ندوة بعمان:قرار فك الإرتباط بين ضفتي نهر الأردن سياسي وغير دستوري

ندوة بعمان:قرار فك الإرتباط بين ضفتي نهر الأردن سياسي وغير دستوري
عمان ـ دنيا الوطن

قرار سياسي سيادي أم قانوني دستوري..؟

اختلف المشاركون في ندوة "سحب الجنسية وتأثيرها على حقوق وحريات الأفراد" لدى محاولتهم الإجابة على السؤال المطروح، ومن بينهم وزيران سابقان للداخلية احدهما من اصول فلسطينية، والآخر من أصول شركسية، لكنهم التقوا في نهاية المطاف على تشكيل لجنة لوضع ملاحظات على تعليمات فك الإرتباط، وارسال رسالة إلى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني تناشده اعادة النظر في هذه التعليمات.

ما فرض عقد الندوة تحت هذا العنوان هو تزايد حالات سحب الجنسية الأردنية من الأردنيين من أصول فلسطينية، وكذلك من مواطني الضفة الغربية. وتفيد تقارير موثوقة أن ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف مواطن اردني من أصول فلسطينية تسحب جنسياتهم الأردنية شهريا، بهدف التخلص من كل الحالات المماثلة في غضون أقصر فترة زمنية ممكنة.

وأعلن المحامي عادل الطراونة عضو لجنة الحريات النقابية خلال الندوة أنه تم سحب الجنسية الأردنية من نحو 40 ألف فلسطيني من سكان الضفة الغربية منذ العام 2000.

الندوة عقدتها لجنة الحريات العامة النقابية، وكشف خلالها رجائي الدجاني وزير الداخلية الأسبق، الذي شارك في صياغة تعليمات فك الإرتباط بين ضفتي نهر الأردن الغربية والشرقية، وهو من أصول فلسطينية، عن أنه والحكومة الأردنية في العام 1988 كانوا يعلمون أن قرار فك الإرتباط "غير دستوري، ولا يستند لأي أساس قانوني"، وأن القرار كان "سياسيا محضا".

ووصف الدجاني سياسة سحب الجنسية بأنها "تركت آثارا خطيرة على الوحدة الوطنية، وألحقت اضرارا بوحدة الأسر والعائلات، وتسببت بإحداث أجواء من القلق والفزع وعدم الإستقرار، مما انعكس سلبا على جميع المستويات اجتماعيا واقتصاديا".

واعتبر أن الأردن اتخذ قرار فك الارتباط باعتباره "موقفا سياسيا" تعبيرا عن استقلال القرار الفلسطيني، وبناء على قرار عربي باعتبار منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ولم يصدر هذا القرار بأي شكل قانوني أو دستوري، معربا عن استغرابه من تطبيق التعليمات على فلسطينيي الضفة الغربية المقيمين في الأردن بطريقة غير قانونية منذ العام 1995.

سحب الجنسية اجراء تعسفي

كما اعتبر أن اجراءات سحب الجنسية "تعسفية"، وانتقد بشدة الحديث عن أن جواز السفر الفلسطيني بمثابة جنسية فلسطينية، وأضاف "جواز سفر السلطة الفلسطينية ليس أكثر من وثيقة سفر أما الجنسية لسكان الضفة فهي الأردنية اكتسبوها من قرار وحدة الضفتين عام 1900".

وكشف الدجاني النقاب خلال الندوة عن أن الملك عبد الله الثاني شكل لجنة مكونة منه، ومن مدير المخابرات الأردنية محمد الذهبي، ورئيس الوزراء السابق طاهر المصري لبحث حالات سحب الجنسية، وتابع "هذه اللجنة لم تجتمع منذ تشكيلها ونحتاج لأمر ملكي باجتماعها ورفع توصياتها لجلالة الملك".

وكانت "الشرق" نشرت تفاصيل الحوار الذي جرى بين المصري والدجاني مع الملك، وأسفر عن قرار الملك تشكيل اللجنة المشار إليها في شهر آيار/مايو 2007، دون أن تجتمع حتى الآن.

الدجاني قال ايضا إن تعليمات فك الارتباط القانوني والاداري مع الضفة الغربية "حملت اكثر مما تحمل، وفسرت على غير ما اريد بها، واجتهد من اجتهد بشأنها، وتمادت الجهات المعنية في تطبيق تعليمات فك الإرتباط بشكل تعسفي، وبوتيرة متصاعدة في السنوات الخمس الماضية وقبلها ايضا ولكن بحدة أقل".

