ملف بني اللون يعد ليلا لأوباما بأكثر المعلومات سرية في العالم

ملف بني اللون يعد ليلا لأوباما بأكثر المعلومات سرية في العالم
واشنطن: لورا بلومينفيلد *

* في جوف الليل وداخل مكان سري تقترب الأضواء الأمامية من طريق خالٍ، ويخرج عملاء حكوميون أميركيون من سيارة «إس يو في» مصفحة، يحملون حقيبة سوداء مغلقة. ويقول العملاء إلى المسؤول الاستخباراتي: «ها هي الحقيبة».. «ها هو المفتاح».. يدور المفتاح، وينزلق ملف جلدي بني اللون عليه علامة ذهبية كتب عليها «سري للغاية». ربما يكون التقرير اليومي الذي يُرفع إلى الرئيس (باراك أوباما) الملف الذي يحتوي على أكثر المعلومات سرية في العالم. وتحدث عملية تسليم التقرير اليومي الرئاسي في جوف الليل، ولا يُكشف تحديدا عن مكان ولا زمان ذلك، على الرغم من أن هناك مَن يشهد ذلك. ويحتوي التقرير على التهديدات الأكبر التي تقف أمام البلاد والمخاوف والاتجاهات الاستخباراتية، ويكتبه فريق داخل مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه). ويقول المسؤول الاستخباراتي بينما يتحرك داخل مبنى آمن ويفتح الملف: «هذا من أجل الرئيس».

ومع اقتراب الفجر، يقوم أصحاب التقارير الاستخباراتية بتوزيع أكثر من اثنتي عشرة نسخة مقفلة إلى مسؤولين داخل واشنطن يكونون مستيقظين ليلا، وهم عبارة عن مجموعة من المسؤولين البارزين كلفهم الرئيس الأميركي بحماية أمن البلاد: مدير وكالة الاستخبارات المركزية ليون بانيتا، ومستشار الأمن القومي الجنرال جيمس ليون، ووزير الدفاع روبرت غيتس، ووزيرة الأمن الداخلي جانيت نابوليتانو، والمحامي العام إريك هولدر، ومدير مركز مكافحة الإرهاب الوطني مايكل ليتر، ورئيس هيئة الأركان المشتركة مايك مولن، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي روبرت مولر، بالإضافة إلى آخرين.

وفي ضوء حربين تقاتل فيهما الولايات المتحدة وكثير من الأزمات في الخارج وتنامي الأنشطة الإرهابية داخل البلاد، لا ينام مسؤولو الأمن القومي في سلام. بل إنهم يقضون الليل مستيقظين، كما يمنحهم الليل فرصة للتفكير في أسباب التوتر لديهم وفي شكوكهم. ويقرأ هؤلاء المعلومات الاستخباراتية الأكثر سرية. ويتعقبون تفاصيل المؤامرات التي تبث مخاوف البلاد الرئيسية. ويوجد كل ذلك داخل الملف الجلدي البني اللون. وتكون الكتابة باللون الأسود على ورق أبيض عليها علامات حمراء ومظللة بلون أصفر، وتضم مجموعة من الأخطار المستترة. ويتم تجميع هذه المعلومات ليلا، ويبدأ ذلك كل يوم مع غروب الشمس.

* الساعة 8:40 مساء، على متن الطائرة في مهمة خاصة، قاعدة «أندروز آير فورس» تغيب الشمس، ويتحول النهار إلى ليل، وتسقط الأمطار، ويتأخر الموكب. «هل هم قادمون؟» يتساءل قائد الطائرة عبر جهاز الإرسال من داخل كابينة القيادة. وينساب دخان الطائرة «سي 40» الحكومية، التي كان من المقرر أن تقلع إلى إسلام آباد قبل 10 دقائق. ويصعد إلى الطائرة ليون بانيتا (مدير الاستخبارات المركزية) أولا، وقد بلله ماء المطر، مرتديا حذاء برقبة. ويتساءل بانيتا: «أين تريدونني؟» وينظر إلى الكابينة الضيقة. يشير بانيتا إلى أنه يذهب بالطائرة إلى الشرق الأوسط كثيرا «ودائما ما يكون جسدي في مكان ما فوق أيرلندا».

