المذيعة أماني الهسي لدنيا الوطن : لقد أنعم الله علي بفقدان البصر واستطيع التمييز بين الالوان

المذيعة أماني الهسي لدنيا الوطن : لقد أنعم الله علي بفقدان البصر واستطيع التمييز بين الالوان
غزة-دنيا الوطن-تامر عبدالله

عندما ينزع البحر من موجه ملحه وعندما تعدم السماء زرقتها وعندما نصنع من خيوط العنكبوت جسراً وعندما يعود العمر للوراء وعندما يصنع الطير عشا على سطح الماء وعندما يصل الجن إلى السماوات العلى؛ لربما تقل عزيمة هذه الفتاة التي تحدت الظلم والظلمات فقهرت الظلم بعزيمتها وأنارت الظلمات ببصيرتها، إننا هنا نتحدث عن بنت فلسطين بالتحديد بنت مخيم الشاطئ أماني كامل محمد الاسى صاحبة العمر الربيعي 23 عام، لديها أختان وهما متزوجتان وستة أخوة، أحدهم متزوج.

أماني أكدت أنها لم تخف شيء عن دنيا الوطن حيث بدأت تستذكر معنا حياتها منذ اللحظات الأولى في صغرها قبل الإصابة وحتى الآن، ولأن تاريخها حافل بالإنجازات والمعجزات والطرائف كان لابد لنا أن نقف في محطات حتى لا تضيع علينا متعة الاستماع لتفاصيل حياة هذه المثابرة التي تسير على نهج أبي العلاء المعري وطه حسين وغيره من العظماء الذين صنعوا من الظلمات نورا تهتدي به أجيال قادمة.

قبل الإصابة :

شعرنا ونحن نحدث أماني عما هو قبل الإصابة بأنها تستذكر شيئا حاضرا وتصف لنا حياة مليئة بالسعادة وقهر الاحتلال فتقول "أذكر جمعة الأهل في حال فرض الاحتلال للطوق الأمني ومنع التجوال، حيث كانت تستغل العائلة ذلك الطوق بالجلوس في جماعة يتحدثون عما قبل النكبة وعن التراث الفلسطيني وعادات الشعب الفلسطيني، كم كانت جميلة روح المداعبة بيننا كي نخفف عن أنفسنا هذا الخناق الذي يفرضه الاحتلال كنا نضحك كأنما نقول للاحتلال لا يهمنا ما تفعل فنحن نصنع من المحن فرحة"، فجأة صمتت أماني وتوقعنا أنها تريد أن تقول شيئا مؤلما لكننا بكل الأحوال كنا نتحدث عما قبل الإصابة وبعد برهة من الزمن استجمعت أماني قواها وأكملت:" أنا أذكر قبل الإصابة مشهداً حاضراً أمامي في كل الميادين وهو لحظة استشهاد شاب أمامي أنا وبعض الأطفال وكان يستغيث بنا لكي نسعفه وبالطبع لم يكن بقدرتنا ذلك، هذه هي اللحظة الأصعب التي باستطاعتي أن أتذكرها في حياتي قبل الإصابة"، شعرنا أن أماني كادت أن تنهي الحديث -وكنا قد أبلغناها أننا نريد أن نعرف الجميل بحياتك- فقالت :" تريدون معرفة كل شيء جميل أليس كذلك؟".

بعد الإصابة :

انتقلت أماني فورا للحديث عما بعد الإصابة ونحن لم نتحدث عن ظروف الإصابة لأن كل من تابع أماني يعلم جيداً أنها أصيبت في عينيها عندما كانت تلهو بجانب البيت مع الأطفال إثر قنبلة ألقاها الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يعرف إلا القسوة وهوايته إبادة البراءة، بالفعل عاجلتنا أماني بالحديث كأنها لا تريد الحديث عن الإصابة :"عندما أفقت وأدركت أنني فقدت البصر شعرت أنني قدمت شيئاً للوطن ولو بجزء من حقه علي -على الرغم من صغر سني- فشعرت أن هذا واجبى في النضال"، لا نخفي عليكم أن أماني أدهشتنا بوصفها لهذه اللحظات حيث أنها وصفتها بأسعد لحظات حياتها قائلة :" لقد أنعم الله علي بفقدان البصر ولذلك مثلت هذه اللحظات أسعد لحظات حياتي وستمثلها إلى الأبد ولو عشت ملايين السنين"، وأخيرا ارتسمت البسمة العريضة على وجه هذه الفتاة عندما قالت :" والشيء الأجمل عندما وجدت جميع أهلي بجانبي وشعرت بحنانهم وكم أنا غالية بالنسبة لهم أيضاً شعرت بذلك التضامن الشعبي والأخوي من خلال بعض التنظيمات التي توجهت إلى في المشفى وبالذات تنظيم فتح الذي أرسلني إلى مشفى سان جون في القدس لمعالجتي"، وتعتبر أماني أن أهم فوائد الإصابة أنها غرست في نفسها روح المغامرة والتحدى أكثر فأكثر وتقول :" فلو أنني لم أفقد بصري لما غرست لدى الهواية سواء بالشعر أو الموسيقى أو الاطلاع السياسي" .

