الشيخ حسن يوسف يروي رحلته إلى القدس و اعتكافه في المسجد الأقصى واعتقاله

غزة-دنيا الوطن

عادت به الأيام إلى أكثر من عشرين عاماً خلت ، كان ما زال فتى يافعاً عندما راح يتنقل بين ثانوية الأقصى الشرعية و المسجد المجاور ... حيث كانت صلاة الفجر فيه أجمل ما يمكن للإنسان أنْ يحمل من ذكريات ... بعد أعوامٍ طويلة استطاع الشيخ حسن يوسف - القيادي في حماس - أن يصل إلى الأقصى ... محطات متتالية من التحايل على الحواجز ... و إذا به الأقصى أمامه بكل هيبته و حزنه ..

شدّوا الرحال ...

ليلة العاشر من نيسان أنهى الشيخ صلاة العشاء و استعد لرحلة طويلة من رام الله إلى القدس ، شدّ الرحال سيكون صعباً هذه المرة ، يقول : "كانت زيارتي للأقصى في المرة الأخيرة يوم اقتحم شارون ساحات الحرم و أدى عدوانه آنذاك إلى اندلاع انتفاضة الأقصى ... هذه المرة قلنا لن نسمح بأن يتكرر الأمر ، و لن يمروا سوى على أجسادنا .." ، و مع ساعات الليل المتقدمة ، استطاع الشيخ مع نجله مصعب و مرافقه ماجد عواد الخروج من منطقة رام الله و الوصول إلى حدود القدس ، "لم يكن الأمر سهلاً ، احتجنا من أجل ذلك عدة ساعات و قطعنا الجبال التفافاً على حاجز ضاحية البريد ..." .

رغم آلاف الجنود .. وصلوا :

الآلاف من جنود الاحتلال كانوا قد انتشروا في ضواحي المدينة ، و على أبواب الحرم القدسي في اليوم الذي هدد فيه المستوطنين الصهاينة و جماعة ما تسمى "رفافا" العنصرية ، باقتحام المسجد الأقصى احتجاجاً على خطة الفصل التي طرحتها الحكومة الصهيونية من أجل الانسحاب من قطاع غزة ... و مع كل هذا استطاع الشيخ حسن يوسف أبرز قيادات حركة حماس في الضفة الغربية اختراق كلّ الإجراءات الصهيونيّة و الوصول إلى القدس ، "رحنا نتنقل من بيتٍ لآخر حتى بدت قبة الصخرة أمامنا ... كان شعوري غير اعتياديّ ، قليلة هي المرات التي تقف فيها أمام من يهزمك بجماليته و هيبته..." لسان حاله يقول : "كل هذه الدماء من أجل إعلاء كلمة الله من هنا خاصة ... لن يمروا" ...

"حماس تحتل الأقصى .." :

و كان وصول الشيخ حسن يوسف للأقصى حديث وسائل الإعلام المحلية و العالمية منذ ساعات الصباح الأولى ، حتى وسائل الإعلام الصهيونية لم تستطع إخفاء صدمتها من قدرة حماس على الوجود حتى في أكثر الأماكن صعوبة ، و أكثر الأوقات حساسية . مراسل الصحيفة الصهيونية "يديعوت أحرونوت" العسكريّ روني شكيد عنون مقالةً له (حماس احتلت جبل الهيكل) ، و راح يسرد كيف أنّ يوم النفير إلى الأقصى لم يكن ليكون لولا استنفار كوادر و أعضاء و مؤيدي حماس في كافة المناطق الفلسطينية و الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 .

خطابات حماسية في ساحة الأقصى :

مع اقتراب موعد صلاة الفجر كان الشيخ حسن يوسف و رفيقاه قد وصلوا المسجد الأقصى و أدوا الصلاة فيه جماعة ، يقول الشيخ : "خلال صلاة الفجر كان في ساحات الأقصى أكثر من 15 أف فلسطينيّ استطاع أكثر من ألفين منهم رجالاً و نساء المبيت في الأقصى منذ الليلة الماضية ، و هي المرة الأولى التي يبيت فيها هذا العدد من الناس منذ ليلة القدر في شهر رمضان الماضي ... و قد حاول الاحتلال منعهم بشتى الطرق إلا أنهم استطاعوا الوصول إلى الأقصى و الاعتكاف و المرابطة فيه ..." ، و كانت الأمور في الأقصى منظمة بشكلٍ جيد ، فقد أحضرت مكبرات الصوت و تم توفير وجبات لإفطار الجموع المحتشدة هناك ، و ألقيت في أعقاب صلاة الفجر كلمات مؤثرة بدأها الشيخ كمال الخطيب من قيادات الحركة الإسلامية في الداخل ، و تلاه الشيخ حسن يوسف و قد أكّد في كلمته الأولى على حق المسلمين في فلسطين في المرابطة في أقصاهم و الذود عنه بأنفسهم و بكل ما يملكون ، و بمجرد انتهائه من كلمته انشغلت وسائل الإعلام بخبر وصول الشيخ حسن يوسف إلى الأقصى .