وقال "كنت من الذين شاركوا في وضع صيغة تعليمات فك الإرتباط، وأنا عارف بخلفيتها ومبرراتها واسبابها الموجبة، حتى تظهر الحقيقة للجميع ولقطع الطريق على اي تفسير او تأويل خاطيء".

واكد الدجاني "اننا في الاردن، وبعد اتفاق اوسلو بين منظمة التحرير واسرائيل، وبعد عقد اتفاق السلام بين الاردن واسرائيل، نكون قد تجاوزنا مرحلة فك الإرتباط مع الضفة الغربية بأهدافها وغاياتها، ولا بد من اعادة النظر في كل ما يتعلق بمسألة جوازات السفر من حيث ما يطبق من اجراءات حالية، مجددا خاصة بعد ظهور السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة كحقيقة واقعة، الأمر الذي يقتضي تصويب اوضاع الأشخاص الذين لحقهم اجحاف بحقوقهم لرفع الضرر عنهم، الى ان يتم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على ارض فلسطين وتتمكن الدولة الفلسطينية من اصدار جوازات سفر لرعاياها معترف بها في دول العالم ويتمكن رعاياها من الدخول والخروج الى فلسطين دون لرقابة او قيد من سلطات الاحتلال في مراكز الحدود".

الأسباب التاريخية لفك الإرتباط

وعرض الدجاني خلفية تاريخية وقانونية لنشوء الحق القانوني واكتساب الفلسطينيين في الاردن والضفة الغربية الجنسية الاردنية، مشيرا الى عقد مؤتمر وطني في اريحا حضره عدد من قادة الشعب الفلسطيني والوجهاء ورؤساء البلديات ومجالس القرى والنقابات والهيئات المختلفة في الاردن وفلسطين وايدوا اتحاد "فلسطين العربية" مع شرق الاردن، وبأن يكون الملك الراحل عبد الله بن الحسين ملكا عليها، وجرت على اثرها انتخابات عامة شملت الضفتين.

وقال "بتاريخ 24 نيسان/ابريل 1950 عقد البرلمان الاردني في عمان بهيئتيه الأعيان والنواب المنتخبين من الفلسطينين والأردنيين في الضفتين، جلسة تاريخية، وأصدر البرلمان قرارا بتبني اعلان توحيد فلسطين وشرق الأردن، واجتماعهما في دولة واحدة في المملكة الاردنية الهاشمية على اساس الحكم النيابي الدستوري، والتساوي في الحقوق والواجبات بين المواطنين جميعا".

واوضح ان الشعب الفلسطيني المقيم في الضفتين الشرقية والغربية قد اكتسب بنوه الجنسية بقوة القرار التاريخي للوحدة الذي صادق عليها البرلمان الأردني المنتخب من الشعبين بتاريخ 24 نيسان/ابريل 1950، وبقوة الدستور الاردني، وبقوة قانون الجنسية رقم 56 لسنة 1949، وقانون الجنسية الاردني رقم 6 لسنة لسنة 1954. وأكد أن سحب الجنسية او اسقاطها عن أي مواطن اردني يجب أن يكون سندا لأحكام القانون الذي حدد الحالات التي يفقد فيها المواطن الجنسية الاردنية".

وزاد " ان اراضي الضفة الغربية لا تزال من الناحية القانونية والدستورية اراضي اردنية محتلة من قبل اسرائيل، وهذا هو الوضع القانوني لها، وهذا ما اكده قرارا مجلس الامن رقم 242 و338 في التعامل مع النزاع العربي الاسرائيلي على إثر حرب حزيران/يونيو 1967".

واوضح ان الاسباب والمبررات التي أدت الى اعلان فك الإرتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية المحتلة تعود إلى "التعامل مع رغبة منظمة التحرير والدول العربية المجتمعة في مؤتمر القمة العربي في الرباط عام 1974، واعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطينيين".

وقال ان الاجماع العربي جاء تمهيداً لتسوية النزاع مع اسرائيل وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على ارض فلسطين، حيث أكد الإجماع العربي على ضرورة إبراز الهوية الفلسطينية وانفراد منظمة التحرير في تمثيل الشعب الفلسطيني في مواجهة اسرائيل والمشروع الصهيوني، وان الدول العربية تقبل بما تقبل به منظمة التحرير في التسوية النهائية، وكذلك مؤتمر القمة العربي الطارئ في الجزائر عام 1988 لدعم الانتفاضة الذي قرر إن يتم تقديم الدعم للانتفاضة في معزل عن أي دور مهما كان للمملكة الأردنية الهاشمية، هذا من ناحية".