وفي هذه الليلة ينام مدير وكالة الاستخبارات المركزية مع مستشار الأمن القومي جيمس جونز على متن الطائرة «سي 40» ويشتركون في كرسي وسرير صغير ومرحاض به الكثير من «التيلينول». سيسافر الرجلان لمدة 16 ساعة، وبعد ذلك يشاركان في اجتماعات ليلية تناقش الشبكات الإرهابية داخل باكستان. ويقول بانيتا: «الضغط متزايد. ولا يمكننا النوم، مثل الصقر الليلي الذي يجب أن يبقى محلقا في السماء».

إن وكالة الاستخبارات المركزية هي في أحد أهم العمليات في تاريخ الوكالة. ويتعين على بانيتا التوقيع على عمليات في ليلتين أو ثلاث ليال أسبوعيا. ويقول بانيتا: «عندما كنت رئيس طاقم البيت الأبيض، كان يتصل بي بل كلينتون في منتصف الليل» للحديث. «ولكن في هذا العمل، عندما تأتيني مكالمة، فإن ذلك يعني قرار حياة أو موت».

«دكتور بانيتا!» بهذا صاح جونز وهو يصعد إلى الطائرة، ممسكا بهاتفه. «أحاول الاتصال بنظيري الروسي». يومئ بانيتا برأسه في تعاطف. «أجريت مكالمة مع ديان فينستين». يطلب منهما الطاقم الذهاب إلى كرسيهما. ويضبط جونز ساعته وفقا للتوقيت الباكستاني. ويُبقي بانيتا ساعته على توقيت ولايته، كاليفورنيا. ويقول جونز: «ما نقوم به، لا يحدث في التوقيت المعتاد»، حيث توقظه غرفة عمليات البيت الأبيض ليلتين أو ثلاث ليال أسبوعيا. «نعمل وفق توقيت مختلف».

ويجهز أحد مساعدي بانيتا مواد في 200 صفحة، بها خريطة عن المشهد الإرهابي داخل باكستان. ويتصل جونز بابنه، إذ يشعر بالقلق على زوجة ابنه الحامل التي تعاني من مضاعفات: «أنا راحل، أطلعني على أخبار بيث». وتغادر الطائرة، وتصدر أصواتا مرتفعة وهي تمر عبر سحب سوداء. حقا إن الطقس صعب، ولا يتوقع أحد أن تكون الليلة طيبة.

* الساعة 10:52، فندق «إنتركونتيننتال»، كنساس سيتي «طاب مساؤكم!» هكذا قال روبرت غيتس، في طريقه خارجا من القاعة إلى جناحه، وتوقف عند الغرفة 718، حيث يجرب أفراد من «آير فورس» خطوطا آمنة. وللاستعداد للإقامة داخل الفندق لليلة واحدة في كنساس، دفع الفريق 125 دولارا لإخراج الأثاث من الغرفة 718. وبعد ذلك وضعوا فيها 15 صندوقا بها أجهزة اتصالات. ووضعوا طبق استقبال بث عبر الأقمار الصناعية في الشرفة. ووضعوا مكان السرير خيمة لقراءة رسائل الكابل السرية للحماية حال وجود كاميرات تجسس. وعندما طرقت خادمة على الباب وسألت هل يمكنها ترتيب الوسائد قال أحد الشباب: «حسنا، يمكنك القيام بذلك».

يجب أن يكون وزير الدفاع متاحا طوال اليوم، حيث يقوم بنقل الأوامر من البيت الأبيض إلى البنتاغون في الوقت الذي تقاتل فيه القوات داخل مناطق مختلفة. وإذا كانت كوريا الشمالية تجرب سلاحا نوويا أو تقوم إيران باختبار صاروخ جديد، يجب أن يعرف غيتس فورا. «لا أشعر أني خارج نطاق العمل أبدا»، هكذا قال. وأضاف: «يوجد أفراد اتصالات وأفراد أمنيون أسفل منزلي». وإلى جوار غرفة نومه داخل المنزل، يتحدث داخل مساحة عازلة للصوت، يُطلق عليها «كهف الخفاش». يبتسم غيتس، وتبدو عليه قدراته في السيطرة على نفسه. لديه شعر أبيض أنيق، وشق في شفتيه، ولذا يستخدم «تشاب ستيك» (مرطب الشفتين). ولكن حتى هذا الوزير الواثق بنفسه تساوره الشكوك ليلا. وداخل المجمع الذي يقيم فيه داخل واشنطن، يرتدي الجينز وقبعة البيسبول، ويمشي بعد الساعة 11 مساء. ويحصي عدد كاميرات المراقبة التي تشاهده، وينظر إلى الظلام ويفكر في «التهديد المستمر. ما هي الأشياء الأخرى التي يمكن القيام بها؟ وما الذي ضاع منا؟».

