تجارة السلاح علنية في سوق غزة للسيارات وبسطات مليئة بأنواع من السلاح والذخيرة

تجارة السلاح علنية في سوق غزة للسيارات وبسطات مليئة بأنواع من السلاح والذخيرة
غزة-دنيا الوطن

أصبح من غير المستغرب أن تجد في سوق غزة الدولي للسيارات تجارة جديدة يتدوالها الناس إلى جانب تجارة السيارات، وكأن من لا يعرف ذلك السوق الذي يقع على شارع صلاح الدين بغزة، يظن أنه بين حانات وبسطات مليئة بأنواع من السلاح والذخيرة، تدلل على أنه في سوق لتجارة الأسلحة، حيث الباعة والمشترين والمساومة والمفاصلة على الأسعار بشكل علني، دون محاسب أو رقيب.

وبينما كانت "الرسالة" تجري اللقاءات مع بعض تجار السلاح الموجودين في السوق وخارجه، وإذا بمراسلها الصحفي "فايز أيوب الشيخ"، يجد نفسه بين مجموعة مسلحة قالوا عن أنفسهم "حيتان تجارة السلاح"، قاموا بملاحقته وإختطافه، عندما حاول إلتقاط بعض الصور للمشهد العلني لتلك التجارة الجديدة، ليقودوه بعد ذلك إلى جهة مجهولة، حيث حاولوا مصادرة الكاميرا التي بحوزته، إلا أنه أقنعهم بأن جميع الصور لا يظهر فيها أيٍ من صورهم بعد أن كشف لهم عنها، فما كان منهم إلا أن تحولوا من حيتان إلى أناس عاديون يسردون رحلتهم في تجارة الأسلحة والأسباب التي دفعتهم إلى امتهانها في ظل تردي الأوضاع المعيشية لأسرهم بعد أن فقدوا مصادر رزقهم.

معنيون يشتكون

هذا الموقف وغيره مما رصدته "الرسالة"، يضعنا أمام مشكلة كبيرة بعيدة عنها وزارة الداخلية التي من المقرر أنها بدأت خطتها الأمنية الجديدة، والتي تحدث عنها جميع من أجرينا معهم المقابلات، سواء كانوا مواطنين أو تجارالسيارات والسلاح ، وكذلك أصحاب السوق أو حتى المتضررين من تلك المتاجرة العلنية للسلاح.

الكثير من تجار السيارات لم يجدوا مبرراً لهذه الظاهرة التي وصفوها قمة الفلتان الأمني والفوضى العلنية التي تضر بمصالحهم، لما مثلته من نزوح عدد كبير منهم عن الذهاب إلى السوق ومزاولة عملهم الذي إعتادوا عليه ويدر الدخل عليهم وعلى أسرهم، إضافة إلى الخطر الذي يمكن أن يطالهم نتيجة التجارب التي يجريها تجار السلاح ومشتريها داخل السوق من وقت لآخر عند عرضهم لأسلحتهم المختلفة.

التاجر أحمد بعلوشة"أبو حازم"، عبر سخطه لما آل إليه الحال في سوق السيارات من جهة، ولصمت وزارة الداخلية من جهة أخرى، لافتاً أن نسبة الإقبال من التجار والمشترين قلت بشكل ملحوظ، خوفاً على حياتهم جراء الرصاصات الطائشة وشظايا القنابل التي يتم تجربتها داخل السوق.



وحمل بعلوشة إلى جانب وزارة الداخلية المالكين للسوق المسئولية عن تفشي ظاهرة تجارة السلاح داخل السوق، مؤكداً أنهم ملزمين بمنع تجار السلاح من دخول السوق أو البيع والشراء داخله وخارجه.

أما المواطن محمد زقوت والذي يأتي عادة لسوق السيارات من أجل تحصيل ما يمكن تحصيله من رزق متواضع يعينه على إعالة أسرته، أكد أنه شاهد بأم عينه حادثة بتر أصابع أيدي أحد المواطنين أثناء تجربتة قنبلة صوتية إشتراها من تجار السلاح بالسوق، منوهاً أن ذلك يعد جزء بسيط من جملة الحوادث الكثيرة التي خلفها الإتجار بالسلاح والعبث فيه، وأودت بحياة الكثير من الناس الأبرياء.

واعتبر أن الصمت عن تلك الظاهرة الخطيرة ليس له معنى سوى المزيد من الضحايا والعاهات المستديمة، داعياً وزير الداخلية إلى التدخل بشكل شخصي لمنع ما أسماه الاستخفاف بأرواح الناس.