اتهامات فلسطينية للأردن

وتابع الدجاني "ومن ناحية أخرى، فقد كانت الفصائل الفلسطينية في حينها تقف من الأردن موقفاً عدائياً ومشككاً في أي تحرك أو إجراء يتعلق بالضفة الغربية وسكانها، فمن اتهامات بالتقاسم الوظيفي مع اسرائيل، إلى اتهامات بالضلوع في الحلول الفردية التصفوية وخيانة القضية الفلسطينية، إلى بيان الانتفاضة الذي يدعو الوزراء والنواب من أصل فلسطيني في الأردن إلى الاستقالة وترك مواقعهم وإلا يعتبرون من الخونة ولا مكان لهم في فلسطين، إلى بيان لأحد الفصائل بضرورة توسيع نطاق الانتفاضة الفلسطينية لكي تشمل الأردن أيضا بالإضافة لإسرائيل".

واشار إلى تلاحق الدراسات والاستبيانات والاستطلاعات التي كانت تجريها جهات مرتبطة بالفصائل، أو بمنظمة التحرير أو بجهات أخرى تعلن أن الأردن لا يتمتع بأي رصيد شعبي في الضفة الغربية المحتلة، وأن نسبة المؤيدين للأردن لا تتجاوز في أحسن الأحوال 3% من السكان، وتزامن مع ذلك حملة اعلامية مكثفة، وذلك بالرغم من جميع محاولات الأردن للتفاهم مع المنظمة لوضع صيغة اتفاق بينهما للتعاون وتوحيد الجهود في المجال السياسي والدبلوماسي في السعي للتوصل إلى حل سلمي ينهي الإحتلال في الضفة الغربية وآخرها كان اتفاق شباط 1985 الذي تراجعت عنه المنظمة في اليوم التالي لتوقيعه.

واكد أنه "وفي ضوء تراكم الأحداث والمواقف المعادية للأردن كان لا بد للأردن من وضع حد لكل هذا الوضع، فتقرر عندها اللجوء إلى فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية من خلال اجراءات وترتيبات وتدابير معينة".

وشدد على ان قرار فك الإرتباط والتعليمات الصادرة بموجبه كانت في ذلك الوقت ضمن المتاح والممكن.

ورأى أن منظمة التحرير لم تتمكن من التعامل مع اسرائيل والولايات المتحدة الأميركية بخصوص الأراضي المحتلة عام 1967 "لأن الولايات المتحدة كانت قد فرضت حظراً عليها نتيجة قرار التزمت به في عهد هنري كيسنجر، وكان الأردن طرفاً اساسياً في القرارين (242) و(338) الذين كانت ترفضهما المنظمة باستمرار لاعتبارهما الضفة المحتلة جزء من الأراضي الأردنية. وقال كان لا بد من إيجاد آلية معينة، أو مخرج لإحلال منظمة التحرير محل الأردن في حق المطالبة بالأراضي المحتلة ودعم نضال الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه المغتصبة وإبراز هويته.

وقال انه ورغبة من الأردن في تأكيد عدم وجود مطامع بالنسبة للأراضي المحتلة بعد زوال الاحتلال، وعدم منافسة منظمة التحرير في الضفة الغربية، وإفساح المجال للشعب الفلسطيني لتقريره مصيره في التسوية النهائية للنزاع وإقامة دولته المستقلة على أرضه، فقد وجد الأردن صيغة فك الارتباط بالشكل والطريقة التي أعلن عنها الأسلوب الوحيد الممكن والمتاح لفتح الطريق أمام المنظمة والتوافق مع الإجماع العربي في مؤتمرات القمة.

واكد أن فك الارتباط لم يستند إلى قرار من مجلس الوزراء، ولا إلى إرادة ملكية حسب الأصول القانونية والدستورية المرعية، ولم يمر عبر المراحل الدستورية، ولم يعرض على البرلمان للموافقة والتصديق "لذلك فهو ليس قرارا دستوريا، بل إعلان موقف وتوجه سياسي تبعته اجراءات ادارية لاحقة حددت على شكل تعليمات من رئيس الوزراء تفعيلاً لهذا التوجه، موجهة إلى دوائر مختصة لتنفيذ اجراءات محددة تتفق مع الهدف والتوجه السياسي للأردن بما ينسجم مع فك الارتباط القانوني والإداري.