الكتابة ( برايل في أسبوع):

مما لا ريب فيه أن أماني بعد فقدها للبصر لابد لها أن تتعلم طريقة برايل حتى تستمر في حياتها العلمية، ولأننا سمعنا من قبل عن هذه الفتاة حققت رقم قياسي في تعلم البرايل تركنا لها الحديث لتتحدث عن هذا الموضوع ففصلت القول :" تخرجت من الصف الثالث الابتدائي أي كنت بطوري إلى التسع سنوات، ذهبت إلى مركز النور للمعاقين بصرياً، وقابلت المدير الذي رفض ترفيعي إلى الصف الرابع، بحجة أنني أحتاج لعام كامل كي أتعلم طريقة برايل، صُعقت بهذه العبارة، ولكنها أعطتني دفعة وإصرار كي أتعلمها بأسرع فترة ممكنة، ولو كان لديّ القدرة على أن أتعلمها بيوم لحفظتها؛ فالسنة التي ستفوتني ممكن أن أستفيد منها كثيراً فهي تخرجني من الجامعة، وهي ترفعني من الابتدائية للإعدادية أو من الإعدادية للثانوية، ولكنني فضلت أن تضيع سنة على أن أحرم من التعليم نهائياً، ومن أول يوم تعلمت فيه طريقة البرايل بدأت التعلم بنفسي لمدة أسبوع، وبعد الأسبوع قدمني الأستاذ عامر الطيب للأستاذ خالد السويسي حتى يعلمني الطريقة، وبدأ يختبرني في أول سبعة حروف عربية حيث طلب مني أن أكتبها بطريقة برايل وأن أكون عليها كلمات، فأخذت أكتب واستهلكت من الوقت تقريباً ساعة، ولكني لم أكتب السبعة حروف، بل كتبت الثمانية والعشرين حرفاً العربية، وجميع الحروف الإنجليزية، والأرقام العربية والإنجليزية، وكتبت كلمات على كل الحروف باللغة العربية والإنجليزية، فتساءل الأستاذ مندهشاً: "هل تعلمت برايل من قبل؟"، فأجبته لا، ولكن كلمة سنة أثرت بي جداً، وخلقت عندي روح المغامرة والتحدي لإثبات وجودي، وبالفعل شعرت أن عملي هذا هو أول إثبات وجود لشخصي، ولأنني قمت بهذا العمل الذي اعتبره أساتذتي خارقاً، يقول لي المدير كلما التقينا وحتى هذه اللحظة :"لك أمانة بعنقي؛ لأنني فعلاً أضعت عليك عاماً دراسياً"، وذلك لأنه لم يتوقع مني تعلم طريقة برايل في الكتابة بهذه السرعة.



الشعر :

لا يغفل أي منا عن أن أبي العلاء المعري وهو شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء كان كفيفا وهناك أشياء تحدث لنا يوميا أشبه بسيف له حدين ففي هذا تقول أماني :" الله هو المنعم الأول والأخير ولكن إصابتي كانت الملهم الأول للشعر فقد خلقت لدي حب الإبداع والإحساس القوي لأن الشاعر إذا أراد أن يكون شاعرا حقيقيا بمعنى الكلمة فإنه بالإضافة إلى موهبته يجب أن يتمتع بإحساس عميق وعالي جداً حتى يشعر بالآخرين فلا تكون تجربته لنفسه بالشعر بل يكون لديه الإحساس بالآخرين يسمع ويرى ويتحدث وينجذب لأشياء فيكتب لها".

