الرجل الثاني في مصر أثناء رحلة علاج مبارك

الرجل الثاني في مصر أثناء رحلة علاج مبارك
غزة-دنيا الوطن
مشهد استثنائي اتفقت عليه المعارضة والنخبة السياسية بالتوافق مع كل فئات الشعب المصري، من إسلاميين وليبراليين، خلال مرض الرئيس حسني مبارك والفترة التي يقضيها للعلاج في أحد مستشفيات ألمانيا بعد عملية جراحية في المرارة، وهو عدم استغلال ذلك في لهجة حواراتها عن تغيير نظام الحكم، والدعاء له بالشفاء والصحة.

لفت ذلك نظر الكاتب والمحلل السياسي المعروف عمرو حمزاوي فكتب منبهراً "برقي الوعي العام والثقافة السياسية لعموم الشعب المصري، فعلى الرغم من الاختلاف الحاد (والمشروع) حول توجهات وسياسات النظام، إلا أن معظم قيادات وأقلام المعارضة تسامت عن استغلال رحلة الرئيس مبارك العلاجية لأهداف سياسية. وهي في هذا عبرت عن إجماع شعبي رائع وأصيل يحترم قدسية المرض ويدعو اليوم للرئيس بالشفاء".

إلا أن السفارات الغربية في القاهرة ومراكز التحليلات السياسية الدولية ركّزت بصفة خاصة على خلفية غياب الرئيس عن مصر، ومعرفة اسم الرجل الثاني الذي يدير شؤون الحكم حالياً، هل هو الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء الذي كلفه مبارك بقرار جمهوري بتولي مهامه، أم رجل آخر يختفي وراء الصورة المعلنة.

لم تشهد مصر هذا الترقّب في فترة العلاج السابقة لمبارك في ألمانيا أيضاً عام 2004 والتي غاب فيها عن مصر لمدة 17 يوماً، عندما خضع لعملية جراحية في العمود الفقري.


عُمر سليمان.. الإمساك بزمام الأمور


رأت جريدة "الشروق" المصرية المستقلة أن شخصيات معينة كانت تحت المنظر والمتابعة خلال "غياب الرئيس الحالي" فقد يكون أحدهم الرجل الثاني الفعلي، أولهم اللواء عمر سليمان رئيس جهاز الأمن القومي (الاستخبارات) والذي يمسك بالملف الفلسطيني منذ عدة سنوات، وسبق تكليفه بمهام دبلوماسية رفيعة.

ويحظى سليمان بثقة مبارك، وكان له الفضل في إنقاذه من عملية اغتيال قامت بها الجماعات المتطرفة أثناء حضوره قمة إفريقية في العاصمة الإثيوبية "أديس أبابا" عام 1995 عندما أشار عليه بمصاحبة سيارة محصنة ضد الرصاص.

وتنقل عن دبلوماسي أجنبي أنه "رجل بالغ الأهمية في حكم الرئيس مبارك، ويحظى باحترام الشعب، وأتيحت لنا الفرصة للعمل معه، ونثق بأنه رجل ممسك بزمام الأمور".

ورغم وجود جمال مبارك رئيس لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم مع والده في رحلة العلاج، فإن الأنظار سلطت عليه أيضاً، فهو حتى هذه اللحظة المرشح لوراثة الحكم وفقاً لرؤية معارضي والده ودوائر سياسية محلية ودولية واسعة، مع أن الاثنين نفيا ذلك مراراً، وقال مبارك بحزم غير ذي مرة إن نظام الحكم في مصر جمهوري، لكن ذلك لم يمنع المعارضين من توقع ترشيح الحزب لنجله في أي انتخابات رئاسية قادمة، فلا يبدو الأمر توريثاً.

وتنقل الصحيفة نفسها عن دبلوماسي آخر قوله إن "جمال نجح وبصورة لا يجب التقليل منها خلال السنوات الماضية في طرح نفسه على الساحة الدولية بوصفه رجلاً سياسياً لديه أفكار إصلاحية ورغبة في التطوير السياسي والاقتصادي، وهو وجه مقبول دولياً في حال ما كانت لديه القدرة والدعم على إدارة دفة الأمور في دولة بالغة الأهمية مثل مصر".


