ملك الفلسطينيين والعرب و المسلمين الذين هم على قيد الحياة الآن فهي ملكُ للأموات ولقوافل الشهداء الذين سقطوا على ترابها وضحوا من اجلها وان حال الأمة و واقعها لن يبق على الدوام مثلما أراد الاستعمار فبالتأكيد سيأتي اليوم الذي تعود الأمة فيه إلى وحدتها طال الزمان أم قصر.

التعليقات