يهودية ..مدير وزارة فلسطينية في غزة

أول يهودية في منصب رفيع في وزارة فلسطينية في غزة :
تنازلت عن جنسيتي الإسرائيلية وأشهرت إسلامي وأديت فريضة الحج
دبابة إسرائيلية أحرقت سيارتي خلال التوغل وأسعفت المقاومين
غزة-دنيا الوطن
في بيت لاهيا تسكن الحاجة أم محمد ، وترتدي ثوبا مطرزا على التراث الفلسطيني تضع على رأسها شالا وترتسم على وجهها ابتسامة هادئة تنم عن كل ملامح الطيبة والوقار وكأنها ولدت وترعرعت وعاشت منذ نعومة أظفارها في قرى فلسطين وحاراتها وأزقتها، وتحيي بتحية الإسلام " السلام عليكم ورحمة الله " . وكان هذا الحوار مع أم محمد"اليهودية الأصل" عن ومرحلة الانتقال من بيئة إلى بيئة ومجتمع إلى مجتمع ومن دين إلى دين وكيف استطاعت أن تنخرط وتنصهر في المجتمع الفلسطيني وتعيش في ظروف على النقيض والتباين من ظروفها وبيئتها ومجتمعها ودياناتها الأصلية:
* ما اسمك الأصلي واسمك الحالي؟.
- اسمي الأصلي " استر مردخاي مخيمة " ، واسمي الحالي " شهيرة مردخاي زين الدين
* متى ولدت وأين ؟ ومتى قدمت إلى إسرائيل ؟ وأين كنت تسكنين في إسرائيل؟
- ولدت في المغرب سنة 1953 وقدمت إلى إسرائيل سنة 1955، وكنت اسكن في " موشاف عزريكام " في جنوب فلسطين.
* كيف تم التعرف بينك وبين زوجك السيد / أبو محمد ؟ وكيف تم الزواج ؟
- كنت أعمل في مصنع للمعلبات في مدينة اسدود مسئولة عن 120 عاملا وعاملة من العرب واليهود، وكان زوجي أبو محمد يعمل سائقا يقوم ينقل العمال الفلسطينيين من أماكن سكناهم في قطاع غزة إلى مكان العمل في المصنع ، كما كان يقوم في أحيانا كثيرة سائق رافعة ( مز ليق ) في المصنع .. ومن خلال ذلك لاحظت أن هذا الرجل يختلف عن باقي العاملين العرب في المصنع واسترعى انتباهي، حيث أنه كان شعلة من النشاط والجد والاجتهاد وكان موضع ثقة كل المسئولين في المصنع... ومن خلال ذلك كنت ألاحظ مسحة من الحزن على وجهه وكأن الدنيا تناصبه العداء فتهيأ لي أن لدى هذا الرجل مشكلة ويعاني من ظروف صعبة والهم أخذ منه مأخذه... ومن باب حب الاستطلاع ومحاولة تقديم يد العون والمساعدة ومن خلال التعامل وعلاقة العمل وجدت شيئا يشدني إليه ورغبة جامحة في التعرف على ما يخفيه هذا الرجل بين جوانحه وما يعتمل به صدره من الهموم والمعاناة... واستطعت أن أعرف أن هذا الرجل اضطر وبسبب ترك أبيه للبلاد والسفر إلى مصر تاركا خلفه أسرة كبيرة قوامها أحد عشر فردا دون معيل أو كفيل، الأمر الذي اضطره إلى ترك مقاعد الدراسة والتضحية بمستقبله والبحث عن مصدر رزق لإعالة أسرته الكبيرة التي فقدت معيلها ومن خلال اللقاءات أثناء ساعات الراحة والطعام في العمل شرح لي أبو محمد وبإسهاب رحلة المعاناة والشقاء والضياع التي عاشها الشعب الفلسطيني بعد أن تم طردهم من مدنهم وقراهم في فلسطين عام 1948 ولجو ئهم إلى الشتات في مختلف أصقاع الأرض، ومن هنا شعرت بمدى المعاناة التي عاشها هذا الرجل وكل أمثاله من أبناء الشعب الفلسطيني.. وقد عشت مأساته ومعاناته... ومع مرور الأيام تحولت مشاعر التعاطف والشفقة إلى مشاعر وجدانية وتمنيت إن أعيش مع هذا الرجل .. وفي هذه الأثناء لاحظ العمال اليهود ورجل الأمن في المصنع علاقتنا وحاولوا وضع العراقيل والصعوبات والانتقادات في طريقنا وحاولوا كثيرا منعه من دخول المصنع ورفضه من العمل..كما حاولوا منعه من دخول الحاجز والوصول إلى مكان المعمل .. ولكني كنت دائما أقف حائلا بينهم وبين ما يريدون... وقاموا بإبلاغ أهلي بالحكاية وفي أحد الأيام كنت على وشك المشاركة في رحلة نظمها المصنع للعمال.. وفي هذه الأثناء قام أبو محمد بتسليمي رسالة ضمنها مشاعره نحوي وظروف حياته الصعبة وشرح لي حبه لي ورغبته في الزواج مني والارتباط بي وصارحني أنه لا يستطيع توفير مستوى الحياة الذي أعيش فيه عند أهلي.. وانتابتني رغبته جامحة نحو هذا الرجل وعدت من الرحلة قبل موعد انتهائها وأبلغته أنني أبادله نفس المشاعر وأنني على استعداد للزواج منه والارتباط به... وعندما علم أهلي بالأمر صارحتهم بحبي وإعجابي ورغبتي في الزواج من هذا الرجل وأن هذا الموضوع غير قابل للنقاش أو التراجع...وهنا اتفقنا على الذهاب إلى القاضي الشرعي في مدينة يافا حيث تم عقد القران لدى الشيخ ( وجدي الطبري ) ، وقد توجهت إلى دائرة الأديان اليهودية في القدس المحتلة وأشهرت إسلامي هناك وتنازلت عن الجنسية الإسرائيلية ، وكان قد اشترط زوجي على ذلك وأصدرت لي شهادة بذلك وتم تغيير اسمي اليهودي إلى اسم عربي وقد استغرقت هذه العملية سبعة أشهر.
