مراسل الجزيرة عباس ناصر: تلقينا تهديدا من عملاء اسرائيل في لبنان

مراسل الجزيرة عباس ناصر: تلقينا تهديدا من عملاء اسرائيل في لبنان
غزة-دنيا الوطن

كان الزميل عباس ناصر واحداً من الإعلاميين الذين ينتظرهم المشاهد بين نشرة أخبار وأخري لمتابعة مجريات الأمور العسكرية وغيرها في منطقة تواجده في صور. فقناة الجزيرة التي تميزت في التعامل مع العدوان علي لبنان بمهنية كبيرة وإهتمام أكبر حصدت النسبة الأكبر من المشاهدين لإحاطتها بمجريات الحدث من كل جوانبه ولتسميتها الأمور بأسمائها دون مواربة أو تهرب.

فريق الجزيرة كاملاً وعباس ناصر احدهم شكلا هذه المصداقية في نقل الحدث دون أن نغفل التعاطف مع الشعب اللبناني الذي تعرض لإعتداء لم يسبق له مثيل علي صعيد الهمجية. في هذا الحوار مع عباس ناصر عدنا إلي يومياته وذكرياته عن هذه الحرب المدمرة:

هل يعتبر العدوان علي لبنان تجربتك الأولي في التعامل الإعلامي مع الحروب؟

إنها التجربة الأولي مع حرب بهذا الإتساع الجغرافي وهذه القسوة إضافة لكونها دموية النتائج علي صعيد الضحايا. لقد سبق وتعاملت إعلامياً مع كافة الحروب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل خاصة عندما كنت مراسلاً لتلفزيون المنار.

في بداية العدوان كنت علي مشارف الضاحية الجنوبية ومن ثم إنتقلت إلي عمق الجنوب فهل من فرق بين المكانين؟

في الضاحية كنا بمواجهة قصف تدميري سواء لمقرات حزب الله أو مباني المدنيين. شاهدنا هذا التدمير من بعيد وأصبح بالنسبة لنا روتينيا. في الجنوب الوضع مختلف فالرقعة الجغرافية للإعتداءات كانت أوسع، كما أننا يومياً كنا بمواجهة مجازر بحق المدنيين، إضافة إلي المواجهات مع حزب الله. ولا أنسي النازحين الذين كنا نلتقيهم بحالة مأساوية جداً حيث كان الأطفال يسألوننا عن الخبز. في الجنوب المشهد متنوع وحجم المآسي فيه أكبر.

هل كانت لك في الجنوب إقامة في مكان ثابت؟

إقامة الإعلاميين كانت في إستراحة صور حيث بإمكاننا التحرك بأكثر من إتجاه. زرنا يارون ورميش ومجمل الخط الحدودي أكثر من مرة. وفي طريق عودتنا بعد إحدي الجولات تعرضنا للقصف. وفي المرة الأولي كنا الكاميرا العربية الوحيدة التي وصلت إلي يارون وهي قريبة جداً من بنت جبيل ومارون الراس. في هذه الرحلة إستغلينا ذهاب قافلة إلي يارون لإجلاء أهالي القرية من الذين يحملون جوازات سفر أمريكية وهم كثر جداً ورافقناها.

كيف يختار المراسل المكان الآمن للبث المباشر؟

المكان الوحيد الذي كنا نعتبره آمناً هو منطقة الإستراحة في صور لأنها تضم قوات من الأمم المتحدة والصليب الأحمر وحشداً من الصحافيين من مختلف أنحاء العالم. بحسب معرفتي أن الصحافيين الأجانب يبلغون سفاراتهم بأماكن تواجدهم وسفاراتهم تقوم بإتصالاتها. ومع ذلك كنا نسرق الوقت لفتح الدش وإجراء البث المباشر ومن ثم نهرب.

علمنا أن فريق الجزيرة في الجنوب تلقي تهديداً مباشراً فما هي صحة ذلك؟

بالنسبة لي والزميلة كاتيا ناصر والزميل سلطان سليمان من ال بي سي فإن الإذاعة المشرقية التابعة سابقاً لأنطوان لحد والتي تعمل في إسرائيل تحدثت عن هذا الثلاثي وما أسمته عربدتنا الإعلامية، وقالت أن لا بد للأحرار والشرفاء في هذا الوطن من أن يثأروا منا. لكن ذلك لا أعتبره تهديداً مباشراً كي لا نصنع من أنفسنا أبطالاً.

في الرسائل المباشرة من الجبهة كم تستند إلي التحليل وكم تستند إلي الوقائع؟

المهم بالنسبة لي أن يدرك المشاهد متي أقدم معلومات ومتي ألجأ إلي التحليل. كنت أضع الخبر في السياق الذي أشعره مفيداً للمشاهد. أزعم بأن المشاهد كان قادراً علي التمييز من خلال العبارات والمفردات. كنا في حرص شديد علي تقديم الوقائع. في مجزرة قانا علي سبيل المثال تحدثت عن 27 شهيدا وتبين لاحقاً أن الرقم صحيح. كما قلنا بوصول الإسرائيليين إلي وادي الحجير وفي الوقت نفسه كنا نتساءل عن معني هذا الوصول مادامت المقاومة لا تزال علي الحدود الأمر الذي سميناه إحتلالاً سياسياً.