وجهة نظر يرفاس

أما عوني يرفاس وزير الداخلية الأسبق، وهو من أصول شركسية، فقد أبدى وجهة نظر مختلفة ترى أن الوحدة بين الضفتين انتهت قانونيا بقرار فك الإرتباط، مشبها انتهاء هذه الوحدة بانتهاء الوحدة بين مصر وسوريا عام 1961، وقال إن القرار حافظ على الجنسية الأردنية للذين كانوا يقيمون خارج الضفة الغربية عند قرار فك الارتباط.

وشدد يرفاس على أن قرارات سحب الجنسية "من أعمال السيادة" وأن كافة الإجراءات الأردنية لسحب الجنسية "كانت تهدف لتثبيت الفلسطينيين في ارضهم".

وبين أن قرار فك الإرتباط بين الأردن والضفة الغربية قرار سياسي ترتب عليه اجراءات قانونية وإدارية اقتضت سحب الجنسية من سكان الضفة، وإبقائها للفلسطينيين المقيمين خارجها عند اتخاذ القرار.

واتفق يرفاس مع الدجاني على أن قرار فك الارتباط لا يتعلق بالدستور او القانون وانماهو قرار سياسي وسيادي .وقال "هناك قرار سياسي وسيادي بالإنفصال بناء على قرار ممثلي الشعب الفلسطيني والزعماء العرب، وبالتالي عودة الفلسطينيين إلى جنسيتهم، كما حدث بعد انفصال الجمهورية العربية المتحدة المكونة من مصر وسوريا عام 1961 حيث عاد المصريون الى جنسيتهم والسوريون الى جنسيتهم".

واشار الى قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي واتفاقية لاهاي المتضمن ان الجنسية عمل من اعمال الدولة، وقال هو أمر سيادي متصل بالسياسة العليا للدولة .

وقال ان قرار فك الارتباط اتخذته الجهة المختصة، وبالتالي فلا يحتاج إلى تعديلات قانونية، وتم وضع تعليمات فك الإرتباط بناء على هذا القرار السيادي.

واشار الى ان محكمة العدل العليا قررت انه لا يجوز التدخل في قرار فك الارتباط والتعليمات لأنه قرار سياسي وسيادي، بينما كانت تنظر في مدى صحة تطبيق تعليمات فك الارتباط وتصدر قراراتها وفي حال قضت بعدم صحة تطبيق التعليمات كان يتم اعادة الوثائق للشخص المشتكى واعادة تسجيله في قيود الاحوال المدنية.

ولفت الى قرار الديوان الخاص بتفسير القوانين رقم 121 لسنة 1951 الذي يصبح جزءا من القانون واعتبر ان الجنسية عمل سيادي.

واوضح ان الاردن يخوض صراعا مع اسرائيل التي تسعى لتفريغ الضفة الغربية من الشعب الفلسطيني فكان لا بد من اجراءات اردنية لمواجهة الاجراءات الاسرائيلية وبتنسيق مع السلطة الوطنية.

واكد انه لا يمكن الإخلال بالمساواة في تطبيق التعليمات" فالوضع حساس وهو سياسي مصيري وليس ترفا فكريا وله علاقة بالحلول القادمة في المنطقة، يمكن ان يتألم الفرد من قرار ولكن الاولى مصلحة الجماعة مصلحة الدولة اعلى من مصلحة الافراد". مشيرا إلى أن فقهاء القانون الدولي اعتبروا ان للدولة سلطة حقوقية متفوقة باعتبارها تتمتع بالسيادة وتحافظ على امنها وامن مواطنيها.

وأكد أنه لا يوجد سحب جنسية أو اسقاطها "فهذا عقوبة وقرار فك الإرتباط ليس عقوبة، وإنما قرار سياسي وسيادي، فكان هناك وحدة بين الضفتين وحدث انفصال".

صالح العرموطي نقيب المحامين/رئيس مجلس النقباء رأى من جتهه أن قرار وتعليمات فك الإرتباط غير دستورية وغير قانونية، وتخالف مبدأ دولة المؤسسات والقانون، مشيرا إلى أن تعليمات فك الإرتباط لم تصدر عن الحكومة، وإنما عن رئيس الوزراء، ولم تمر في اطرها التشريعية والدستورية.

وقال" رغم ان قرار فك الارتباط جاء بناء على رغبة فلسطينية وعربية فلا يجوز مخالفة الدستور الاردني. والدستور لم يجر تعديله، وبالتالي فإنه لا يجوز فصل الضفتين". مؤكدا أن تعليمات فك الإرتباط مست المراكز القانونية للمواطنين.

التعليقات