لم تبدأ كتابات هذه الشاعرة بالشعر مباشرة فبعد الإصابة بسنة تقريباً كتبت مقالاً بعنوان الكفاح كان مطلعه (بكفاحي من دمائي النازفة من جراحي سوف أستل صباحي من الظلمات همة الساحة والصدر سلاحى) لفت هذا المقال انتباه الكثير من الناس وأولهم الأستاذ عامر الطيب الذي جذبه مقطع منه يقول "يا أيها الهاربون من الضياء النادبون على الضياء لا تذرفوا دمع التماسيح الغبية في البكاء واستبرؤوا أصفادكم أو انهضوا تحت اللواء"، تتذكر أماني حواراً مع أستاذها عامر الخطيب :"سألني لماذا اخترت (النادبون على الضياء) أهناك من يندب على الضياء؟ فأجبته نعم هناك الكثير من الناس تتستر خلف حجاب معين سواء كان الدين أو الوطن أو النضال لكن بداخلهم هم كاذببون فيحاولون قدر المستطاع أن يجهشوا بالبكاء لكن دموعهم كاذبة وربما يكون بكاؤهم ليس على الوطن بل على مصالحهم الشخصية، وأكملت إجابتي على السؤال بأنني قرأت جزءً آخر من المقال (وصهيل الخيل وصليل السيوف ما زال)" .

وترى أماني أن للندب على الضياء وجه آخر كأن يتحدث والد الشهيد مثلاً عن ابنه في كل الميادين للعديد من المرات ويعتبر أن هذا ترويجاً للشهيد , وبرأيها أن الشهيد يكفيه دمه أن يشهد له وتعقب : "هذه نقطة طالما وددت أن أنتقدها وأقول أن هذا الأمر لا يصح فالشهيد أسمى من الترويج .

شجع نجاح هذه الانطلاقة الأولى لأماني شجعها للانطلاق إلى "سفينة النضال" ولسفينة النضال نوقف تصفه لنا أماني ببراعة فتقول :" بالرغم من الإغلاق للبحر من قبل الاحتلال الإسرائيلي الظالم إلا أنني كنت أختلس الجلوس على شاطئ البحر لأن بيتنا يقع بجوار البحر، كنت أجلس على شاطئ البحر شعرت بصوت البحر وكم باستطاعته أن يمسك من الداخل وكم هو رائع ومع كل موجة الأفكار تتوسع أكثر فأكثر , في خضم هذا الشعور وهذا الموج الذي يضرب الصخر تزداد قوة ويجرحك من الداخل فهذه الأمواج التي لا تستريح أبدا ً ولا تتعب أبداً وهذه الأجواء من التحدي اليومي الذي نعيشه خرجت سفينة النضال كون السفينة الشراع الأول للبحر والنضال مثل الموج لا يتوقف" . نشرت هذه القصيدة في مجلة أسبوعية كانت تصدر داخل مركز النور وحينها لقبت أماني بالشاعرة الصغيرة وكان عمرها تقريباً عشر سنوات، تحفزت الشاعرة الصغيرة وتابعت دربها في مجال الشعر وخاصة الوطني منه حتى لقبت خلال دراستها للمرحلة الإعدادية بأم الأسير وأم الشهيد , ما عبد الطرق أمامها للمشاركة في معظم المهرجانات حيث كانت تتوجه لها إدارات المهرجانات دائماً بطلبها للمشاركة في هذه المهرجانات وهم على يقين بأنها ستبدع لأنها عشقت الشعر .

تستكمل أماني الحديث عن مسيرتها مع الشعر : "بعد المرحلة الثانوية انضممت إلى منتدى أمجاد وهو منتدى يرعى المواهب الشعرية وينميها ووفقت وبحمد الله وحصلت على المراتب الأولى في الشعر على مستوى قطاع غزة , ومن خلال تخصصي في الجامعة اللغة العربية بدأت أقرأ الكثير والكثير من الكتب ودواوين الشعر فازدادت ملكة الشعر لدى أكثر، وأنا اكتب الشعر الذي لم أعتاد مطلقاً على نظمه وفق أي بحر من بحور الشعر , أتفاجأ أنه عند المراجعة من قبل المتخصصين تجد القصيدة موزونة على بحر معين من بحور الشعر، ومن الجدير بالذكر أنني حتى اللحظة لم أقرأ أي بحر من بحور الشعر" .