«التهديد المادي الفعلي للأميركيين حاليا من الخارج، وفي الواقع، يُعد أسوأ مما كان عليه خلال الحرب الباردة. تحتاج إلى النظر في هذه المحاولات المتكررة لتفجير قنابل داخل أماكن سكنية. وأعتقد أنك إذا سألت أحدنا عما يجعلنا مستيقظين ليلا، ستجد أنه التفكير في احتمالية حصول عمل إرهابي بواسطة سلاح دمار شامل».

وبمجرد أن يستيقظ غيتس، يمشي أسفل شجرة بلوط يبلغ عمرها مائة عام ويقول: «أكون مشغولا بدرجة كبيرة عندما أعرف أن أولادنا في مكان ما، يُصاب البعض بجراح، ويموت آخرون، ويهاجم البعض منهم». «وأنا من أرسلهم إلى هناك». وبغض النظر عن المكان الذي يوجد فيه غيتس سواء داخل «كهف الخفاش» أو في كنساس سيتي، تصله تقارير القتلى في الميدان عبر بريد إلكتروني آمن أو تصل إلى الغرفة من خلال فاكس سري.

* الساعة 11:45 مساء، شقة جانيت نابوليتانو تقول جانيت نابوليتانو: «تتراكم الرسائل عبر الفاكس القديم»، وترفع يدها إلى الجهاز السري، وتخطف الورقة، وتصيح «يا إلهي». لا يمكن لوزيرة الأمن الداخلي الذهاب إلى النوم قبل أن تراجع الرسائل الواردة عبر فاكس سري، وتطلب من مساعدها إعادة إرسالها، وتغلي المياه من أجل كوب شاي. ركبت نابوليتانو، التي تحب الأوبرا، قبل ساعة عائدة إلى المنزل في موكب صحبته أضواء ساطعة. وتقول نابوليتانو: «يوجد يوم العمل المعتاد - الفصل الأول - يتضمن جلسات استماع داخل الكونغرس ومأدبات ومؤتمرات صحافية. ولكن تكون الدراما الحقيقية وراء الحجب، في ساعات غريبة جدا».

ويحاول الأمن الداخلي أخيرا تعزيز الجهود ضد التطرف الداخلي، مما وضع ضغوطا على حياة نابوليتانو الأسرية. وتعيش نابوليتانو وحدها داخل شقتها، ويوجد في الخارج عميلان من الخدمة السرية. ويكرر جهاز الرد الآلي رسائل من رئيس طاقمها. ويتصل راند بيرز، منسق مكافحة الإرهاب، بها على هاتف إلى جوار سريرها بينما تخطو ناحية خف رمادي اللون. تسأل نابوليتانو بيرز: «هل يوجد مشتبه فيهم أو أهداف؟ - سوف نتحدث إلى وكيل الوزير للتعرف على ما إذا كانت هناك معلومات استخباراتية عن ذلك». وتعد هذه المكالمات الليلية حول تحقيقات الإرهاب «شيئا عاديا» في العالم الغريب الذي تعيش فيه. يأتيها اتصال في الثانية صباحا عن تعديل قواعد السفر خارج البلاد داخل المطارات للإمساك بمشتبه فيه يهرب وعن اتصالات طارئة مع شرطة الخيالة الكندية الملكية. وخلال رحلة إلى آسيا، ضبط عضو كبير في فريق العمل التابع لنابوليتانو منبه جهاز «بلاكبيري» الخاص بها كي يرن كل ساعة طوال الليل، حتى يمكنه تصفح إخطارات البريد الإلكتروني. وكي تدخل في النوم و«لتهدئة عقلها» تقرأ نابوليتانو على السرير. وتقول إنه «في الكثير من الأحيان أقرأ، وأستيقظ لأجد الكتاب على وجهي». ولهذا، تضع جانبا كتاب «المسيحية: أول ثلاثة آلاف سنة»، الذي يأتي في 1184 صفحة، وتقول: «لا أريد أن أقرأ ذلك الكتاب قبل النوم، لأنه لو سقط على وجهي، سيكسر أنفي». ويعلو صوت شيء، إنها مياه الشاي تغلي. «سوف أتناول ذلك قبل أن تأتي الخدمة السرية». يعلو صوت الفاكس السري، إنها الوثيقة السرية. تقرأ نابوليتانو الوثيقة الجديدة، وتتناول الشاي الساخن.

