النسوية وما بعد النسوية

النسوية وما بعد النسوية
مي نايف
كاتبة من قالونيا تعيش في غزة

في عصر العولمة وفضاءات الاتصال الالكتروني وبعد أن أصبحت النسوية موضوعاً من الموضوعات بالغة الأهمية في الثقافة الغربية الحديثة والمعاصرة سواء على المستوى النظري والأكاديمي أو على مستوى الحياة الاجتماعية والسياسية، تتسرب إلينا العديد من الأفكار من خلالها، ارتأى المجلس الأعلى للثقافة في العام 2002 و ضمن المشروع القومي للترجمة ترجمة كتاب من القطع الكبير صادر عن دار روتليدج للنشر بنيويورك تحت عنوان "النسوية وما بعد النسوية " في ما يقارب الـ (541 ) صفحة في العدد رقم ( 483) وهو من تأليف الكاتبة سارة جامبل وترجمة أحد الشامي ومراجعة هدى الصدة في أما غلافه فهو عبارة عن لوحة للفنان بيكاسو.
فالحاجة ماسة إلى سجل كامل للمناظرات الجدلية والانشقاقات ووجهات النظر المختلفة للنسوية، ولذلك يقدم الكتاب والذي جاء على شكل دراسات ومعجم نقدي رؤية عامة لتطور الحركة النسوية وهي حركة ليست أحادية صماء ولذلك لا يؤرخ لبدايتها بظهور الموجة النسوية الأولى في القرن التاسع عشر، بل يعود إلى ما قبل التاريخ ليناقش ما يمكن أن يسمى بالرؤية " النسوية" التي ولدت قبل ظهور خطاب تحرير المرأة بوقت طويل، ثم يلقي الضوء على الموجة النسوية الأولى والموجة النسوية الثانية ودور هذه المراحل المهمة في صياغة النسوية كما نعرفها اليوم، ثم ينتقل بعد ذلك إلى الجدل المعاصر الدائر حول " ما بعد النسوية " والآراء المتضاربة حول هذا التيار الجديد، إذ ليس من الصواب اعتبار ما بعد النسوية مؤشراً يدل على تشظي الحركة النسوية بلا رجعة.
ويتناول الكتاب أيضاً تأثير الأفكار والنظريات التي طرحتها النسوية على العديد من مكونات الحياة الثقافية، مثل الأدب والفلسفة والسينما والدين واللغة والتحليل والنفسي، و يعطي القاريء فكرة عن ملامح الجدل النسوي وآفاق تحرير المرأة في سياق العالم الثالث.
لقد حرر الكتاب دون أن يتضمن أي محاولة لتسوية الخلاف في وجهات النظر بين كاتباته أو التقريب بينها، خصوصاً في قسم المقالات، وذلك بقصد إتاحة الفرصة كما قالت المؤلفة لإبراز نقاط الاختلاف وإلقاء الضوء على التنوع الذي يعد سمة أساسية من سمات النسوية نفسها.
أما الجزء الثاني من الكتاب فهو قاموس نقدي يعرف القاريء بأبرز الشخصيات في مجال الفكر النسوي والدعوة إلى حقوق المرأة والكتابة النسوية والفنون الأدائية المختلفة المرتبطة بالنسوية، من مثل كاثي إيكر، ميشيل باريت، سيمون دى بفوار، ماري ديليكريستين دلفى، آندريا دوركين، كارولين هيلبران، جوليا كرستيفا، نعومي وولف، فيرجينيا وولف، وسوزان جوبار، إلى جانب بعض الشخصيات غير النسوية التي أثرت أعمالها تأثيراً ملحوظاً على النظرية النسوية، مثل لويس الثوزير وسيجموند فرويد وجاك لاكان وميشيل فوكو، كما يتضمن تعريفاً بالمصطلحات والمفاهيم الأساسية في الخطاب النسوي ويوضح مدى ارتباطها بالعديد من النظريات الأخرى مثل التحليل النفسي وما بعد البنيوية والتفكيك من مثل الأنوثة، والنسوية، والنسائية، الثقافة، الهوية، التنوير، الغيرية، الإيكولوجيا النسائية، الرغبة، الاختلاف، الصمت، اللذة، القمع، الآخر، التشيؤ، واللغة والكتابة النسائية. وقد ألحق بالترجمة كشاف ألف بائي بالمصطلحات والأعلام الواردة في ثنايا الكتاب حتى يسهل على القاريء التعرف على مقابلاتها الإنجليزية والرجوع إليها.
لقد امتد تأثير النسوية إلى ما وراء العالم الغربي ليصل إلى مختلف بقاع العالم، التي تتفاوت في درجة استقبالها وفهمها واستيعابها للأفكار النسوية وفي كيفية تخريجها بصورة جديدة تتلاءم مع خصوصيات المجتمعات والثقافات المستقبلة لها، ومن هنا جاءت أهمية الكتاب الذي لا يمكن الاستغناء عنه لكل من يهتم في مجالات النسوية. خاصة وأن موقفنا من النسوية ما زال موقف المتلقي، فلا بد من توسيع دائرة الإطلاع حتى نستطيع الانتقال إلى مرحلة التأثير والتأثر والتفاعل الإيجابي.

التعليقات