ما هي الصورة المؤلمة التي لا يمكن أن تنساها عن هذه الحرب؟

إنها قانا من دون شك. كانت المرة الأولي التي أري فيها ضحايا بهذا الحجم وبهذا القرب. سبق وقيل لنا هنا تحت هذا المنزل يوجد 10 أشخاص أو أكثر لكن لم نكن لنشاهدهم بل كنا نشم رائحة الموت. في المنطقة حيث ذهبنا كانت رائحة الموت ترافقنا حتي عندما كنا نعود إلي مقرنا فهي لم تكن لتفارقنا. ربما ننسي الصورة لكن رائحة الموت كانت رفيقا دائماً في صور.

أقمت حوالي الثلاثة أسابيع في صور مع رائحة الموت ومأساة النازحين فمن أين كنت تستمد قوتك؟

صحيح أن المشهد كان مؤلماً لكنها حرب وقراري كان بتغطيتها كما كنا في حالة إستعداد من البداية بأنها ستكون حرباً قاسية. التسلح بالقوة كان ضرورياً كما أن الوضع الميداني شجعنا علي ذلك. عندما كنت في عيتا الشعب قيل لي دمرت القرية لكنهم عجزوا عن دخولها. الإسرائيليون تراجعوا تدريجياً عن أهدافهم من الحرب والمقاومة حققت أهدافها بالصمود. وإذا كان أحدنا جزءاً من هذه الحالة فهو يعرف أن فاتورة يتم دفعها وفي المقابل لها نتائجها.

هل تنازعتك الأفكار بأن تكون إلي جانب عائلتك وليس في قلب المعركة؟

حتي وإن زعلت زوجتي سأقول أن ذلك لم يراودني سوي لومضات. حجم المأساة جعلني أشعر بأني منخرط بهذه الحالة. وأن يكون أحدنا بعيداً عن عائلته فهو أسهل الأمور في الحرب. بالطبع إشتقت لطفلتي وعائلتي وخفت عليهم، لكن مشهد مجزرة قانا جعلني أنسي ذاتي.

هل شعرت بضغط من العائلة كي تعود؟

بصراحة كنت أضعف عندما أكلم والدتي وهي توصيني بالإهتمام بنفسي مترافقاً مع بكائها. لو قالت لي بأن أعود كان أسهل بالنسبة لي من بكائها الذي هزني.

أن تكون في الجنوب هل كان قراراً ذاتياً أم إدارياً؟

قرار ذاتي نابع عن رغبة ملحة. أنا إبن الجنوب حيث أقاربي وعائلتي ومنزلي. الصحافي يتبع الخبر في أيام السلم فكيف إذا كان هذا الخبر يعنيه ويمسه؟

الإعلاميات كنّ كثيرات في هذه المعركة فما هو رأيك المجرد بأدائهن؟

وجود المرأة في المعركة يترك أثره المعنوي علي الجميع لجهة التشجيع. وجودهن كان إيجابياً خاصة وأن أياً منهن لم تتحول إلي عقبة علي الزملاء. وأقول صراحة ماشاء الله علي الزميلات بشري عبد الصمد وكاتيا ناصر فهن كنّ أكثر إقداماً منا.

ما هي الذكريات التي ستحملها عن هذه الحرب لتخبرها لطفلتك عندما تكبر؟

الدنيا ظالمة وقاسية وفي الوقت نفسه يمكن هزم إسرائيل عندما تتوفر الإرادة. لأول مرة بحسب إعتقادي تخوض إسرائيل معركة حقيقية. دائماً كان يمهد الطيران الطريق أمام الدبابات. لو أرادت إسرائيل الدخول لفعلت بالمعني النسبي لميزان القوي، لكنها للمرة الأولي تجد نفسها في قتال فعلي حيث قصف عمقها وأحرقت دباباتها وسقطت طائراتها وأصيبت بوارجها وهي كانت بمواجهة من يقاتلها حتي الطلقة الأخيرة. نحن لم نر مقاتلين بل رأينا أثرهم فقط. إنها الصورة التي سوف أحملها عن هذه الحرب.

كنت أول من التقي مقاتلاً هل كان شعورك حياله شعور الإعلامي المجرد والموضوعي أم شعور المواطن اللبناني الذي يعتز به؟

قد يكون الشعور حيال لقائه ممزوجاً بين المهنية والمواطنية الصادقة. شاهدت أفراداً بإعتقادي أنهم كانوا في الظاهر عاجزين عن مواجهة قطة لجهة هدؤهم ووداعتهم، لكن علمت بأن هؤلاء كانوا يقاتلون إسرائيل. في لاوعينا صورة المقاتل تحمل القوة البدنية وهو ما تخيلنا مشاهدته علي الأرض. لكن المفاجأة أن اللقاء كان مع أفراد لا يمكن أن يقتلوا نملة. وهذا كان مدهشاً بالنسبة لنا.

وكيف إلتقيت المقاتل الذي ظهر علي قناة الجزيرة؟

كان ذلك بعد وقف إطلاق النار حيث سبق وطلبت من الهيئة الإعلامية في حزب الله هذا اللقاء وعندما وصلنا إلي عيتا الشعب تمت الموافقة حيث كان المقاتلون لا يزالون في أرض المعركة.

*القدس العربي-زهرة مرعي

التعليقات