الموسيقى :

هذه الفتاة التي كانت في صغرها صاحبة خيال واسع وتجذبها أقل الأشياء حتى لو كان حديث طفل فهو يجذبني بصوته، ساعدها هذا الإحساس القوى في حب الموسيقى الهادئة الرومانسية الكلاسيكية، أما البداية مع الموسيقى كانت من مركز النور حيث كانت هذه الفتاة الصغيرة تتجول في المركز بين الغرف و القاعات حيث كانت قاعة الموسيقى التي جذبتها جداً فتقول :" جذبتني كلمة موسيقى، ما هو معنى كلمة موسيقى؟، فأنا لم أكن أعرف معنى هذه الكلمة، ولكن عندما شعرت بالإصابة أدركت كم من الممكن للموسيقى أن تخرج الإنسان من جو الأحزان إلى أجواء الهدوء النفسي والإحساس الأعمق , أنا أحببت آلة الأكورديون لأنها صعبة بل هي الأصعب بعد العود , فهي تحتاج إلى تركيز عالي واحساس مرهف بالموسيقى فأنت تعزف وتنفخ في آن واحد ويجب أن يكون لديك القدرة على أن تجذب الناس إليك من خلال إبداعاتك على هذه الآلة".

دخلت أماني الغرفة وكان بها الأستاذ زياد القصبغلى -وهو الآن فنان فلسطيني معروف- حيث أعجبها الأكورديون أعجبني كثيراً فسألها الأستاذ "ما رأيك أن تتعلمي الموسيقى؟" وتقول أماني "أنعشني جداً هذا السؤال فقد كان الخطوة الأولى للنجاح وبالفعل علمني الأستاذ القصبهلى السلام الوطني على آلة الأكورديون فغمرني شعور بالفرحة العارمة لأنني وصلت أول خيط مع إصابتي فقد أصابني الاحتلال وعندها قدمت شيئاً لوطني وها أنا أعزف السلام الوطني الذي اعتبرته أول إنجاز في حياتي"، بدأت تعزف هذه الفنانة السلام الوطني في مهرجانات عديدة ومن خلال الإذاعة الصباحية لمركز النور وبعد ذلك تعلمت أشياء أخرى مثل أغنية هدية العيد لأم كلثوم ومن ثم أصبحت من خلال السمع تستطيع الآن أن تعزف أي مقطوعة أسمعها بشرط أن تكون الآلة شرقية، وانطلقت أماني من الأكورديون للأورج والإيقاع " الدرامز " الذي تعلمته بنفسها دون أي مساعدة .

ليس من الغريب أن يطغى على عزف أماني الألحان الوطنية حيث تقول أماني :"لا أستطيع أن أسمع أغنية وطنية دون أعزفها , ولكن الأغاني العاطفية إذا ما سمعتها وأنا في السيارة أو ما شابه ربما تستميلني فأعزفها ولكن ليس بقدر ما تجذبني الألحان الوطنية وأنا فعلاً أشعر بوطني بكل أحاسيسي حتى أنني لو سمعت شعراً وطنياً سرعان ما أذرف أدمع" .

أعمال المنزل (طرائف وغرائب):

إن جميع من يدخل بيت أماني بإمكانه أن يدرك فوراً إذا كانت موجودة أم لا، وذلك من خلال ترتيبها للبيت فأماني معروف عنها الدقة في ترتيب المنزل، بل أن غرفتها لا يمكن أن تجد بها شيء ليس في محله أو شيء مغبر، بل أنها تختلف عن الآخرين في شدة النظافة مع العلم أن أماني تمتلك غرفة لوحدها وذلك طبيعي لأن أختيها متزوجتين، وسنسرد لكم عدة أمور لا يمكن لكم أن تتخيلوا عندما تعرفونها أن أماني فاقدة للبصر فعلا .

الملابس وفرز الالوان

بالطبع تقوم هذه المعجزة بكل ما يمكن أن تتخيلونه مطلوباً داخل البيت من أعمال منزلية، وبالطبع من بينها الغسيل، فتقوم بفرز الألوان، وخاصة الأبيض، وتعليقا على الموضوع قالت أماني :"لا تسألني كيف أقوم بذلك! فأنا أمسك الملابس فأدرك فوراً أن هذا اللون أبيض أو غيره من الألوان"، ومن الطريف أن والدة أماني عادة ما تسألها :"من فرز لك الألوان؟"، فتجيب بأنها من فعل ذلك، وتقول أماني :" أمي عادة ما تقول لي ممازحة (بالتأكيد أنت مبصرة وتخدعينا!)، فأستذكر حينها الآية الكريمة (لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) صدق الله العظيم.

