كيف يقرر جواسيس اسرائيل اتجاهات السياسة الامريكية ؟ بقلم:دكتور سمير محمود

كيف يقرر جواسيس اسرائيل اتجاهات السياسة الامريكية ؟


سمير محمود قديح

باحث فى الشؤون الامنية

عندما انفضحت قضية الجاسوس الإسرائيلى فى البنتاغون الأمريكى لورنس فرانكلين فى مايو-أيار من العام الماضي، أثيرت العديد من الأسئلة حول حقيقة الأسباب التى وقفت خلف اكتشافه وتفجير قضيته.

الفضيحة، وان تبدو انها دفنت الآن، الا ان عواقبها ما تزال حية، بل ان التقصي، عبر مصادر متعددة وعمليات بحث مكثفة، قادنا الى التوصل الى معلومات هامة تكشف وللمرة الأولى التفاصيل الكاملة للفضيحة.

لم تكن قضية الجاسوس فرانكلين جديدة.. بل كان الجديد هو فى الإعلان عنها، وكذا طريقة الإعلان عنها.. فقد كانت أول إشارة بأن مسؤولا كبيرا فى البنتاغون يعمل جاسوسا لإسرائيل قد صدرت منذ نحو ثمانية أشهر، حيث استطاعت المخابرات الأمريكية -سي. آي. إيه- أن تلتقط إشارات مشفرة وغير مفهومة صادرة من البنتاغون الى احدى دول الشرق الأوسط، وقد تم فى حينها إبلاغ مدير الاستخبارات الأمريكية السابق جورج تينيت بهذه المعلومات.. إلا أن تينيت لم يعط اهتماما بالأمر فى البداية، غير أن الإشارات راحت تتكرر أسبوعيا والتقطتها الأقمار الصناعية الأمريكية التجسسية.

وفى ذات الوقت تمكن أحد المراكز التابعة الـ"سى آى إيه" فى ولاية فلوريدا من رصد حركة قوية لهذه الإشارات، وأصدر أول مذكرة له تشير الى أن تلك الاشارات فى طريقها الى "إسرائيل" وأن هذه الإشارات تصدر من ذبذبات منخفضة جدا من أحد أجهزة الكمبيوتر داخل البنتاغون.

ويشار هنا بحسب التقارير التى تتابع نشاط البنتاغون الى أن النظام الالكترونى داخل البنتاغون يحمل شفرات سرية لا يطلع عليها أو يعرفها إلا كبار القادة العسكريين أو المدنيين أو المعنيين بالاتصالات الالكترونية، ولذلك يبدو من الصعوبة بمكان اكتشاف جاسوس فى داخل البنتاغون، لأن الـ"سى آى إيه" لا تملك شفرات البنتاغون.. إضافة الى أن مخابرات البنتاغون لديها نظام تأمينى كامل يضمن عدم قدرة أى من الأجهزة الأمريكية الأخرى على أن تعلم بالشفرات السرية للبنتاغون، أو محتوى الرسائل والاتصالات منه الى الخارج.. كما يتم استقبال المراسلات القادمة من الخارج على نظام تأمينى آخر للشفرات.

وهنا.. فإن ما لفت نظر الـ"سى آى إيه"هو أن هناك إشارات متكررة، وأن هذه الاشارات تعمل على نظام خاص، وأن هذا النظام يختلف عن نظام شفرات البنتاغون، وكان أول ما تصوره جورج تينيت هو أن البنتاغون توصل الى طريقة جديدة للشفرات، وهو ما أشار إليه فى لقاء جمعه مع وزير الدفاع الأمريكى دونالد رامسفيلد فى البيت الأبيض، ملمحا الى أن مراسلات البنتاغون الجديدة بطيئة، وأن النظام القديم أسرع وأفضل، إلا أن رامسفيلد لم يعرف عن أى شيء يتحدث تينيت والذى واصل حديثه عن التقاط اجهزة الـ"سى آى إيه" للاشارات الجديدة من البنتاغون.. فما كان من رامسفيلد إلا أن فاجأه بأن نظام الشفرات الخاص بالبنتاغون لم يتغير، ثم راح يجرى اتصالا بأحد كبار مساعديه للتأكد من حقيقة ذلك.. وهنا راح رامسفيلد يداعب تينيت قائلا له: "يبدو أن أجهزة ال"سى آى إيه" بدأت تتهالك ولا تساير روح العصر".