*ما هو وجه الاختلاف في اسلون الحياة وتعامل المجتمع في إسرائيل وفي فلسطين؟
-ليس هناك اختلاف جوهري إلا في بعض التقاليد والعادات الاجتماعية والطقوس الدينية، ولم أجد أية صعوبة تذكر في التأقلم مع الحياة في المجتمع الفلسطيني... أما الاختلاف الجوهري فهو في الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين في إسرائيل...حيث أن ما يعرف بمؤسسة التأمين الوطني في إسرائيل تقوم برعاية الفرد منذ ميلاده حتى مماته وتقدم له الخدمات والمساعدات في طفولته وتعليمه وعمله وسكنه وحتى شيخوخته، أما في المجتمع الفلسطيني فلا تقوم الدولة بتقديم كل الخدمات والمساعدات اللازمة للمواطن من تعليم وسكن وعمل..الخ ، ولا هذه الخدمات والرفاهية إلا لمن يملك النقود فقط.
*ما الذي أعجبك في المجتمع الفلسطيني وتتمنين أن يبقى ويستمر ويزيد؟ وما الذي لم يعجبك وتمنين أن يزول؟
-الذي أعجبني في هذا المجتمع الترابط والتماسك الاجتماعي والأسري ..والكرم و حب الخير والتكافل والغيرة على الشرف والعرض والجهاد في سبيل الوطن..والدفاع عن المقدسات أما الذي لم يعجبني هي الغيبة والنميمة والتفكير الخاطئ وعدم وجود المحبة في بعض الأحيان .
*كم عدد أولادك ؟
- ثلاثة أولاد وبنتان إحداهما متزوجة والباقي في الجامعات
*لقد علمنا أن أولادك من المتفوقين في الدراسة فما سبب ذلك وهل لك دور في ذلك ؟
- الحقيقة أن تفوق أولادي في الدراسة والتعليم هو مجهود شخصي منهم لإدراكهم وعلمهم أن العلم هو أحسن سلاح للمستقبل ودوري ينحصر فقط في تقديم النصح والإرشاد وتوفير الجو المناسب.
* كيف تم التحاقك بالعمل في وزارة العمل الفلسطينية في منصب مدير ..وكيف استطعت التعامل والانخراط في العمل ؟
-تم ذلك عن طريق كتاب قمت برفعه لفخامة الرئيس أبو عمار رئيس دولة فلسطين شرحت له كل مراحل حياتي وحيثياتها وكيف أني تزوجت من رجل فلسطيني وأسلمت ولدي أسرة في حاجة إلي معيل وقام السيد الرئيس بإصدار كتاب تعيين لي في التلفزيون الفلسطيني كمترجمة من العربية إلى العبرية وبالعكس. وقد رفضت هذا العمل لأنه طلب مني العمل كمذيعة دون وضع غطاء الرأس و رفضت بشدة.. إني غير مستعدة للتضحية بسمعتي وسمعة زوجي وأسرتي والتفريط في ديني.. وكيف لمسلمة مثلي أن ترفع غطاء الرأس في مكان العمل والذي يكتظ بالموظفين.. وملايين المشاهدين... ومن هنا تم تحويلي للعمل في وزارة العمل الفلسطينية التي أعمل بها ألان.
*توارد إلى مسامعنا من كثير من العمال أنك تقومين بتقديم المساعدة لهم وتحلين مشاكلهم المتعلقة بعملهم في إسرائيل... مثل: تصاريح العمل وإصابات العمل وفي مجالات أخرى خارجة عن طبيعة عملك فما مرد ذلك؟.
