السفير الأمريكي في مصر يحضر احتفال الطرق الصوفية بالمولد الأحمدي ومولد السيد البدوي و يشارك في الغناء والإنشاد الديني

السفير الأمريكي في مصر يحضر احتفال الطرق الصوفية بالمولد الأحمدي ومولد السيد البدوي و يشارك في الغناء والإنشاد الديني
غزة-دنيا الوطن

مثلما فعل نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية على مصر حين سعى للتودد لعلماء الأزهر ومشاركتهم احتفالاتهم الدينية، قبل أكثر من مائتي عام، حرص السفير الأمريكي في مصر فرانسيس ريتشاردوني على حضور احتفال الطرق الصوفية بمولد أحد مؤسسيها في دلتا مصر ومشاركتها فعالياتها، في خطوة اعتبرها المراقبون تهدف إلى مد جسور التواصل مع السلطات المصرية ومع الشعب المصري، وتغيير الصورة السلبية عن السياسات الأمريكية المنطبعة في أذهان المصريين.

وفي مؤتمر صحفي في أثناء زيارته لمحافظة الغربية (شمال مصر) الخميس 17-11-2005 لحضور احتفال الطرق الصوفية بالمولد الأحمدي، قال السفير ردا على سؤال بشأن فوز مرشحين منتمين لجماعة الإخوان المسلمين بنسبة مهمة من المقاعد في المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية: إن ذلك "شأن مصري بحت".

وشارك السفير "ريتشاردوني" في أحد الموالد الشعبية المصرية -وهو مولد "السيد البدوي" أحد مؤسسس الطرق الصوفية الشهير في مدينة طنطا وأحد الأولياء الذين يزورهم البسطاء في مصر تيمنا بالخير- وشاطر المصريين البسطاء فعاليات المولد حيث اشترى الحمص والحلاوة الشهيرة، وحضر أمسية غنائية في السرادق الثقافي المقام بهذه المناسبة وجلس القرفصاء مثل الحاضرين لسماع المدائح النبوية!.

ولم يكتف السفير ريتشاردوني بذلك، بل قام بخلع الكرافتة وسار في شوارع طنطا وسط حراسة أمنية بسيطة وغير مرئية، ووقف في أحد محال بيع الحلوى الشهيرة هناك يلتهم قطعا من حلوى المولد ويعبئ علبا أخرى ويداعب المصريين كأنه يبيع لهم الحلوى داخل المحل، ثم توجه للسرادق الذي أقامته المحافظة بمناسبة المولد وشارك المطرب محمد ثروت الغناء والإنشاد الديني.

عاشق الصوفية



والتقى السفير ومعه ابنته "كيارا" وصديقها وكان برفقتهم الدكتور علي السمان عضو لجنة الحوار بين الأديان بالأزهر الشريف، شيوخ الطرق الصوفية الشاذلية والأحمدية والإبراهيمية والجازولية، وجلس معهم على الأرض ليشهد الاحتفال معهم ويتفهم مراسم المولد، ويؤكد لهم أنه "عاشق للصوفية ولمبادئها التي تدعو إلى السماحة والعدل".

وقد اهتمت صحف مصرية مستقلة بمتابعة زيارة السفير الذي دعا عددا من محرريها لمرافقته إلى هناك، وقالت إن شيخ مشايخ الطريقة الجاوزلية الصوفية بطنطا سالم جابر الجازولي كاد أن يتسبب في أزمة أمنية عندما همّ بإهداء السفير الأمريكي كتابين من كتب الطريقة دون مرور الكتابين على الفريق الأمني المرافق للسفير.

وقبل أن يمد السفير يديه فرحا بالهدية، قطع أحد أفراد الأمن المرافقين الطريق والتقط الكتابين، وتفحصهما جيدا قبل أن يرجعهما بهدوء للشيخ سالم الذي أعاد إهداءهما للسفير الذي كاد يطير فرحا بالهدية، وهما كتابا "الطريقة الجازولية"، و"مدرسة التصوف الجازولي في العصر الحديث".