الزجاج:

أما قصة الزجاج هذه فهي لم تذهلنا فحسب بل أذهلت مصوري قناة الجزيرة عندما قامت قناة الجزيرة بتصوير أماني وهي تعد الشاي خلال القصة الإعلامية التي نشرتها قناة الجزيرة عن أماني، حينها أسقط المصور رف زجاج، وكان من الطبيعي أن تستخدم أماني شيئاً لكي تلملم الزجاج المكسور، ولكنها فاجأتهم بأنها جمعت الزجاج بيديها، وتقول أماني بهذا الخصوص :"أنا أتحدى إذا جمعت الزجاج المكسور في يوم من الأيام وجرحت يدي، فأنا أجمع الزجاج المكسور كأنني أجمع الرمل!!".

فطائر السبانخ:

بإرادة الله تستطيع أماني أيضا أن تعد فطائر السبانخ، وبمجرد أن تلمسها تدرك ما إذا كانت قد نضجت أم لا، بل أنها تتقن هذه المأكولات بشكل ممتاز، بشهادة الكثير من الناس، وتحدثنا أماني عن طرفة قائلة :" إنني في إحدى المرات كنت أعد الشاي على النار، وأردت في نفس الوقت أن اقلي فطائر السبانخ، فلم أجد طريقة إلا أن أستخدم الكهرباء بدلاً من الغاز الطبيعي واستغني عن الزيت، وبالفعل استخدمت الكهرباء، وكانت في أوساط العائلة كابتكار جديد، وذهلوا من الطعم الشهي عندما أكلوا من الفطائر على طريقة أماني!! بل بدأوا يتناقلون الطريقة الجديدة، ليس لأنها طريقة أماني فقط، بل لأنها أسرع وأشهى وأوفر، وبحمد الله فأنا أستطيع صنع المعجنات بطريقة جيدة".

كي الملابس:

لا نستطيع الحديث كثيرا عن هذه المعجزة فهي سابقة تركنا أماني تحدثكم بنفسها عنها :"هذه تحديداً هي نعمة من الله أنعمها عليّ، ولربما هي غريبة بعض الشيء، فأنا بحمد الله أستطيع أن أكوي الملابس كما لو أنها مكوية على البخار، فأبي لا يحب بالمطلق أن يكوي ملابسه أحد غيري فهو معجب بدقة الكي، بل إن البعض بمجرد أن يروا والدي يعرفون ما إذا كنت أنا التي قمت بكي ملابسه أم لا".

الحياة العملية:

تقول أماني عن مسيرتها العملية وخوضها في مجال المؤسسات والجمعيات الأهلية : " وأنا في الجامعة بدأت أنشط على الصعيد المؤسساتى حيث بدأت بالمشاركة مع جمعية حسام للأسرى والمحررين في اعتصامها الأسبوعي من أجل الإفراج عن الأسرى أمام مقر لجنة الصليب الأحمر الدولية ونشطت أيضاً في مجال جمعيات المرأة الفلسطينية حيث شاركت في العديد من فعاليات هذه الجمعيات , وعلى صعيد هوايتي فقد شاركت في جلسات منتدى إبحار الذي يهتم بالمواهب الشعرية والأدبية , وأنا حالياً عضو في العديد من الجمعيات والمؤسسات ما أهلني لتكوين صداقات مع الجاليات الفلسطينية في الدول العربية وفى الكثير من الدول الأجنبية فكم هو جميل هذا التواصل بين أبناء الدم الواحد", أما عن المحطة الأهم في حياة المذيعة أماني وهى المحطة التي حققت فيها ذاتها بمعنى الكلمة وهو عملها في "صوت عمال فلسطين" فبدايتها كانت عندما كانت تستمع لبرامج هذه الإذاعة وخاصة برنامجي " من أجل أسرانا البواسل" و "رحلة في نكبة شعب " و تقول أماني عن بداية رحلتها مع الإذاعة :"كنت أهاتف الإذاعة وأشارك بأشعاري في هذين البرنامجين فسمعنى مدير الإذاعة السيد رزق البيارى وأذكر أنه هاتفني بعد مرثية ألقيتها فى موجة مفتوحة عن الشهيد سامح الوحيدى وبالفعل حددنا موعد وكان برفقتي والدي حيث تعرف السيد رزق على قدراتي ومواهبي وحينها عرض على العمل فى الإذاعة , فوافقت دون أدنى تردد ولكنني بالرغم من ثقتي بنفسي إلا أن دخول مجال جديد كان له رهبة بداخلي ولكن إصراري كان هو الأمل في نجاحي" .

