قصة صدام حسين في مصر:كان يتجنب الحديث في السياسة ويتشاجر بالمقاهي

قصة صدام حسين في مصر:كان يتجنب الحديث في السياسة ويتشاجر بالمقاهي
غزة-دنيا الوطن

لا يزال حي الدقي الشهير بوسط القاهرة يحتفظ بذكرياته عن صدام حسين الذي عاش فيه ثلاث سنوات‏,‏ علي الرغم من أن أربعين عاما مرت علي وجوده هناك عندما جاء للقاهرة هاربا من ملاحقة أجهزة الأمن العراقية‏,‏ إثر قيامه بمحاولة اغتيال رئيس العراق آنذاك عبدالكريم قاسم‏,‏ واستغل صدام فترة لجوئه عام‏1960‏ حتي عام‏1973‏ لإكمال دراساته التي تركها قبل انضمامه للتنظيمات السرية لحزب البعث الذي كان في طور النشأة آنذاك‏,‏ فالتحق بمدرسة قصر النيل الثانوية التي تقع في قلب ميدان الدقي‏,‏ ثم التحق بعدها بكلية الحقوق جامعة القاهرة التي لاتبعد كثيرا عن حي الدقي الذي كان ومازال يعج بالدارسين العرب في هذه الجامعة العريقة‏.‏

وأكد أناس كثيرون أن شخصية صدام حسين لا تنسي‏,‏ وأنهم مازالوا يحتفظون بذكرياتهم معه‏,‏ لأنه كان من أشهر الطلاب العراقيين بسبب مشاغباته الكثيرة ووجوده علي رأس شلة كبيرة من العراقيين يظهر فيها كقائد‏,‏ فقد كانت شخصيته كما يتذكرون عنيفة جدا‏,‏ وفي الوقت نفسه يتميز بالكرم والعطف علي الآخرين‏,‏ فلا يرد من يطلب مساعدته‏,‏ ودائما ما يظهر قويا وجريئا‏,‏ لذلك هم لا يصدقون حتي الآن ما بدا عليه من ضعف واستسلام‏.‏

وقد كان صدام حسين دائم التردد علي مقهي إنديانا الشهير وسط ميدان الدقي‏,‏ ويتذكر بعض العاملين بالقهوة أنه كان أحيانا يحب الجلوس بمفرده علي الترابيزة رقم‏(4)‏ ليتناول قهوته ويقرأ في كتبه الدراسية‏,‏ وقد نشأت بينه وبين عم حنفي صاحب المقهي علاقة قوية‏,‏ فقد كان يرحب دائما بصدام عند مجيئه وينصحه بالابتعاد عن المشكلات والسياسة التي كان يتحدث في أمورها مع عم حنفي فقط‏,‏ وقد ظلت العلاقة وطيدة بينهما حتي بعد عودة صدام إلي العراق‏,‏ فقد كان يعطف عليه لعلمه بوجود ابنة له مريضة‏,‏ وكان كثيرا ما يرسل له نقودا وهدايا عن طريق السفارة‏,‏ ويعالج ابنته المريضة علي نفقته‏,‏ وكان عم حنفي الذي توفي قبل سنوات يردد دائما أن صدام حسين إنسان شهم وجدع‏.‏

ويتذكر العاملون بمقهي إنديانا أنه بعد تولي صدام حسين الحكم في العراق جاء إلي المقهي وتناول قهوته علي ترابيزته المفضلة وسدد ديونه للجرسونات ودفع بقشيش‏(500‏ دولار‏)‏ وترك بعض الهدايا‏.‏

ومن عادات صدام حسين اليومية داخل حي الدقي أنه كان يتناول طعامه في مطعم كبابجي الدقي‏,‏ وكان يعد له السندويتشات الحاج عبدالقادر الخولي الذي يبلغ من العمر‏80‏ عاما‏,‏ ويقول‏:‏ كنت أعامله كزبون عادي فلم أتوقع أنه رجل عسكري أو أنه سيكون له شأن يوما ما‏,‏ وكان طلبه لا يخرج عن ساندويتشات الإسكالوب والروزبيف في العيش الفينو‏,‏ فهو لا يحب الأرز أو الخضراوات‏,‏ وعندما كان يدخل المقهي يرسل لي الجرسون للإسراع بالطلب‏,‏ وفي أحيان كثيرة لم يكن يملك ثمن سندويتشاته‏,‏ فكان يؤجل الدفع لأيام‏,‏ لكنه كان حريصا علي سداد كل ديونه‏,‏ وعندما ترقي وتولي منصب رئيس العراق لم أره أبدا‏.‏

ويحكي عم محمد شرقاوي أشهر سمسار شقق في الدقي ومن أول المصريين الذين وطد معهم صدام علاقته‏:‏ كان صدام دائم القلق‏,‏ يحب تغيير مسكنه كثيرا‏,‏ وأول مرة رأيته قال لي‏:‏ أريد أن أسكن في مكان غير مشهور ومن الصعب الوصول إليه‏,‏ ولم أسأله عن السر علي الرغم من أنني يكنت أراه دائما مع أصدقاء كثيرين في المقهي‏.‏