-أني أرى في نفسي كفرد في هذا المجتمع... الذي يحتاج للمساعدة أري لزاما على تقديم يد العون والمساعدة لمن يحتاج وكثيرا ما أقوم بترجمة الكتب العبرية وحل مشاكل العمال عن طريق الاتصال بأقسام المدفوعات والتأمين الوطني ولوقوف على المشاكل العالقة وإيجاد الحل لها وكتابة الملاحظات لهذه الجهات وتوجيه العمل لكيفية الوصول إلى حقوقهم وقضاء مصالحهم... هذا في مجال عملي أما في مجالات كثيرة فقد كنت أساعد النساء اللواتي يتم تحويلهن للعلاج في إسرائيل وكنت أقوم بمرافقتهن في بعض الأحيان إلى المستشفيات في إسرائيل... وكذلك الاتصال بالمستشفيات في إسرائيل والاستفسار عن بعض الحالات.. وكيفية عمل كل ما هو لازم ومطلوب.. وأرى في ذلك عمل إنسانيا أرجو أن أجد ثوابه عند الله إنشاء الله.
*علمنا انك كنت تقدمين المساعدة والحماية لناشطي الانتفاضة الأولى.. فكيف كان ذلك ؟ وقدمي لنا نموذجا على ذلك؟.
-كنت أقوم في كل يوم بحماية أطفال الحجارة الذين كان يتعقبهم الجنود الإسرائيليين للقبض عليهم عن طريق فتح باب منزلي وإدخالهم إليه... لحمايتهم من الجنود الذين يتعقبونهم.. وفي إحدى المرات قام الجنود الإسرائيليين باعتقال أحد أقارب زوجي واقتادوه إلى معسكرهم فذهبت للاطمئنان عليه والوقوف على ما جرى له...وكنت أحمل على يدي طفلي الرضيع وعندما احتدم النقاش بيني وبين الجنود الإسرائيليين ووجهت لهم الشتائم قاموا بضربي ضربا مبرحا ومكثت على أثره شهرا كاملا طريحة الفراش في المستشفى.
* كيف كان شعورك عندما حرقت سيارتك وجزءا من بيتك من قذيفة دبابة إسرائيلية عند اجتياح الفوات الإسرائيلية مشروع بيت لاهيا لهدم بيت أحد جيرانك المتهم بانتمائه للمقاومة؟
-في الحقيقة لم أكن أتوقع ذلك أبدا وقد صدمت وذهلت من هذا الحدث.
*هل تستنكرين ما يقوم به الجيش الإسرائيلي من قتل وتدمير وتجريف الأراضي الفلسطينية واقتلاع الأشجار المثمرة ؟
-طبعا وبدون شك استنكر ذلك بشدة.. فهذا خراب ديار للجميع.. وقد تعرض بيتي وسيارتي وأرضي للحرق والتدمير والتجريف.. وقد كنت وما زلت أبكي على ما يتم من ممارسات همجية للجيش الإسرائيلي... كيف لا وأنا جزء من هذا الشعب وأم لأطفاله وشبابه.. فأنا سيدة فلسطينية كباقي الأمهات اللواتي يفقدن أبنائهن وبيوتهن وأرضهن.
* ما رأيك في العمليات الاستشهادية التي ينفذها المناضلين الفلسطينيين ؟
-هذا رد فعل طبيعي... وعنف يولد عنف وهو نتيجة طبيعية لما يقوم به الجيش الإسرائيلي من قتل وقصف واغتيال وتدمير.. وهذه العمليات لم تأتي من فراغ فلكل فعل رد فعل... وأتمنى من الله عز وجل أن يحل السلام ربوع هذه الأرض حتى نعيش في أمان وسلام واطمئنان.
*هل توصل أهلك للقناعة بحسن اختيارك لما تم في حياتك ؟ وهل علاقتك معهم جيدة وعلى ما يرام؟
-نعم وقد توصل للقناعة التامة بحسن اختياري وخاصة بعد أن اطمأنوا لوضعي العائلي وعلاقتي الطيبة بزوجي وأسرتي... وأنا على علاقة طيبة وعادية معهم.
*لقد أديت فريضة الحج.. وقمت بتأدية مناسكه.. فهل لمست ما كنت تتوقعينه وتتمنينه ؟ وكيف كان وقع ذلك عليك؟
-طبعا وجدت كل ما كنت أتوقعه وأتمناه.. ولقد كنت ومنذ مدة طويلة أتوق لزيارة الكعبة ومقام الرسول عليه السلام وتأدية فريضة الحج وكان ذلك حلما كم كنت أتمنى أن يتحقق، حتى شاء الله أن أنال زيارة النبي عليه الصلاة والسلام.. وقد غمرتني الهيبة وامتلأت نفسي وقلبي بالإيمان والخشوع وشعرت بالراحة النفسية.
وفي نهاية اللقاء ودعتني الحاجة أم محمد متمنية لي التوفيق والنجاح في عملي ومستقبلي..

التعليقات