بعد أن تعرفنا على أماني الشاعرة والفنانة وتعرفنا عليها بالمنزل ازداد شوقنا لأن نتعرف على أماني المذيعة لذا التقينا بالأستاذ رزق البياري مدير إذاعة صوت عمال فلسطين الذي سرد لنا قصة تعيين أناني بالإذاعة : " قبل حوالي السنة والنصف في يوم استشهاد البطل سامح الوحيدي وكنا أطلقنا يوما خاصا من وازع واجبنا الإعلامي تجاه شهدائنا الأبرار فسمعت في تلك الموجة المفتوحة مرثية من أجمل ما يكون عبر أثير صوت العمال فسألت عن صاحبة هذه المرثية وعن الذي ألقاها وعندما علمت أن صاحبتها كفيفة تشجعت أكثر للاتصال بها والتعرف عليها وعلى قدراتها في الكتابة العالية وبالفعل حصل ذلك ودفعتني موهبتها بوضعها الخاص للسعي لاحتضانها من خلال الإذاعة لكي أثبت من خلال احتواء هذا النموذج الموهوب أن العاجز هو الذي لا ميلك القدرة على الإنجاز وليس الذي فقد عضو من أعضاء جسده".

اتحاد نقابات عمال فلسطين وإذاعة صوت عمال فلسطين يمثلان صوت الطبقة المطحونة والمسحوقة لذا كان لابد لهما أن يفعلا شيئا عمليا على أرض الواقع لا أن يكتفيا بالشعارات وأن يعطيا أماني فرصة ويقدماها للجمهور بل ويرعاناها حتى يدفعان باتجاه تعزيز ثقتها بنفسها وتعزيز إيمان الناس بأن من لديه إرادة فإنه يمكن أن يثبت نفسه ويحقق ذاته مهما كانت أهمية ما فقده.

يقول البياري :"في الحقيقة عندما استقبلت أماني رأيتها تتقدم بخطوات واثقة ولم تظهر أنها كفيفة أبدا ولم يخالجني أدنى شعور بأنها محبطة أو يائسة بل العكس بدت في منتهى الثقة بالنفس ودخلت مكتبي برفقة والدها الذي لم يكن يمسك بيدها إطلاقا ولجت إلى الغرفة كأنها تحفظ المكان عن ظهر قلب فهي لم تتخبط على الإطلاق بالجدران أو حتى تتلمسها بيدها، بالفعل شعرت أنني أمام نموذج فريد في مجتمعنا هذا وخاصة أنها فتاة وكفيفة إلا أنها تملك طموحاً عالية وفصاحة وبلاغة في قول بل أنها أيضا تتحصل على أعلى الدرجات في دراستها وتخصصها بالجامعة بالإضافة إلى موهبتها، كل ذلك دفعني للإسراع في فتح أبواب الإذاعة أمامها ولا نبالغ عندما نقول أنها لم تحتاج إلا أن نعرفها على سياسة الإذاعة وكيفية التعامل مع المايك , وانبهرت أكثر عندما استطاعت أماني أن تقتصر فترة تدريبها على الأمور الفنية والتعرف على آلية العمل" .

ويستطر السيد رزق حول اندهاش الكثير :"جاء هنا من وفود عمالية عربية ودولية وقد أبدوا دهشتهم بتصرفات هذه المعجزة وبالفعل أنا لا أستغرب هذه الدهشة فأنا أذكر جيداً أول مرة خرج بها صوت أماني على الهواء مباشرة عبر أثير صوت عمال فلسطين كان أول أيام عيد الفطر عام 2004م , وفى هذا اليوم تحديداً استثمرنا قدرتها أولاً الإلقاء ولغتها السليمة وأيضاً كونها تحفظ العديد من النصوص الشعرية . هذا ما حفزني مرة أخرى بان أعطيها فرصة أكبر من خلال برنامجين أحدهما يرعى المواهب وهو برنامج طيور على النافذة وبرنامج آخر يختص بالأطفال ويقدم الترفيه والإرشاد للأطفال وهو برنامج توتة توتة".