تينيت يطلب التأكد

عندما عاد جورج تينيت الى مكتبه طلب التأكد من اشارات البنتاغون.. وسرعان ما جاءه الرد بأن الإشارات الجديدة تختلف عن الاشارات المعتادة للبنتاغون، وأن الاشارات الجديدة تعمل على أحد النظم الاحتياطية للبنتاغون، وأن الأنظمة الاحتياطية لا يعرفها إلا أحد كبار قيادات البنتاغون، وأن لديه القدرة على الدخول على كل الأنظمة الاحتياطية ويختار من بينها ما يلائمه.

تم تحديد الهدف بأن هذه الإشارات تأخذ طريقها الى إسرائيل، ولكن الصعوبة تمثلت فى كيفية الوصول الى من يصدر هذه الإشارات من داخل البنتاغون، هذا إضافة الى أن مخابرات البنتاغون لديها حساسية خاصة فى التعامل مع الـ"سى آى إيه" وأنهم محترفون فى الحصول على المعلومات الصحيحة.

كان جورج تينيت يعقد العديد من اللقاءات مع المسؤولين الإسرائيليين، وكان يريد أن يتعرف منهم على أية معلومات تفيده فى الكشف عن خفايا تلك العلاقة، ثم قرر أن يبلغ الرئيس بوش بالأمر قائلا له: إن هناك جاسوسا لإسرائيل فى داخل البنتاغون.. فما كان من الرئيس بوش إلا أن طلب من تينيت أن يعمل على كشفه، ولكنه ألمح إليه أن البنتاغون لن يساعده فى ذلك، خاصة أن بعض قياداته تتمتع بعلاقات جيدة مع إسرائيل، ولن يقبلوا المساس بها بناء على شبهات غير مؤكدة.

وفى أحد اللقاءات التى جمعته مع رئيس الوزراء الاسرائيلى أرييل شارون وفى حضور تينيت نقل إليه بوش هذه المعلومات قائلا له: ان تينيت أبلغنى بأن هناك جاسوسا لكم فى البنتاغون، وأنه يرسل إليكم معلومات خطيرة.. وهو ما قابله شارون بالضحك، وراح يوجه كلامه الى تينيت قائلا له: وما الذى يجعلنا نتجسس عليكم، والتعاون المعلوماتى بيننا فى أفضل حالاته؟! فنحن نحصل على كل ما نريده من خلال اتفاقات رسمية، ونحن نمدكم بمعلومات مهمة، سواء فى إطار اتفاقات رسمية أو غير رسمية.

هنا تأكد جورج تينيت أن بوش أخذ الأمر على أنه بمثابة "دعابة".. غير أنه راح يتابع هذه القضية بتطوراتها المختلفة، وتقارير مركز فلوريدا التى بدأت تؤكد الفضيحة أكثر وأكثر.. وهو ما دفعه لأن يبلغ عددا من المسؤولين الاسرائيليين خلال أحد لقاءاته "بضرورة وقف جاسوس البنتاغون من أجل تعاون أفضل"، غير أن المسؤولين فى جهاز الموساد الإسرائيلى نفوا هذه الاتهامات، وطلبوا من تينيت أن يقدم دليلا واضحا حول وجود جاسوس لإسرائيل فى البنتاغون، وأن يقدم معلومات تتم البرهنة عليها فى هذا الصدد.

والحقيقة، فان الحصول على "المعلومات" لم يكن هو الهدف الحقيقى من وجود جواسيس لاسرائيل فى البنتاغون. العكس هو الصحيح. اى ان وظيفة جواسيس اسرائيل الرئيسية هى "تقديم" المعلومات، من اجل ان تكون أداة لصناعة وتوجيه القرار الامريكي.

المهم أن تينيت، وقبل أن يترك منصبه طلب من معاونيه أن يقدموا له معلومات كافية عن كبار العاملين فى البنتاغون من أجل أن يتم رصدهم بعيدا عن تدخل البنتاغون الذى أبدى غضبه من تينيت.. خاصة أن دونالد رامسفيلد وزير الدفاع أبلغ تينيت بأن مخابرات البنتاغون قدمت له تقريرا حول سلامة النظام الالكتروني، وأنهم ليست لديهم أية شكوك فى أى من العاملين فى البنتاغون، وأن ما تفعله ال"سى آى إيه" إنما يسيء للنظام الأمنى داخل البنتاغون.

الطريق الى الجاسوس

انطلق رجال الـ"سى آى إيه" يجمعون المعلومات حول كبار العاملين فى البنتاغون، واستطاعوا الحصول على معلومات موثقة والكترونية عن 75 من الشخصيات المهمة والمؤثرة داخل دوائر البنتاغون، وكان من بينهم لورانس فرانكلين الذى جاء سجل معلوماته ليزيح الستار عن حقيقة الجاسوس الإسرائيلى القابع فى قمة البنتاغون.