* الساعة 12:01، مطبخ إريك هولدر «أريد شايا مثلجا!» هكذا قال هولدر. ثم يدخل إلى مطبخه. يتسم المحامي العام بالهدوء بشكل ملحوظ. في الساعة 11 مساء، يقوم هولدر بإغلاق الأنوار داخل الغرفة التي ينام فيها ابنه، ويزيل سماعات الأذن من أذن ابنته المراهقة. ونامت زوجته، وهي طبيبة نساء، في غرفة بالأعلى. يجلس هولدر حاليا على منضدة المطبخ، وينشر أوراقا قانونية على سطح غرانيتي مستدير، ويرفع قدميه لأعلى. وداخل مكتبه في وزارة العدل، يشغل أغاني «جاي زد» و«توباك».

وطوال النهار يتلقى هولدر دعوات إلى معالجات قانونية للإرهاب. ويقول: «لقد تم تسييس مقدار كبير من الأمن القومي. يوجد كثير من الكلام». ولا يمكنه التفكير براحته سوى في الليل «ما هو الشيء الأفضل للقضية؟ وما هو الشيء الأفضل للبلاد؟» وهنا، يتخذ قراراته الأصعب والأكثر إثارة للجدل. وفي الساعة الواحدة صباحا، وبعد تناول «تشيبس أهوي» يقرر هولدر أن معتقلا في قضية الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) يجب أن يُقدم للمحاكمة داخل نيويورك وأن المشتبه في ضلوعهم في الإرهاب يجب أن يحاكموا أمام محكمة فيدرالية. ويشعر هولدر بالتوتر فعليه أن يكون مستقلا مع الاستمرار كجزء من الإدارة.

يعد هولدر صديقا للرئيس، ولكنه المسؤول الرئيسي عن تطبيق القانون، ولذا يجب أن يبقى في معزل عن ذلك كله. يتبعه المساعدون داخل البيت الأبيض، ويواجهون المنتقدين داخل الكونغرس بما يحدث. في إحدى الليالي، قام هولدر بإغلاق الأضواء داخل المنزل، حتى في المطبخ، فيما عدا مصباح فوق المائدة المستديرة. وجلس وحده. «أحتاج إلى مكان ووقت أبعد فيه عن الآراء والأصوات الأخرى لأسمع صوتي وحدي».