حراك البرادعي والديمقراطية


لم يغب الدكتور محمد البرادعي، رئيس منظمة الطاقة الدولية السابق، عن دائرة الاهتمام، فقد أحدث حراكاً في الأسابيع الأخيرة بعد رجوعه إلى مصر وترشيحه من قبل فئة من المعارضين للمنافسة في الانتخابات المقبلة التي ستجري في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2011 وتشكيله "الجبهة الوطنية للتغيير" ومطالبته بتغيير الدستور لإتاحة انتخابات حرة وشفافة وعادلة.

ويرى دبلوماسيون أجانب أنه قادر على إنهاض دعاوى الديمقراطية وليس بالضرورة الوصول إلى الحكم لقرب الانتخابات وعدم كفابة الفترة المتبقية عليها لإدخال تعديلات على الدستور.

وحظي الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى بتسليط الأنظار أيضاً، فمازالت له شعبية ملحوظة، إلا أنه لم يتخذ موقفاً صريحاً من الترشح للرئاسة، وهو أحد رجالات نظام الحكم السابقين المؤثرين.

ووفقاً لنظرية الدكتور مصطفى الفقي، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشعب (البرلمان)، وأحد المقربين من الحكم بأن الرئيس القادم لابد ألا يكون عليه "فيتو" أمريكي، فإن موسى لا يملك ذلك. وتنسب "الشروق" لدوائر دبلوماسية أجنبية عاملة في مصر لم تسمها أن هناك "رفضاً إسرائيلياً قاطعاً تم إبلاغه للولايات المتحدة حول إمكانية وصول موسى للحكم بعد مبارك".

وتضيف "لنكن صرحاء، فقد أثار موسى حفيظة الأمريكيين خلال توليه وزارة الخارجية وأنتم تعلمون أنه غير محبوب في اسرائيل، وليس له الحق الدستوري للترشح، وأصبح خارج النظام، ولكننا نعلم أن شعبيته مازالت قوية، وأن له احتراماً في الشارع المصري".


خلو منصب نائب الرئيس


أما الدكتور محمود خليل فقد ركّز في "المصري اليوم" على خلو النظام السياسي من الرجل الثاني التقليدي منذ تولي مبارك للحكم عام 1981 والمتمثل في نائب رئيس الجمهورية الذي تم تصعيده رئيساً بعد رحيل كل من جمال عبدالناصر وأنور السادات. وبعد النص على اختيار الرئيس بالانتخاب وليس بالاستفتاء بتعديل المادة 76 من الدستور قبل انتخابات 2005 "أصبحت هناك قناعة لدى الساكنين في قلعة الحكم أننا لم نعد بحاجة إلى وجود نائب للرئيس".

وحسب خليل فإن العقود الثلاثة الماضية من حكم مبارك لم تخل من مجموعة أسماء تداولتها الألسنة كرجل ثانٍ بالرغم من عدم وجودها رسمياً في منصب النائب، وهذه مرشحة في حال خلو منصب الرئيس لسبب أو لآخر للتحرك بسهولة لملء الفراغ.
لكن بورصة تلك المجموعة تميزت بالصعود والهبوط خلال حكم مبارك، فقد صعدت أسماء واختفت أخرى برغم بروزها. وهنا تثار نقطة مهمة حول التعديل الذي جعل منصب الرئيس بالانتخاب مغفلاً منصب النائب تماماً.

وفي رأي محمود خليل أن الرجل الثاني ليس ضرورياً أن يكون داخل دائرة الضوء، فقد يفضل البقاء في الظل لفترات زمنية طويلة، في ظل طبيعة نظام الحكم الذي يخشى باستمرار من وضعية المنافسة، وأكبر خطأ يقع فيه أن يحلم بالوصول إلى دور الرجل الأول سريعاً، فيكفيه هذا الشعور الخفي أو المستتر بالثقة بأنه يدير الأوضاع ويسيطر عليها.