لقد كشف سجل الجاسوس لورانس فرانكلين عن أنه من أكثر المترددين على إسرائيل من العاملين بالبنتاغون، وأن مهامه الرسمية قليلة، ولكنه يقضى معظم إجازاته فى إسرائيل، وأنه عمل لفترة طويلة فى السفارة الأمريكية بإسرائيل، وفى العديد من الأجهزة المشتركة للتعاون بين الجانبين، كما عمل داخل إسرائيل الخبير الأول للشئون الخارجية، ثم انتقل للعمل كخبير ممتاز فى الشئون العسكرية، ويعتبر مسؤولا عن انجاز الكثير من اتفاقات التسليح الأمريكية الإسرائيلية.. وأن القادة الإسرائيليين يثقون فيه كثيرا، وهو مسؤول عن ملف العراق وإيران فى البنتاغون، كما أنه عضو رئيسى فى لجنة التنسيق الأمريكية الإسرائيلية الاستخبارية التابعة للبنتاغون وذلك بناء على طلب إسرائيلى فى هذا الشأن.

والمعلومات التى كانت أكثر حسماً فى الكشف عن جاسوسية فرانكلين هى أنه يحمل جنسية إسرائيلية، وخدم كضابط ممتاز فى سلاح الجو الإسرائيلى ولفترة قصيرة فى الموساد قبل أن ينتقل للعمل فى أمريكا.

كانت هذه المعلومة حاسمة الى حد كبير فى تضييق النطاق حول المشتبه بهم.. وبالفعل انتهت لجنة التحقيق والمعلومات التابعة للـ"سى آى إيه" الى حصر خمسة فقط من كبار العاملين فى البنتاغون وإخضاعهم للرقابة السرية، فيما كانت المؤشرات الأولية تقطع بأن فرانكلين هو بطل فضيحة التجسس.

أحس الموساد الإسرائيلى بأن هناك حركة غير عادية ضد فرانكلين فى السى آى إيه.. وعلى الرغم من ثقة الموساد بأنه لا يستطيع أن يقتحم مخابرات البنتاغون ، إلا أنه طلب من فرانكلين أن يتوقف عن إرسال المعلومات عبر الذبذبات الالكترونية، وأن تكون هناك وسيلة أخري.

لقد كشفت المعلومات أن السفير الإسرائيلى فى واشنطن لعب دورا مهما فى فضيحة التجسس، حيث كان يبلغ فرانكلين من خلال نظام شفرة سرية بالعديد من الطلبات الإسرائيلية حول المعلومات الضرورية والمطلوبة فى داخل إسرائيل.. وقد تكشف أن الشفرة التى كانت بين فرانكلين والسفير الإسرائيلى كانت من خلال الكمبيوتر الخاص فى بيت الجاسوس الذى خضع للمراقبة أيضا.

لم يكن السفير الإسرائيلى فى واشنطن يستخدم الاتصال المباشر أو من خلال هذه الشفرة خشية تعرضه للرقابة الأمنية، ولكنه كان يكلف سكرتيره الخاص بإجراء الاتصالات عبر الشفرة، فيما اكتفى هو بإجراء لقاءات متباعدة مع فرانكلين الذى كان يفضل التعامل مع جماعات اللوبى الصهيونى "إيباك" باعتبارهم الأكثر تأثيرا ونفوذا على أعضاء الكونغرس الأمريكي، إضافة لعلاقاتهم المتميزة بعدد كبير من مسؤولى الإدارة الأمريكية.

الإيباك والضربة القاتلة

كان من الأسباب التى دفعت فرانكلين الى توثيق علاقته بالإيباك هو طلب المخابرات الإسرائيلية لذلك، وحثها له بأن يقدم لعناصر الإيباك مجموعة من المعلومات السرية لدفع أكبر عدد ممكن من مسؤولى الإدارة الأمريكية لتوجيه ضربة عسكرية لإيران خلال الفترة المقبلة.

كانت مهمة فرانكلين تقضى بتقديم معلومات للإيباك بأن إيران هى العدو والخطر الأول على أمريكا فى العالم بعد سقوط نظام صدام حسين، وأنه لا يمكن القبول بأى مساومة فى ضرورة توجيه ضربة عسكرية لها.. وكانت مهمة الإيباك هى اقناع الكونغرس الأمريكى بتبنى وجهة النظر تلك.