* الساعة 12:35 غرفة العمليات في البيت الأبيض ضابط المناوبة لا يستطيع سماع نفسه، فخادمة في البيت الأبيض تقوم بعملية التنظيف بالمكنسة الكهربائية، فيضع الضابط إصبعه في أذنه ويضغط فمه في سماعة الهاتف الأصفر قائلا: «هل تستطيع أن توصلنا به الآن؟ هذه هي غرفة العمليات، ونحن نحاول أن نصل الجنرال جونز بنظيره الروسي»، يرد عليه ضابط الاتصالات على الطرف الآخر من الهاتف على متن طائرة جونز «سي 40» خلال توجهه إلى باكستان «نعم سيدي». كان مستشار الأمن القومي على ارتفاع 37 ألف قدم فوق المحيط الأطلسي برفقة ليون بانيتا مدير وكالة الاستخبارات وكان جونز قد استبدل زيه الأسود بسويتشيرت من نوع جورج تاون. وتفقد البريد الإلكتروني ليطمئن على حالة زوجة ابنه الحامل. التي قال له فيها ابنه «لم يولد الطفل بعد». هناك بعض التعقيدات وأبدى جونز قلقا بالغا. قبل أن يتمكن جونز من النوم كان بحاجة إلى الحديث مع مستشار السياسة الخارجية للكرملين، سيرجي بريخودكو، للمساعدة في التفاوض بشأن تطبيق إجراءات أكثر صرامة ضد البرنامج النووي الإيراني. ويحاول ضابط غرفة العمليات الذي يتعامل مع الاتصالات الآمنة للجناح الغربي من البيت الأبيض تحديد موقع بريخودكو المسافر إلى كييف. ما يميز جونز أنه دائم الاستعداد، فهذا الرجل ذو القامة الفارعة، 6 أقدام وأربع بوصات، الذي خدم في مشاة البحرية الأميركية يحمل كثيرا من النياشين والأوسمة ولا ينام سوى عدد قليل من الساعات. كان جونز قد علم بمولد ابنه وهو على قمة تل في كمبوديا خلال رياح موسمية عاصفة على لاسلكي الفرقة في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل. وعندما كان قائد القوات الموحدة في أوروبا كان يعلم أنه عندما يحل الظلام تحين الفرص. حتى عندما كان جونز صغير السن كان لا يخاف من الظلام، كان يخاف من روسيا. كان والداه يتحدثان بواقعية عن الستار الحديدي. وقال «أرعبتني كطفل، صورة ملايين الأفراد في السجن، خلف ما يدعونه بالستار الحديدي». والآن كمبعوث للرئيس يجد جونز نفسه في كثير من الليالي يتصل بموسكو، عاصمة الشبح الذي أرق نومه في طفولته. إذا كانت الحرب الباردة التي طالت شباب جونز بدت مخيفة، فيقول جونز واصفا هذه الحالة: «جعلني هذا العالم أكثر قلقا، فالتهديدات التي كنا نواجهها كانت متماثلة وأكثر تعقيدا». ومن ثم فهو يتصل طوال الوقت بأعداء قدامى للحديث بشأن تهديد جديد.

* الساعة الـ12:53 وتكاد تقترب من الثامنة صباحا في كييف ضابط المناوبة في البيت الأبيض يقدم تقريره «سكرتير بريخودكو يقول إن الأمر ربما يستغرق ساعة أو ساعتين للاتصال به»، وغمغم الضابط: «إن أفرادنا يستيقظون ويباشرون العمل في السادسة صباحا». على متن الطائرة «سي 40» سحب مدير وكالة الاستخبارات وسادة واستلقى على الأريكة وغطى جونز نفسه ببطانية ونام على كرسي. في البيت الأبيض قاموا بالاتصال بالهاتف الجوال مرة أخرى، الذي دق 12 مرة. وقال ضابط آخر يجب علي الذهاب إلى الفيديوكونفرانس الآمن الساعة الواحدة صباحا.

* الساعة الواحدة صباحا بقاعة مؤتمرات مركز عمليات مركز مكافحة الإرهاب بفيرجينيا.

