داء السكري.. بين الواقع والمأمول

داء السكري.. بين الواقع والمأمول
الطائف: د. عبد الحفيظ يحيى خوجة
مرض السكري من النوع الثاني (سكري الكبار) كان يعتبر في العقدين الماضيين نوعا نادر الحدوث لدى الأطفال واليافعين. أما الآن فقد أصبح يشكل مشكلة وهاجسا صحيا للمسؤولين في هذا المجال حيث ارتفعت الآن نسبة الإصابة به لديهم. ويشير كثير من الدراسات إلى أن نسبة الإصابة بالنوع الثاني من السكري لدى الأطفال واليافعين تزداد كلما زاد الوزن (السمنة) والعمر وأن الأطفال واليافعين المصابين بالنوع الثاني عادة ما يكون لديهم تاريخ عائلي للإصابة بالسمنة وداء السكري كما أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية دور العامل الوراثي تحذر منظمة الصحة العالمية من ازدياد مخاطر السمنة التي تؤدي إلى الإصابة بداء السكري وأمراض القلب والسرطان والوفيات المبكرة.

وأشارت بعض المصادر الصحية والدراسات الحديثة إلى أن السعودية قد وصلت إلى مستويات مرتفعة وخطيرة جدا في نسبة الإصابة سواء بالسمنة أو الأمراض التي تنتج عنها، وإلى أنها أصبحت ضمن الدول التي تقف على رأس هرم السمنة.

وقد شهدت مدينة الطائف فعاليات «مؤتمر السكري الوطني الرابع بالطائف» الذي أقيم تحت رعاية محافظ الطائف الأستاذ فهد بن معمر، واختتم يوم الأربعاء الماضي. وتناول المؤتمر آخر المستجدات في تشخيص وعلاج داء السكري إلى جانب مناقشة واقع انتشار المرض عالميا وعربيا ومحليا وطرق الوقاية ومكافحة السمنة وطرق التغذية الصحية. كما تطرق في جلساته العلمية إلى وسائل العلاج المأمولة مثل زراعة خلايا البنكرياس ومضخات الإنسولين.

وصرح لـ«صحتك» سكرتير اللجنة العلمية للمؤتمر الدكتور زكريا الدويك، استشاري الغدد الصماء والسكري في مستشفى الملك عبد العزيز التخصصي بالطائف، بأن المؤتمر ألقى الضوء على عبء مرض السكري والتحديات الهائلة التي يضعها على عاتق النظم الصحية والحكومات، كما بحث المبادرات الجديدة في تعزيز الصحة، وتقديم الرعاية الفاعلة.

وشارك في المؤتمر خبراء عالميون ونخبة متميزة من الاستشاريين والاختصاصيين في مجال السكري من المملكة.

السكري عالميا ومحليا

* وصرح الدكتور حميد السواط استشاري الغدد عند الأطفال والمشرف على المؤتمر بأن «الإصابة بمرض السكري انتشرت بشكل ملحوظ في العالم كافة وفي مجتمعنا السعودي خاصة»، وقد دلت بعض الدراسات المحلية على أن نسبة المصابين بداء السكري في السعودية تصل إلى ما يقارب 25%، وهي نسبة تعتبر عالية جدا.

وقد احتلت دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة الثانية على مستوى العالم، بينما كانت السعودية صاحبة المركز الثالث.

أما عالميا، فإن ما يقارب 149 مليونا يعانون من الإصابة بداء السكري، ويتوقع أن يزيد العدد إلى 344 مليونا عام 2025.

السكري ظاهرة عالمية

* يقول الدكتور خالد طيب، استشاري السكري ومدير مركز السكري بمستشفى النور بمكة المكرمة وأحد المتحدثين في المؤتمر: «من الثابت أن معدل أعمار الناس يزداد في جميع أنحاء العالم وفي الوقت نفسه تزداد الإصابة بداء السكري، كما أن معدلات انتشار داء السكري في السنوات الماضية تشير إلى ازدياد كبير، حيث بلغ معدل الإصابة 6.6% من عدد سكان العالم البالغين. وفي الوقت نفسه يلاحظ ازدياد في نسبة اختلال تحمل الجلوكوز إلى 7.9%، مما يمثل خطرا حقيقيا على الوضع الصحي في جميع أنحاء العالم.

وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن عدد الأشخاص الذين يعانون من مرض السكري في أفريقيا سوف يتضاعف في العقود القادمة، وسوف يحدث مثل ذلك في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكذلك في الدول الأوروبية، فمن المتوقع أن ترتفع نسبة انتشار المرض 10% وسيصبح العدد الإجمالي للمصابين أكثر من 66 مليون شخص. والحالة مشابهة في أميركا الشمالية مع نسبة انتشار لداء السكري تصل إلى 11.7%.

إن معظم الزيادة في عدد مرضى السكري تحدث في الدول النامية من العالم، وكان من بين أعلى 10 بلدان في انتشار مرض السكري 5 من دول الخليج (الإمارات والسعودية والبحرين والكويت وسلطنة عمان) ويمكن تفسير ذلك بالتحضر والنمو السريع في مستوى المعيشة وارتفاع النمو الاقتصادي في هذه الدول.

أنواع السكري

* النوع الأول، وهو ما يسمى بسكري الصغار يعتمد في علاجه على الإنسولين، ويصيب عادة الأطفال أو الشباب فجأة ومن دون وجود أسباب معروفة، ويحدث نتيجة نقص إفراز هرمون الإنسولين من غدة البنكرياس.

* النوع الثاني، وهو ما يسمى بسكري الكبار، وهو لا يعتمد علاجه على الإنسولين، ويظهر عادة في منتصف العمر خاصة عند الأشخاص ذوي الوزن الزائد.

* سكري الحمل، يظهر خلال فترة الحمل، وفي معظم الحالات يختفي المرض بعد الولادة، ويعتمد علاجه على الإنسولين.

الأطفال واليافعون و«سكري الكبار» يقول الدكتور عدنان الشيخ استشاري غدد صماء أطفال وأحد المتحدثين في المؤتمر، إن مرض السكري من النوع الثاني (سكري الكبار) كان يعتبر، في العقدين الماضيين، نوعا نادر الحدوث لدى الأطفال واليافعين، أما الآن فقد أصبح يشكل مشكلة وهاجسا صحيا للمسؤولين في هذا المجال حيث ارتفعت الآن نسبة الإصابة به لدى الأطفال واليافعين إلى 8 - 35%.

ويضيف أن السمنة أصبحت الآن وباء عالميا، فكثير من الدراسات تشير إلى أن نسبة الإصابة بالنوع الثاني من السكري لدى الأطفال واليافعين تزداد كلما زاد الوزن (السمنة) والعمر، وأن الأطفال واليافعين المصابين بالنوع الثاني عادة ما يكون لديهم تاريخ عائلي للإصابة بالسمنة وداء السكري، كما أن العامل الوراثي قد أثبتت دوره الدراسات والأبحاث العلمية.

ولعل من أهم الأسباب التي أدت إلى ارتفاع نسبة مرضى السكري في المملكة هو الارتفاع الشديد لنسبة الإصابة بالسمنة حيث بلغت أكثر من 25% لدى الرجال وتزيد على 30% بالنسبة للنساء. وفي دراسة حديثة وجد أن 80% من الأشخاص المصابين بداء السكري يكون عندهم زيادة في الوزن. لذا، فإن تخفيض الوزن مبكرا يعمل على تقليل الإصابة بمرض القلب وكذلك المضاعفات الأخرى المصاحبة لداء السكري مثل مقاومة الإنسولين وبالتالي التحكم في مستوى السكر في الدم.

هذا، وقد أوصت الجمعية الأميركية للسكري بعمل فحوصات للكشف المبكر عن السكري لكل طفل عمره أكثر من عشر سنوات وكان يعاني من زيادة في الوزن أو وجد لديه تاريخ عائلي للسكري، كما أوصت بإمكانية إعادة الفحوصات كل سنتين. وأضاف الدكتور عبد العزيز تويم استشاري الغدد عند الأطفال في الحرس الوطني بجدة أن سكري الأطفال واليافعين في حاجة إلى وجود فريق طبي متكامل من استشاري غدد واختصاصي تغذية علاجية ومثقف صحي، بالإضافة إلى الدعم النفسي للعائلة والمريض.

وأشارت الدكتورة بدرية البيروتي، استشارية الغدد في مستشفى الملك فهد بجدة، إلى أن هناك عددا من العوامل الأخرى، إلى جانب السمنة التي تعتبر عامل الخطورة الأكبر، تلعب دورا كبيرا في تفشي داء السكري، منها كثرة استهلاك المواد الدهنية والكربوهيدراتية، إضافة إلى قلة الحركة والرياضة. ومما يشكل خطرا على صحة المجتمع ازدياد نسبة الإصابة بالسمنة في شريحة الشباب وهي الفئة المنتجة في المجتمع مما يعوق نمو المجتمع وارتقاءه.