لقد سرب فرانكلين الى الإيباك معلومات أمريكية سرية عن إيران تتعلق بتقارير داخل البنتاغون تم رفعها الى الرئيس بوش تنتقد كل القرارات الأمريكية التى تم اتخاذها الآن ضد إيران، وأن هذه القرارات لم تؤد الى ردع إيران، ولكنها أدت بدلا من ذلك الى زيادة التطرف الإيراني.

وتضمنت قائمة الملفات التى سربها الجاسوس: معلومات مصورة عن الأسلحة النووية الإيرانية معلومات موثقة عن رسائل متبادلة بين قيادات القاعدة وعدد من رموز النظام الإيراني، ومعلومات عن اتصالات هاتفية بعدد من قيادات القاعدة فى إيران، ومعلومات عن تطور التسليح النووى فى إيران، وخطط إيران القادمة لمهاجمة إسرائيل، ومعلومات عن أن إيران تحاول بناء خطة كبرى للقيام بأية عملية إرهابية فى داخل الأراضى الأمريكية، وأنهم يريدون تنفيذ هذه العملية فى غضون وقت قصير، ومعلومات عن العلاقات المصرية الإيرانية ومدى تطورها وأثر ذلك على أمن إسرائيل.

وفى هذا الصدد تشير التقارير الى أن المعلومات التى قدمها فرانكلين عن العلاقات المصرية الإيرانية تعبر عن تقرير سرى للغاية تم رفعه الى بوش فى أوائل العام الحالي، حيث طلب التقرير من بوش التدخل لدى القيادة المصرية والضغط عليها بكل قوة من أجل وقف أى تطوير للعلاقات مع إيران.

وأشار التقرير الى أن السعودية لم تستجب للنصائح الأمريكية فى هذا الصدد، وأن إيران تحاول بناء نموذج تحالفى فى المنطقة مع كل من مصر والسعودية، وأن هذا النموذج التحالفى سيكون موجها ضد المصالح الأمريكية والإسرائيلية فى المنطقة.

وأشار التقرير الى أن السياسات المصرية فى حاجة الى إعادة نظر، لأنها أصبحت تمس جزءا من المصالح الأمريكية المستقرة فى هذه المنطقة.

وبالإضافة الى ما سبق سرب الجاسوس تقريرا يؤكد قيام أمريكا وإسرائيل بالتخطيط والإعداد لضرب مفاعلات إيران النووية، إلا أنه لم يكن قد تم الاتفاق على خطوات التنفيذ.

هذه الوثائق التى تم تسليمها لمسؤولين هامين فى الإيباك تم بالفعل نقلها الى إسرائيل، فيما تحركت عناصر الإيباك لدى دوائر الكونغرس لتحريضها ضد إيران.. ولدى وقوع إحدى تلك الوثائق فى يد أحد أعضاء الكونغرس، وبعد تأكده من صدورها عن البنتاغون ارسلها الى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد متسائلا عن كيفية تسريب مثل هذه الوثيقة الخطيرة الى أحد عناصر الإيباك، خاصة أن الوثيقة لم يصادق عليها البيت الأبيض بعد، ووجه العضو اتهاما لرامسفيلد بالفشل فى حماية أسرار ووثائق البنتاغون.

هكذا راح البنتاغون يجرى تحقيقات داخلية توافقت فى نهاية الأمر مع تقارير الـ"سي. آي. إيه" التى كشفت عن الجاسوس الإسرائيلي.. وقد أراد البنتاغون أن يحتفظ بهذه القضية ويتعامل معها، إلا أن الرئيس بوش قرر أن تتولى المباحث الفيدرالية أمر هذا الملف.. فيما راحت التحقيقات الجارية تكشف عن المزيد من الشخصيات المتورطة فى الفضيحة.. وفى مقدمة من أشارت إليهم التحقيقات دبلوماسيون يعملون فى السفارة الإسرائيلية بواشنطن، ومسؤول بالخارجية الأمريكية، واثنان من القيادات المتوسطة فى البنتاغون، إضافة الى شخصيات أمريكية أخري، مما يعنى وفق المعلومات أن المسألة قد تكون متعلقة بشبكة إسرائيلية كبرى فى داخل الأجهزة الأمريكية.. الأمر الذى دفع بإسرائيل لممارسة ضغوط متعددة لاغلاق ملف القضية، فيما وجد الرئيس الأمريكى بوش نفسه فى موقف حرج، حيث إن استمرار تكشف الفضيحة قد يفقده أصوات اليهود فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، والذين يؤثرون بقوة فى نتائج الانتخابات.. خاصة فى ظل المنافسة الساخنة بين بوش ومنافسه الديمقراطى جون كيرى للوصول الى البيت الأبيض.