الإدارة: "ما باليد حيلة"

وعن المسئولية والمحاسبة لاستشراء تلك الظاهرة داخل أسوار سوق السيارات، كان لزاماً علينا التعرف على موقف أصحاب السوق وإدارته، حيث أكد أحمد سليم البرعصي صاحب سوق السيارات البالغ مساحته خمسة دونمات، أنه توجه إلى وزارة الداخلية بعدة شكاوي تطالبهم فيها بتخليصهم من هؤلاء التجار الذي أقحموا السوق بتجارة السلاح بشكل كبير، غير أنه أكد أن مطالباته المتكررة باءت جميعها بالفشل، الأمر الذي دفعه إلى استخدام القوة في مرات عديدة، ولكنه لاينكر بأنه لم يستطع أن يمنع ذلك سوى بإخلاء تجار السلاح من داخل السوق لتتمركز تجارتهم بعد ذلك على باب السوق، وهذا ما لايستطيع منعه، على حد تعبيره.

واعتبر أن تحميله الجزء الكبير من المسئولية ليس منطقياً، لأن ذلك يعد ضمن حالة الفوضى والفلتان العامة التي تسود الشارع الفلسطيني التي لم يتم ضبطها من الأجهزة الأمنية المخولة بذلك، مشيراً إلى أن مايثير حفيظته ويضاعفها، الشكاوي الكثيرة التي تنهال عليه من جيران السوق من المواطنين وأصحاب المصانع القريبين من السوق.

وفي هذا الإطار أشار جهاد بوزو أحد أعضاء إدارة السوق، أن عراك بالأيدي عادة ما يحدث بينهم وبين بعض تجارالسلاح الذين يرفضون الانصياع للتعليمات الواضحة بمنع تجارة السلاح داخل السوق، مضيفاً أنهم ما عادوا يحتملوا تلك الاحتكاكات التي يمكن أن تطور من مشاكل كبيرة هم في غنى عنها .

وأضاف بأنهم عينوا أربعة عمال إضافيين للقيام بمهمة حراسة السوق ومنع دخول التجار إلى داخله، غير أنه لفت إلى أن جيران السوق لم يقدروا ذلك وحاولوا لمرات عديدة إغلاق السوق تعبيراً منهم عن غضبهم للإيذاء الذي يتعرضون له من جراء تجربة السلاح بالقرب من مصالحهم وأعمالهم.

خطر على جيران السوق

هذا التذمر الكبير الذي يحدثه هؤلاء التجار لجيران السوق، دفعنا لزيارتهم للإطلاع على حجم الأضرار والتخوفات التي يعانون منها، فقد أكد لنا هاني حسان صاحب مصنع "بلوك شملخ وحسان"، أن الرصاص الطائش والمصوب أحياناً لتجربة القنص في الأسلحة التي تباع داخل السوق، تخترق جدران المعمل وتشكل خطراً على حياته وحياة العمال الذي يعملون داخله، مؤكداً أنه قام بنفسه الأسبوع الماضي بإغلاق باب سوق السيارات بالجنازير، إحتجاجاً منه على ما يحدث فيه من تجاوزات تضر بمصلحته،ولكن دون جدوى.

وبينما كان يطلعنا حسان على حجم الضرر الذي لحق بمعمله، التقينا بأحد العمال ويدعى معين سبيتة، حيث أكد بأنه نجا الأسبوع الماضي من حالة موت محقق أثناء عمله، عندما جاءته رصاصة طائشة كادت تصيبه لولا رعاية الله وحفظه، موضحاً أنه عادةً ما يكون عرضه للإصابة جراء إطلاق النار المباشر وشظايا القنابل التي تنبعث من داخل سوق السيارات.

وكان من ضمن المتذمرين من ذلك الوضع المأساوي، أصحاب "مسكبة حديد العشي"، الذين أطلعونا على الأضرار التي لحقت بمنشأتهم، فقد قال إيهاب محمد العشي، "لا نجد من يصغي إلى شكوانا وبلوانا من هذا الفلتان الذي يلازمنا و يجاورنا"، مؤكداً "أن معظم الرصاص الكثيف الذي يطلق في اليوم الواحد، لا يجد ما يلتطم به سوى مصنعنا، مما يهدد حياتنا وحياة عمالنا"، على حد تعبيره.

ودعا كل الغيورين على مصلحة شعبنا التدخل لوقف ظاهرة الإتجار بالسلاح بشكل علني، معتبراً أن ذلك يعتبر مقدمة لنشوء حالات جديدة من الفتان الأمني والفوضى المستشرية في قطاع غزة، ولاسيما أن الوضع الأمني لا يحتمل المزيد من التصعيد.

مبررات ودفاع

ورغم ما واجهته "الرسالة"من عناء في الحديث مع تجار السلاح محدودي الدخل في سوق غزة الدولي للسيارات، إلا أن البعض منهم عبر عن مبرراته وغيرهم من أكد بأن ذلك يأتي ضمن الفوضى والفلتان المعهودة في قطاع غزة، حيث قال أحدهم أنه يعيل أسرة مكونة من عشرون فرداً ولا يجد ما يعيلهم سوى كسب القليل من الربح عند شرائه للرصاص وبيعه بعد ذلك بسعر آخر، لافتاً أن تجارة السلاح والذخيرة لم تعد بالمهنة الصعبة نظراً لإنخفاض أسعارها في الآونة الأخيرة، بسبب كثرتها.