وقد ألقى شيخ مشايخ الطرق الصوفية الشيخ حسن الشناوي كلمة بحضور السفير أكد فيها أن مصر كنانة الله في أرضه، وهي بلد الديانات وبلد الدين الوسط التي لا يوجد بها إرهاب ولا تشتيت، وأن "آل البيت" أغلبهم أتوا إلى مصر، ورجال التصوف يدعون إلى الحب والسلام والإخاء، ثم قام الشيخ حسن بإهداء علم مشيخة الطرق الصوفية للسفير الأمريكي.

الطريف أن السفير جلس أرضا وسط مريدي ودراويش الطريقة الجاوزلية بالمولد الأحمدي، وأنصت باهتمام بالغ للأذكار التي يرددها المريدون وأتباع الطريقة، ثم انتقل للجلوس وسطهم هو وابنته كيارا، وحرص على التقاط الصور التذكارية مع بعض المريدين والأتباع والأطفال وظل يداعبهم طوال الجلسة بخفة روح مصرية.

سياحة الموالد مزدهرة

ويرجع اسم مولد السيد البدوي إلى (السيد أحمد البدوي) أحد مؤسسي الطرق الصوفية، والذي يقال إنه ولد في مدينة فاس المغربية في العام 1199 وجاء إلى طنطا في العام 1234 حيث أسس "الطريقة الأحمدية"، ومنذ ذلك الحين يقام مولد سنوي هناك يستمر 8 أيام تتعالى خلاله صيحات الزوار "يا سيد يا بدوي" من كل ركن وتتحول طنطا إلى كرنفال يعج بالبشر والموسيقى وحلقات الطعام.

وتشتهر مصر بهذه الموالد حتى إنه بدأت تدخل ضمن ما سمي بـ"سياحة الموالد" التي تسعد السياح الأجانب، وهناك العديد من هذه الموالد الشهيرة مثل "مولد الحسين" الذي يقام في شهر ربيع الثاني ويستمر أسبوعين كاملين، ويفد إليه الآلاف أيضا الذين يعسكرون حول مسجد الحسين، و"مولد الرفاعي" الذي يُعقد في شهر جمادى الثاني في مسجد الرفاعي في منطقة القلعة جنوب القاهرة.

ومنها أيضا "مولد السيدة زينب" الذي يجذب نحو مليون زائر في "الليلة الكبيرة"، وهي إما يوم ثلاثاء أو أربعاء في منتصف شهر رجب، وفي شهر شعبان هناك "مولد الإمام الشافعي" الذي يستغرق أسبوعا كاملا، وهناك أيضا موالد مسيحية أشهرها "مولد مار جرجس" جنوب مصر، و"مولد العائلة المقدسة" في كنيسة أبي سرجة في حي مصر القديمة.

ومع إن فكرة "المولد" الأصلية ترتكز على أساس احتفال ديني بذكرى ميلاد شخصية تاريخية ذات أصول دينية أو صوفية فقد تحول المولد في العصر الحديث إلى بدع غريبة وأماكن للهو والبيع وارتبط بانتشار ألعاب الأطفال والملاهي.

كما تحول المولد أيضا إلى مناسبة اجتماعية وتجارية ينتظرها الآلاف من المصريين البسطاء من العام للعام؛ حيث يقوم الأثرياء بإعداد موائد الطعام للفقراء -مثل موائد الرحمن في رمضان- ونصب الخيام للأسر التي تفد من أقاصي البلاد لحضور المولد بالآلاف.

كما يقوم التجار بعرض بضائعهم وحلوى المولد ليشتريها الزوار، في حين يقوم بعض المريدين من الطرق الصوفية بالمرور في الشوارع بأعلامهم وراياتهم الشهيرة وهم يدقون الدفوف والطبول، ثم يقيمون حلقات الذكر التي يتناوبون فيها التمايل مع الأناشيد.

التعليقات