و بالفعل استطلعت حركة حماس من خلال وجود الشيخ حسن يوسف في الحرم القدسي في يوم النفير إلى الأقصى أنْ تثبت بأنها المعبرة بشكلٍ قويّ عن نبض الشارع الفلسطيني حيث ظهر جلياً تأخّر الوجوه الرسمية عن حضور الاعتصام الاحتجاجي لآلاف الفلسطينيين في المسجد الأقصى .

تربصوا لهم في طريق العودة :

و يضيف الشيخ عن رحلته إلى الأقصى : "عقب صلاة الظهر مباشرة قررنا العودة إلى رام الله .." ، ستكون الطريق إلى رام الله صعبة أيضاً و ربما ستحفها المخاطر ، إذ أن قدرة الشيخ حسن يوسف في الوصول إلى الأقصى أربكت الأجهزة الأمنية الصهيونية ، و كان عليه أن يكون أكثر حذراً من مشواره الأول .. يقول : "سلكنا الطريق ذاتها التي اعتاد الناس المرور عبرها و هي الالتفافية عن حاجز الرام ، و البعيدة عن أعين الجيش و الشرطة ..." ، و ما لبث الشيخ و ابنه و مرافقه البدء في المسير حتى كان الجنود يحاصرونهم من كلّ ناحية ، "ما أنْ لامست أقدامنا الأرض حتى راحوا يتراكضون حولنا و كأنهم عثروا على فريستهم أخيراً ... و قاموا باستدعاء قواتٍ أخرى و عناصر من المخابرات ، و من ثم وضعونا في سيارة عسكرية مدرعة و اقتادونا إلى معسكر النبي يعقوب في بيت حنينا شمال القدس ، و كانت معاملتهم سيئة إلى أبعد الحدود ، حيث كالوا لنا الشتائم و السباب و الكلام البذيء" .

ساعات تحت الاعتقال ... و المعاملة السيئة :

بعد أقل من نصف ساعة و قرابة الثانية و النصف قاموا باقتيادهم إلى مركز تحقيق المسكوبية ، و هناك بدأوا بتحقيق روتيني مع الشيخ يوسف ، و بعدها تم تركه ، و لكن خلال الأربع ساعات التالية يقول الشيخ : "رحنا نتبادل معهم التهم بالإرهاب و القتل ..." ، و في الساعة الرابعة مساء تم نقلهم إلى معتقل "عوفر" معصوبي الأعين و مكبلي الأيدي و الأرجل و في ظروف سيئة جداً ، و في "عوفر" تم إخضاع ثلاثتهم لتفتيشٍ دقيق ، و عقبه أعلنوا أن مسؤولاً أمنياً صهيونياً سيلتقي الشيخ حسن يوسف ، و بالفعل تم تحديد السعة الثامنة كموعد لهذا اللقاء .. يعلق الشيخ على ما جرى في هذا اللقاء قائلاً : "لقد تمحور هذا اللقاء في اتجاهين ، الأول دار حول كيفية الوصول إلى الأقصى ، و قلت لهم المهم أننا استطعنا الوصول و صلينا هناك و قمنا بواجبنا ... أما الأمر الثاني جرى حديث حول الانتهاكات و السلوك العدواني الذين يشنونه ضد الشعب الفلسطيني و آخره قتل الأطفال في رفح و الاستيطان و الحواجز ، و عدم الإفراج عن المعتقلين و أن الطرف الصهيوني هو الذي يهدد التهدئة ..." .

تم الإفراج عن الشيخ حسن يوسف و ابنه و مرافقه في ساعة متأخرة من ليلة أمس ، لكن صدى زيارته لا زال يتردد على كافة الأصعدة السياسية و الإعلامية ، و كان تتويج هذه الخطوة وصف الصحافة الصهيونية لخطوة الشيخ حسن يوسف بأنها "احتلال حماس للمسجد الأقصى ..." .

*موقع حماس

التعليقات