أول تداعيات الفضيحة

لقد دفعت قضية الجاسوس الإسرائيلى فى البنتاغون الإدارة الأمريكية الى إرجاء اتفاق التعاون الجديد بين المخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلى وهو اتفاق للتعاون كان يتم التحضير له منذ أكثر من عام ويتيح تبادل المعلومات بحرية عن دول معينة فى الشرق الأوسط ومنها مصر والسعودية وسوريا والأردن وإيران.

وبمقتضى هذا الاتفاق كانت إسرائيل ستحصل على صفقة هامة، وهى أن حوالى 80% من المعلومات الأمريكية السرية فى هذه الدول كانت ستحصل عليها إسرائيل بدون عناء التفكير فى نشر جواسيس فى هذه الدول.

وقد استغرق التحضير لهذا الاتفاق وقتا طويلا لأن حجم المعلومات التى كانت محددة بنقل الوثائق الأمريكية الى إسرائيل لم يكن يتعدى فى البداية نسبة 40% من حجم المعلومات الأمريكية، ثم زادت الى نسبة 60% وكانت آخر مرحلة للتفاوض قد وصلت الى 80%، واحتفظت أمريكا بحقها فى 20% من المعلومات.

وبحسب المعلومات فإن هناك إجراءات أخرى ينتظر اتخاذها وتتعلق باتفاق آخر للتعاون بين البنتاغون والمخابرات العسكرية الإسرائيلية حول الأوضاع فى العراق، وأن هذا الاتفاق هو الذى أتاح لوحدات الكوماندوز الأمريكية أن تتدرب فى داخل إسرائيل، وأن يتم تعيين فرق استخبارية إسرائيلية كبيرة العدد تعمل فى الأراضى العراقية بحجة متابعة التدخل الإيرانى فى العراق، ومعرفة الرءوس القيادية لعمليات المقاومة العراقية.

لقد جاءت هذه القضية لتفجر خلافا كان قد بدأ فى أواخر عهد جورج تينيت مدير ال"سي. آي. إيه" السابق الذى رفض تمرير أو الموافقة على عدة اتفاقيات للتعاون المعلوماتى مع إسرائيل، وقلص عددا آخر من هذه الاتفاقيات، حيث كان يصر على ألا تحصل إسرائيل على أكثر من 50% من حجم المعلومات الأمريكية عن الأوضاع فى الشرق الأوسط.

ويتردد فى هذا المجال أن الإيباك قامت بدور مهم فى توريط تينيت عبر تقديم معلومات خاطئة عن الأوضاع فى العراق الى الـ"سي. آي. إيه" وذلك عبر إمدادها بخرائط مزيفة عن أوضاع وأماكن أسلحة الدمار الشامل فى العراق، بل إن بوش كان يضغط على تينيت من أجل الحصول على هذه المعلومات، حتى أنه سلم تينيت الخرائط والتقارير المزيفة التى قدمتها الإيباك، واعتمدها تينيت فى وثائقه، الأمر الذى جعله بعد ذلك يدفع ثمن هذه المخاطرة فى التضحية بمنصبه.

ووفق المعلومات فإنه من بين 870 وثيقة للمخابرات الأمريكية حول أسلحة الدمار الشامل العراقية وأماكن وجودها، وكذلك تطوير صدام لها، واتصالات صدام السرية للحصول على المزيد من هذه الأسلحة، وهى الوثائق التى كانت المبرر الرئيسى للحرب على العراق. فإن نحو 810 وثائق من هذه الوثائق تم الحصول عليها من إسرائيل وإيباك ورجال الموساد.. أى أن 60 وثيقة فقط تعد أمريكية، بل وتشير المعلومات الى أن الـ60 وثيقة تلك تعد فى النهاية بمثابة تحليل للوثائق الإسرائيلية.

لقد ثبت بعد شن الحرب على العراق أن كافة الوثائق والخرائط الإسرائيلية كانت مزيفة، وأن تينيت الذى دفع ثمن تقاريره المغلوطة عن أسلحة الدمار الشامل التى قادت الى الحرب الظالمة على العراق، ها هو ينتقم اليوم وعبر بعض رجاله القابعين فى الـ"سي. آي. إيه" ممن ورطهم فى فضيحة العصر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* دكتور سمير محمود قديح باحث فى الشؤون الامنية والاستراتيجية.

التعليقات