وعلى عكس ما يراه الكثيرون بأن جمال مبارك هو الرجل الثاني حالياً، يؤكد خليل، خطأ هذا الاعتماد في باطنه، "فالرجل الثاني ليس مجرد ظاهرة إعلامية تتبلور عبر تسليط الضوء على شخص معين وتسويقه سياسياً لدى أفراد الشعب، بل هو الرجل الذي يملك نسخة من مفاتيح الحكم في يديه، ويمتلك القدرة على النفاذ إلى الأدوات التي يمكن أن تتم من خلالها السيطرة على الحكم، وهي معلومة ومحددة لدى الجميع في تلك المؤسسات التي تمتلك المسدس والمعلومة! وآخر أداة يمكن الاستعانة بها في هذا الاتجاه هي الحزب السياسي".

ويرى أن الحزب الوطني (الحاكم) الذي أضعف أحزاب المعارضة وأضر بالمشهد السياسي الديمقراطي ككل، لا ترتبط فاعليته بالشارع قدر ما ترتبط باسم الرئيس مبارك. فالرئيس هو الذي اختار الحزب، أما الحزب فأعجز ما يكون عن تحديد اسم الرئيس.


اختفاء اسم نظيف


لم يرد اسم الدكتور أحمد نظيف – لأسباب غير مفهومة – ضمن دائرة تركيز عدسة الدبلوماسية الغربية رغم أنه فعلياً في الوقت الحالي – الرئيس المكلف – لحين عودة مبارك من رحلته العلاجية وانتهاء فترة النقاهة.

إلا أن بعض الصحافيين المشاغبين – على حد قول صحيفة الجمهورية شبه الرسمية – حاولوا استثارته أو دفعه للكلام بالقول إنه أصبح يتصرف في الدولة كأنه أصبح رئيساً للجمهورية بالفعل، لكنه لم يعلّق واستمر في ادارته لشؤون الدولة بلا ضجيج أو ظهوره بأنه وراء صدور قرار معين يهم الرأي العام مثل إلغاء سفر المنتخب الأولمبي للقدس والذي برره حسن صقر رئيس المجلس القومي للشباب والرياضة بأنه جاء بتعليمات عليا.

منتدى الشرق الأوسط East forum Middle كان قد تحدث عن بورصة الرجل الثاني في مصر في تقرير عام 2001 بأنها قفزت مع كل حدث مر به الرئيس، بدءاً من محاولة الاغتيال في أديس أبابا، ثم تعرّضه لهجوم بآلة حادة من أحد الاشخاص في مدينة بورسعيد الساحلية في التسعينات، وإجرائه جراحة في العمود الفقري في ألمانيا ولم يخرج عن الأشخاص المفترضين الحاليين، فيما عدا ورود اسم وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي الذي كان حينها عند كتابة التقرير مرشحاً أول، يليه عمر سليمان، وجمال مبارك.

الصحافة الغربية في مارس (آذار) 2010 أغفلت اسم طنطاوي لعدم وجوده ضمن المشهد الرئيس وكبر سنه نسبياً، لكنها أبقت على اسم سليمان كرجل قوي في الظل، وكذلك جمال مبارك وإن كان يحتاج لتأييد الأجهزة الأمنية الأكثر تحكماً في مصر.

ويقول المحلل السياسي المقيم بواشنطن علي يونس في حديث لـ"العربية.نت" إن الولايات المتحدة غير قلقة بالنسبة لمستقبل الحكم في مصر، فالنظام الحالي هو حليفها القوي، وسياسته واضحة المعالم بالنسبة لها، وتستقبل زيارات مستمرة لقادة من داخله، وكل منهم مؤهل لأن يكون الرجل الثاني الذي يحافظ على السياسة المصرية الخارجية الحالية تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل والخليج وإيران.

التعليقات