وغيره من أشار إلى أنه يستكفي بالربح القليل حتى يوفر يوميته بدلاً من الذل في العمل الشاق عند العرب، على حد تعبيره، منوهاً أنه عاطل عن العمل منذ خمسة أعوام ولم يترك باباً للرزق داخل قطاع غزة إلا وطرقه ولكن دون توفيق أو عائد يعيل أسرته بالشكل المطلوب.

وآخر من جملة المتحدثين أكد بأنه لا يجد في قطاع غزة عملاً يناسبه، بعدما ترك عمله داخل الكيان الصهيوني، مما أضطره للإتجار في السلاح، وقال"جميعنا هنا لسنا من تجار السلاح الكبار، ونكتفي بقوت يومنا، إلا أن التجار الكبار يجوبون الدنيا طول بعرض في نهب الأموال الطائلة من بيعهم للسلاح والذخيرة بكميات كبيرة للعائلات والتنظيمات الفلسطينية".

وأضاف"لا نملك سوى مواصلة تلك المهنة، رغم أننا لا نرضى عنها، في الوقت الذي نقدر فيه حجم الضرر الذي يعاني منه المواطنون ويشتكي منه تجار السيارات الذين يأتون إلى السوق ،ولكن ....!!"، صمته عبر عن قوله.

مستويات عليا

وبالعودة إلى ما تعرضنا إليه من عواقب القيام بمثل هذا التحقيق، بقي أن نسرد القول لأحد تجار السلاح الكبار"الحوت"، حيث أكد لـ"الرسالة"، أنه يعتمد في مصادره لجلب السلاح على تجار يعملون على مستوى أكبر منه يعملون في مراكز متقدمة في السلطة، لم يكشف عن مركزهم ومصدرهم سوى وصفهم بـ"المافيا"، فيقوم بشراء كميات كبيرة منهم، ومن ثم يعمل على تسويقه بالجملة على بعض التجار الصغار، حسب ما تقتضيه الحاجة، مشيراً أنه يعمل بشكل سري للغاية ولا يمكن أن يجر نفسه إلى المساءلة، رغم أنه يعرف أن عمله غير قانوني.

وأعتبر أن تسليط الضوء والإعلام على تلك الظاهرة لن يغير من الواقع في شئ، طالما أن الوضع الأمني في قطاع غزة غير مستقر وهادئ، مع الإشارة إلى أنه طلب منا مشاهدة الصور التي سنعرضها في صحيفتنا من خلال التحقيق، وبعد عناء طويل وافق على إعطاءنا الكاميرا.

وحول سؤالنا عن ارتباطه بتجارات أخرى مشبوهة كالمخدرات، أكد أنه لا يعمل في ذلك الصنف بالمطلق، ولكنه لم ينكر أن معظم تجار السلاح الكبار"الحيتان" ليسوا بمعزل أن تكون إلى جانب مهنتهم بالسلاح الإتجار بالمخدرات، لإعتقاده بأن تجارة السلاح عادة ما تكون مقرونة بتجارة المخدرات، لما تدر عليهم من دخل كبير مرتبطة ببعضها البعض.

وبما يتعلق بموقف وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية ، أكد لنا مصدر أمني رفض الإفصاح عن أسمه أن هذا الموضوع شائك للغاية، ولايمكن التعامل معه بالقوة لأن ذلك يمكن أن يودي بحياة عدد من المواطنين الموجودين في السوق، ولكنه شدد على أن الخطة الأمنية المزمع تنفيذها من قبل وزارة الداخلية تضع على أجندتها ظاهرة الحد من تنامي الأسلحة والمتاجرة بها.

واكتفى بالقول"أن من يظنون أنفسهم أعلى من القانون، ويتاجرون بالسلاح شكل علني في سوق غزة الدولي، سوف يلاحقون آجلاً أم عاجلاً، وسيتم تقديمهم للعدالة مالم يرتدعوا عن أفعالهم "، رافضاً الإفصاح عن الخطوات التي يمكن إتباعها في هذا الموضوع.

ونحن بدورنا في صحيفة "الرسالة"نوجه رسالتنا إلى الدرجات العليا في مؤسستي الرئاسة والحكومة الفلسطينية قبل الدرجات الدنيا، أن الحال في سوق غزة الدولي للسيارات أكبر من أن نوصفه من خلال تحقيق صحفي، بقدر ما أنه مأساة كبيرة، حملنا الجميع المسئولية بإيصالها صوتهم لكم، حتى تقوموا بواجبكم إزاء القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة.

التعليقات