فرسان مالطة .. آخر من تبقى من الحروب الصليبية ولها بعثات في 6 دول عربية

فرسان مالطة .. آخر من تبقى من الحروب الصليبية ولها بعثات في 6 دول عربية
غزة-دنيا الوطن

تبدو المعلومات عن فرسان مالطة متناقضة لأول وهلة لكن معظمها قد يكون صحيحا، فهي منظمة تقوم بدور دولة، وهي أيضا دولة تحمل ملامح منظمة أو حركة، ولذا يمكن اعتبارها دولة ومنظمة في الوقت نفسه، كما أن لها ثلاثة أعلام رسمية لكل علم استخدامه ودلالاته، ولها تمثيل دبلوماسي في 96 دولة في العالم ولكن لا أرض لها ولا سكان بها تستدعي كل هذا التمثيل الدبلوماسي فمحكوميها عبارة عن أعضاء ومتطوعين في أنشطة خيرية طبقا لما تعلنه دولة فرسان مالطة دائما. الحديث الدائر في الآونة الأخيرة حول فرسان مالطة تكتنفه الظنون والغموض فالظنون منبعها الاحاديث التي أثيرت حولها وخاصة عن دور مزعوم لها في العراق، الأمر الذي فتح باب الجدل أمام معلومات غامضة مثل علاقتها بأميركا وإسرائيل وما أثير عن أهدافها التبشيرية في العالم الإسلامي، وأما الغموض فسببه أن مصادر المعلومات عن تلك الدولة تقتصر تقريبا على كتب التاريخ من دون التطرق للنظام الداخلي لهذا الكيان صاحب السيادة وعلاقاته بدول العالم المختلفة حاليا وكيفية إدارته. تخضع دولة فرسان مالطة للقانون الدولي مثلها مثل الهيئات الدولية العادية، إلا أنها تزيد عنها بأنها تتمتع بسيادة، ومقرها في روما. هذا الكيان الذي بلا أرض على الخريطة رغم تعدد سفاراته على مستوى العالم يدار بواسطة 6 مسؤولين دينيين ويعاونهم 5 مساعدين بالإضافة إلى 47 جمعية وطنية موزعة على 5 قارات وتقوم بإصدار جوازات السفر وطباعة الطوابع التي تدر عليها دخلا تستخدمه في أنشطتها بالإضافة إلى تأسيس مؤسسات عامة مستقلة وتتمتع بالشخصية الاعتبارية ويحكمها رئيس يبقى مدى الحياة حتى وفاته وعملتها هي سكودو. يساعد الرئيس مجلس يتألف من أربعة من كبار الضباط بالإضافة إلى ستة أعضاء ينتخبون جميعا كل 5 سنوات، لكن الرئيس يظل صاحب السلطات الأوسع رغم الفصل بين السلطات والحرص على استقلال القضاء ويمنح لقب كاردينال من قبل الكنيسة الرومانية المقدسة. تتحكم المسيحية في مبادئ عمل جميع الهيئات التابعة لفرسان مالطة حيث ينص النظام الداخلي لـ«البلاد» على احترام المبادئ المسيحية في الأعمال الخيرية والإنسانية التي تقوم بها مكاتب وزراء الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل الإنساني. لدولة فرسان مالطة 3 أعلام فالأول عبارة عن أرضية مستطيلة حمراء وعليها رسم للصليب باللون البيض في المنتصف وهو العلم الرسمي واستخدم منذ عام 1130، بالإضافة إلى علمين آخرين أحدهما يخص الأعمال التي تقوم بها فرسان مالطة وبه شكل صليب ايضا ولكن برسم مختلف، والآخر عبارة عن علم ملكي مخصص للسيد الأكبر «الرئيس» ويرفع على قصره في روما أو في مقر إقامته أينما حل. علاقة فرسان مالطة بمصر أقدم بكثير من مجرد تمثيل دبلوماسي بدأ عام 1980 وفي سفارة تقع داخل مبنى قديم في شارع هدى شعراوي بوسط القاهرة، والمبنى عليه حراسة وليس كما ادعت تقارير أنهم يعملون في الظل ومن دون وجود أمني يحرسهم، صحيح عندما ذهبنا لتصوير السفارة وجدنا الحراسة نائمة وشبه غائبة على عكس معظم السفارات في هذه المنطقة إلا أنها موجودة مما جعل البعض يعتقد أنه تمثيل على الشعب وتستر وراء أنشطة أخرى وليس تمثيلا دبلوماسيا بالمعنى الصحيح وهو ما قد توحي به جملة حارس العقار التي توجد فيه السفارة «ملكش دعوة بهنا روح سفارة مالطا في المعادي». تقوم سفارة فرسان مالطا في مصر بعدة أنشطة خيرية آخرها تجديد مستشفى علاج مرضى الجذام في محافظة القليوبية، وجاء ذلك من خلال راهبات إيطاليات قمن بحلقة الوصل بين إدارة المستشفى وسفارة فرسان مالطا لتوفير التمويل اللازم وهو ما تم بالفعل، ويقول الدكتور أحمد رشاد مدير المستشفى لـ«الشرق الأوسط» لا يهمنا ما يثار حول التمويل ومصادره فنحن لنا الظاهر وليس الباطن، كما أن البعثات التبشيرية المزعومة لا أساس لها من الصحة بدليل أن معظم العاملين من المسلمين ـ عددهم 80 ـ وحتى المرضى، ولم نشهد واقعة تنصير واحدة أو تدخل في شؤوننا، وأضاف رشاد «هناك من نشر تقريرا عن المستشفى أصابنا بالصدمة وكرهتنا في الصحافة حيث كتب عن قصة حدثت مع المستشفى منذ 40 عاما».