وعندما وجدت له في البداية شقة في إحدي العمارات بجوار الميدان فرح بها وأعطاني السمسرة‏,‏ وبعد ساعات جاءني مرة أخري طالبا سكنا آخر ووجدته غاضبا فخشيت أن أسأله وأخذته إلي شقة بشارع النيل في الدور الثالث‏,‏ وكنت أعلم أنها شقة لا يحبها معظم الزبائن‏,‏ لكنني فوجئت به يشكرني وأعطاني حقي‏,‏ وهمس في أذني بألا أخطر أحدا بمكان سكنه الجديد‏.‏

وظل يقطن في هذه الشقة ما لا يقل عن سبعة أشهر ثم انتقل للمعيشة مع حيدر السامرائي في شارع سليمان جوهر في الدقي‏,‏ وجاءني مرة أخري لأجد له سكنا جديدا ووجدت له فيلا في المهندسين خلف نادي الصيد أعجبته جدا وكان إيجارها‏22‏ جنيها‏,‏ عاش بها لمدة عام ثم انتقل إلي الإسكندرية ليعيش هناك في شقة مع بعض زملائه إلي أن حدثت مشكلة كبيرة ومشادة مع زملائه انتهت بانتحار الخادمة‏,‏ وبعدها قال الرئيس جمال عبدالناصر‏:‏ إن مشكلاته كثيرة‏,‏ وقام بترحيله‏,‏ وهذا ما أكده أصدقاؤه العراقيون علي المقهي‏.‏

ويضيف عم شرقاوي أن العيب الوحيد في شخصية صدام هو اندفاعه القوي وشغبه الدائم‏,‏ فعندما تحول مقهي إنديانا إلي مطعم انتقلت جلساتهم إلي مقهي البداري في ميدان الدقي نفسه‏,‏ فكانوا يبدأون جلساتهم بالضحك وتحية القهوجي والموجودين ثم بعد ذلك وخلال دقائق من وصول صدام وجلوسه يتعاركون ويضربون بعضهم بالكراسي‏,‏ وعندما يسأل أحد عن السبب كان يتعرض للإهانات‏,‏ إلا أنه في ذات مرة حاولت التدخل فصدني طارق عزيز ونهرني فوجدت صدام يمنعه ويقول له بأنني رجل طيب لا أستحق ذلك‏,‏ وفوجئت به في اليوم التالي يصطحب صديقه طارق عزيز ليقدم لي الاعتذار‏.‏ ويؤكد عم شرقاوي أن بواب العمارة كان من المقربين جدا لصدام حسين‏,‏ لأن البواب كان لا يخبر أحدا بوجوده‏,‏ ما عدا أشخاصا معينين‏,‏ وبعدما رحل صدام حسين عن مصر كان يرسل أموالا إلي البواب‏,‏ كما أرسل له مبلغا من المال عندما أتي إلي القاهرة عام‏1989‏ لحضور القمة العربية‏,‏ وقد رحل البواب منذ عدة سنوات‏.‏

ويجمع السكان القدامي علي أن صدام حسين لم يكن له أصدقاء في الحي سوي اثنين‏,‏ الأول هو الصيدلي لويس وليم صاحب إحدي الصيدليات الشهيرة بالدقي‏,‏ فقد كان صدام دائم الجلوس في الصيدلية مع رفاقه‏,‏ وكان يذهب معه إلي البيت ويجلسان أوقاتا طويلة من الليل‏,‏ وظلت علاقته قائمة به حتي وقت قريب وسافر الصيدلي كثيرا إلي العراق لزيارة صدام‏,‏ وحينما وجدنا الدكتور لويس رفض التحدث عن ذكرياته مع صدام‏.‏

أما صديقه الثاني ويدعي محمد المصري فلم نعثر له علي أثر في حي الدقي‏.‏

ومن الأشخاص الذين تمتعوا بصداقة صدام حسين الحاج سيد الحلاق‏,‏ الذي يتميز زبائنه بأن معظمهم من العرب الدارسين في مصر‏,‏ وهو يقول عن صدام‏:‏ لم يظهر يوما أنه سيكون له شأن كبير‏,‏ لكنني كنت أشعر دائما أنه رجل عسكري‏,‏ فقد كان أنيقا يرتدي الزي العسكري دون نياشين وكان متواضعا يحلق عندي مقابل‏25‏ قرشا‏,‏ وحينما يكون مريضا يرسل لي وأذهب لأحلق له في منزله هو وأصدقائه ويدفع لي أجري وأكثر‏,‏ وكان صدام يحب الجلوس عندي خاصة في الأوقات التي لا يكون صديقه لويس موجودا‏,‏ وكان يطلب مني الجلوس أمام المحل ومعه أحمد حسن البكر الذي شاركه في الانقلاب البعثي ضد نظام الرئيس عبدالرحمن عارف‏,‏ وسبقه في رئاسة العراق‏,‏ وكان دائم الجلوس مع طارق عزيز ويطلب مني أن أذهب إلي منزل طارق عزيز لأحلق له لأنه لم يكن يعرفني‏,‏ وعرفني علي العديد من أصدقائه العراقيين الذين كنت أحلق لهم في بيوتهم‏.‏
*الاهرام

التعليقات