يقول مسؤول الفيديوكونفرانس الآمن «دقيقة واحدة على الانطلاق». الفيديوكونفرانس الآمن الذي دعا إليه مركز مكافحة الإرهاب يمثل ذروة مناوبة واشنطن، حيث تظهر التغذيات الواردة من ستة عشر طابقا، تقوم بأعمال المراقبة، على شاشة كبيرة، يجلس قبالتها رجال وسيدات من وزارة الخارجية وحرس السواحل والقيادة الشمالية ومصادر أخرى تغطي الحائط بأكمله. قال المنظم، ضاغطا على زر على الميكروفون: «صباح الخير لكم جميعا، لدينا ثلاثة مواضيع من مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الفضاء والعلوم (ناسا) والثلاثة مواضيع عن الإرهاب. في كثير من الأحيان تدعو إحدى هذه التقارير إلى إيقاظ مايكل ليتر (41 عاما)، مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب. الذي يعرض نسخة من إعلان الاستقلال بجوار مجموعة صور أشبه ببطاقات البيسبول لشخصيات إرهابية بالغة القيمة للولايات المتحدة. وقال: «أنا أحتفظ بصور هؤلاء ذوي القيمة البارزة لنا. ربما تكون مروعة إلى حد ما، لكن ذلك سيعيش في داخلنا». وعندما يتصل المركز الوطني لمكافحة الإرهاب يكون دائما نصف نائم. قال ليتر في واحدة من الليالي، مشير إلى الغطاء الأزرق الموجود أسفل مروحة السقف: «السرير هو المكان الأسوأ بالنسبة لي، فعقلي دائما يواصل العمل حتى عند النوم». أنشأ المركز الوطني لمكافحة الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) لدمج المعلومات الاستخبارية وتقديم تقرير يومي حول التهديدات التي تواجه المصالح الأميركية وتصل إلى 15 تهديدا أو التهديدات الإرهابية الأوسع نطاقا خارج العراق وأفغانستان. وخلال المناوبة الليلية يراجع المحللون ما يقرب من 4000 تقرير. ومن بين كل الوظائف، يبدو أن المعلومات الاستخبارية لمكافحة الإرهاب هي الأكثر احتمالية لأنها تسبب للعاملين بها أرقا وهواجس مستمرة. فقبل استقالته في مايو (أيار) تحدث الأدميرال دنيس بلير، مدير الاستخبارات الوطنية السابق والأدميرال السابق في البحرية الأميركية، عن حلم كان لديه قبل سنوات خلال رئاسته لقيادة المحيط الهادي، ويقول الآن: «أنا أدير سفينة على الشاطئ وأجلس على الجسر وأراها قادمة. لكني لا أستطيع منع حدوث ذلك. أرى مقدمة السفينة والبحارة يموتون». كانت لدى ليتر، الذي عين في إدارة الرئيس بوش، أحلام قلقة منذ أحداث طائرة الكريسماس عندما فشلت وكالته في معرفة الرجل الذي حاول تفجير طائرة فوق ديترويت وقال: «في أحلامي يأتيني اتصال ليخبرني أحدهم بوقوع تفجير آخر. يا إلهي!». ويضيف: «أنا أسبب الفزع لمن حولي فأنا أوقظهم معي في السابعة والربع لأقول لهم إنني كنت أعاني من نوم سيئ الليلة الماضية، وأعتقد أن هناك خطبا ما». أرق ليتر دائم ويقول عن ذلك: «عقلي يواصل العمل وأنا نائم فالأفكار دائما ما تراودني».

* 3:42 صباحا الساحة الأمامية لمايك مولن لا صوت ولا حركة عدا ريشة المروحة التي تقطع الهواء الساكن كمروحية تطن فوق الأدميرال مايك مولن. بعد دقائق يومض الضوء في نافذة الطابق الثاني إيذانا ببدء رئيس هيئة الأركان يومه. فتح مولن بابه الأمامي في الرابعة وثلاث دقائق يرتدي سروالا قصيرا وحذاء وكانت عيناه لا تزال نصف مفتوحة وقال لحرسه الخاص «هيا بنا». يقول مولن على صالة الألعاب الرياضية الخاصة بالبحرية حيث يتناول البروتين ويرفع ثقلا بمقدار 255 باوندا ويقول مدربه «إنه أنشط رئيس على الإطلاق». لكن الجنرال يعرف أن كلمة الأفضل تعني ضرورة أن يكون صاحب السبق، بمعنى أن يدير الحرب الحالية وأن يتوقع القادمة. ومن أين ستشن الهجمة الإرهابية الأخرى؟ وقال: «اليمن تشكل قلقا كبيرا بالنسبة لنا، والصومال دولة فاشلة لكن علينا أن نحاول التركيز على باقي العالم أيضا. نحن لا نتوقع من أين تأتي مثل هذه الأمور في الحروب، فقدرتنا على التنبؤ لا تزال ضعيفة للغاية». نظرا لعمله كمستشار عسكري للرئيس يقوم مولن ببدء يومه المعتاد عبر القيادة إلى صالة الألعاب الرياضية عبر الضباب واستعراض العناوين الرئيسية في الصحف وقراءة البريد الإلكتروني الوارد من قادة القوات في العراق وأفغانستان. ويعلق النجوم الأربع على ياقته ويحزم حقائبه من الأوراق، كل ذلك قبل الساعة السادسة والنصف. على الرغم من حديثة عن توقع المستقبل، يعتبر مولن أحد محبي السهر وأحد الذين يميلون بشدة إلى استخلاص الدروس من الماضي. فهناك إنجيل على جهاز الميكروويف في مطبخه. ويلبس زيه العسكري. ويقول: «العدو الذي تواجهه أميركا قتل 3000، لكنهم يرغبون في قتل 30000 أو 300000، فهم بالخارج يحاولون. والأمر بالنسبة لهم لا يتعلق بدين، ولا الإسلام، بل هو نوع من الشرور لا يؤمنون بما نؤمن به. إنهم لا يقدرون الحضارة، ولا قيود على ما يستطيعون فعله لقتلنا».