وحول دور السفارة في تمويل المستشفى يقول رشاد «السفارة دورها التمويل وقد قامت بإنشاء محطة رفع مياه وشراء اتوبيس للعاملين، وقد طلبنا منهم 10 طلبات نفذوها كلها وهذا ما يهمنا»، واختتم حديثه داعيا من يكتبون عن فرسان مالطة بمراعاة الله في عملهم قائلا «بصراحة الناس دي مشفناش منها غير كل خير». أما مسؤولة مكتب السفير فقد رفضت التعليق على ما ينشر مؤكدة عدم وجود بيانات حالية للرد على ما أثير مؤخرا رافضة هذا الاسلوب ومتهمة من يثيرون هذه القصص بالتحريف. وقد لا يعلم البعض أن العلاقة بين مصر وفرسان مالطة عمرها قرون حيث أن أمر بناء أول كنيسة لهم في القدس جاء بموافقة حاكم مصر عام 1048 والتي ألحق بها مستشفى (هوسبيتال) القديس يوحنا 1080 قرب كنيسة القيامة لخدمة الحجاج المسيحيين وكان النواة الحقيقية لانتشارهم ومساعدة الاحتلال الصليبي في السيطرة على البلاد تحت اسم «الهوسبيتاليين». وفي عام 1113 وافق البابا باسكال الثاني بانضمام الفرسان تحت راية الكرسي البابوي ومنحهم صلاحيات عديدة ولم يكن يتدخل في سلطاتهم الدينية والعلمانية. تأتي موافقة البابا على رعاية فرسان مالطة بعد أن جهزوا أسطولا بحريا في شرق البحر الأبيض المتوسط ضمن الحروب الصليبية للدفاع ـ على حد قولهم ـ عن آخر معاقل المسيحية التي بدأت تتساقط في الدول الإسلامية وبذلك شنوا هجمات على مصر وسورية وحاولوا استرداد رودس، وبعد ستة اشهر من الحصار والقتال الشرس ضد الاسطول وجيش السلطان سليمان العظيم استسلم الفرسان في 1523 وظلوا بلا اقليم حتى عام 1530، الذي شهد نقلة تاريخية في حياة الفرسان حيث منحهم الملك شارل الخامس السيادة على جزيرة مالطة في 24 مارس بالإضافة إلى عدة جزر أخرى ومنها مناطق قريبة من مدينة طرابلس مما دعم اركان نظام الفرسان وتغير اسمه إلى النظام السيادي لفرسان مالطة واستطاعوا أن يدافعوا عن جزرهم عام 1570 عند حصار الاتراك لهم لمدة 3 أشهر إلى أن دمروا القوة البحرية العثمانية عام 1571، وفي عام 1798 ساء حال الفرسان حين غزا نابليون بونابرت مالطة وأجبرهم على مغادرة البلاد ورغم أن معاهدة 1802 أعادت لهم الحقوق السيادية في البلاد إلا أنه لم تكن بالسهولة العودة ثانية إلى مالطة ولذلك انتهى بهم المطاف بالحصول على مقر في روما عام 1834. عاد فرسان مالطة في القرن الـ 20 مرة أخرى إلى نشاطهم الأساسي والذي انتشروا من خلاله وهو المساعدات الإنسانية الممزوجة ببعثات تبشيرية على حد تأكيد بعض التقارير المنشورة من عدة مصادر، وذلك من خلال عمل ميداني بزغ أكثر خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. بعثات دولة فرسان مالطة في الدول العربية عددها 6 ولا توجد في مصر فقط كما ذكرت معظم التقارير التي نشرتها صحف ومواقع مصرية مستندة في ذلك إلى أقاويل حول ضغط إسرائيلي من أجل قبولهم على الأراضي المصرية، ولكن الحقيقة أن بعثة فرسان مالطة موجودة في المغرب وموريتانيا والسودان والأردن ولبنان، بينما ليس لها تمثيل دبلوماسي في إسرائيل والتي لا توجد ضمن قائمة سفاراتهم المعتمدة. وتقول المنظمة عبر موقعها على الإنترنت «فرسان مالطة محايدة وغير متحيزة وغير سياسية وهذه الخصائص تمكنها من القيام بدور الوسيط كلما طلبت منها الدول التدخل من اجل تسوية نزاعات» وتسمى السيادة التي تكتسبها فرسان مالطة سيادة وظيفية لأنها تفتقر لمقومات السيادة الحقيقية وذلك حسب ما أعلنته روما في 1953. منظمة فرسان مالطة اتخذت أسماء عديدة ويطلق عليها مسميات مختلفة منها الهوسبيتاليون وفرسان رودس ولكن اشهر أسمائها هو «فرسان مالطة» ورغم الجدل حول انشطتهم قديما وحديثا إلا أن المنظمة تحذر الأشخاص والدول من جهات تستغل اسمها وتطالب الجميع التأكد من هوية الجمعيات التي تسعى للحصول على تبرعات حتى يتم التأكد من أنها تابعة لفرسان مالطة.

التعليقات