متميزة عن غيرها:

ويحدثنا مدير الإذاعة التي تعمل بها أماني الهسي عن إتقان أماني لعملها :"من باب اطمئناني ومتابعتي لسير العمل داخل الإذاعة فقد كنت في البداية متخوفاً من عدم انسجام بين أماني والهندسة الإذاعية أو على الأقل أن تكون الأمور صعبة قليلاً لذا سألت جميع مهندسي الصوت والمخرجين عن مدى تفاعل أماني مع الهندسة الإذاعية وما إذا كانوا يواجهون عوائق في التواصل معها داخل غرفة الأستوديو والمفاجأة هنا أن الجميع أكدوا أن التعامل مع أماني عملياً هو أفضل من التعامل مع كثير من المتدربات المبصرات حيث وصفوها بالدقيقة جداً والملتزمة بمواعيدها وأنها تتقن الكلام والصمت" .

طرفة :

لربما ليس من الغريب هذه الطرفة التي قصها لنا السيد البياري حيث يقول :"هناك موقف فربما يعد من قبيل الطرفة وهو إن ما دل فإنما يدل على دقة إحساس هذه الفتاة المرهف وكنت أجلس أنا ورئيس الاتحاد العام لنقابات فلسطين وأمين صندوق الاتحاد وفجأة انتبهنا لفتاة تدخل بسرعة شديدة إلى الأستوديو وبثواني معدودة تجلس على الكرسي وتضبط المايك وتضع على رأسها سماعة الأذن وحينها أدركت أن هذه المذيعة كانت تخاف من التأخير فهي ستقدم موجزاً للأنباء مع أنه لديها متسع من الوقت حوالي عشر دقائق فتساءل ضيفاي عن هذه الفتاة وسبب سرعتها بهذا الشكل وبحثت أنا ولم أجبهما بل اصطحبتهما إلى الهندسة الإذاعية وتركتهما ينظران بنفسيهما وحينها تساءلوا مرة أخرى لماذا هذه الفتاة تضع يديها أسفل الطاولة وتتلمس الورق بيدها فقلت لهما إنها الآن تقرأ بطريقة برايل ولن أقول لكما إنها لا تبصر لان بصيرتها حية" .

ويؤكد السيد رزق أن ضيفاه لم يذهلا فقط من أداء هذه المذيعة المتقن بل من سرعتها الشديدة وهى تدخل الأستوديو وتمسك بمقبض الباب مباشرة وتجلس على الكرسي المطلوب وتضبط المايك بنفسها دون أن تتخبط أو تلتطم بالحائط أو الباب . فالله در هذه المعجزة !!!.

حياتي الخاصة :

لم تكن أماني مذيعة تقليدية بل كانت تحتفظ بأرقام المتصلين والمشاركين المبدعين وتدعوهم بعدها إلى لقاءات أدبية خارج مجال الإذاعة فهي تميزت بالتواصل مع مستمعيها ولم تكن تعلم أن القدر يخبئ لها بثناياه من خلال هذا التواصل لقاءها بشريك حياتها , تقول أماني : " كان هناك متصل لفت انتباهي بمشاركاته بل لفت انتباهي باللقب الذي اختاره بمشاركاته وهو " رماح الوطن " ومنذ الوهلة الأولى شعرت بأن هناك قاسم مشترك وهو أنني أجزم أنه لا زال بالوطن رماح " . أثار هذا اللقب فضول أماني وبدأت تدعو رماح كسائر المبدعين للندوات الأدبية خارج الإذاعة ولكنها تفاجأت به وهو يقول لها : " إنني أود السفر إلى الضفة الغربية"، فأثار فضول أماني لماذا هذا المتفائل برماح الوطن يريد السفر؟، فتفاجأت بأن هذا الشخص على العكس من لقبه يكتنفه بعض اليأس وتقول أماني:" لذا قررت أن أكون بجانبه لكي يرى الحياة أجمل ولكنني لم يخطر ببالي أن يأتي لبيتي ويتقدم لخطبتي من أبي"، كان واضحا من حديث أماني أنها تكن لهذا الشخص كل الاحترام والمعزة ولكن أماني أيضا في هذه اختلفت في ردها بالموافقة حيث قالت له:" رماح أن لم عليك لشخصك وإنما هي رحلة بدأناها معا وسنبقى حتى النهاية"، هكذا بدأت أماني طورا جديدا بالحياة يملؤه أمل كبير وتفاؤل منقطع النظير يظهر في نضارة وجهها وابتسامتها العريضة.

التعليقات