* الموقع السري:

تتقرب الأضواء على الطريق الخافت، ويخرج عميل حكومي من سيارة يحمل حقيبة سوداء مغلقة، ويقترب منه عميل في الاستخبارات. «صباح الخير». يرد عليه العميل: «صباح الخير». يندمج الظلان للحظات، يقول عميل الاستخبارات مشيرا ناحية مبنى ذي نوافذ مظلمة: «في هذه المدينة لا يعلم أحد ما يجري». قاد العميل السيارة مبتعدا بعد أن سلم المظروف ذا اللون البني الذي كتب عليه باللون الذهبي «سري للغاية» الذي يمثل «التقارير اليومية السرية الموجزة التي تقدم للرئيس». يقوم ناقلو هذه التقارير بجولة في المدينة يوزعون نسخا على كل وزارة. فتتلقى هيلاري كلينتون التقارير الموجزة كل صباح فيما يتلقى روبرت مولر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي تقاريره اليومية، كما يقول «365 يوما في السنة حتى في العطلات وأعياد الكريسماس»، أما نابوليتانو فتقرأ تقاريرها مع أحد أكواب القهوة الأربعة التي تتناولها خلال فترة الصباح. فيما يستعرض هولدر تقاريره خلال موكبه إلى مكتبه. ويقول: «إذا قرأتها، ستدرك مدى حقيقة كثير من المنظمات الراغبة في إلحاق الضرر بنا، ولا أكون في الغالب في حالة جيدة عندما أصل إلى العمل». وينقر على النافذة ويقول إنها محصنة. وفي البيت الأبيض خارج المكتب البيضاوي يصل حامل التقارير ليسلم تقرير الرئيس، ويكون رام إيمانويل في انتظاره ومستشار مكافحة الإرهاب جون بيرنان، ومستشار الأمن القومي جونز. وبعد عودة جونز من باكستان وافقت روسيا على تشديد العقوبات على إيران، ووضعت زوجة ابن جونز مولودا ذكرا. قال الجنرال بهدوء: «ولد الطفل قبل موعده بعشرة أسابيع ووضع في المستشفى تحت رعاية مكثفة». يخرج الرئيس ليقول وهو يتناول بعضا من ثمار الفراولة «حسنا أيها الرفاق لنشرع في العمل». دخل الرجال التسعة إلى المكتب البيضاوي واتخذوا مواضعهم تحت أجنحة النسر الذي نحت في سقف الغرفة. جلس الرئيس أوباما ونائبه بايدن في المنتصف وجلس جونز على طاولة جانبية وجميعهم يحمل الغلاف البني الذي يتناول التهديدات والذي كتب في ظلام الليل. يشع الضوء في الصباح من حديقة الورود من الشرق والجنوب. وتدق الساعة التي صنعت من خشب الماهوجني بصوت عال، ويأخذ جونز نفسا عميقا ويسير بأنامله إلى حافة الغلاف. امتلأت الغرفة نورا، وقد عقد الرئيس رجليه وينظر إلى رجاله قائلا: «ما الذي حدث خلال الليل؟». شارك الباحثان أليس شاكر فيلد ولوسي شاكلفيلد في كتابة التقرير.

* «واشنطن بوست»

التعليقات