معلومات إسرائيلية عن ملابسات قتل المهدي بن بركة

معلومات إسرائيلية عن ملابسات قتل المهدي بن بركة
غزة-دنيا الوطن

بدت رواية الصحافي الإسرائيلي شموئيل سيغيف حول ظروف خطف المعارض المغربي المهدي بن بركة وقتله، في منتصف ستينات القرن الماضي في باريس، أقرب إلى التصديق، خصوصاً قوله إن حادثة مقتله عبر تغطيس رأسه في إناء ماء على يد مدير الأمن المغربي وقتذاك العقيد أحمد الدليمي كان عن طريق الخطأ. وتتقاطع هذه المعلومة عن أن قتل بن بركة لم يكن مقصوداً مع معطيات توافرت لـ «الحياة» أفادت أن المعارض الراحل كان على اتصال مع القصر عن طريق وسطاء لحضه على العودة إلى البلاد لتسلم مسؤولية حكومية رفيعة المستوى كان مهّد لها الملك الراحل الحسن الثاني عبر اصدار عفو شامل عن معارضيه المعتقلين والمقيمين في المنفى، وفي مقدمهم بن بركة الذي كان موقفه المؤيد للجزائر في «حرب الرمال» التي وقعت بين القوات المغربية والجزائرية في خريف 1963 جلب عليه المزيد من الغضب والانتقاد.

غير أنها المرة الأولى التي يُشار فيها إلى تورط الدليمي في مقتل بن بركة، وإن كانت محكمة فرنسية برّأته إثر تسليم نفسه إلى القضاء الفرنسي العام 1967. وثمة معلومات متقاطعة عن ضلوع أجهزة استخبارات فرنسية وإسرائيلية، وربما أميركية، إضافة إلى عناصر مغربية، في تنفيذ خطة خطف المعارض المغربي واغتياله.

بيد أن إشارة الصحافي الإسرائيلي سيغيف في كتابه الذي صدر أمس في إسرائيل بعنوان «الصلة المغربية» باللغة العبرية إلى كون بن بركة كان لا يزال على قيد الحياة حتى الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) 1965 يلتقي والوقائع التي استندت إليها المحكمة الفرنسية لجهة وجود العقيد الدليمي في 29 تشرين الأول (اكتوبر) 1965 في الجزائر لإعداد زيارة كان سيقوم بها الملك الحسن الثاني إلى البلد المجاور وقتذاك. وقد تكون خلاصة الكتاب في شأن إمكان دفن جثمان بن بركة في ورشة اسمنت مسلح على جانب الطريق السريع جنوب باريس، ربما استندت إلى كون الدليمي وبعض مرافقيه توقفوا في ذلك الطريق ابان توجههم إلى مطار أورلي في طريق العودة إلى المغرب، ما اعتُبر تمويهاً لإخفاء المكان الحقيقي لدفن جثمانه... أو أنها الحقيقة فعلاً.

وتعتقد أوساط بان وجود الدليمي إلى جانب الجنرال محمد أوفقير، وزير الداخلية آنذاك، في حفلة رعتها السفارة المغربية في باريس وحضرها مسؤولون بارزون في الداخلية والاستخبارات والأمن الفرنسي لمناسبة تخريج فوج من الولاة المغاربة، لم يثر ردود فعل السلطات الفرنسية، كون قضية بن بركة كان يُنظر إليها بوصفها مسألة خطف غامضة، قبل أن تتسرب أنباء عن مقتله.

واللافت أن الصحافي الإسرائيلي سيغيف أشار إلى طلب المعارض بن بركة مساعدة «الموساد» الإسرائيلي في إطاحة نظام الملك الراحل الحسن الثاني، ما يفرض أن ثمة علاقات كانت تربطه بأطراف إسرائيلية، من ضمنها أن الرجل الذي زاره في بيته عندما قدم من جنيف إلى باريس، لم يكن غير النائب اليهودي جوحنا أوحنا الذي عُرف عنه ارتباطه بجهات إسرائيلية، إضافة إلى صداقته المتينة مع المستشار المتنفذ أحمد رضا غديرة، أقرب الشخصيات السياسية إلى الملك الحسن الثاني. غير أن تحريات صحافي غربي قادته إلى استخلاص أن المعارض المغربي بن بركة كان أحد عملاء الاستخبارات التشيكوسلوفاكية التي يعتقد بان جهات فيها رتبت له مقابلة مع إسرائيليين. إلا أن الصورة التي عُرف بها قدمته كأبرز مناهضي إسرائيل والامبريالية الأميركية في فترة الحرب الباردة. وثمة من يذهب إلى أنه دفع حياته ثمن رهانه على إنشاء جبهة افريقية - آسيوية - أميركية لاتينية في مواجهة الولايات المتحدة، خصوصاً أنه كان يعتزم تنظيم مؤتمر دولي في هذا الاتجاه تستضيفه كوبا التي تسبب رفضها معارضة عقد المؤتمر، في قطع العلاقات الديبلوماسية بينها وبين المغرب.

وفي ظرف غير متباعد، صدرت معطيات عدة حول اختطاف المعارض المغربي واغتياله، شملت الكشف عن عمله لمصلحة الاستخبارات التشيكوسلوفاكية، وتقديم شريط سينمائي فرنسي مطلع الأسبوع الجاري في القناة الفرنسية الثانية، ثم صدور كتاب الصحافي الإسرائيلي سيغيف، ما يؤشر إلى قرب ازالة الظلال العالقة حول ملف من أكثر الملفات تعقيداً.

التعليقات