المضاعفات

* وصرح الدكتور خالد الربيعان، استشاري ومدير مركز السكري في جامعة الملك سعود، أن ارتفاع نسبة السكر في الدم يتسبب في مضاعفات تطال أعضاء الجسم كاملة مؤثرة على خلايا ووظائف أعضاء الجسم خاصة الأوعية الدموية، والقلب، والكلى، والعيون والأعصاب. كما أن الارتفاع أو الانخفاض المفاجئ في نسبة السكر في الدم قد يؤدي إلى الغيبوبة.

ويؤكد كثير من الدراسات أن مرض السكري هو ثالث سبب في العالم لفقدان الإبصار ويقدر أن 12% من المصابين بالعمى كان السكري السبب الرئيسي في إصابتهم.

الوقاية

* هناك كثير مما يمكن عمله للوقاية ليس من داء السكري فحسب، ولكن من كثير من الأمراض المزمنة، كأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم. ويأتي في مقدمة الخطوات، اتباع نمط حياة صحي؛ فقد أجمع الباحثون على أنه لا أحد يعرف حتى الآن كيف نمنع الإصابة بهذا المرض، ولكن يمكن أن نزيد من نسبة العيش والتعايش مع هذا المرض والتحكم فيه وذلك بمحاولة التحكم في نسبة السكر في الدم وعدم جعلها تزيد بنسبة مرتفعة.

وأكد الأستاذ عبد الرحمن المصيقر، رئيس المركز العربي للتغذية في مملكة البحرين، أن الغذاء المتوازن من أهم الخطوات للمحافظة على نسبة طبيعية للسكر في الدم، ويتم ذلك بواسطة المحافظة على نظام غذائي منتظم، خاصة عند الأشخاص الذين يستخدمون الإنسولين للعلاج، وتقليل الدهون في الطعام، خاصة المشبعة منها، الموجودة في الزبد والدهون الحيوانية والتعويض عنها باستخدام الزيوت النباتية، ثم تجنب السكريات البسيطة والموجودة في الحلويات والعسل والمشروبات الغازية، وينصح بالإكثار من الألياف والحبوب ومن الخضراوات، وأخيرا المحافظة على ممارسة الرياضة بانتظام ابتداء من 20 دقيقة 3 مرات في الأسبوع مع الزيادة في ذلك حسب المقدرة، ومنها المشي السريع، والتنس، والسباحة، والآيروبيك.

أمل جديد لمرضى السكري

* تحدث في المؤتمر الدكتور سعود السفري، استشاري الغدد الصماء ورئيس الأقسام الباطنية في مستشفى الهدا العسكري، حول الجديد في علاج السكري عند البالغين ودور العلاجات الحديثة المشابهة لهرمونات الأمعاء الدقيقة في خفض نسبة السكري عند ارتفاعه والخضاب السكري سواء عن طريق الحقن أو الفم.

واختتم البروفسور فؤاد قنديل رئيس مركز «الأمل» القومي للأبحاث في لوس أنجليس بالولايات المتحدة بالحديث عن المستجدات في تعديل بعض الجينات في الخلايا الجذعية التي تختص بأداء الإنسولين في البنكرياس، بالنسبة لداء السكري من النوع الأول. وتأتي الخلايا الجذعية من الجنين وتكون لها القدرة على أن تتطور إلى أي نوع من الخلايا في الجسم، وتعتبر تلك الخلايا أولية بحيث يمكن برمجتها إلى إنتاج الإنسولين وبالتالي يمكن زرعها في البنكرياس وهذا تطور جديد ومهم في علاج مرضى السكري من النوع الأول والثاني.

ومن أهم التوصيات التي تمخض عنها مؤتمر السكري الوطني الرابع بالطائف ما يلي:

- التركيز على زيادة الوعي والتثقيف لتجنب العوامل المؤدية إلى الإصابة بالسكري.

- نشر ثقافة العادات الصحية في التغذية والتقليل من تناول الدهون والوجبات السريعة والتقليل من شرب المشروبات الغازية بالإضافة إلى نشر ثقافة المشي.

- رفع مستوى العاملين والممارسين الصحيين وتزويدهم بالجديد في الوقاية والعلاج في داء السكري عن طريق الإكثار من المؤتمرات ووسائل التوعية المختلفة.

التعليقات